تمثل صحة الرجل هاجسا للكثير من الأوساط الطبية والمختصين، وقد أدى تراجع العمر الافتراضي للرجال وارتفاع مستويات الإصابة بالسرطان بينهم وكذلك المشكلات الجنسية الشائعة إلى خلق حالة من القلق بين المختصين في صحة الرجل دفعت إلى دعوات لإيجاد حلول دولية للمشكلات الصحية المتعلقة بالرجل.
- صحة الرجل
تحدث إلى «صحتك» البروفسور صالح بن صالح استشاري جراحة المسالك البولية وأمراض الذكورة والعقم في كلية الطب بجامعة الملك سعود والمستشفيات الجامعية - ورئيس الجمعية السعودية لصحة الرجل – موضحا أن (صحة الرجل) مصطلح ظهر كمبدأ علمي مستقل في التسعينات الميلادية، ومن أجله تأسس منتدى صحة الرجل في عام 1994 في المملكة المتحدة في الكلية الملكية للرعاية الصحية.
وعلى عكس المتوقع مع التقدم العلمي والتطور الطبي، فإن الإحصاءات تشير إلى أنه في كثير من الأحوال نجد أن صحة الرجال ليست بأفضل مما كان عليه الحال قبل 30 عاما، كما أن احتمال موت الرجال في حوادث السيارات يزيد ست مرات عما كان عليه سابقا، كما أن معدل الانتحار بين الرجال يعتبر أكبر بشكل كبير عن معدله بين النساء. وفي المقابل، تمتاز حركات التوعية حول أمراض النساء بكثرتها وتنوعها حول العالم، حيث توجد العديد من المؤسسات والجمعيات الصحية محليا وإقليميا ودوليا تُعنى بشكل كبير بصحة المرأة. لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بالرجل، فإننا نجد أن هذه الحركات والجمعيات إما منعدمة الوجود أو أن نشاطها أقل بكثير. ولهذا كان من الأهمية بمكان القيام بحملات مماثلة وإنشاء جمعيات متخصصة تعنى بصحة لرجل. وفي هذا الإطار، يفيد البروفيسور صالح بن صالح، أن العديد من الجمعيات العلمية قد أنشئت عالميا وهي تُعنى بصحة الرجل وتهدف إلى رفع وتعزيز درجة الوعي بهذا الشأن، وتمكين الرجال من الإحاطة بما يجب في هذا الجانب، والتحفيز كذلك على أهمية إدراك مشكلات الصحة الاستقلابية والإنجابية والجنسية مبكراً، وكذلك الكشف عن عوامل الخطورة المحيطة بالرجل بفعل الممارسات المعتادة يومياً. وتختص مثل هذه الجمعيات بالمواضيع التي تهم صحة الرجل بشكل مباشر، ومنها التهاب البروستاتا والكشف المبكر عن سرطان البروستاتا، وسلس البول عند الكبار، وأمراض الخصية والضعف الجنسي المرتبط ببعض الأمراض المزمنة الاستقلابية مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول والدهون في الدم والتدخين. كما تعنى بالجانب النفسي عند الرجال البالغين.
وتضم هذه الجمعيات العلمية فرق عمل متكاملة من الاستشاريين، والاختصاصيين من ذوي المؤهلات والخبرات التي تمكنهم من تقديم أفضل الخدمات.
- أمراض شائعة
أوضح البروفيسور صالح بن صالح أن هناك مجموعة من الأمراض لا تحدث إلا في الرجال، وللأسف لا يتم تشخيصها في الغالب إلا في وقت متأخر لا يساعد على العلاج والشفاء التام ومن هذه الأمراض السرطانات كسرطان البروستاتا والخصية، أمراض العصر كالسكري والضغط، الاضطرابات النفسية كالاكتئاب، مضاعفات التدخين، والضعف الجنسي. كما أن أمراض العصر تنتشر الآن، ومنها أمراض القلب والأوعية الدموية التي تصيب الرجل في عمر مبكر مقارنة بالمرأة، ومن ناحية أخرى فإنها تنتشر عنده بنسبة أعلى مما هي عليه عند النساء. ومثلها داء السكري الذي يصيب حوالي 24 في المائة من سكان المملكة. ويعاني كذلك 42 في المائة منهم من أمراض ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول في الدم. كما يعاني 36 في المائة من السكان من مختلف درجات السمنة والتي يتوقع أن تصل إلى 41 في المائة بحلول عام 2022.
- الصحة الجنسية
> الضعف الجنسي. أوضح البروفسور صالح بن صالح أن الضعف الجنسي ينتشر بين الرجال بنسبة تصل إلى 86 في المائة في مختلف مراحل العمر وخاصة بعد تعدي سن الستين، ويصل معدل الإنفاق على أدوية الضعف الجنسي إلى ما يزيد على 4.6 مليون ريال (للعام الفائت 2017). ويتسبب داء السكري في حوالي 50 في المائة من إجمالي عدد مرضي الضعف الجنسي من خلال تأثيره على إضعاف الأعصاب والشرايين وخصوصا شرايين العضو الذكري (القضيب) في الأعمار المتقدمة. أما أمراض ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول، فتعمل من خلال تسريع عملية تصلب الشرايين وضيق قطرها الفعلي، مما يضعف ضخ الدم في أنسجة القضيب فيضعف الانتصاب. وتعتبر السمنة ثاني أهم الأسباب العضوية والأكثر انتشارا بعد السكري في حدوث الضعف الجنسي عند الرجل، ويفسر ذلك بأن تكدس الخلايا الدهنية في محيط الخصر يقوم بإتلاف وإضعاف الهرمون الذكري وخفض مستوياته بالدم مما يؤدي إلى ضعف الرغبة والانتصاب.
