«سرسق» يستعيد 3 لوحات شوّهها تفجير المرفأ

بعد ترميمها بـ«مركز بومبيدو» الفرنسي في باريس

مالك السطيف موظف في المتحف يكشف عن صورة نيكولاس سرسق (أ.ف.ب)
مالك السطيف موظف في المتحف يكشف عن صورة نيكولاس سرسق (أ.ف.ب)
TT

«سرسق» يستعيد 3 لوحات شوّهها تفجير المرفأ

مالك السطيف موظف في المتحف يكشف عن صورة نيكولاس سرسق (أ.ف.ب)
مالك السطيف موظف في المتحف يكشف عن صورة نيكولاس سرسق (أ.ف.ب)

من بين عشرات اللوحات التي كانت في متحف «سرسق» للفن التشكيلي في بيروت وشوّهها انفجار مرفأ المدينة في 4 أغسطس (آب) 2020، 3 مرتبطة بشخصيات «ساهمت في نهضة الحياة الثقافية اللبنانية»، عادت الثلاثاء إلى مكانها بعد عملية إنقاذ لها في «مركز بومبيدو» الفرنسي.
وتقول كارينا الحلو، مديرة متحف «سرسق» للفن التشكيلي القديم والمعاصر لوكالة الصحافة الفرنسية، إن اللوحات الثلاث التي عُلقت الثلاثاء أرسلت إلى باريس لترميمها بعد الانفجار المروّع الذي طالت أضراره الأحياء القريبة من المرفأ، ويقع المتحف في أحدها: «لأن تصليحها كان صعباً ومعقداً بالمقارنة مع القطع الفنية الأخرى المتضررة»، مضيفة: «خضعت هذه اللوحات لأشهر من العمل في قسم حفظ الأعمال الفنية في (مركز بومبيدو)»، أحد أكبر متاحف الفن الحديث والمعاصر في العالم، لتعود كما كانت.


كارينا الحلو مديرة المتحف تتفقد لوحة الفنانة أوديل مظلوم  بريشة سيسي تمازيو سرسق (أ.ف.ب)

بعناية فائقة، تولى مالك السطيف الذي يعمل في المتحف منذ نحو 9 أعوام، إخراج اللوحات الموضبة في نهاية الأسبوع الماضي بدقة كبيرة من صناديقها الخشبية، وهو يضع قفازات.
وتمثّل القطعة الأولى التي رسمها الهولندي كيس فان دونغن في ثلاثينات القرن العشرين، مؤسِّس المتحف نقولا سرسق جالساً على كرسي، وتعرّضت لتمزّق عميق أفقي قرب العين. وستُثبّت اللوحة حيث كانت، في مكتب نقولا سرسق في الطبقة الثانية. ويقول السطيف، «كأنها كانت مريضة وسافرت لتعالج».
وتروي الحلو أن دونغن الهولندي الأصل، الذي كان يعيش في فرنسا، زار بيروت يومها ورسم بورتريهات عدة في العاصمة اللبنانية لعائلات من هذه المنطقة ولرجال دين. وتشدد على أنّ «لهذه اللوحة معنى مهماً في مجموعة المتحف، إذ تؤكد انفتاح لبنان على الغرب، ودور بيروت الريادي حين كانت مقصداً للفنانين الأجانب».
وعندما فتح مالك السطيف الصندوق الثاني، أطلت منه لوحة زيتية للرسام اللبناني بول غيراغوسيان عنوانها «مواساة»، تنبض حناناً ويخيّم عليها اللون الأبيض، فخاطبها قائلاً: «اشتقت إليكِ»، فهي من مجموعة المتحف الدائمة، وتمثّل طيف أسرة تحضن طفلها. وتوضح الحلو أن بول غيراغوسيان، أحد أبرز وجوه الفن التشكيلي اللبناني: «تأثر بالحرب وتميز برسم الأم التي تحمل ابنها».
وتفحصت الحلو بإعجاب ترميم التشققات في اللوحة الثالثة ذات الألوان النارية، ولاحظت العمل الدقيق في نسج كل خيط من خيوط هذا الرسم الشخصي (بورتريه) العائد إلى عام 1967 بريشة سيسي تمازيو سرسق، ويمثّل الرسّامة أوديل مظلوم التي أسّست صالة عرض فنية في بيروت: «وكانت منذ الستينات أحد أبرز الوجوه الثقافية البيروتية».
وتكمن أهمية اللوحات الثلاث في أنها تعبّر عن «ذاكرة بيروت الثقافية والفنية»، حسب الحلو التي تذكّر بأن «نقولا سرسق وأوديل مظلوم وبول غيراغوسيان ساهموا في نهضة الحياة الثقافية بلبنان».

