أفلام الدورة الجديدة من مهرجان كان متعددة وثرية

مشهد من الفيلم السعودي «جود»
مشهد من الفيلم السعودي «جود»
TT

أفلام الدورة الجديدة من مهرجان كان متعددة وثرية

مشهد من الفيلم السعودي «جود»
مشهد من الفيلم السعودي «جود»

قبل يومين أدلى مدير مهرجان «كان» السينمائي تييري فريمو بتصريح لمجلة «لو فيلم فرنسيس» أعلن فيه إجراء تغييرات مهمّة كانت «الشرق الأوسط» قد أشارت إلى بعضها قبل بضعة أشهر، ومفاده أن المهرجان يبحث في الحد من صلاحيات الصحافة اليومية بدءاً من الدورة المقبلة التي تنطلق في الثامن من مايو (أيار) وحتى التاسع عشر منه.
ستحمل الدورة الرقم 71 وستكون حاشدة ككل الدورات السابقة وسيتمتع الحضور الإعلامي بنحو 3000 ناقد وصحافي وأقل من ذلك بقليل من المصوّرين الفوتوغرافيين. لكن العروض الصباحية، يؤكد فريمو، للأفلام المتسابقة ستتوقف.
جرت العادة أن يتم عرض فيلم مسابقة في الصباح الباكر كل يوم للصحافة اليومية (أساساً) وهو الفيلم الذي سيشهد عرضه الرسمي في الساعة السابعة مساءً. وأن يتم عرض فيلم المسابقة الثاني في العاشرة ليلاً وهو الفيلم الذي سيشهد عرضه الرسمي في اليوم التالي.
لكن ذلك المنوال، الذي يعترف فريمو بأنه لم يتغير منذ عدة عقود، كان يسمح للصحافة بمعرفة ماهية الفيلم الذي سيحضره نجوم الأفلام ومنتجوها ومخرجوها قبل ساعات طويلة من عروض أفلامهم الرسمية والكتابة عنه قبل الحفلة الرسمية.
هذا كان لا بأس به أيام كانت الصحافة الورقية المنفذ الوحيد المتاح للكتابة. أيامها، التي ما زالت في البال كونها قريبة، كان الناقد يعود ليلاً إلى غرفته ويكتب مقالته لليوم التالي حيث لن يتعارض صدور المقال النقدي مع موعد الحفلة الرسمية بل يليه.
لكن منذ أن انتشر نقاد الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بات سهلاً على من يريد أن يكتب رأيه في الفيلم قبل حفلته الرسمية وبذلك يسرق الوهج منه. المشكلة هي أن العديد من الكتابات سلبية ما يجعل طاقم الفيلم، وخصوصاً المنتجين والموزعين، غير مرتاحين لتقليد يجعلهم في الصف الخلفي من القرار وهم من خصّوا المهرجان بفيلمهم على أمل أن يتمتع بالشروط الضرورية لكلمة «برميير» ومعانيها.
«الطريقة التي سارت فيها الأمور»، يقول فريمو «كانت تحرم العرض الرسمي الأول للفيلم من حقه في أن يكون العرض الأول فعلياً. كان العرض الرابع بسبب تعدد العروض المسبقة للفيلم ذاته للصحافة في بعض الأحيان».
- أمن وإرهاق
الشكوى جاءت من المنتجين الذين وجدوا أن إعلام وسائل التواصل الاجتماعي يكشف أفلامهم قبل عروضها الرسمية مما يجعلهم يشعرون بأن حقوقهم اختُرقت. وفريمو يصارح من قابلهم بأن هذا لم يعد مقبولاً: «كان فيلم الافتتاح يأتي رابعاً بعد عروض الصحافة والصناعة والجمهور».
لكن هل كانت المسألة غامضة طوال العقود الماضية حتى تأخر إيجاد الحل المناسب؟
الترتيب الجديد سيقضي بإلغاء حفلة الصحافة الصباحية واستبدال حفلة في الساعة السابعة بها، الموعد المحدد للافتتاح الرسمي. الصحافة في صالة ديبوسي والحفل في الصالة الكبرى في وقت واحد. أما فيلم العاشرة فسيُحذف ويُعرض في اليوم التالي. ليس واضحاً إذا ما كان العرض الصحافي في اليوم التالي سيقع صباحاً باكراً أو قبل الظهر، لكن العرض الصباحي المبكر كان يبدو أقرب إلى عقاب منه إلى عرض مناسب، كون الناقد عليه أن يترك دارته في السابعة والنصف ليكون موجوداً في الثامنة في الصف خارج الصالة لكي يضمن مقعده المفضل، قبل السماح له ولأترابه بدخول الصالة.
