نجيب محفوظ... من الفن الروائي إلى العمود الصحافي

ترجمة إنجليزية لكتاباته غير القصصية عبر 5 سنوات

نجيب محفوظ... من الفن الروائي إلى العمود الصحافي
TT

نجيب محفوظ... من الفن الروائي إلى العمود الصحافي

نجيب محفوظ... من الفن الروائي إلى العمود الصحافي

الراصد لمسيرة نجيب محفوظ (1911 - 2006) في عالم الكتابة، يجد أنه في المرحلة الأخيرة من حياته الأدبية قد عزف عن كتابة الرواية الطويلة، وغدا أكثر ميلاً إلى التعبير المكثف والجملة القصيرة والومضة السريعة الخاطفة. تمثَّل هذا في «أصداء السيرة الذاتية»، و«أحلام فترة النقاهة»، وفي مئات الأعمدة الصحافية التي كان يكتبها أسبوعياً في جريدة «الأهرام»، وهي أعمدة قصيرة لا تتجاوز عادة ثلاثمائة كلمة يتناول فيها قضايا الساعة على الأصعدة المحلية والعربية والإقليمية والدولية، في ميادين الثقافة والسياسة والاقتصاد. وقد جمع شملها في عدة أجزاء صدرت عن «الدار المصرية اللبنانية للنشر» في عام 2015.
واليوم يتاح لقارئ اللغة الإنجليزية، في أي مكان، أن يقرأ هذه الأعمدة الصحافية مترجمة في كتاب عنوانه «بعد جائزة نوبل 1989 - 1994: كتابات نجيب محفوظ غير القصصية»، صادر عن دار نشر «جينكو Ginko» في لندن عام 2020، في 436 صفحة. نقل المقالات إلى الإنجليزية ر. نيل هويسون R. Neil Hewison أحد مديري التحرير في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وقدم لها الدكتور رشيد العناني، أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة إكستر البريطانية. هكذا اجتمع للكتاب أهم روائي عرفته اللغة العربية، ومترجم قدير تمتاز ترجمته بالدقة والأمانة (عكف هويسون على إنجاز الترجمة في أربعة أشهر قضاها في نيوزيلندا هرباً من حر القاهرة)، وناقد أدبي وأكاديمي متميز عكف سنوات طويلة على دراسة مختلف أعمال محفوظ دراسة معمقة.
يمكن تقسيم هذه الأعمدة الصحافية إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى مقالات تتناول موضوعات عامة مثل الحرب والسلام، والشهرة، وهموم الشباب، والديمقراطية، والثقافة، والانتخابات، وصراع الخير والشر في حياة الأفراد والجماعات، وظاهرة العنف، وموقفنا من الحضارة الغربية، والإصلاح الاقتصادي، والسياحة والدين والسياسة، ومواجهة الإرهاب، والأدب العربي والعالمية، والعلاقة بين الكاتب والقارئ، والتجربة الحزبية، والنظام العالمي الجديد، والتغير المناخي.
والفئة الثانية أعمدة من وحي مناسبات بعينها؛ مثل ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 في مصر، وحرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وذكرى وفاة زعيميْ حزب الوفد سعد زغلول ومصطفى النحاس (تصادف أن تُوفيا في يوم واحد هو 23 أغسطس «آب»)، زغلول في 1927، والنحاس في 1965.
والفئة الثالثة مقالات عن شخصيات من عالم الأدب والفن والسياسة؛ مثل جورج بوش، ومحمد عبد الوهاب، وغوربا تشيف (من الشائق أن تقارن ما يقوله محفوظ عن هذا الأخير بما قاله أستاذ الفلسفة الراحل الدكتور فؤاد زكريا في كتابه المسمى «مقامرة التاريخ الكبرى: على ماذا يراهن جوربا تشيف؟»).
