دراسة ترصد التأثيرات الدولية المحتملة للتخفيضات الطوعية في إنتاج النفط

توقعت آثاراً سلبية على الدول المستوردة للخام

حفارات في حقل نفطي (رويترز)
حفارات في حقل نفطي (رويترز)
TT

دراسة ترصد التأثيرات الدولية المحتملة للتخفيضات الطوعية في إنتاج النفط

حفارات في حقل نفطي (رويترز)
حفارات في حقل نفطي (رويترز)

رصدت دراسة اقتصادية حديثة مجموعة من التأثيرات الدولية المحتملة نتيجة التخفيضات الطوعية في إنتاج النفط، والتي أعلنت عنها في مطلع أبريل (نيسان) الجاري ثماني دول نفطية ضمن تجمع أوبك بلس، بمقدار 1.6 مليون برميل يومياً.
وترى الدراسة، الصادرة عن مركز «تريندز» للدراسات البحثية، أن انعكاسات قرار التخفيض الطوعي ستتجلى في الأسواق خلال الفترة المقبلة، وأبرزها: مقاومة أميركية على طلب النفط، والتأثير على حركة رؤوس الأموال الدولية لدعم إنتاجها من النفط، فضلا عن التوسع في السحب من المخزونات الاستراتيجية من الولايات المتحدة وحلفائها.
أوضحت الدراسة، التي أعدها الدكتور محمد يوسف والباحثة موزة المرزوقي، أنه فيما يخص الاتجاهات المتوقعة لأسعار النفط نتيجة لهذا القرار، فمن المحتمل أن «ينعكس هذا التخفيض الإنتاجي في صورة دعم سريع للأسعار في سوق النفط لمنع انزلاقها بعيداً عن حاجز 80 دولاراً»، مشيرة إلى أن «الإشارات التي ستستقبلها سوق النفط من القرار تتركز في أن جانب العرض لن يقبل بمزيد من التراجع في الأسعار، وأنه يعمل على الحفاظ على التوازن الإيجابي في سوق النفط الدولية». وسط توقعات بأن يزداد الطلب على الغاز الطبيعي ليشهد هو الآخر ارتفاعاً محتملاً في أسعاره بالأسواق الدولية.
وأضافت: «من الطبيعي أن تنشأ مقاومة محتملة من جانب الطلب في سوق النفط بقيادة الولايات المتحدة الأميركية... فمن المتوقع أن تطبَّق حزمة من السياسات، بدءاً من التوسع في السَّحب من المخزون الاستراتيجي، مروراً بدعم محتمل للطاقة، وصولاً لمزيد من التشديد النقدي المحلي والتدخل في هيكل السيولة الدولية، والتأثير على حركة رؤوس الأموال الدولية لدعم إنتاجها النفطي. وبطبيعة الحال، ستجد السياسات الأميركية دعماً من حلفائها التقليديين؛ لكونهم يمثلون جبهة مصالح اقتصادية واحدة في سوق النفط الدولية».
وبالنسبة لموقف الصين والهند، ترى الدراسة أن الظروف الاقتصادية التي تحكم طلبهما الحالي على النفط ستقلل من حاجتهما للتدخل السلبي في استقرار سوق النفط؛ لا سيما أن الهند باتت من أكبر المستفيدين من أزمات قطاع النفط الحالية، وأن الصين تطور مزيج الطاقة لديها لصالح زيادة حصة الغاز الطبيعي المسال، الذي وقعت له عقوداً مستقرة وطويلة الأجل مع تسريع ريادتها للطاقة الجديدة في توليد الكهرباء.