- قصيدة سعودية
لكن ماذا نعرف عن الأفلام التي ستشترك؟
عادةً ما يتم الإعلان رسمياً عن الأفلام المشتركة في مؤتمر صحافي يعقده رئيس المهرجان لجانب مديره في الأسبوع قبل الأخير من يونيو (حزيران) المقبل. ما قبل ذلك تصدر تلميحات وتتوارد احتمالات بعضها يتبلور ليصبح مؤكداً وبعضها الآخر يتوارى لأسباب لا يتم الإفصاح عنها لأحد إلا إذا تبرّع بعض صانعي الفيلم بذلك.
لكن حتى على صعيد هذه الاحتمالات المبدئية (التي عادةً ما تصيب بنسبة تتجاوز الخمسين في المائة كما كان الحال عندما رصدنا هذه الاحتمالات قبل سنة) فإن الماثل أمامنا الآن متعدد وثريّ. والرقعة التي تمثلها تلك الأفلام المعروضة على لجنة الاختيار حالياً، تلك التي بدأت معاينة الأفلام المقدمة إليها منذ شهرين، عريضة تشمل أنحاء مختلفة من العالم.
في المستهل فيلم سعودي التمويل من إخراج الأسترالي أندرو لانكاستر. وليس التمويل وحده الذي يحمل الهوية السعودية بل الموضوع. عنوانه «جود» وكتب السيناريو كل من صافيا المري وحسام الحلوة اللذان استمدا الموضوع من فن القصيدة في فترة ما قبل الإسلام. وقام بإنتاجه عبد الله آل عياف الذي كان قد أخرج أفلاماً جيدة قصيرة شاهدها هذا الناقد تباعاً حين تحقيقها في العقد الأول من هذا القرن. هذا قبل أن تقل أعماله مخرجاً ليعود إليها بهذا الإنتاج الذي لا ريب يحمل، سواء دخل المسابقة أو لم يفعل، سمات فنية وجمالية مستوحاة من المادة التي يستلهمها الفيلم ومن جدية السينمائي آل عياف.
التونسي محمد بن عطية بعث بفيلمه الجديد «ولدي» للمعاينة. الفيلم يدور حول واقع قيام عدد كبير من الشباب العربي بالالتحاق بمحاربي الدولة الإسلامية (داعش). هنا نجد أباً يبحث عن ابنه الذي ترك تونس منضماً إلى الإرهاب. وكان المخرج التونسي الآخر رضا الباهي قد تناول في «زهرة حلب» حكاية تبدو، ونحن لم نرَ الفيلم الجديد بعد، مشابهةً حول أم (هند صبري) تترك تونس وتلحق بابنها إلى سوريا بحثاً عنه وفي محاولة لاسترداده من براثن الحرب.
وهناك فيلم تركي - فرنسي الإنتاج مقدّم باسم سوريا لكون موضوعه مصوّراً هناك، على الأقل، عنوانه «قماشي المفضل» (My Favourite Fabric) للمخرجة غايا جيجي وبطولة لفيف من الوجوه التركية (بينهم المخرجة ذاتها) والسورية (بينهم وسام فارس). لافتٌ هنا أن الفيلم لا يتناول الحقبة الحالية من الحياة الدمشقية بل تلك السابقة للحرب.
- فيلمان عن برغمن
من الحصاد العربي أيضاً قد نجد ماثلاً الفيلم الأول للمخرج المصري أبو بكر شوقي «يوم الدين». يدور حول قبطي أبرص وصبي أسمر يشتركان في رحلة تلفّ بهما مصر بكاملها بحثاً عن أسئلة وأشخاص وهويات الزمن والتاريخ. الفيلم من تمويل فرنسي قامت به شركة باسم «دُبلن»، تلك التي سبق لها أن حققت فيلم «بازوليني» الذي قام الأميركي آبل فيريرا بإخراجه وتم عرضه في مهرجان «فنيسيا» سنة 2014.
