رحيل بول أوستر... الضمير المأساوي للمجتمع الأميركي

الكاتب الأكثر حضوراً في المشهد الثقافي الأميركي في السنوات الأخيرة

بول أوستر
بول أوستر
TT

رحيل بول أوستر... الضمير المأساوي للمجتمع الأميركي

بول أوستر
بول أوستر

تتوزع كتابات بول أوستر، الذي رحل أول من أمس عن 77 عاماً بعد صراع طويل مع مرض السرطان، بين ثيمتين كبريين في أعماله الروائية وغير الروائية؛ هما الوحدة والعنف، اللذان يترابطان معاً، ويقود أحدهما للآخر، ويتبادلان أدوارهما ونتائجهما.

هذان الموضوعان انغرسا فيه منذ انطلاقته الأولى، شاعراً، ثم كاتب سيناريو، ومترجماً، وأخيراً روائياً؛ حيث وجد نفسه أكثر: «لم يكن أمامي أي خيار آخر، سوى أن أكتب، وأن أكرّس كل حياتي للكتابة»، كما قال مرة في إحدى المقابلات معه. كانت الكتابة متعته الكبرى، وربما وسيلة هربه الوحيدة من تهميش المجتمع الأميركي، ومن شعوره الدائم بالوحدة. لكن الكتابة هي أيضاً لعنته، كما يقول في الحوار نفسه.

من هنا اكتسب أوستر شعوراً مأساوياً بالحياة، ومن هنا أيضاً يمكن أن نطلق عليه «الضمير المأساوي للمجتمع الأميركي»، كما عبّر عن ذلك في أعماله، التي تجاوزت الثلاثين عملاً.

كاتب حياة

يصنف بعض النقاد أوستر ضمن روائيي «ما بعد الحداثة»، وآخرون يدرجونه تحت تيار التفكيكية، ويتحدثون عن أثر جاك دريدا علية فكرياً بعدما عاش أوستر بعض السنوات في فرنسا واطلع من كثب على كتابات دريدا. ويذهب البعض الآخر إلى تصنيف رواياته على أنها «روايات بوليسية». لكن أوستر ليس معنياً بذلك، بل على العكس يتحدث عن تأثير لويس بورخيس وديكنز وأميلي برونتي وتولستوي عليه، إضافة إلى الحكايات الأميركية الشعبية.

لا تنظير «ولا صفحات ذهنية أو فكرية» نعثر عليها في كتاباته، وإذا وردت هنا وهناك فهي تأتي ضمن نسيجه الروائي المحكم. صحيح أن هناك عناصر في بعض رواياته يمكن نسبتها إلى «الرواية البوليسية»، لكنها ليست العنصر الرئيسي، بل هي شكل روائي يقود إلى أبعد منه. أوستر كاتب حياة أولاً وأخيراً، كأي روائي كبير آخر..

غلاف رواية «بومغارتنر» لأوستر

في مذكراته «اختراع العزلة»، الصادرة عام 1982، وهي أول كتبه في هذا المجال، يتحدث أوستر عن بداية حياته بوصفه ابناً لأب غائب دائماً. والكتاب مليء بذلك الشعور الذي سينعكس في كل أعماله الروائية وغير الروائية: الحزن، والشعور بالفقدان، والوحدة، والضمير الشقي.

غصة الثلاثية

ولعل ثلاثيته، المكونة من «مدينة الزجاج» و«الأشباح» و«الغرفة الموصدة»، التي ارتبط اسمه بها، أكثر من أي عمل آخر، هي أكثر أعماله التي تعكس الثيمتين اللتين شغلتاه طوال حياته، وهما كما أشرنا: الوحدة والعنف.