يضم الكتاب مقالات محفوظ عبر خمس سنوات؛ من يناير (كانون الثاني) 1989 إلى أكتوبر 1994؛ وهو الشهر الذي تعرّض فيه محفوظ لمحاولة اغتيال آثمة نجا منها بحياته بما يشبه المعجزة. وتنطق هذه المقالات - كما يقول هويسون - بخصال محفوظ الإنسانية واتساع رقعة اهتماماته وتعاطفه مع معاناة البشر وتواضعه وتفاؤله (رغم حسه المأسوي في رواياته)، وقدرته على توجيه الأنظار إلى ما كان خافياً عن الأعين. إن محفوظ يصدر عن ضمير اجتماعي حي ونظرة فلسفية عميقة، ويملك تلك الصفة النادرة بين كُتاب عصرنا: صفة الحكمة، كما وصفته روائية جنوب أفريقيا نادين غورديمر الحاصلة على جائزة «نوبل» للأدب في 1991 بعد ثلاث سنوات من حصول محفوظ على الجائزة في 1988.
وفي بعض الأحيان يبدو محفوظ - كما يقول رشيد العناني - أشبه بصوت صارخ في البرية، أو صاحب رؤيا يحذّر من الأخطار المحدقة بالأمة العربية.
وفضيلة الإيجاز من أكبر الفضائل التي تمتاز بها كتابة محفوظ هنا، فهو يضع الكلمة في موضعها، ويبرأ من الإطناب الإنشائي الفارغ، ومن ذلك الإسهال اللفظي الذي يعيب الكتابات السياسية والاجتماعية لأقرانه من مشاهير الكتاب: يوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وعبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس، وغيرهم.
ومن الطبيعي في مقالات يكتبها أديب مثل محفوظ، أن تزخر كتاباته بإشارات إلى أعمال أدبية وفكرية سابقة، وأن تحمل أصداء من قراءاته. نجد هذا حتى في عناوين مقالاته؛ فمقالته المُعَنونة بـ«اعرف نفسك» تشير - في المأثورات الإغريقية القديمة - إلى العبارة التي وجدها الفيلسوف سقراط منقوشة في معبد دلفي، وكانت تمثل نصيحة أرباب الإغريق لبني البشر. ومقالتا «الحرب والسلام» تحملان عنوان رواية تولستوي الملحمية الكبرى «الحرب والسلام» (1863 - 1869). ومقالة «وصف مصر» تُذكرنا بالكتاب الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية ممن صحبوا نابليون بونابرت في غزوته لمصر عام 1798. ومقالة «بحثاً عن الزمن المفقود» تحمل عنوان رواية الروائي الفرنسي مارسيل بروست، الصادرة في 1913 - 1927. ومقالة «سعد زغلول وعودة الروح» تردّنا إلى رواية توفيق الحكيم «عودة الروح» (1933). ومقالة «الخوف من الحرية» ترجّع صدى عنوان كتاب لعالم النفس الألماني المولد، الأميركي الجنسية إريك فروم، صدر عام 1941. ومقالة «رئيس لكل العصور» صدى لعنوان مسرحية الكاتب المسرحي الإنجليزي روبرت بولت «رجل لكل العصور»، وموضوعها المفكر الهيوماني الإنجليزي السير توماس مور؛ من القرن السادس عشر الذي مات شهيداً.
وأتوقف هنا وقفة قصيرة عند ثلاثة من هذه الأعمدة الصحافية يرثي فيها محفوظ أدباء راحلين. إنه يكتب في 1/9/1990 رثاء للناقد الأدبي الدكتور لويس عوض، تحت عنوان «رحيل الأستاذ»، فيصفه بأنه كرّس حياته كلها للعلم والثقافة، وأنه كان جاداً لا يعرف المزاح، وكان يلم أحياناً باجتماعات ما عُرف باسم شلة الحرافيش التي كانت تضم - إلى جانب محفوظ - الكاتب الساخر محمد عفيفي، والممثل السينمائي أحمد مظهر، والشاعر ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين، والمخرج السينمائي توفيق صالح، وغيرهم. ولكن عوض قلّما كان يشارك أعضاء الشلة فكاهتهم ومرحهم، وظل طابع الأستاذ الجامعي والمحاضر الجاد غالباً عليه، وظل ثابتاً على مبادئه الجامعة بين الاشتراكية والليبرالية، ومتميزاً بالتزامه الأخلاقي الصارم في وجه ما عاناه من سجن وفصل من الجامعة وهجمات من أقصى اليمين.