ومن فلسطين يقدم سامح زعبي فيلمه الكوميدي «تل أبيب تحترق» حول منتج فلسطيني يعمل على مشروع فيلم حول المخابرات الإسرائيلية يجد نفسه في ورطة معها.
والمخرج العراقي - الكردي هاينر سليم الذي سبق له أن قدّم في نطاق هذا المهرجان عدداً من أفلام المسابقة آخرها «أرضي العذبة» (2013) يعود بفيلم كوميدي من إنتاج فرنسي أيضاً عنوانه «من قتل لايدي وينسلي». هو أيضاً يوفر عدداً كبيراً من الممثلين الأتراك، كون الحكاية تقع فوق جزيرة تركية تشهد جريمة قتل.
لكن ما هو شبه مؤكد أن تركيا ستمثَّل رسمياً بفيلم تركي بالكامل عنوانه «شجرة الإجاص البري» وهذا لأن مخرجه ليس سوى نوري بيلج سيلان الذي اعتاد المهرجان استقبال أفلامه في المسابقة الرسمية.
هذا العام يُتوقع أن يكون الحضور الأوروبي كبيراً آتياً من نتاجات السينمات الفرنسية والإيطالية والإسبانية وتلك الواقعة في نطاق الدول الإسكندنافية لجانب دول أخرى مثل روسيا وأكرانيا والنمسا. سيكون رائعاً إذا ما شاهدنا فيلم الألمانية مرغريت فون تروتا الجديد «إنغمار برغمن: إرث تعريف العبقري». ولعل العنوان يفي بالموضوع الذي تتطرق إليه المخرجة في هذا العمل التسجيلي. وهناك في جدول لجنة الاختيار فيلم آخر عن برغمن عليها أن تعاينه هو «برغمن: سنة في حياة» للسويدية جين ماغنوسون.
النمساوي ماركوس شلاينزر كان جديداً قبل 6 أعوام عندما قدّم في المهرجان الفرنسي فيلمه الأول «مايكل»، والدلائل تشير إلى احتمال أن يدخل المسابقة بفيلمه الجديد «أنجيلو» ويدور حول صبي أفريقي مهاجر يبلغ من العمر 10 سنوات ويعمل خادماً في المحكمة في مدينة فيينا.
- عودة المخرج الممنوع
من إيطاليا قد نرى «هم» الذي يبدو آيلاً إلى دخول المسابقة بكل تأكيد. إن لم يكن بسبب اسم مخرجه اللامع، باولو سورنتينو، صاحب «الجمال العظيم» و«شباب»، وكلاهما من عروض المهرجان ذاته، فبسبب موضوعه اللاذع، إذ يدور حول حياة السياسي المعروف سيلفيو برلسكوني (يقوم به توني سرفيللو).
صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية تحدثت بإعجاب عن فيلم إيطالي آخر بعنوان «دوغمان»، جديد ماتيو غاروني ووصفته بأنه دراما اجتماعية تتمحور حول الانتقام.
من المجر هناك عودة محتملة للمخرج لازلو نيميس الذي سبق ونال الكثير من المدح والجوائز عندما عرض في المهرجان الفرنسي فيلمه الأول «ابن شاوول» قبل 3 أعوام. هذه المرّة لديه فيلم بعيد عن موضوع الهولوكوست، الذي انتمى إليه ذلك الفيلم، عنوانه «غروب» ويدور عن فتاة شابة تواجه متاعب حادة في مستهل الحرب العالمية الأولى.
مَن تابع السينما الإسكندنافية في الأعوام القليلة الماضية يدرك أنها باتت تأتي في المقدمة بين الدول الحريصة على مستويات فنية طموحة، والتي تنتقل أعمالها بين المهرجانات الأولى حول العالم. هذا العام لدينا فيلمان من الدنمارك يتنافسان على استحواذ الوجود في جدول المسابقة؛ أحدهما للمخرج لارس فون تراير الذي كان قد حُرم من الاشتراك في المهرجان بعدما ذكر في لقائه مع الصحافة قبل 5 سنوات، إعجابه بهتلر. عودة تراير إذا تمّت (والمرجح أنها ستتم لكون تييري فريمو يرغب في عودة المخرج إلى لمهرجان) ستكون عبر فيلم تشويقي بعنوان «المنزل الذي بناه جاك» ومن بطولة ممثل أميركي جيّد قلّما وافته الحظوظ المناسبة مؤخراً هو مات ديون. وتشاركه أوما ثورمان البطولة.
