الأهوار تكتسب ألواناً إضافية في لوحات ليلى كبة

زارتها واستلهمت منها رسومات معرضها الأخير في عمّان

احدى اللوحات الفنية
احدى اللوحات الفنية
TT

الأهوار تكتسب ألواناً إضافية في لوحات ليلى كبة

احدى اللوحات الفنية
احدى اللوحات الفنية

مثل ملايين العراقيين، حزمت ليلى كبة حقائبها ثم أعادت فتحها وترتيبها في أكثر من منزل وشقة وبلد. والبنت التي غادرت مسقط رأسها، للمرة الأولى، وهي في سن الثالثة عشرة، وجدت نفسها في مدرسة داخلية كأنها سجن معزول. ولم تكن تعرف أن رحلتها ستستمر وتحط في بلاد أخرى، مثل اليونان والإمارات والولايات المتحدة ولبنان. وهي اليوم رسامة لها رصيد طيب من المعارض الشخصية، وقد استقرت في بيروت حيث افتتحت صالة للعرض الفني في شارع الحمرا، تديرها بمساعدة ابنتها الشابة.
آخر معارضها كان في قاعة الأورفلي في العاصمة الأردنية. وفيه قدمت مجموعة من اللوحات التي اشتغلت عليها بدأب بعد زيارة قامت بها لمنطقة الأهوار في العراق. إنها المنطقة التي تَعذّب سكانها وعانت طبيعتها المائية البدائية الرائعة من شظف سنوات الحروب والتجفيف. وهناك اليوم اهتمام عالمي من «اليونيسكو» ومن ناشطين عراقيين لاستعادة الوجه الأصلي للأهوار والحفاظ على طيورها وثروتها السمكية والحيوانية وتشجيع صناعة زوارقها المميزة المسماة بالمشاحيف.
ليلى كبة نظرت إلى النخيل والقصب والمستنقعات بعين مسكونة بالعديد من المشاهدات في مناطق العالم. إنها تعرف كيف تلتقط المفردات الخاصة بالأهوار. وكيف تمزج ألوانها الثرية بتدرجات تستحضرها رؤية الفنان وخبرته وموهبته. والحقيقة أن ليلى هي رسامة طبيعة حية أكثر منها رسامة وجوه وجماد وطبيعة صامتة. كما أنها تمتلك مهارة تلوينية كبيرة، وصبراً على العناية بالتفاصيل وانعكاسات الضوء والتقاط ما وراء المشهد العادي. أي النفاد إلى ما وراء المرآة.
بعد تجربة اغترابها الأولى وهي مراهقة، عادت إلى بغداد لتكمل دراستها فيها، ثم رجعت إلى إنجلترا ونالت شهادة عليا في الفنون الجميلة. وقد قادتها الظروف، بعد ذلك، لأن تقيم في أبوظبي، أواخر سبعينات القرن الماضي، وكانت مناسبة لأن تقيم عدة معارض فردية ظهرت فيها تأثيرات البيئة الصحراوية. وهي تقول إنها تستفيد من أجواء البلاد التي تسكنها وتتأثر بها فنياً. وهذا ما حصل حين انتقلت مع عائلتها إلى اليونان، بعد ذلك، حيث ظهرت الأساطير الإغريقية في رسومها. بعدها أقامت في واشنطن، قبل أن ينتهي بها المطاف في بيروت مند 8 سنوات.