عمل أوستر على الجزء الأول من الثلاثية عام 1981 ثم أعاد كتابة مسرحية له أنجزها قبل سنوات، ليحولها إلى جزء ثانٍ، ليلحقهما بجزء ثالث. ويبرر ذلك بقوله إن موضوع المسرحية الأولى والقسمين اللاحقين، هو موضوع واحد: الغموض، وكيفية تعلم العيش مع الغموض وعدم اليقين، وهذا هو جوهر «الثلاثية» كلها.

لماذا اعتبرت هذه الثلاثية أهم أعماله واشتهرت أكثر من غيرها، حتى إن خبر رحيله في أغلب الصحف العالمية ورد مقروناً بها؟

يشعر أوستر، كما يشعر كثيرون حين تقترن أسماؤهم بعمل واحد، بالغصة، وهو لا يعرف كيف يفسر ذلك، ويلقي اللوم على الصحافيين الذين يسارعون إلى وصف العمل الذي عرف اهتماماً ما من القراء بأنه أهم عمل للكاتب.

غلاف رواية «4321» لأوستر

في عمله الثاني «قصر القمر»، الصادر عام 1989، يعود أوستر إلى ما طرحه في كتابه «اختراع العزلة»: شخصية منعزلة يبحث عن أب غائب، وكل محاولاته مصيرها الفشل؛ إذ يهاجر ستانلي فوغ من نيويورك ليتعقب ماضي عائلة في رحلة ذات مواقف كوميدية لا تفضي إلى شيء.

تتكرر ثيمة الوحدة والعزلة والبحث عن المجهول في رواية «كتاب الأوهام»، الصادرة عام 2002، بل إن شخصية ديفيد زيمر، التي كانت قد ظهرت في رواية «قصر القمر» وإن بشكل سريع، تعاود الظهور في الرواية الجديدة بوصفها شخصية رئيسية. إنه يعاني الوحدة، ونوعاً من التدمير الذاتي بعدما فقد عائلته في تحطم طائرة. ثم يصبح ممسوساً بشخصية هكتور مان، وهو ممثل اختفى قبل عقود، واعتبر ميتاً. ولكن بعدما كتب عنه، تسلم زيمر رسالة تفيد بأن بطله لا يزال حياً يرزق، وهكذا يتهاوى عالمه كله.

أما رواية «حمقى بروكلين»، الصادرة عام 2005، فتأتي كأنها نبوءة لمصير أوستر نفسه: رجل مصاب بالسرطان، يبحث عن مكان هادئ ليموت فيه، حتى يلتقي شخصاً يسبب له أزمة وجودية شديدة.

«4321»... رواية التتويج

وفي عام 2017، أصدر أوستر رواية «4321»، التي يمكن عدّها تتويجاً لمعظم أعماله. وهي رواية مركبة، خلط فيها أوستر أشكالاً سردية عدة بحرفية عالية، ولغة ظل طوال حياته يصقلها ويصفيها، فقد كانت اللغة عنصراً جوهرياً في أي عمل أدبي، وأحد مشاغله الأساسية، وينبغي أن تكون محل اهتمام أي روائي يريد أن يقدم أعمالاً جديرة بالبقاء.

وكان كتاب أوستر الأخير عملاً غير روائي، حول العنف في أميركا وقد صدر عام 2021 بعنوان «الشعب الدموي». وكان الزميل الدكتور سعد البازعي قد استعرض هذا الكتاب في هذه الصفحة حين صدوره، وترجم الكتاب لاحقاً أيضاً، وهو «توثيق للعنف وتأملات تحليلية حول جذوره وأسبابه ومآلاته»، وحلّل «أبعاد النزاع الدموي الذي ظلل التاريخ الأميركي منذ بداية الاستيطان حتى أيامنا هذه».