وتحت عنوان «وداعاً يوسف إدريس» يكتب محفوظ في 8/8/1991 يرثي الرجل الذي دُعي «أمير القصة العربية القصيرة»، فيصفه بأنه كان ثورة في الفن وفي المجتمع، كان جسوراً يثير عواصف من الجدل والنقاش أينما حلّ، ويمضي في طريقه مندفعاً لا يأبه لأحد، وكان فناناً أصيلاً دمغ بميسمه المتميز كل الأجناس الأدبية التي عالجها، ما بين أقاصيص وروايات ومسرحيات ومقالات صحافية أثّرت في كُتاب جيله وفي الجيل الذي تلاه.
ولا أَدلّ من هذه الكلمات على سماحة محفوظ وخُلقه النبيل ورحابة صدره، فقد غفر لإدريس موقفه الصبياني حين فاز محفوظ بجائزة نوبل، فثار إدريس يقيم الدنيا ويُقعدها، وجأر بالشكوى قائلاً إنه كان أحقَّ بالجائزة من محفوظ، لكن محفوظ تعالى على هذا كله، وأبى أن يرد على إدريس، وإنما عامله كما يعامل الأب الحكيم ابناً موهوباً ولكنه طائش. وقد فاء إدريس فعلاً إلى رشده، وأقرّ فيما بعد بأن الجائزة قد ذهبت إلى من يستحقها.
ورثى محفوظ، الرائد القصصي الذي تُوفي في 9 ديسمبر 1992: يحيى حقي صاحب «قنديل أم هاشم»، وسجل محفوظ إعجابه بتلك الرواية القصيرة، وقال إنه حرص، منذ ذلك الحين، على قراءة كل ما يجري به قلم حقي، واصفاً إياه بأنه كان مدرسة قائمة برأسها في فن القصة القصيرة، ثم أتيح لنجيب محفوظ، وللكاتب المسرحي علي أحمد باكثير أن يعملا تحت رئاسة حقي حين كان هذا الأخير مديراً لمصلحة الفنون، ومن ثم أتيح له أن يتعرف على حقي الإنسان، كما تعرّف على حقي الفنان. لم تكن آراء الرجلين متفقة في بعض القضايا، ولكن محفوظ يشهد بأن حقي كان دائماً موضوعياً وعادلاً في أحكامه.
ومن هؤلاء الأدباء المصريين ينتقل محفوظ إلى أديب إسباني فاز بجائزة «نوبل» للأدب في 1989 هو الروائي كاميلو خوسيه سيلا. ويذكر محفوظ أن سيلا، المولود عام 1916 لأب إسباني، وأم إنجليزية، عاش حياة غنية بالتجارب خاض فيها غمار الجندية ومصارعة الثيران والتمثيل السينمائي. لقد درس الطب والفلسفة والقانون، ثم انقطع عن مواصلة الدراسة حين شبّت الحرب الأهلية الإسبانية، واتجه إلى كتابة الرواية والشعر والمسرح، ولمع نجمه بروايته المسماة «عائلة باسكال ديوراثي» التي تُرجمت إلى عشرين لغة (منها اللغة العربية بترجمة الدكتور حامد أبو أحمد في سلسلة «روايات الهلال»)، ويدعو محفوظ نقادنا وباحثينا إلى الكتابة عن هذا الأديب وتعريف الجمهور القارئ به ونقل أعماله إلى العربية.
وفي الختام أقول إن نقل هذه الأعمدة الصحافية إلى اللغة الإنجليزية على هذا النحو الدقيق المشرّف، إنجاز مهم؛ ذلك أنها - كما كتبت صحيفة «فينانشيال تايمز» البريطانية - تمكّننا من تتبع رحلة محفوظ الفكرية، وتطور اهتماماته، والوقوف على آرائه في الشأن العام، لكن هذا لا يمنعني - إحقاقاً للحق - من أن أقول إن محفوظ لم يكن كاتب مقالات مطبوعاً، ولم يكن نثره خارج نطاق الرواية والأقصوصة بمستوى نثره في ذلك النطاق. إن نثره غير القصصي يلوح أحياناً متخشباً مفتقراً إلى المرونة، ولا يخلو من جفاف، على النقيض من نثره القصصي البارع الذي يتلوّن بما يلائم رسم الشخصية والموقف والمقام. لقد كان محفوظ قاصاً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وكل ما جرى به قلمه خارج نطاق القص إنما يأتي في المرتبة الثانية من الأهمية. هذه كتابات جديرة قطعاً بالترجمة والقراءة والدراسة، ولكنها ليست ما يكفل لمحفوظ الخلود.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)
وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)
TT