آثار سلبية
غير أن الدراسة أشارت إلى الآثار السلبية المتوقعة لقرار الخفض الطوعي، في حال تخطي أسعار النفط حاجز الـ90 دولارا للبرميل، والتي تتمثل في: «أن تتفاقم المشكلات الاقتصادية للدول المدينة والمستوردة للنفط؛ ذلك أن موازنات هذه الدول تتوازن عند مستويات تقل كثيراً عن هذا الحاجز، كما أنها تعاني حالياً من تعثر شديد في موازنة الصرف الأجنبي وتضعف قدراتها على استيراد مصادر الطاقة، وقد يلقي ذلك بظلاله على هيكل المساعدات الخارجية للدول النفطية، التي تربطها مصالح استراتيجية مع العديد من هذه الدول المأزومة».

العرض والطلب
بالنسبة لجانب العرض في سوق النفط، فإن الدراسة تقول: «بينما يترتب على التخفيض الجديد للإنتاج النفطي ارتفاعٌ جديدٌ في أسعار النفط، فإن التأثير الآني والقصير الأجل على موازنات دول تجمّع أوبك بلس سيتمثل في صورة فائض مالي إضافي يمكّنها من إعادة بناء احتياطاتها وصناديقها الاستثمارية التي تضررت بشدة بفعل سياسة الدولار القوي أو حققت خسائر رأسمالية من جراء أزمة المصارف الدولية التي حدثت مؤخراً».
وأضافت: «من المتوقع أن تستفيد التجارة النفطية الروسية من هذا القرار حال مساهمته في رفع أسعار النفط. ذلك أنه في تلك الحالة ستزداد القدرات التفاوضية الروسية مع شركاء التجارة، وستضعف فاعلية سقوف الأسعار ضمن برنامج العقوبات المفروضة عليها لتزايد موارد النقد الأجنبي الروسي من تصدير النفط. وقد يدفع ذلك الصين إلى إعادة التفكير مجدداً في خط الغاز الذي يربطها بروسيا عبر منغوليا».
وتأخذ الدراسة على محمل الجد توقعاتها بارتفاع في أسعار الغاز، وترى أنه «في ظل ارتفاع متوقع في أسعار النفط، يتزامن معها ارتفاع متوقع في أسعار الغاز، فإن التأثير على منظومة الأسعار النسبية العالمية سيقلل من التباين القائم فيما بينها، لا سيما التباين بين أسعار الطاقة الأحفورية من جانب وأسعار السلع الصناعية التي شهدت ارتفاعات مطردة خلال العامين الماضيين من جانب آخر».

بوصلة سوق النفط العالمية
أوضحت الدراسة أنه إزاء التداعيات الدولية التي أثرت على أسواق النفط، كان من الواضح أن الاستقرار سيظل غائباً عن هذه السوق مع وجود أزمات جديدة تلوح في أفق الاقتصاد العالمي في مطلع العام 2023. ويلاحظ أن أسعار النفط خلال الأشهر الثلاثة المنقضية من العام الحالي تشير إلى تقلب أسعار النفط حول حاجز 80 دولاراً للبرميل، لكنها وصلت لأدنى مستوى في منتصف مارس الماضي.
ولقد توصلت الدراسة، عبر ما عرضته من متغيرات وما تضمنته من رؤى وأفكار، إلى أن «التخفيض الطوعي الذي قامت به ست دول عربية نفطية إلى جانب روسيا وكازاخستان، يهدف لدعم الاستقرار المفقود في سوق النفط؛ هذه السوق التي عانت على مدار عام الحرب الروسية على أوكرانيا من عدة تقلبات دفعت بها بعيدا عن هذا الاستقرار. وإذا سلمنا بأن هذا التخفيض كان من أجل الاستقرار، فيجب أن نسلّم أيضاً أن ضبط بوصلة سوق النفط العالمية يحمل مضموناً أشمل وأعمق من مجرد الاستقرار السعري الذي يخاطب الأجل القصير».
وأشار يوسف والمرزوقي، في الدراسة، إلى أن بوصلة سوق النفط العالمية لا تقتصر على الاسترشاد بمؤشرات العرض أو الطلب في السوق، على ما لهما من أهمية في تحقيق الاستقرار القصير الأجل، لكنها «تمتد لتشمل نوعية التدخلات في السوق وتوقيتاتها ومدى اتصالها بباقي أسواق السلع والخدمات الداخلة في الاتجار الدولي، وفوق كل ذلك مدى تأثيرها على محفزات النمو الاقتصادي وآفاقه المأمولة. كما أن هذه البوصلة لا تهمل الطبيعة الناضبة والتأثيرات الجانبية لهذا المورد الفائق الأهمية للاقتصاد العالمي. ولذلك، فإن السياسات الواعية التي يتعين التأكيد عليها والحرص على تنفيذها في سوق النفط العالمية تقوم على قاعدة أساسية، وهي ضرورة إخراج قطاع النفط من حلبة التنافس السياسي الدولي، وهو ما يحرص عليه دائماً تجمُّع أوبك بلس بقيادة واعية من الدول الخليجية. ونعتقد أن هذا الحرص هو الضمانة الأولى للتغيير المأمول في بوصلة سوق النفط العالمية مستقبلاً».