تأتي لوحات الأهوار امتداداً لمسيرة فنانة تختزن العراق في عينيها. ومن ذلك الخزين تستعير الألوان الزرقاء والخضراء والذهبية والفيروزية لتعيد تشكيل القباب وغابات النخيل وجرف دجلة وتبث الحياة في ماضٍ جميلٍ يستحق أن نعيد تشكيله بدل أن نذرف عليه الدموع. وقد كانت في الثامنة حين زارت معرضاً فنياً أقيم في بيت من بيوت في الأعظمية لمجموعة من الرواد، بينهم جواد سليم. ومنذ تلك التجربة شعرت بأنها تريد أن ترسم وأن ترى لوحاتها معلقة على الجدران. وساعدها أن والدها كان مهندساً، ترددت معه على منطقة المسيّب، قرب مدينة الحلة في بابل، بحثاً عن الفخار القديم. وهناك كان يحكي لها أن حضارات قديمة عظيمة مدفونة تحت تراب العراق. وهو ما ظهر في لوحاتها بعد سنوات، حيث اشتغلت على الرموز البابلية وعلى طبقات لونية تشفّ لتكشف عن إشارات وطلاسم مخفية. وهي ما زالت تعتبر أن تجربتها الأهم كانت عند التحاقها بكلية الفنون في مدينة «مانشستر» البريطانية. وهي كانت قد سجلت في «البوليتكنيك»، لكنها كرهت تلك الدراسة وانصرفت عنها منذ الأسبوع الأول. ولحسن حظها أقامت مع زميلة عراقية في بيت أستاذ الجامعة وعائلته. وكان يدرّس الفنون التشكيلية والهندسة المعمارية، وهو الذي شجعها على التقدم لاختبار كلية الفنون ونجحت فيه وصار الرسم حياتها.
تتكرر المرأة في أعمال ليلى كبة بأشكال متعددة. فهي البطلة أحياناً، أو الآلهة الأسطورية، أو السيدة العراقية التي تعاني من الحرب وسنوات الحصار. وهي كانت في واشنطن حين قصفت الطائرات الأميركية بغداد. وشعرت بأنها عاجزة عن أي نشاط سوى التنفيس عن حزنها بالرسم. لجأت إلى الكتب التاريخية وراجعت الحضارة السومرية وقرأت عن إلهة الخصب والحياة «إينانا» وبدأت ترسم أساطيرها لتستمد منها القوة والسلوى وتهرب من الواقع الحزين. وقد رسمتها بكل عظمتها حين كانت ملكة الكون، إلى أن تركت عرشها وهبطت إلى العالم السفلي وفقدت مركزها. لقد وجدت بينها وبين المرأة العراقية المعاصرة أوجه تشابه، حيث تراجعت معيشة النساء بسبب تأثير الحروب، وعرفن المعاناة بعد العز. وأحياناً كانت أشبه المرأة بالنخلة الرشيقة الشامخة، تميل بفعل العواصف لكنها تبقى ثابتة في موقعها. إن النخلة في لوحاتها هي رمز العراق.
في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن زيارتها للأهوار، قالت: «تجربة الأهوار لم تكن تنفس الهواء ورؤية الماء وتفاصيل الطبيعة، فحسب، تلك الطبيعة النادرة التي تحاول أن تتجاوب مع إعادتها إلى سابق عهدها، بل وضعتني في اتصال مع بعض السكان الذين عادوا وإن بشكل محدود إليها. وهناك من يقيم عند مشارفها، ويعاني من انقطاع الكهرباء والماء وغياب المدارس. رأيت صبياً يافعاً يلعب بالطين ويقوم بتشكيله على هيئة جاموس. قلت في سرّي إن هذا الولد يمكن أن يصبح نحاتاً مثل جواد سليم لو توفرت له الفرصة».



