بعد 12 عاماً على إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، لا يزال الليبيون منقسمين ويتبادلون الاتهامات عما لحق ببلادهم من ضياع، و«ثورتهم» من تشويه.
ففي ميدان الشهداء بوسط طرابلس العاصمة، لا يزالون يتجمعون، كل عام، في ذكرى هذه المناسبة، لرفع «عَلَم الاستقلال» والاحتفال حتى الصباح برحيل النظام الذي حَكَمهم بقبضة حديدية، قرابة 42 عاماً، لكن جُلّهم غير راضين عما تحقق بعد هذه المدة، ويرون أن «كثيرين ممن شاركوا في (الثورة) تربّحوا من ورائها مالاً، واكتسبوا سلطة».
https://www.facebook.com/NSD.Tripoli/videos/714093493513135
غير أن ما آلت إليه ليبيا لم يسعد له حتى أشدُّ المبادلين للقذافي عداوة، فهذا صلاح بادي، المعروف بآمر «لواء الصمود»، والرقم الصعب في مدينة مصراتة (غرباً)، والمعاقَب دولياً، خرج ليرثي «الثورة والثائرين»، ورأى أن «بعض أنصارها أيّدوها لتحقيق مصالحهم أو من أجل الانتقام، أو من أجل السلطة والمادة، وكلهم ركبوا الموجة».
واللافت أن بادي، الذي شارك في مواراة جثمان القذافي الثرى في مقبرة سرّية بعمق الصحراء، عبّر بامتعاض وغضب شديدين عما صارت إليه الأمور راهناً، بل إنه فاجأ الجميع وقال إنه «لم تكن لديهم أزمة مع معمر القذافي لو سمع كلمة شعبه واهتم ببناء ليبيا بدلاً من أن يرسل أموالها للخارج».
وبقدر ما وجّه بادي سهامه إلى القذافي في أنه تسبَّب في «نشر الجهل وأهدر قدرة البلاد في حرب تشاد، ودخل في معارك أخرى لا علاقة لنا بها في أفريقيا»، تحدَّث عن أن طرابلس أصبحت تحت الميليشيات، وتساءل «عما يفعل الأتراك في الكلية الجوية بمصراتة»، و«ماذا يفعل المرتزقة السوريون الذين يسيرون في كل مكان»، وأجاب على نفسه: «الحل في ليبيا أن تخرج جميع القوات من البلاد».
وسبق أن صرّح صلاح بادي، قائد «لواء الصمود» في مصراتة (غرب)، الذي يُعدّ أحد المشاركين في دفن القذافي ونجله المعتصم ووزير الدفاع «أبو بكر يونس»، بأنه «مستعدّ للكشف عن مكان دفن جثة القذافي ومَن معه في حال اتفق مع الأعيان والمدن الليبية»، لكن حتى الآن لم يحدث شيء من ذلك.
وفي مساء اليوم الجمعة، بدأ الليبيون من أماكن مختلفة التوافد إلى ساحة ميدان الشهداء، فهناك جرى إيقاد شعلة الاحتفالات بالذكرى 12 للثورة، متناسين، ولو لساعات، شكاياتهم من الضغوط المعيشية، والأزمات الاقتصادية التي تَحرم جُل سكان جنوب البلاد من الوقود والخدمات الحكومية.
وأمام دعوات المفتي المعزول من مجلس النواب الصادق الغرياني، حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى منع الاحتفال بـ«الثورة»؛ لـ«حرمة الاختلاط بين الجنسين»، رأت اللجنة العليا المنظمة تخفيف برنامج الاحتفالية، وقالت إنها ستقتصر على مشاركة فنانين ليبيين، مع مراعاة الهوية المحافِظة.