مقالات ذات صلة

«السوق المالية» السعودية في مأمن من الأعطال التقنية العالمية

الاقتصاد مستثمران يتابعان أسعار الأسهم على شاشة «تداول» السعودية (رويترز)

«السوق المالية» السعودية في مأمن من الأعطال التقنية العالمية

أكدت هيئة السوق المالية السعودية سلامة الأنظمة التشغيلية من الأعطال التقنية التي تأثرت بها معظم الجهات حول العالم، وجاهزيتها لتقديم الخدمات لكل المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مسافرون في مطار «دالاس فورت وورث الدولي» في تكساس (أ.ب)

شركات الطيران تستأنف عملياتها بعد أكبر عطل تقني في التاريخ

يعود الوضع تدريجياً إلى طبيعته، السبت، عقب عطل تقني هو الأكبر في التاريخ، أدى إلى اضطرابات لدى شركات طيران عالمية ومصارف ومؤسسات مالية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا ألغت شركة «الخطوط الجوية التركية» 84 رحلة بسبب العطل التقني (الخطوط التركية)

الخطوط الجوية التركية تلغي 84 رحلة وتعوّض الركاب

ألغت شركة «الخطوط الجوية التركية» 84 رحلة بسبب العطل التقني في نظام «كراود سترايك» للأمن السيبراني نتيجة أعمال التحديث الفني.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استقبل رئيس وزراء النيجر على الأمين زين في أنقرة فبراير (شباط) الماضي (الرئاسة التركية)

تركيا تسارع لملء الفراغ الغربي في النيجر بشراكة متعددة الأبعاد

كشفت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية هاكان فيدان، إلى النيجر عن استمرار التركيز من جانب أنقرة على ترسيخ حضورها في أفريقيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص تراجع التضخم إلى 2.4 في المائة مع انخفاض الزيادات بتكلفة البقالة والزيادات الإجمالية بالأسعار لأكبر اقتصادين ألمانيا وفرنسا (رويترز) play-circle 00:49

خاص كيف أنهكت حربان اقتصاد العالم وغذاءه؟

أضافت الحرب الروسية الأوكرانية مزيداً من الأعباء على الاقتصاد العالمي المنهك منذ وباء كورونا، فيما أثرت حرب غزة سلباً على ميزانيات الدول والتجارة العالمية.

مالك القعقور (لندن)

انطلاق الجولة الأولى لمفاوضات التجارة الحرة بين دول الخليج وتركيا

توقيع البيان المشترك لبدء المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا في مارس الماضي (الشرق الأوسط)
توقيع البيان المشترك لبدء المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا في مارس الماضي (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الجولة الأولى لمفاوضات التجارة الحرة بين دول الخليج وتركيا

توقيع البيان المشترك لبدء المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا في مارس الماضي (الشرق الأوسط)
توقيع البيان المشترك لبدء المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا في مارس الماضي (الشرق الأوسط)

تنطلق في أنقرة، يوم الاثنين، الجولة الأولى لمفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين التعاون لدول الخليج العربية وتركيا.