والحقيقة، أن أوستر قد دخل ذلك النفق الرهيب قبل سنتين من رحيله، وحينها كتبت زوجته:

«أعتقد أنه سيكون أمراً فظيعاً أن تكون وحيداً في (أرض السرطان)، العيش مع شخص مصاب بالسرطان يتعاطى العلاج الكيميائي والمناعي، هو مغامرة في القرب والابتعاد. يجب أن يكون الشخص قريباً بما فيه الكفاية ليشعر بالعلاجات التي تنهك جسد المريض كما لو أنه هو المعني بتعاطيها، وفي الوقت نفسه يكون بعيداً بما فيه الكفاية ليتمكن من تقديم المساعدة الحقيقية. فالشفقة الزائدة قد تشعر المريض بأنه عديم الفائدة! ليس من السهل دائماً القيام بهذه المهمة الحساسة».


مقالات ذات صلة

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

يوميات الشرق «مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

«مائة عام من العزلة» يستحق ابتسامة ماركيز... مسلسلٌ ضخم على هيئة حلم مدهش

تختتم «نتفليكس» عامها بمسلسل من الطراز الرفيع يليق باسم الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز ورائعتِه «مائة عام من العزلة».

كريستين حبيب (بيروت)
ثقافة وفنون عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

عبد الرحمن شلقم وأجواء الحب والفروسية في «القائد العاشق المقاتل»

بأسلوب شيّق، وحبكات متتالية، يسرد عبد الرحمن شلقم المسار الاستثنائي للقائد العسكري الإيطالي أميديو جوليت، الذي عرف ببطولاته، وانتصاراته

سوسن الأبطح (بيروت)
ثقافة وفنون مي التلمساني وإيهاب الخراط... وفي الوسط الكاتب أحمد رمضان الفائز بالجائزة

أحمد رمضان يحصد «جائزة إدوار الخراط» الأدبية

بمناسبة الذكرى التاسعة لرحيله (1926 - 2015)، وفي احتفالية رائعة تليق بعطائه المتنوع المغامر واجتراحه آفاقاً جديدة للكتابة.....

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون  أرسطو

لماذا نقرأ للقدماء؟

أثارت أستاذة الفلسفة آغنيس كالارد البروفيسورة في جامعة شيكاغو في مقالة لها نشرتها «ذا ستون/ نيويورك تايمز» قضية جدوى قراءة أرسطو اليوم

خالد الغنامي
يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)

البحث عن بطل

البحث عن بطل
TT

البحث عن بطل

البحث عن بطل

في كتاب «البحث عن منقذ» للباحث فالح مهدي شرح مفصّل عن الشعوب التي ترزح تحت نير الظلم والإذلال، وكيف تعلّق أمرُ خلاصها برقبة منقذ تستعير اسمه من أساطين الدّين، تنتظر عودته إلى الحياة عن طريق البعث أو النشور، كي يحقّق العدل الغائب عن وجه الأرض، ويعوّض ناسها ما فاتهم من عيشة هانئة مستقرّة. اكتسى هذا المخلّص عبر مراحل التاريخ بجلابيب أسماء عديدة، منها «كريشنا» المنتظر في الديانة الهندوسيّة، و«بوذيستاوا» أي «بوذا» المنتظر، و«ماهافيرا» المنتظر في الديانة الجاينيّة، و«زرادشت» المنتظر في المجوسيّة، وفي اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة لدينا المسيح المنتظر والمهدي المنتظر وإسماعيل المنتظر والسفياني المنتظر واليمانيّ المنتظر والقحطانيّ المنتظر.

تعود هذه الفكرة في الأصل إلى اعتقاد دينيّ قديم مفاده أن الشرّ لا يمكن مواجهته من خلال البشر الفانين؛ لأن كلّ ما يأتي به الشّيطان لا يُهزم بالفعل البدنيّ، ويحتاج الإنسان إلى الاستعانة بالقوى الإلهيّة. وعلى الجميع لهذا السبب المحافظة على تقاليد دينهم وتعاليمه؛ لكي يستعجلوا هذه القوى، وإلّا فهم يقضون حياتهم في حالة انتظار دائم.

