الأزياء تروي تاريخ الشعوب... لفظاً وتواصلاً

أزياء متنوعة ارتداها مشاركون في انطلاق المرحلة الثانية من رحلة «إعادة إحياء قلب الجزيرة العربية» من الدرعية في 16 يناير 2023 (واس)
أزياء متنوعة ارتداها مشاركون في انطلاق المرحلة الثانية من رحلة «إعادة إحياء قلب الجزيرة العربية» من الدرعية في 16 يناير 2023 (واس)
TT

الأزياء تروي تاريخ الشعوب... لفظاً وتواصلاً

أزياء متنوعة ارتداها مشاركون في انطلاق المرحلة الثانية من رحلة «إعادة إحياء قلب الجزيرة العربية» من الدرعية في 16 يناير 2023 (واس)
أزياء متنوعة ارتداها مشاركون في انطلاق المرحلة الثانية من رحلة «إعادة إحياء قلب الجزيرة العربية» من الدرعية في 16 يناير 2023 (واس)

يقال إنك «بالملبس تستطيع أن تقول من أنت من دون أن تتفوه بكلمة» و«تستطيع الوصول إلى كل ما تتمناه في الحياة إن ارتديت الملابس المناسبة». وثمة أقوال كثيرة مشابهة تثير الرغبة في «اعتناق» المظهر. وسمع كثيرون وقرأوا ما قاله رواد مواقع التواصل الاجتماعي السعوديون خلال نقاش عن أصل بعض الأزياء المنتشرة في بلادهم المترامية الأطراف، علماً بأن الملبس كمخرج نهائي تشكله عوامل مختلفة عدة كالطقس والطبيعة والمهنة والمعتقد والعادات والتقاليد والشخصية والجسم الذي سيملأه والبشرة والعمر وغير ذلك… وصولاً إلى المناسبة، وبالطبع، من دون إهمال الأسباب الأولية كالوقاية والستر.
ولقد تحول الملبس إلى لغة بصرية، فهو جزء من نظام التواصل غير اللفظي. ولغته ترتبط بمضامين متنوعة كالسياسة والاقتصاد والثقافة والفن والجمال وتكثر المدارس وتتعدد النظريات التي تحاول أن تشرح نشأة الملابس.
ويقول عالم الاجتماع الإنجليزي هربرت سبنسر في منتصف القرن التاسع عشر: «لم تنشأ الملابس للوقاية من برد ولا طلباً للحشمة، بل لسبب مختلف تماماً. في المجتمعات البدائية، بعد أن كان الصياد الماهر يصطاد فريسته، لم تكن له وسيلة للتعبير عن مأثرته والتباهي بإنجازها أمام الجماعة أفضل من أن يسلخ الطريدة الصريعة ويغطي جسده بفروها أو جلدها، لكي يستعرض تفوقه على أقرانه الأقل مهارة وقوة، في شكل صارخ ساطع جلي أمام الجميع».
ويخلص العالم الإنجليزي إلى أن «الطبقات الأدنى طالما سعت للترقي عبر تقليد سمات الطبقات الأعلى وعلاماتها المميزة». وهذه النظرة الخاصة لسبنسر في التقليد والترقي، سبقه إليها ابن خلدون بقوله في مقدمته «إن المغلوب مولع أبداً بتقليد الغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده». أما الفيلسوف الألماني جورج سيميل فيفسر ظاهرة الملبس بثنائية «الجذب والدفع»، أي بالانجذاب لطبقة ما (عادة الطبقة الأعلى) والتبرؤ من طبقة أخرى (عادة الأدنى)، عن طريق تقليد الموضة. وكلما زاد تقارب الطبقات زادت حدة ظاهرة الموضة.
وتعد الملابس سجلاً يحفظ بين طياته تاريخ الشعوب، ومؤشراً مهماً للجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي تاريخنا نجد الكثير من التحولات في هذا الخصوص. ويمتد تأثير الملابس إلى مساهمتها في تشكيل صورة الشخص أو الجماعة أمام الآخرين. كما تعطي (الملابس) دلالات على حالات نفسية مؤقتة، كالحزن (بلبس الأسود حداداً على ميت) أو الفرح (بلبس الملون).
وفي استخدامها الحالي، لم تعد الملابس تنتج لنفس الأسباب التي أدت إلى ابتكارها في أزمنة سابقة. فعلى سبيل المثال، كانت الكعوب والتنانير في الأصل للذكور. وفي الحضارات القديمة، كانت تصاميم الأزياء تنطلق من أشكال التنانير الهادلة بسبب سهولة خياطتها من ناحية ومن ناحية ثانية، بسبب سهولة الحركة فيها. واشتهرت التنورة كثيراً كزي عسكري لجنود الإمبراطورية الرومانية.
