العلاقة بين باريس وطهران مهددة بالتفاقم بعد اعتقال سائح فرنسي

العاصمة الإيرانية طهران (إ.ب.أ)
العاصمة الإيرانية طهران (إ.ب.أ)
TT

العلاقة بين باريس وطهران مهددة بالتفاقم بعد اعتقال سائح فرنسي

العاصمة الإيرانية طهران (إ.ب.أ)
العاصمة الإيرانية طهران (إ.ب.أ)

ملف آخر سيفاقم توتر العلاقات بين باريس وطهران التي ولجت في الأسابيع الأخيرة منعطفاً جديداً عنوانه، من جهة، القبض في إيران على مواطن فرنسي منذ شهر مايو (أيار) الماضي، في منطقة صحراوية قريبة من الحدود الإيرانية - التركمانستانية، ومن جهة ثانية، تفاعلات البرنامج النووي الإيراني، وعميلة لي الذراع بين طهران والعواصم الغربية الأربع (واشنطن وباريس ولندن وبرلين).
اللافت أن باريس اختارت رسمياً الصمت المطلق بشأن القبض على «بنجامين»، السائح الفرنسي البالغ من العمر 35 عاماً. ولم يخرج نبأ اعتقاله إلى العلن إلا بعد غرد محاميه الإيراني، واسمه سعيد دهقان، أول من أمس، سارداً بعض التفاصيل التي تتناول تاريخ التوقيف ومكانه، ومعتبراً أنه تم «بطريقة غير قانونية» وأنه يواجه «اتهامات متناقضة وخاطئة».
والمحامي دهقان معروف فرنسياً، لأنه وكيل المواطنة الفرنسية - الإيرانية والباحثة الأكاديمية فريبا عادل خواه التي حكم عليها بالسجن، في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، خمس سنوات، بعد إدانتها المحكمة الثورية بتهمة «المس بالأمن القومي»، و«الدعاية ضد النظام».
وشكا دهقان من أنه لم يتمكن من الاطلاع على ملف الموقوف الأخير. وبعكس المعلومات التي تم تناقلها في باريس والقائلة إن بنجامين الذي كان يقوم برحلة سياحية في إيران على متن حافلة صغيرة من طراز «فان»، لم يكن يسير «درون» بل كان يحمل كاميرا صغيرة من طراز «غو برو» صغيرة الحجم يحملها الرياضيون ورجال الأمن.
خلال السنوات الماضية، درجت باريس على التستر على عمليات القبض على مواطنيها في إيران. وبحسب مصادر في باريس، فإن المسؤولين الفرنسيين يرون أن الضجيج الإعلامي «لا يساعد» على إخلاء سبيل الموقوفين، مفضلين عليه «التواصل الدبلوماسي البعيد عن الأضواء».
وتُعدّ باريس أن الضغوط العلنية على السلطات الإيرانية «من شأنها مفاقمة المشكلة وليس تسهيل حلها». وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية جان إيف لو دريان تجاهل تماماً القبض على «بنجامين»، في كلمته إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومقره جنيف، وركز على مصير فريبا عادلخواه، معتبراً أنها «رهينة» بيد إيران، داعياً إلى إطلاق سراحها نهائياً.
وأخرجت الأخيرة من سجن إيفين، وسمح لها بالعودة إلى منزل عائلتها في طهران لكنها منعت من الابتعاد عنه لأكثر من 300 متر، وفرض عليها ارتداء سوار إلكتروني يبين تنقلاتها.
واضح أن باريس كانت على اطلاع منذ زمن طويل على القبض على «بنجامين»، والدليل على ذلك أن بيان الخارجية الفرنسية، أول من أمس، يشير إلى تمتع الأخير بـ«الرعاية القنصلية» المنصوص عليها في اتفاقية فيينا لعام 1963، ومن ضمنها زيارته في سجن «وكيل آباد» القريب من مدينة «مشهد»، شمال شرقي إيران، والتواصل مع عائلته عبر السفارة الفرنسية في طهران، أو من خلال الخارجية في باريس.
لكن الوزارة المذكورة لم توفر أي تفاصيل عن ظروف الاعتقال أو عن الاتصالات القائمة بينها وبين الطرف الإيراني بشأنه.
ثمة قناعة راسخة في باريس قوامها أن توقيف السائح الفرنسي له هدفان متداخلان: الأول، التعبير عن مزاج السلطات الإيرانية وغيظها من السياسة المتبعة فرنسياً إزاءها في الأسابيع التي أعقبت انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، حيث ترى أن نهج باريس يبدو أكثر تشدداً من النهج الأميركي الجديد.