لوحات أخرى متضررة
لم تكن هذه اللوحات الوحيدة التي رسم انفجار بيروت آثار الكارثة عليها. فوقت الانفجار الذي أسفر عن أكثر من 200 قتيل وستة آلاف جريح، كان المتحف البيروتي يستضيف معرضين، أحدهما ضمّ 26 لوحة انطباعية تعبيرية للفنان التشكيلي اللبناني الرائد جورج داود قرم (1896 - 1971)، أما الثاني فجمع أكثر من 100 عمل فني لـ21 فناناً تشكيلياً، من بينها لوحات ضمن مجموعة المتحف الدائمة.
ولحقت بالطبقتين الأولى والثانية اللتين كانتا تحتضنان المعرضين أضراراً كبيرة، فتصدعت الجدران وتحطمت الأبواب الخشبية المزخرفة وتفتفت زجاج النوافذ العالية الملوّن.
ومزق حطام الزجاج والأبواب غالبية هذه اللوحات وترك انهيار الأسقف المعلقة بقعاً بيضاء عليها، فيما خسرت بعض اللوحات ألوانها.
وانتهى القيمون على المتحف في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 من إزالة الغبار عن أكثر من 1500 عمل فني كانت محفوظة بأمان في طبقات تحت الأرض ولم تلحق بها تالياً أي أضرار. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، أُزيل الغبار عن الكتب والوثائق التي تزين مكتبة المتحف.
وتولى فريق المتحف المتخصص في الترميم إعادة عدد كبير من القطع الـ66 التي تضررت، من لوحات ومنحوتات، إلى سابق عهدها «بشكل متقن بدعم من المعهد الوطني الفرنسي للتراث»، على ما تؤكد الحلو، و«نجاحه في هذه المهمة عزز الثقة بدور المتحف»، وأثار «ارتياح أهالي الفنانين الراحلين الذين يقتني المتحف لوحاتهم». وتشدد الحلو على أن المتحف يسعى إلى تعزيز هذا القسم وتطويره، وهو الأبرز في لبنان في هذا المجال.
ويقع المتحف في حي سرسق بالعاصمة بيروت، في قصر بناه نقولا سرسق الشغوف بالفنون عام 1912، وفي وصيته قبل وفاته عام 1952، قدم سرسق قصره إلى بلدية بيروت لتحويله متحفاً للفن. وافتُتح للمرة الأولى في عام 1961.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«نوبل الآداب» للكورية الجنوبية هان كانغ

الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ (أ.ف.ب)
الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ (أ.ف.ب)
TT

«نوبل الآداب» للكورية الجنوبية هان كانغ

الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ (أ.ف.ب)
الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ (أ.ف.ب)

فازت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ (53 عاماً)، بجائزة نوبل للآداب لعام 2024، نظير «نثرها الشعري المكثّف الذي يواجه الصدمات التاريخية»، وكشفها في كل عمل من أعمالها عن «هشاشة الحياة البشرية»، حسبما أفادت لجنة الجائزة.

وقالت الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة، في بيان، أمس (الخميس)، إن «لدى الكاتبة وعياً فريداً بالروابط بين الجسد والروح، والأحياء والأموات، وبأسلوبها الشعري والتجريبي».

وأضافت أن هان أبدعت بأسلوب شعري وتجريبي في النثر المعاصر، خصوصاً في روايتها «أعمال إنسانية» (2016)، التي تستند إلى مذبحة غوانغجو عام 1980. وأشارت إلى أن هان تعطي صوتاً لضحايا التاريخ بطريقة رؤيوية وتسمح لأرواح الموتى بالشهادة على إبادتهم، مستوحية بعض الأفكار من «أنتيغون» لسوفوكليس.

وقال ماتس مالم، السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية بعد إعلان الفائز: «تحدثت مع هان كانغ عبر الهاتف. لقد كان يوماً عادياً على ما يبدو، أنهت للتو العشاء مع ابنها. لم تكن مستعدة حقاً لذلك، لكننا بدأنا مناقشة الاستعدادات لتسلمها الجائزة في شهر ديسمبر (كانون الأول)».