هو ليس انتظار اللاشيء، حتماً، لكنّه انتظار من أجل حبّ الانتظار، يعيش المؤمن في ظلّه في حالة وجْد لا يفتُر، يكون الزمن فيه مجمّداً عند المستقبل الأزليّ واللانهائيّ. هل جرّبتم العيش دون حاضر أو ماضٍ؟ عندما تغيب الحيوات والانفعالات والمشاعر «الصعبة» أي الحقيقيّة من المرء، يحلّ اليأس التامّ والمُطلق، وهو أحد شروط تحقيق ما يُدعى بالنيرفانا لدى البوذيّين، الخطوة الأولى في سبيل عودة «بوذا» المنتظر إلى الظهور، ويختلف الأمر كثيراً أو قليلاً بالنسبة إلى بقيّة المخلّصين. ثم يغيب الماضي كذلك، وتختفي معه أحداثه، ويبقى الوقع الأهمّ هو ظهور المُنقذ في القادم من الأيّام والشهور والسنين، وربما حلّ الموعد والمرء نائم في قبره، ويستيقظ عندها ليجد العدل والإنصاف يعمّان الأرض، ويتمّ القصاص من الأشرار والمجرمين والمفسدين.

عندما يتوقّف الدماغ تنشط آلة الخيال، ردّ فعل طبيعيّ لحالة الفقد والحرمان والإذلال، لكنّه خاصّ ببني الإنسان، وهو بالأحرى عقل مرَضيّ مُشِلّ للنّفس والبدن يؤدّي بنا إلى الجنون وخراب الدّيار. الانتظار يولّد انتظاراً آخر، ولا يوجد شيء اسمه فوات الأوان. كما أنّ الخضوع يتبعه انحناءٌ تحت نير جديد. يقول ألبير كامو: «الأمل، عكس ما نظنّ، يُعادل الرُّضوخ. والحياة هي في عدم الرُّضوخ». من فكرة المُنقذ المنتظر جاء حُلم الشعوب المقهورة والضعيفة بالبطل المُرتجى، تبحث عنه كي تؤلّهه، ولن تُرفع إليه الأبصار إن كان حيّاً، وإذا كان ميّتاً تُعينهم ذكراه على تحمُّل الضَّيم الذي يكابدونه. في كلّ بلد ضعيف لا بدّ أن يكون هناك بطلٌ يلجأ إليه الفقراء والبُؤساء، يرسمون له الأساطير التي لا تحكي الواقع بطبيعة الحال، لكنّها تعكس حالة الضعف والخَوَر اللّذيْن يستلبان نفوس المؤمنين بمنقذهم، الذين يُغالون في تبجيله إلى درجة أنهم ربما راحوا يتطلّعون إلى صورته منقوشة على صفحة القمر، وهذا ما جرى حقّاً وفعلاً للعراقيين إِثْرَ مقتل عبد الكريم قاسم على أيدي انقلابيّي «8 شباط»، ثم قام هؤلاء برمي جثمانه في النهر، كي يتخلّصوا من حُبّ النّاس وتقديسهم، فانتقل هذان الفعلان إلى السماء، بعد أن لم يعثر مُريدوه على أثر له على الأرض، وصاروا يتطلّعون إلى صورته في اللّيالي القمراء، والبعض منهم تفيض عيونه بالدُّموع.

لا يُشترط في البطل أن يكون غائباً، أو لديه صفات هذه المرتبة الخارقة من القدسيّة والبطولة، بل يمكن أن يكون أحد الذين يعيشون بيننا، أو شخصاً غريباً وقَدَرِيّاً يُرفع إلى هذه المكانة عنوة، ولا يستطيع التراجع عنها لأنّ في ذلك خطراً يتهدّد حياته، فهي صارت أوّلاً وأخيراً بأيدي مريديه. هناك نوع من اشتباك مصائر يعيشه الطرفان: الجماهير تنظر إلى البطل على أنّه حامي ديارها وأرواحها من الخراب والفناء، والمنقذ يتطلّع بدوره إلى هؤلاء، في سبيل بقاء الصفات المبجّلة التي أسبغوها على شخصه.