ويتم العلاج دوائيا بعد أن حقق نجاحات كبيرة منذ اكتشافه وتستخدم مثبطات (PDE5) التي تعمل على زيادة تدفق الدم في الأنسجة الأسفنجية للقضيب، وهي أدوية آمنة إذا ما استعملت بالطريقة الطبية الصحيحة وبمتابعة طبية مباشرة. وحديثا، وجد أن استخدام هذه الأدوية بشكل يومي، في الحالات العضوية الشديدة، يكون أفضل من استعمالها عند الحاجة مثل عقار تادالافيل (HEROX) بجرعة منخفضة 5 ملغم تؤخذ يوميا مما يعطي المريض القدرة على الممارسة في أي وقت يرغبه. إضافة إلى ضرورة اتباع العادات الصحية جنبا إلى جنب مع العلاج مثل الامتناع عن التدخين ومراقبة الملح والدهنيات في الوجبات، وممارسة النشاط الرياضي يوميا كجزء من الروتين اليومي.
> سرطان البروستاتا. إن أكثر الحالات المشخصة من سرطان البروستاتا لدينا في المملكة، كما هو الحال في كثير من دول العالم، لا يتم اكتشافها إلا بشكل متأخر، ما يمنع محاصرة المرض والقضاء عليه في الوقت المناسب من المرحلة المبكرة. ويحدث سرطان البروستاتا بتكون خلايا غير طبيعية في هذه الغدة والتي توجد أسفل المثانة وتحيط بالإحليل في مكان خروجه منها. هذه الخلايا السرطانية تتضاعف كما هو الحال مع باقي أنواع الخلايا السرطانية وتكون الصعوبة في التشخيص المبكر لها خلال المرحلة الأولى من المرض. أما عن الأعراض المصاحبة لسرطان البروستاتا، فإنها لا تكون ظاهرة إلى أن يبدأ في الانتشار خلال فترة قد تطول وتأخذ عدة سنوات. ولهذا يسميه البعض بالقاتل الصامت. كما أن العديد من الأعراض المصاحبة لهذا المرض مثل الصعوبة في التبول، أو خروج البول بشكل متقطع، بالإضافة إلى ظهور الدم في البول أو في السائل المنوي تتشابه مع اضطرابات أخرى تصيب عادة غدة البروستاتا مثل التضخم الحميد أو الالتهابات البكتيرية. ويتراوح العلاج حسب مرحلة اكتشاف المرض من العلاج الهرموني إلى التدخل الجراحي.
- مشاكل واضطرابات
> الاضطرابات النفسية. إن الاكتئاب عند الرجل مشكلة عالمية خصوصاً من ناحية رفض الحديث عن الأمر أو الحصول على علاج. والاكتئاب الذكوري مرض مخفي لدرجة أن أقرب المقربين من الشخص لا يعرف أنه يعاني من هذا المرض. فالرجل قد يعاني من الاكتئاب من دون حزن مما يُصَعِّبُ من عملية التشخيص. كما أن أعراض الاكتئاب عند الرجل تتنوع بين القلق، عدم الشعور بالراحة جسدياً، اضطرابات النوم، قلة النشاط وانعدام الثقة بالنفس بالإضافة إلى الغضب والتوتر الدائمين. وقد تظهر هذه الأعراض على شكل آلام جسدية كالصداع وألم العضلات وألم الظهر وحتى عسر الهضم. ولقد وُجد أن حالات الانتحار بين الرجال تزيد مقارنة بالنساء.
> الإدمان على التدخين. كشفت تقارير منظمة الصحة العالمية عام 2013 أن هناك 6 ملايين مدخن في المملكة، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 10 ملايين مدخن عام 2020، وتحتل المملكة المرتبة الرابعة عالميا فيما يتم صرفه على التدخين وهدر ما يزيد على 12 مليار ريال كل عام على السجائر. ومن الأدلة التي لا جدال فيها على ازدياد مخاطر التدخين على المستوى الإقليمي، ما أكدته منظمة الصحة العالمية لإقليم الشرق الأوسط من أن التدخين بين الأطفال والمراهقين في الفئة العمرية 13 - 15 عاماً تجاوز نسبة 16 في المائة، وأن منتجات التبغ تقتل نحو خمسة ملايين شخص كل عام في العالم بمعدل 13.3 ألف يومياً... والأرقام في ازدياد مستمر.
أما الوفيات، فقد كشفت وزارة الشؤون البلدية والقروية في السعودية عن ارتفاع نسبة الوفيات لدى الذكور مقارنة بالإناث، حيث وصلت إلى 63 في المائة من حالات الوفاة في المملكة في عام 1436هـ، البالغة 45683 حالة، بحسب تقارير حالات الوفاة التي تم إبلاغ البلديات بها.
- استشاري طب المجتمع