الدبيبة يسعى لاستعادة «أكبر مزرعة» ليبية في غينيا

وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)
وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة في غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

تسعى حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة في ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى استعادة ملكية مزرعة موالح كبرى من دولة غينيا، توصف بأنها «الأكبر في غرب أفريقيا».

المزرعة التي تبلغ مساحتها 2150 هكتاراً، وفق بيانات «محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار»، مخصصة لزراعة المانجو والأناناس، وملحق بها مصنع للعصائر وسبع بحيرات. وتعد المزرعة المستهدفة من بين الأصول الليبية، التي تديرها «محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار»، وهي عبارة عن صندوق استثماري ليبي، وتتوزع في أكثر من 430 شركة، و200 عقار في كل من أفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية.

وأجرى وفد رفيع من حكومة «الوحدة»، برئاسة وزير الشباب فتح الله الزني، الذي وصل غينيا مساء (الاثنين)، مباحثات مع مسؤوليها حول كيفية استرجاع المزرعة لليبيا.

وتأتي زيارة وفد الحكومة في طرابلس، عقب جدل وشكوك بشأن انتحال الغيني أمادو لامين سانو صفة «وزير ومستشار خاص لرئيس جمهورية غينيا بيساو»، خلال لقائه مسؤولين في حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلس النواب.

وكانت غينيا قد صادرت المزرعة الليبية عام 2020 بموجب مرسوم رئاسي أصدره الرئيس الغيني السابق، إلا أن المحكمة العليا الغينية قضت مؤخراً بإبطال ذلك المرسوم، ومن ثم إعادتها إلى ليبيا.

وفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إلى غينيا (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

وضم الوفد الذي ترأسه الزني، بصفته مبعوثاً للدبيبة إلى غينيا، أيضاً مصطفى أبو فناس، رئيس مجلس إدارة «محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار»، وعضو مجلس إدارة المحفظة خليفة الشيباني، والمدير العام لـلشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية (لايكو)، محمد محجوب.

واستقبل الوفد الليبي وزير الشباب الغيني فرنسواه بوقولا، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الغينيين. وشارك في اللقاء القائمون بأعمال سفارتي البلدين.

ورأت «محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار» أن هذه الزيارة «خطوة تمثل تطوراً مهماً في سياسة حكومة (الوحدة) لاستعادة وتسوية الملفات العالقة، المتعلقة بالاستثمارات الليبية في القارة الأفريقية، كما تعكس حرص مجلس إدارة (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار) على استعادة جميع ممتلكات المحفظة».

فيما يرى ليبيون أن الانقسام السياسي الليبي أثر على متابعة الأصول الخارجية المملوكة للبلاد.

وكانت أفريقيا الوسطى قد أقدمت على عرض أحد الفنادق الليبية في مزاد علني، ما أعاد السؤال حول مصير الأصول المجمدة بالخارج، التي تديرها «المؤسسة الليبية للاستثمار»، وكيفية الحفاظ عليها من الضياع.

وسبق أن قضت محكمة في عاصمة أفريقيا الوسطى بانغي ببيع أملاك للدولة الليبية في المزاد العلني، وهي: «فندق فخم»، قدرت قيمته بـ45 مليون يورو، وعمارتان تضمان شققاً بـ80 مليون يورو، بالإضافة إلى قطعة أرض قدرت قيمتها بـ6 ملايين يورو، وخاطبت المحكمة النائب العام ووزير العدل بأفريقيا الوسطى لعقد المزاد العلني. وقالت «الشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية» إن الدولة الليبية حصلت على هذه العقارات مقابل قروض منحتها للدولة الأفريقية، بموجب اتفاقية موقعة بين البلدين عام 2007؛ لحماية وتشجيع الاستثمار.

وفي مايو (أيار) 2023 قالت «محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار» إنها نجحت في رفع الحجز عن فندق «ليدجر بلازا بانغي»، وهو من فئة 5 نجوم ومملوك لليبيا في عاصمة أفريقيا الوسطى بانغي.

وتُعنى «لايكو» بإدارة الفنادق والمنتجعات المملوكة للشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية، والتي تعمل تحت مظلة «محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار»، والمؤسسة الليبية للاستثمار المعروفة بـ«الصندوق السيادي الليبي». وتضم «لايكو» مجموعة من 11 منشأة، بها أكثر من 2200 غرفة من فئة 4 إلى 5 نجوم، وتطل على المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.

وسبق أن ناقش النائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي مع رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستين تواديرا، خلال لقائهما في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ملف الاستثمارات الليبية وكيفية حمايتها.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة (الوحدة)

وكانت الأموال الليبية المجمدة في الخارج تُقدر بقرابة 200 مليار دولار، وهي عبارة عن استثمارات في شركات أجنبية، وأرصدة وودائع وأسهم وسندات، تم تجميدها بقرار من مجلس الأمن الدولي في مارس (آذار) عام 2011، لكن الأرصدة النقدية تناقصت على مدار السنوات الماضية إلى 67 مليار دولار، وفق فائز السراج، رئيس حكومة «الوفاق الوطني» السابقة.