والثاني، استخدام الموقوف الجديد في عملية «مقايضة»، يرجح أن تكون إيران ساعية لها بعد الحكم المتشدد الذي صدر في مدينة أنتورب البلجيكية، الشهر الماضي، بحق أسد الله أسدي، «الدبلوماسي» في السفارة الإيرانية في فيينا، الذي حُكِم عليه بالسجن عشرين عاماً لمسؤوليته في تدبير محاولة اعتداء على تجمع للمعارضة الإيرانية في ضاحية فيلبانت الواقعة على مدخل باريس الشمالي، في 30 يونيو (حزيران) من عام 2019.
وتذكر المصادر الفرنسية أن رولان مارشال الذي أطلقته طهران في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، تم في إطار صفقة أفرجت باريس بموجبها عن المهندس الإيراني جلال روح الله نجاد، الذي كان معتقلاً جنوب فرنسا منذ عام بناء على طلب أميركي لاتهامه بالعمل على الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على طهران مقابل مارشال.
ورغم أن المحاكم وافقت على تسليمه إلى واشنطن، فإن الحكومة الفرنسية لم تستجب ما أفضى إلى عملية إطلاق سراح مزدوجة فرنسية - إيرانية. والظن أن مصير عادل خواه وبنجامين أصبح مرتبطاً بمصير أسد الله أسدي، علماً بأن طهران تروج أن الحكم المشدد على الأخير تم بدفع فرنسي.
ومؤخراً، عمدت طهران إلى الإفراج عن الجامعية مزدوجة الجنسية (أسترالية - بريطانية) كيلي مور جيلبرت التي ألقي القبض عليها في عام 2018، بتهمة القيام بأعمال تجسسية لصالح إسرائيل، مقابل إطلاق سراح ثلاثة إيرانيين مسجونين في تايلاند، منذ عام 2012 بتهمة محاولة اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين.
وتحتجز طهران ثلاثة أشخاص مزدوجي الجنسية الأميركية - الإيرانية أدينوا في طهران بتهمة «التجسس» لصالح الولايات المتحدة، و«التآمر» معها ضد إيران.
ومؤخراً، قال جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي، في مقابلة تلفزيونية، إن إدارة الرئيس بايدن تعتبر ملف الأميركيين المحتجزين في إيران «من أول الأولويات».
لا يمكن فصل هذا الملف عن الملف النووي الإيراني و«التباعد» بين باريس وطهران بشأنه، بعد أن كانت فرنسا من أشد المدافعين عن المحافظة عن اتفاق 2015، والأكثر انتقاداً لسياسة الرئيس الأميركي السابق. لكن الأمور تغيرت في الأسابيع الأخيرة إلى درجة أن صحيفة «طهران تايمز» اعتبرت أن الرئيس ماكرون تحول إلى «وريث» لسياسة ترمب إزاء إيران.
ويتضح تشدد باريس من تصريحات كبار مسؤوليها. فماكرون رأى أن إيران «لم تكن أبداً أقرب إلى امتلاك السلاح النووي مما هي عليه اليوم»، فيما اعتبر لو دريان أنها تسعى «لامتلاك قدرات نووية».
وبداية الأسبوع، عبر لو دريان عن «قلقه» إزاء تطور البرنامج النووي الإيراني، وجاء البيان الثلاثي الفرنسي - البريطاني - الألماني في 23 فبراير (شباط)، متضمناً تشديداً على «المخاطر» التي ينطوي عليها قرار طهران بالحد من مهمات مفتشي «الوكالة الدولية للطاقة النووية»، علماً بأن اتفاقاً تم يوم الأحد الماضي بين طهران ومدير الوكالة.
وفي السياق نفسه، جاءت الدعوة الفرنسية لتوسيع إطار التفاوض مع طهران لضم أطراف إقليمية، منها السعودية وإسرائيل، فضلاً عن جعل البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني وسياسة طهران التي تصفها برايس رسمياً بـ«المزعزعة للاستقرار» جزءاً من عملية التفاوض التي تدفع إليها باريس.
وثمة من يعرب في باريس عن «تخوفه» من «تساهل» أميركي في التعاطي مع طهران ما يذكر بموقف وزير الخارجية الأسبق لوران فابيوس في عام 2015، الذي كان الأكثر تشدداً في الشروط التي فرضت على طهران. وشددت مصادر فرنسية مؤخراً على أن المطلوب من طهران «توفير ضمانات لامتناعها عن الحصول على إمكانيات نووية إضافية. وبعدها يمكن الذهاب إلى مناقشات أوسع لأن اتفاق 2015 مهم ولكنه ليس كافياً». هكذا تتداخل المسائل ببعضها البعض وتزداد تشابكاً، بحيث يصبح من الصعب الفصل بينها، وبالتالي يتحول مصير الموقوفين إلى ورقة ضغط أو تفاوض.



