خالد البسام

خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني

ذكريات

لا أعرف من قال إن الذكريات الجميلة تشبه سربا من الطيور المهاجرة التي لا يمكنك الإمساك بها أو صيدها، لكن يمكنك الاستمتاع بتحليقها في السماء. هناك من يعيش على ذكرياته وعلى ما حدث في حياته بكل ما فيها من أحزان وأفراح، بينما هناك من يتعامل مع الذكريات على أنها ماض يجب نسيانه، بل ويتبرأ منه. ليست كل الذكريات اليوم عند كل البشر ذكريات مؤلمة وذكريات مفرحة. فعندنا ذكريات حزينة لا نستطيع نسيانها مهما فعلنا، بل ربما نذرف الدموع الغزيرة عندما نتذكر، وعندنا الذكريات الجميلة التي تجعلنا نبتسم أو نضحك بصوت عال عندما نتذكرها. غير أن المؤلم اليوم أن الكثير من البشر لا يتذكرون سوى مآسيهم السابقة ومصائبهم التي

عطسة موظف

لم يمنع الموظف نفسه من العطس وهو يشاهد المسرحية الاستعراضية في شمال موسكو في تلك الليلة، لكنه شعر بعدها بالحرج عندما رأى رجلا عجوزا قصير القامة يجلس في الصف الأول على المقعد الذي أمامه بالضبط، وقد راح يمسح قفاه وجمجمته الصلعاء بمنديله ويزمجر ببعض الكلمات. كانت المأساة عندما عرف الموظف المسكين أن هذا الرجل هو مديره في الوزارة التي يعمل بها. وحاول تدارك الموقف فمال إلى الأمام وقال في أذن المدير: أرجو عفوك يا صاحب السعادة. فلقد عطست ولم أقصد أن.. وهنا قاطعه الرجل: لا تذكر شيئا. وحاول الموظف أن يواصل اعتذاره فقال: سامحني فإني.. لم يكن ذلك من قصد.

قال أمنيات قال!

وجدت أن أغلب أمنيات البشر في العام الجديد كانت لصالح إحلال السلام في العالم. وعلى عكس الأمنيات قرأت أن معظم الحروب مرشحة للانتشار والتصعيد أكثر، بل إن هناك حروبا صغيرة قادمة في الطريق. مع الأسف الشديد، فقد أصبحت «طرق الأمنيات» محفوفة بالمخاطر ومليئة بالأشواك. كان الناس يقولون أمنياتهم بشكل أكثر تفاؤلا وسعادة وعندهم أمل كبير في تحقيقها، وإذا لم تتحقق كلها فبعضها على الأقل. لكنّ الأمنيات اليوم مزّقتها الخيبة وفقدان الأمل واليأس والمجهول.

مسترد.. ولا مستعاد

أنشد الشاعر العظيم المتنبي بيتا جميلا من الشعر يقول «وما ماضي الشباب بمسترد.. ولا يوم يمر بمستعاد». وهذا الكلام الجميل ليس شعرا عذبا فقط، بل كله حكمة لا تنتهي. وهناك حكمة صينية جميلة تقول: «لماذا نلقي بأنفسنا في الماء قبل أن تغرق السفينة؟»، والمقصود هنا هو اليأس، بمعنى أن علينا ألا نيأس قبل الأوان. وإذا كان اليأس هو انتحار القلب، فماذا نقول اليوم في سن اليأس عند الرجال؟ قبل سنوات كانت سن اليأس عند الرجال هي مجرد كلام، ثم تم التأكد من وجودها في النواحي النفسية على الأقل.

رجل مـيـت

يُروى عن حكيم هندي أن الوارث الشرعي لإحدى الولايات الأمير «سيكلموني» - وهذا هو اسمه - كان قد حُظر عليه من قبل الأطباء أن يرى مريضا أو شيخا طاعنا في السن أو شخصا ميتا.. شاهد وهو يسير مع خدمه خارج قصره في الولاية شيخا مرعب المنظر، محدودب الظهر، لا أسنان في فمه، وفي حالة يُرثى لها. تعجب الأمير من هذا الشيخ الكبير الذي لم يرَ مثله من قبل في حياته، فسأل سائق العربة عن هذا الرجل المسكين وعن حالته المحزنة.

بوصلة الضحك

سئل فيلسوف صيني قديم عن رأيه في الضحك، فرد مبتسما: «الضحك يشبه البكاء في التأثير على الروح والقلب، غير أن الفارق الكبير هو أن الضحك يطيل العمر ويبهج حياة الإنسان، بينما البكاء يقتل الدنيا»! هل نحن في وارد أن نضحك اليوم؟ السؤال إجابته لا تحتاج إلى غش أو تفكير وكأننا في امتحان دراسي. فنحن نستطيع أن نرد وبسرعة بأن الضحك هو مأوانا الأخير وخط دفاعنا الوحيد أمام مصائبنا التي كتب علينا ألا تنتهي. كل شيء اليوم في حياتنا وأخبارنا وديارنا وناسنا يثير لا الأحزان فقط، بل أن نذرف من الدموع أنهارا ومن حرقة القلب سنوات وقرونا.

حشمتلو!

يروي الصحافي المصري الشهير الراحل مصطفى أمين حكاية طريفة أيام الحكم العثماني لبلاد الشام في بداية القرن العشرين. فوقتها كانت السلطات تخاف من الجرائد وتمارس عليها رقابة شديدة إلى درجة مضحكة. ففي أحد الأيام جاءت برقية بأن المسيو كارنو رئيس جمهورية فرنسا قد اغتيل في مدينة ليون بضربة من خنجر على يد شاب اسمه كازاريو. ورفض الرقيب العثماني أن ينشر أن رئيس الجمهورية اغتيل، وأصرَّ على أن نشر مثل هذا الخبر يؤدي إلى إفهام الناس أنه من الممكن اغتيال السلطان! وطلب الرقيب من الجرائد الاكتفاء بالقول إن فخامة رئيس جمهورية فرنسا انحرفت صحته!

آيديولوجيا الحب

صبر الروائي الراحل غابرييل غارسيا ماركيز طويلا على صحافي شاب راح يمطره بالأسئلة بعد خروجه من أحد المؤتمرات، بل أمهله كثيرا من الوقت لأسئلته السخيفة: ما هي آيديولوجيا ماركيز؟ يقال إنك ماركسي؟ هل تؤمن بالآيديولوجيا؟

مسامرات رأس المال

في عام 1883 انضمت مجموعة قليلة إلى جنازة أشهر وأكبر فيلسوف في العالم وقتها وهو كارل ماركس في مقبرة لندن، وكان معهم موظف الدفن. كانت أشهر عبارة نقشت على لوحة قبره هي: «الفلاسفة فسروا العالم بطرق مختلفة..

اللعنة.. درجة ثالثة

في أواخر القرن التاسع عشر كان هناك موظف يعيش على حدود الأوروغواي مع البرازيل. وكان عمله يفرض عليه التنقل من قرية إلى قرية في تلك المناطق النائية. كان الرجل المسكين يسافر في عربة تشبه القطار تجرها خيول مع ثمانية مسافرين في الدرجات الأولى والثانية والثالثة. وبسبب فقر «خوان»، وكان هذا هو اسمه، كان يضطر إلى أن يشتري تذكرة درجة ثالثة دائما، لأنها ببساطة كانت الأرخص ثمنا والأقدر على ميزانيته المتواضعة. غير أن الرجل لم يفهم، رغم كثرة أسفاره وتنقلاته، لماذا توجد أسعار مختلفة!