رصد مشوق لسيرة مسؤول فاسد

«البحث عن ملاذ» للعراقي ناطق خلوصي

رصد مشوق لسيرة مسؤول فاسد
TT

رصد مشوق لسيرة مسؤول فاسد

رصد مشوق لسيرة مسؤول فاسد

بعد روايته السابقة «اعترافات زوجة رجل مهم» التي سلط فيها، الروائي ناطق خلوصي، الضوء على ظاهرة الفساد المتفشي في البيئة السياسية العراقية المتنفذة، يلتقط في روايته الجديدة «البحث عن ملاذ» شخصية فاسدة متنفذة أخرى هي شخصية «وحيد المرزوق» المدير العام في وزارة، الذي لا يجيد أي لغة إنسانية للتعامل مع محيطه الاجتماعي الذي يقيم فيه سوى لغة الرشوة، بأساليب متعددة، بدءاً من الكلام المخادع وانتهاء بالهدايا العينية أو المالية.
يدرك خلوصي تلك اللعبة الجادة مع قرائه، فهو يقتحم أكثر المناطق خطورة في حياتهم: ما يهدد رزقهم ومستقبل أبنائهم، فوحيد المرزوق هذا ذو تاريخ غارق بالفساد الإداري والمالي منذ توليه مسؤولية استيراد وتوزيع محتويات البطاقة التموينية التي يفترض بها سد حاجة الفقراء والمعوزين، لكنه يتلاعب بكمية المحتويات الغذائية ونوعها ليستحوذ، مع آخرين معه، على مبالغ هائلة من المصدرين والمقاولين.
لكن السارد بأسلوبه الواقعي، السهل الممتنع، معاً، يتوفر على طاقة سردية تؤهله لإدارة الشخصيات والأحداث بشكل حاذق، وهو يرسم أي «بورتريه» في مركز الحدث أو على هامشه.
تسأله سكرتيرته:
«وأنا كم هي حصتي؟
ألا يكفيك قلبي حصة وهو أغلى من كل نقود الدنيا؟
احتد صوتها قليلاً دون أن يغادرها مرحها:
دع هذا الكلام الآن... قل لي الآن كم هي حصتي من أرباحك من هذه العقود والصفقات؟
5 في المائة. جيد؟
لا، ليس جيّداً.
كم تريدين إذن؟
10 في المائة في أقل تقدير.
يهز رأسه ولا يكون أمامه سوى أن يرضخ، فهي كاتمة أسراره ووسيطه، ويمكنها أن تثير المتاعب بوجهه. إنها شريكته في صفقات الشاي التالف والرز المتعفن والطحين الذي لا يصلح علفاً للحيوانات».
كان ذلك بداية الدخول إلى وكر الأفاعي، إذ يبدأ المرزوق سيرته قبل أن يصبح متقاعداً ولكن بثروة فاحشة من المال. يعتقد هذا المرزوق أن المال هو مفتاحه الذهبي لولوج أماكن المتعة وممارسة أكثر الأساليب رخصاً لتحقيق غاياته الدنيئة، ومن دون أي وازع أخلاقي عند ارتكاب المحرمات مع أي فتاة أو امرأة، عازبة أو متزوجة، مراهقة أو أم، زوجة بواب أم بنت الجيران. توظيف الجنس تقنياً أحد خطوط الرواية.
في ملاذه الآمن الذي لم يكن آمناً يمضي وحيد المرزوق أوقاته بيسر وهدوء بعد أن اشترى العمارة (عمارة الفيل الأبيض) بعد أن أصبحت معلماً من معالم القاهرة، مستثمراً أمواله، هنا، مخلفاً جرائمه وفضائحه في بغداد، ثم هارباً إلى مصر عبر عمان.
* قناع المؤمن
للمرزوق أكثر من قناع، حسب الحاجة والدافع، وآخرها اشترى جلباباً ونعلاً، متشبهاً برواد المساجد، خصوصاً عند صلاة الجمعة، وما ذاك إلا لذر الرماد في العيون، وليبدو في أعين الجيران من سكان العمارة شخصاً مؤمناً يؤدي الفروض في أوقاتها، وما هي إلا فرية مبيتة للتقرب من زوجة أمام الجامع، الشيخ عبد التواب.
لكن ثمة السيد نجيب وهو عراقي أيضاً هارب من جحيم بلده، ولكنه ليس جلاداً ولا موظفاً فاسداً بل ضحية. يلتقي المرزوق السيد نجيب في شقة الشيخ عبد التواب على دعوة غداء، وهناك يكشف السيد نجيب عن مأساته: «كدت أفقد ولدي البكر». «خطفوه وساوموني على مبلغ كبير لم أكن أملكه، فوجدت نفسي مضطراً لأن أبيع بيتي وما أملك ودفعت الفدية، وما تبقى لدي رتبت به أموري لأرحل عن المدينة التي عشت فيها أحلى سنوات عمري وأبحث عن ملاذ».
الاثنان يبحثان عن ملاذ آمن: الجلاد والضحية. الأول هارب من تاريخه الأسود لعله يبدأ تاريخاً جديداً لكن بنقوده السوداء، والثاني لينقذ نفسه وعائلته من فوضى الحرب والميليشيات وعصابات الخطف التي تحكم مدينته.
تتبدى روح الواقعية النقدية في سردية خلوصي على أنها أسلوب لرصد دراما الواقع والتحدث باسم شخصيات فعّالة في محيطها الاجتماعي، بينما خديعة سياسية يمارسها البطل وهو يصطاد ضحاياه الذين يستجيب بعضهم لغواياته ومنهم من ينتظر (البواب وزوجته) أو (أم هاني) جارته في الشقة المقابلة.
* ثيمة عربية
وإذ يستحوذ «المرزوق» على العمارة برمتها بعد أن يشتريها فإنه يستحوذ على مصائر ساكنيها أيضاً. من هذه النقطة: الاستحواذ، تأخذ الرواية منحى آخر: السلطة في أقصى جبروتها لتتحكم في حياة السكان. يقرر «المرزوق» طرد من يطرد ويكرّم من يكرّم، حيث يصبح هو «الحاكم المطلق» في «العمارة» شكلاً مصغراً لوطن مكبّر.
المفارقة الأخيرة عند نهاية الرواية تتجسد بتمرد البواب لا غيره عندما يهدده «المرزوق» بالطرد من غرفته، فيغضب لمصيره ويقرر الانتقام من «المرزوق»: ثلاث رصاصات ليتفجر من جسده دم أسود.
هذا المصير الدرامي متوقع وغير متوقع لبطل الرواية التي عاث فيها فساداً: متوقع كما تشي صيرورة السرد الواقعي مثل فيلم سينما عربي، وغير متوقع في أن البواب الذي تواطأ ليقدم زوجته لقمة سهلة لرغبات «المرزوق» سابقاً هو من يضع حداً لنهاية هذا «المرزوق» قتيلاً كمصير درامي لمن لا يستحق الحياة بقرار قضائي يصدره الروائي بحق مجرم فاسد.
«البحث عن ملاذ» ثيمة عربية في السرد العربي هذه الأيام جراء ما يجري في منطقتنا من عنف وحروب وحراك سياسي في دول هشة تقصّى أحوالها «ناطق خلوصي» برواية يشم قارئها بعضاً من عطر نجيب محفوظ منتثراً في أجواء القاهرة، ومنتصراً للضمير اليقظ، نابضاً بشجاعة الروائي الذي يكتب وهو في حالة غضب على ما يجري.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.