أميركا تطلب من تركيا الضغط على «حماس» للقبول بوقف النار في غزة

فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)
فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)
TT

أميركا تطلب من تركيا الضغط على «حماس» للقبول بوقف النار في غزة

فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)
فيدان وبلينكن في تصريحات للصحافيين عقب انتهاء مباحثاتهما في أنقرة (الخارجية التركية)

طالبت الولايات المتحدة تركيا باستخدام نفوذها لجعل حركة «حماس» الفلسطينية تقبل مقترحاً لوقف إطلاق النار في غزة. وأكد البلدان اتفاقهما بشأن ضرورة العمل على تحقيق وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن.

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال مؤتمر صحافي مشترك قصير مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، عقب ختام مباحثاتهما في أنقرة (الجمعة): «اتفقنا على تحقيق وقف إطلاق النار بغزة في أسرع وقت ممكن»، لافتاً إلى الجهود التي تبذلها تركيا والولايات المتحدة والشركاء الآخرون في المنطقة من أجل وقف إطلاق النار.

وأضاف فيدان أن «إسرائيل تواصل قتل المدنيين في غزة، وتعمل على استمرار دوامة العنف في المنطقة، وقد اتفقنا على أن تعمل تركيا وأميركا جنباً إلى جنب مع الشركاء الآخرين للحد من العنف».

وتابع أن العنف المستمر في غزة، أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. وأعربت كل من تركيا وأميركا عن قلقهما إزاء الوضع.

جانب من مباحثات فيدان وبلينكن في أنقرة الجمعة (الخارجية التركية)

بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إنه رأى خلال الفترة الأخيرة «مؤشرات مشجّعة» على التقدّم نحو وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

وأضاف: «ناقشنا الوضع في غزة، والفرصة التي أراها للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار. وما رأيناه خلال الأسبوعين الماضيين هو مزيد من المؤشرات المشجّعة».

وطالب بلينكن تركيا باستخدام نفوذها كي ترد حركة «حماس» بالإيجاب على مقترح لوقف إطلاق النار، مضيفاً: «تحدثنا عن ضرورة أن ترد (حماس) بالإيجاب على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار؛ للمساهمة في إنهاء هذا الوضع، ونُقدِّر جداً الدور الذي تستطيع تركيا أن تلعبه من خلال استخدام صوتها لدى (حماس) في محاولة لإنجاز ذلك».

وكان بلينكن وصل إلى أنقرة، مساء الخميس، والتقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في مطار إسنبوغا بالعاصمة التركية، قبل أن يجري مباحثات مع نظيره هاكان فيدان استغرقت أكثر من ساعة بمقر وزارة الخارجية التركية، حيث ركّزت مباحثاته بشكل أساسي على الوضع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، والوضع في المنطقة وبشكل خاص التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

جانب من لقاء إردوغان وبلينكن بمطار إسنبوغا في أنقرة مساء الخميس (الرئاسة التركية)

وجاءت زيارة بلينكن لتركيا بعدما زار الأردن، الخميس، لإجراء مباحثات تتعلق بسوريا والوضع في غزة أيضاً.

وتبدي أميركا قلقاً من أن تؤدي التطورات الجديدة إلى مخاطر على أمن إسرائيل، وأن تجد جماعات إرهابية فرصة في التغيير الحادث بسوريا من أجل تهديد إسرائيل، التي سارعت إلى التوغل في الأراضي السورية (في الجولان المحتل) في انتهاك لاتفاقية فض الاشتباك الموقّعة عام 1974، وهو ما أدانته تركيا، في الوقت الذي عدّت فيه أميركا أن من حق إسرائيل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين نفسها ضد التهديدات المحتملة من سوريا.