وكان مقرراً مشاركة اثنين من مطربي المهرجانات في مصر، وهما حمو بيكا وعمر كمال، بالإضافة إلى المغني التونسي سمارا، لكن أُعلن عن إلغاء حضورهم لاعتبارات تتعلق بالأوضاع الناجمة عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
وفي ظل الانقسام السياسي الذي يسود البلاد، وعدم تحقيق أي خطوة باتجاه إجراء انتخابات عامة تُنهي دوامة الفترات الانتقالية، حرص ساسة البلاد، كما يفعلون، كل عام، على تهنئة الشعب الليبي على «ثورته المجيدة».
الدبيبة رأى أنه «يجب تغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والأجندات الخارجية»، بينما لفت خصمه فتحي باشاغا، رئيس الحكومة الموازية، إلى مبادئ «ثورة 17 فبراير (شباط)»، المتعلقة بـ«دولة عادلة تسودها المساواة، لا ظلم ولا تهميش ولا استبداد»، في حين تمسَّك محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، بتحقيق مبادئ الثورة، متمثلة في التداول السلمي وإنهاء المراحل الانتقالية عبر الانتخابات.
ومع دخول المساء، كانت الفِرق الأمنية والطبية قد اصطفّت حول ساحات الميدان، بينما نُصب مسرح في مقدمة الميدان على خلفية الطريق الفاصل مع البحر المتوسط.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الجيل الذي شارك في الثورة فقَد جانباً من حماسته له؛ لأسباب عدة. ويعتقد سليمان البيوضي، المرشح الرئاسي الليبي، أن «ثورة فبراير هي الآن في ذمة التاريخ كحدث وفعل، بعدما قال إنها تحوّلت إلى قميص عثمان يرفعه الفاسدون واللصوص والهاربون للمزايدة على أبناء الوطن»، وفق قوله.
ويرى البيوضي أن «ليبيا ليست بحاجة (لديمومة الثورة) قدر حاجتها لمشروع للإنقاذ يُنهي حالة العبث والفساد ويقطع دابر الفاسدين والخوَنة والعملاء المتآمرين؛ إنها بحاجة لكثير من التنازلات من أجل مستقبلها وتوفير الحياة الكريمة لأهلها بكل مشاربهم واختلافاتهم».
والبيوضي من الشباب الليبي المشاركين في الثورة، وذهب إلى أنه «لديه ذكريات معها لا تموت؛ ففيها من الأمل والوجع معاً ما يكفي لاستحضاره، حينها كنت شاباً يافعاً ومضينا في الاندفاعات إلى النهاية ولم أتردد، وتغيرت حياتي بشكل لا يصدَّق، وكان هناك الكثير من الطموح لغد أفضل».
ولمزيد من توضيح ما آلت إليه البلاد بعد الثورة، لفت البيوضي إلى أن «ليبيا تغيرت، اليوم؛ فهي تعيش شبح الفقر والعوز والتجهيل والفساد. اليوم كثير من أبناء الأمة الليبية يعيشون في ظروف قاهرة وطالهم الظلم بسبب الخوَنة والعملاء المتآمرين، لا يمكن أن يصدق مجنون لأي حال وصلنا».
وخروجاً من لحظات الأسى قال البيوضي: «نحن بحاجة للحظات الفرح؛ لكننا أيضاً بحاجة أكبر لاتفاق نحو المستقبل بعيداً عن حالة الانقسام والثورة والمضي قدماً نحو الدولة الحديثة وترسيخ قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية».
وأُطلقت حملة تبرعات شعبية لضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، خلال الاحتفالات الرسمية في العاصمة، وفق ما أعلنته اللجنة العليا لاحتفالات «ثورة 17 فبراير».
الليبيون يحتفلون بـ«ثورة فبراير»... ويحمّلون القذافي تبعات «تبديد ثروتهم»
آمر «لواء الصمود»: بعض أنصارها أيدوها لأجل «السلطة والمال»
الليبيون يحتفلون بـ«ثورة فبراير»... ويحمّلون القذافي تبعات «تبديد ثروتهم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة