حُضْن الأم أفضل من الحضانات الطبية

«مبادرة الاحتضان» قد تنقذ آلاف الخُدّج

حُضْن الأم أفضل من الحضانات الطبية
TT

حُضْن الأم أفضل من الحضانات الطبية

حُضْن الأم أفضل من الحضانات الطبية

تبنت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) مبادرة لتشجيع احتضان الأمهات لأطفالهن الرضع دون الانتظار لتحسن حالتهم الصحية في الحضانات. وتأمل الأكاديمية أن يساعد هذا الإجراء البسيط في إنقاذ حالات آلاف الأطفال.
وأُطلق على هذه المبادرة اسم «رعاية الأم الكنغر Kangaroo Mother Care» أو اختصاراً (KMC) كدليل على أهمية احتواء الرضيع بشكل حميمي أشبه بأنثى الكنغر. والمبادرة مفيدة جداً خصوصاً للرضع الخدج (المبتسرين) premature وقليلي الوزن. وأوصت الأكاديمية أيضاً بضرورة وضعهم على صدر الأم بعد الولادة مباشرةً حيث يمكن للرضيع أن يستفيد من الرضاعة الطبيعية، والأهم إحساس الأمان نتيجة لتلامس جلد الرضيع بشكل مباشر مع جلد الأم (skin - to - skin care) مما يساعد في التحسن.

الاحتضان الأول
أوضحت الأكاديمية، التي تعد أهم مرجعية لطب الأطفال في العالم، أن معظم وفيات الرضع الأكثر ضعفاً في الأغلب تكون في أول 24 ساعة بعد الولادة، ومبادرة الاحتضان يمكن أن تنقذ آلاف الأطفال الذين تفشل معهم التدخلات الطبية الحديثة. وبعيداً عن الجانب النفسي فإن حضن الأم يتفوق على الحضانة الطبية، في تقليل العدوى التي يصاب بها كثير من الرضع خصوصاً إذا استمر وجودهم فترات طويلة، وأيضاً يقلل بشكل ملحوظ من انخفاض حرارة الجسم (عامل من عوامل زيادة خطر الموت في الرضع) فضلاً عن زيادة الوزن بشكل أسرع، كما أن هذا الإجراء يسهم في حماية الأم من اكتئاب ما بعد الولادة وآثاره السيئة.
استندت مبادرة الأكاديمية إلى الكثير من الدراسات. ومؤخراً ذكرت مقالة علمية حديثة نُشرت في مجلة «نيو إنغلاند الطبية The New England Journal of Medicine»، أنه بالمقارنة مع الإجراء الحالي المتَّبَع في حالة الأطفال المبتسرين، وهو وضع الرضع الأكثر عُرضة للخطر في الحضانة لفترة تتراوح بين 3 و7 أيام، يمكن لحضن الأم بالشكل الحميمي أن يسهم في إنقاذ 150 ألف رضيع كل عام على وجه التقريب أي بنسبة مئوية تقترب من 25 في المائة، وهي نسبة كبيرة جداً خصوصاً إذا عرفنا أن هناك 15 مليون طفل مبتسر حول العالم يولدون سنوياً.
ونصحت الأكاديميةُ الأطباءَ بضرورة التعامل مع الإجراء بجدية وعدم الاعتماد على الحضانات كعلاج أوّلي وأساسي للرضع، فضلاً عن اعتبارها الأكثر أماناً، وأوضحت أن صدر الأم يمكن أن يكون أكثر وقاية وحماية من الحضانة، وأن انتظار التحسن الإكلينيكي ثم وضع الطفل على صدر الأم ربما يكون له أثر سلبي بالغ، وذلك حسب أحدث التوصيات التي صدرت من منظمة الصحة العالمية (WHO) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، حينما قامت بتحديث إرشاداتها الخاصة بـ«رعاية الكنغرو KMC» لتبدأ مباشرة بعد الولادة دون انتظار فترة أولية في الحضانة، وأوضحت أن التلامس الجلدي المبكر والمطوّل والمستمر والرضاعة الطبيعية مفيدة جداً للرضع.

الأم والرضيع
أشارت الأكاديمية إلى معرفتها بوجود صعوبات في تبني هذه المبادرة في الوقت الحالي لعدة عوامل أهمها عدم ثقة الأطباء والعاملين في المجال الطبي في كفاءة الإجراء من الناحية الطبية حتى لو كانت نتائجه النفسية مؤكَّدة، إلى جانب ضرورة تغيير تصميم الرعايات المركزة للأطفال بالشكل الذي يجعلها تتعامل مع وجود الأم والرضيع إذا تطلب الأمر مع ضرورة التأكد من الحالة الصحية للأم وعدم إصابتها بأي أمراض مُعدية، ويتطلب الأمر تغيير ثقافة كاملة في التعامل مع المبتسرين.
من المعروف أن الرضع في العناية المركزة لحديثي الولادة يتعرضون للكثير من المخاطر التي تختلف في حدتها مثل مستويات الضوء والضوضاء الشديدة والإجراءات الطبية المتكررة سواء أخْذ عينات من الدم أو إعطاء أدوية وريدية إلى جانب المشكلات العصبية المتعلقة بالانفصال عن الأم مثل التفاعلات البصرية والصوتية وافتقاد اللمس الحسي بين جلد الأم والرضيع، مما يمكن أن يؤثر على النمو العصبي لهؤلاء المبتسرين إلى جانب التأثير السلبي على الأم وإصابتها بالقلق والتوتر.
يمثل فصل الرضيع عن الأم نوعاً من التوتر العصبي على الرضيع، مما يؤدي إلى خلل في التناغم بين المخ والغدة النخامية والغدة الكظرية (ما فوق الكلية suprarenal gland) يقود إلى إفراز الكورتيزول الذي يعد مؤشراً على التوتر والقلق، والمستويات المرتفعة منه على المدى الطويل يمكن أن تسبب آثاراً جانبية مثل مقاومة الإنسولين وارتفاع نسبة الدهون في الدم ونقص إفراز هرمونات النمو المختلفة إلى جانب التغييرات العصبية في المخ، حيث ترتبط المستويات المرتفعة بالاضطرابات السلوكية.
تعد فكرة الحضن المباشر بعد الولادة نوعاً من العلاج، لأن الدراسات توضح أن عملية ملامسة الجلد للجلد قد تكون وسيلة جيدة لتقليل القلق والتوتر العصبي عند الرضع، وعند إجراء التجارب ارتبط احتضان الأم لطفلها بانخفاض كبير في مستويات الكورتيزول المبكر خصوصاً خلال الفترات الحرجة من النمو في الشهور الأولى من عمر الرضيع. وعلى الرغم من عدم وجود توصيات بمدة معينة لاحتضان الرضع فإن الدراسات تشير إلى أن المدة كلما زادت أسهم ذلك في خروج الطفل من المستشفى سريعاً.
وأكدت الأكاديمية أن الأمر في النهاية متروك للأطباء لتقييم الوضع الطبي بشكل عام وتقرير إذا كانت حالة الرضيع تسمح بوجوده مع أمه من عدمه. وبالطبع هناك فروق فردية وإكلينيكية يمكن القياس عليها وتحديد المكاسب والمخاطر من كل إجراء طبي. وتهدف المبادرة إلى تشجيع الأطباء على منح الفرصة للأمهات بتقديم «رعاية الكنغر» في أسرع وقت ممكن لأنها مفيدة للأم والرضيع معاً وتسهم في التحسن الفعلي وتقلل المضاعفات الوارد حدوثها.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».