السويد، التي خطفت السعفة الذهبية العام الماضي عبر فيلم «الميدان» لديها ما تدلي به: «غولياث» للمخرج بيتر غروندلند يدور حول ابن عائلة من تجار المخدرات يحاول الخروج من جحيم المهنة التي احترفها سواه. ويقوم المخرج جوهانس نيهولم بالسعي لإنجاز عمليات المونتاج والمكساج الأخيرة لفيلمه الجديد «كوكو دي، كوكو دا» لإرساله في الأسبوع المقبل للالتحاق إذا ما سنحت له الفرصة. والنرويج بدورها تطمح للاشتراك بفيلم أنيميشن عنوانه «البرج» حول عائلة فلسطينية تعيش في مخيم للاجئين في لبنان. يتابع الفيلم حياتها على مدى 3 أجيال من الحياة غير المستقرة.
كالعادة، فإن ما سيتم اختياره مما سبق من أفلام مرتبط بما إذا كان بيع لشركة توزيع فرنسية أو دخل التمويل الفرنسي واحداً من أبوابه من باب الشراكة. هذا الوضع ضيّق الخناق في الماضي على اختيارات المهرجان وأظهر الوصاية القوية لشركات التوزيع الفرنسية التي عادةً ما تدفع بأفلامها إلى عرين الأسد، ما يجعل من الصعب على فيلم خالٍ من الدمغة الفرنسية الاشتراك، أو يضيّق عليه فرصه.
هناك حماس إعلامي يحيط بفيلم «فتيات الشمس» لإيفا أوسون حول سَرِيّة من الفتيات الكرديات، بقيادة غولدشفته فارحاني، تقارعن مقاتلين رجالاً متطرفين في العراق. وفي «أمين» لفيليب فوسون قصّة حب بين مهاجر وفرنسية. وفي المضمار الشائك نفسه انتهت المخرجة مايا هانسن لَف (Love) من قصّة مراسل فرنسي سقط في قبضة المتطرفين المحاربين في سوريا.
خارج فرنسا، وإذ تتوارد الأنباء عن انتهاء المخرج ترنس مالك من إعداد فيلمه الجديد «Radegund» للعروض العالمية، فإن احتمالات أن تبدأ هذه العروض على الشاشة الكبيرة لمهرجان «كان» مرتفعة. لكن مالك مخرج مستقل القرار وربما اشتغل على فيلمه في هذه المرحلة لفترة أطول، ما يفوّت عليه فرصة الاشتراك في هذا المهرجان ويستدعي تحويل الدفة إلى مهرجان فنيسيا المقبل. في كل الأحوال هو فيلم ألماني الإنتاج ناطق بالإنجليزية ويقوم حول حكاية شاب ألماني يرفض القتال لحساب النازيين خلال الحرب.
في المقابل البريطاني، هناك أفلام عدة مطروحة من بينها فيلم مايك لي الجديد «بيترلو» الذي تقع أحداثه في مدينة مانشستر سنة 1819، ومنها أيضاً الفيلم المنتظر منذ عقود «الرجل الذي قتل دون كيشوت»، الفيلم - الأمنية الذي حلم به مخرجه تيري جيليام منذ سنوات وكابد متاعب تمويلية عديدة أوقفت المشروع عدة مرّات إلى أن استطاع تذليلها.


مقالات ذات صلة

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

يوميات الشرق النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

أصدر النجم ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق ‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

مثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات أنها استعادتها

«الشرق الأوسط» (ولينغتون)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان) play-circle 01:19

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة.

إيمان الخطاف (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».