وتستمر أعمال هذه الجولة مدة 3 أيام بمشاركة 9 جهات حكومية سعودية، وتناقش عدداً من المواضيع المتعلقة بتجارة السلع والخدمات، والاستثمار، وقواعد المنشأ، والعوائق الفنية أمام التجارة، وتدابير الصحة والصحة النباتية.

أعمال الجولة الأولى

سيجري التركيز خلال هذه الجولة على تبادل المعلومات والبيانات ومناقشة التحديات والفرص التجارية بين الأطراف المشاركة، وبناء الثقة والشراكة من خلال تحديد مجالات التعاون والتنسيق المشترك، ما يمهد الطريق في الجولات المقبلة للتوصل إلى اتفاق نهائي شامل.

وتستهدف الجولة الأولى الاتفاق على المبادئ التي ستسير عليها المفاوضات، بالإضافة إلى وضع الإطار للجولات التفاوضية المقبلة والأهداف المرجوة منها سعياً للانتهاء من المفاوضات بأقرب وقت ممكن.

وتشارك السعودية في الجولة الأولى للمفاوضات بوفد حكومي برئاسة الهيئة العامة للتجارة الخارجية وبمشاركة وزارات الطاقة، الاستثمار، البيئة والمياه والزراعة، الصناعة والثروة المعدنية، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، والهيئة العامة للغذاء والدواء، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، وهيئة تنمية الصادرات.

وسيتابع الفريق التفاوضي السعودي، ويشرف على سير المفاوضات التجارية لضمان توافقها مع أهداف وسياسات السعودية التجارية، كما يشارك في المفاوضات التجارية لتضمين مواقفها التفاوضية، والتنسيق مع الدول ذات التوجهات المماثلة أو المشابهة في التجارة الدولية.

وستعمل الاتفاقية، عند تطبيقها، على إعطاء ميزة تفضيلية لنفاذ المنتجات الوطنية من سلع وخدمات في أسواق جميع الأطراف من خلال تحرير أغلب السلع والخدمات، بالإضافة إلى تسهيل وتشجيع وحماية الاستثمارات، ورفع حجم التبادل التجاري، إضافةً إلى تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية في الدول الأطراف.

بيان بدء المفاوضات

وقَّع الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم محمد البديوي، ووزير التجارة التركي، عمر بولاط، البيان المشترك لبدء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بينهما في أنقرة في 21 مارس (آذار) الماضي في تأكيد على رغبة دول الخليج وتركيا على تنمية الشراكة الاستراتيجية بينهما.

وعبَّر وزير التجارة التركي عمر بولاط، في كلمة خلال توقيع البيان، عن اعتقاده أن المفاوضات ستكتمل في أقرب وقت ممكن.

وأشار إلى أن مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، التي بدأت في عام 2005 لكن توقفت عام 2010 قد عادت من جديد، مؤكداً أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين ستكون أكثر شمولاً ومحددة بشكل جيد، وستكون هناك فرص للتنمية والتنويع في هذا الإطار. وقال إن بلاده تعلق أهمية على الانتهاء من اتفاقية شاملة تنظم مجالات مهمة مثل التجارة في السلع والخدمات، وحقوق الملكية الفكرية، والإجراءات الجمركية، وتسهيل التجارة، وتطوير التعاون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وأضاف أن الهدف هو تقديم مساهمة جدية في رفاهية تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي مع استكمال عملية التفاوض ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ.

ولفت إلى أن إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي يتجاوز 2.4 تريليون دولار

وذكر بولاط أن إجمالي حجم التجارة الخارجية لتركيا ودول الخليج الست يتجاوز 2.4 تريليون دولار، ومن الواضح مدى أهمية وضخامة التعاون التجاري الذي سيتم تحقيقه من خلال التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة.

وقال: «تماشياً مع الجانب متعدد الأبعاد لعلاقاتنا، نتوقع ألا يقتصر اتفاقنا على التجارة في السلع».