من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
TT

من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)

تكبُر أحلام الشاب اللبناني المهندس هشام الحسامي يوماً بعد يوم، فلا يتعب من اللحاق بها واقتناص الفرص ليُحقّقها. منذ نحو العام، أطلق إنجازه الأول في عالم التكنولوجيا، فقدّم سيارة «ليرة» الكهربائية العاملة بالطاقة الشمسية، لتكون المنتج النموذج لتأكيد قدرة اللبناني على الابتكار.

اليوم، يُطوّر قدراته مرّة أخرى، ويُقدّم أول تاكسي طائرة، «سكاي ليرة»، من صنع محلّي؛ تأتي ضمن سلسلة «ليرة» ومزوَّدة بـ8 محرّكات. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها أول طائرة من نوعها في العالم العربي مصنوعة محلّياً. فمعظم طائرات التاكسي في الإمارات العربية وغيرها، تُستَورد من الصين. رغبتُ من خلالها التأكيد على إبداعات اللبناني رغم الأزمات المتلاحقة، وآخرها الحرب».

يتمتّع هذا الابتكار بجميع شروط الأمان والسلامة العامة (هشام الحسامي)

أجرى الحسامي دراسات وبحوثاً ليطّلع بشكل وافٍ على كيفية ابتكار الطائرة التاكسي: «بحثتُ بدقّة وكوّنتُ فكرة كاملة عن هذا النوع من المركبات. خزّنتُ المعلومات لأطبّقها على ابتكاري المحلّي. واستطعتُ أن أقدّمها بأفضل جودة تُضاهي بمواصفاتها أي تاكسي طائرة في العالم».

صمّم ابتكاره ونفَّذه بمفرده: «موّلتها بنفسي، وهي تسير بسرعة 130 كيلومتراً في الساعة، كما تستطيع قَطْع مسافة 40 كيلومتراً من دون توقُّف».

يهدف ابتكاره إلى خلق مجال صناعي جديد في لبنان (هشام الحسامي)

لا يخاطر هشام الحسامي في إنجازه هذا، ويعدُّه آمناً مائة في المائة، مع مراعاته شروط السلامة العامة.

ويوضح: «حتى لو أُصيب أحد محرّكاتها بعطل طارئ، فإنها قادرة على إكمال طريقها مع المحرّكات الـ7 الأخرى. كما أنّ ميزتها تكمُن في قدرتها على الطيران بـ4 من هذه المحرّكات».

ولكن مَن هو المؤهَّل لقيادتها؟ يردّ: «قيادتها بسيطة وسهلة، ويستطيع أيٌّ كان القيام بهذه المَهمَّة. الأمر لا يقتصر على قبطان طائرة متخصّص، ويمكن لهذا الشخص أن يتعلّم كيفية قيادتها بدقائق».

يحاول هشام الحسامي اليوم تعزيز ابتكاره هذا بآخر يستطيع الطيران على نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس»: «سيكون أكثر تطوّراً من نوع (الأوتونومايس)، فيسهُل بذلك طيرانها نحو الموقع المرغوب في التوجُّه إليه مباشرة».

صورة لطائرة تاكسي أكثر تطوّراً ينوي تصميمها (هشام الحسامي)

صمّم المهندس اللبناني الطائرة التاكسي كي تتّسع لشخص واحد. ويوضح: «إنها نموذج أولي سيطرأ عليه التطوُّر لاحقاً. إمكاناتي المادية لم تسمح بالمزيد».

من المُنتَظر أن يعقد الحسامي اجتماعاً قريباً مع وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، جورج بوشيكيان، للتشاور في إمكان الترويج لهذا الابتكار، وعمّا إذا كانت ثمة فرصة لتسييره ضمن ترتيبات معيّنة تُشرف عليها الدولة؛ علماً بأنّ الطائرة التاكسي ستُطلَق مع بداية عام 2025.

أطلق هشام الحسامي عليها تسمية «سكاي ليرة»، أسوةً بسيارة «ليرة»، وأرفقها بصورة العلم اللبناني للإشارة إلى منشئها الأصلي: «إنها صناعة لبنانية بامتياز، فكان من البديهي أن أرفقها بالعَلَم».

وهل يتوقّع إقبال اللبنانيين على استخدامها؟ يجيب: «الوضع استثنائي، ومشروعات من هذا النوع تتطلّب دراسات وتخصيصَ خطّ طيران لتُحلِّق من خلاله؛ وهو أمر يبدو تطبيقه صعباً حالياً في لبنان. نصبو إلى لفت النظر لصناعتها وبيعها لدول أخرى. بذلك نستطيع الاستثمار في المشروع، وبالتالي رَفْع مداخيلنا وأرباحنا بكوننا دولة لبنانية»، مؤكداً: «من خلال هذا الابتكار، يمكن للبنان أن ينافس نوعَها عينه الرائج في العالم. فكلفة صناعتها تتراوح بين 250 و300 ألف دولار عالمياً، أما في لبنان، وبسبب محلّية صناعتها وتجميع قطعها، فكلفتها أقل. نستطيع بيعها بأسعار لا تزيد على 150 ألف دولار».

المواد الأولية لصناعة «الطائرة التاكسي» مؤمَّنة في لبنان. وحدها القطع الإلكترونية اللازمة تُستَورد من الخارج: «بذلك يكون بمقدورنا تصدير التكنولوجيا الخاصة بنا».