فكرة البحث عن قائد مظفّر تتوّجه أكاليلُ المجد والغار قديمة لدى الإنسان، وجديدة أيضاً. الأرض تدور كلّ يوم، وفي كلّ سنة من أعمارنا، في شرقنا (السعيد) ثمّة بطل دَوْماً. عندما يغيب العدل في المجتمع يحتاج كلّ جيل إلى ابتكار مُنقذ جديد، من مزاياه أنّه ليس مخلّداً مثل رموز الأساطير الدينيّة، بل هو كائن حيّ له عمرٌ لا يتجاوز عمر البشر، يتمّ دفنه بعد فنائه ليولد بطلٌ جديد يعيش مع الأبناء إلى المحطّة الأخيرة، يترجّل بعدها تاركاً مقعده إلى مُنقذ أكثر جِدّة يواكب الرحلة مع الأحفاد؛ لأنّه لا طاقة لنا على العيش دون هؤلاء الفاتحين.

البطل في الحُلم يُقابله إنسان مهزوم ومأزوم في الواقع، هكذا هي القاعدة في علوم الاجتماع والطبّ والنفس، والفارق بين الاثنين كبير إلى درجة أن الناس يعيشون في ظلّ منقذهم في حال من الرِّقّ الجماعيّ، بكلّ ما في قوّة أنظمة الاسترقاق القديمة من سلطة القانون، وما كانت تحمل من أغلال اجتماعيّة وأخلاقيّة. وإن كان الأمر يحصل بصورة غير ظاهرة للعِيان، لكنّ شكل الحياة الأخير مطابق لذلك الناتج من حالة الاستعباد الجماعي الذي ودّعته البشريّة منذ قرون.

بالإضافة إلى العبوديّة، لا يمثّل البطل في هذا الزمان رمزاً قوميّاً يشدّ من أزر الجميع؛ لأننا نعيش في بلدان متعدّدة الأعراق والمعتقدات والأرومات، ولهذا السبب رحنا نبتكر أكثر من بطلٍ واحد: اثنين أو ثلاثة أو أكثر، يتحوّلون بمرور الوقت إلى أداة للفُرقة، تصيرُ بسبب التشاحن الدائم جزءاً من دمائنا، لتدور عجلة الحرب الأهليّة (الباردة) في البلاد، تدوم طويلاً لأن أسبابها باقية وتتقوّى مع السنين، ويوماً ما سوف تسخن حتماً وتتفجّر إلى هستيريا جماعيّة تستيقظ فيها نوازع الشرّ والتوحّش القديمة النائمة، ويتقاتل عندها الجميع ضدّ الجميع، ليصير الحلّ بتدخّل قوى أجنبيّة (استعماريّة) تُنقذ بقيّة الحياة والعِباد.

عندما تكون حياة الإنسان زهيدة - لأن الشعب عبارة عن مجموعة من الرّقيق - تُرتكبُ أقسى الجرائم بشاعةً. وعندما تكون الحريّة مبذولة، وتسود العدالة الجميع، عندها فقط يختلف وعي الأمة وسوف تجد مُنقذَها من داخلها لا من الغيب. يحتاج الجمهور آنذاك إلى بطل قدوة من نوعٍ ما يتطلّع إلى بلوغ مكانته الجميع، ويحقّق لهم هذه الفكرة الرسّام والموسيقيّ والشاعر والمهندس... مثلما يجري الآن في الأمم المتحضّرة. من هنا جاءت فكرة النجم في المجتمع المستقرّ الهانئ بعيشته، وليس للأمر علاقة بالمال ورأس المال، وغير ذلك من كلام يُضيّق على النفس ويصدّع القلب والرأس.