ولم يظهر الكعب العالي ذاته فجأة في القرن السادس عشر. فالذكور هم أول من انتعلوه لكي يستفيدوا منه في ركوب الخيل، فمتى ثبت الكعب في الركاب ثبتت وضعية الخيال. إلا أن الكعوب كصيحة وموضة درجها الملك لويس الرابع عشر تعويضاً عن قصر قامته. ثم راح نبلاء بلاطه يقلدونه لمجاراته ومسايرته، غير أنهم التزموا بتوجيهات الملك إياه، أن تقل أطوال كعوب أحذيتهم عن ارتفاع كعب حذاء الملك.
- البنطلون… رأفة بالجميع!
بدأت رحلة تطور البنطلون مع القديس بانتليون حامي مدينة فينيسيا، واسمه باليونانية يعني «الرأفة للجميع». وطرأت عليه بتطورات كثيرة وكان مثار سخرية في البداية. والحق أن الشاعر والمسرحي الإنجليزي ويليام شكسبير هو الذي منح الاسم لهذا الزي في ملهاته «على ذوقك» (As you like it). وكان استعار إحدى شخصياتها «بنتالوني» من الكوميديا ديلارتي الإيطالية وجعله يرتدي بنطلوناً وهكذا يقال إنه درج. أما الجينز فمنسوب إلى جنوى الإيطالية وقد صممه الخياط المهاجر ليفي ستراوس خصيصاً لعمال المناجم، حين استبدل قماش القنب بقماش الدنيم، ودق في أطرافه عند نقاط معينة مسامير لكي يتحمل ثقل معدات العمال آنذاك.
وقبل ذلك بكثير، بدأ استخدام البنطلون (السروال) بسبب برودة الطقس وركوب الخيل، من الساموراي في اليابان إلى الرعاة الرحل في منغوليا. لكن أول ظهور مسجل للسروال يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد وكان يرتديه الخيالة في بلاد فارس وشرق ووسط آسيا.
اليونانيون القدماء من جهتهم، رفضوا السروال وترفعوا عنه لأنه كان سخيفاً يشبه الكيس. والأمر نفسه ينطبق على الرومان الذين احتقروا السروال لأنه كان يرتبط بالبرابرة. ولكنهم، مع توسع إمبراطوريتهم، استسلموا للراحة والدفء اللذين يوفرهما البنطلون. وفي تطوير القصات وتفاصيل أخرى، يعود الفضل إلى الملك الإنجليزي إدوارد السابع، ابن الملكة فيكتوريا، في إضافة ثنية الساق، إذ طلب تصميماً خاصاً يمكنه من ارتداء البنطلون في الأيام الماطرة من دون أن يتبلل طرفه أو يتسخ!
واستكمالاً لسرد التطورات في مكونات الملابس وأجزائها، استغرق تطوير السحاب أو الزمام أو السوستة، الذي كان يستخدم أساساً لإغلاق الجزمات، أكثر من خمسة عقود ليتحول إلى السحاب كما نعرفه حالياً في 1914.
- الملابس الجاهزة وما سبقها
بقيت التطورات على حالها حتى حصلت ثورة حقيقية في عالم الأزياء، مع ظهور ما يسمى بـ«الملابس الجاهزة»، فمنذ خمسينات القرن العشرين انتشرت فروع المحلات الكبرى والماركات والبراندات في جميع أنحاء العالم، ومن ثم بدأت المجتمعات تشهد ظهوراً قوياً للمشاهير من ممثلين ومغنين أثر على سوق الأزياء والموضة وانتشارها.
عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية دفعت إلى تشكيل موضة عالمية، رغم بقاء مناطق عدة متمسكة بعاداتها وتقاليدها في الملبس. ففي روسيا، كان للسياسة أثرها على اللبس وبخاصة مع بداية بطرس الأكبر في تنفيذ إصلاحات في شتى المجالات بأواخر القرن السابع عشر. وهو شرع في ذلك إثر عودته من جولة في أوروبا استمرت 18 شهراً شهد فيها مدى التقدم الذي أحرزته الدول الأوروبية. وقرر أنه سيجعل من بلاده نسخة طبق الأصل عن أوروبا. وبدأ بإصدار فرمان ألزم كل الرجال بحلق لحاهم وفرض غرامة باهظة على كل من لا ينفذ هذا الأمر. ولم يتوقف عند فرمان اللحية، فما لبثت أن تلته تبعتها فرمانات أخرى تأمر الجميع، رجالاً ونساءً، بنبذ الرداء الروسي التقليدي واستبداله بأزياء ألمانية ومجرية.
وبالمثل، شهدت أواخر الحكم العثماني عملية تغيير كبيرة في الملابس، عندما تخلت النخب التركية عن الملابس التقليدية وشرعت في ارتداء الثياب الأوروبية. وكانت السلالة الخديوية أولى النخب العربية الحاكمة التي تبنت اللباس الأوروبي الغربي، وحذت حذو السلطان العثماني محمود الثاني.
- الأزياء والثقافات والتقاليد
لطالما شكلت الأزياء طرقاً تعبيرية وصوراً جمالية تحمل كل منها في ثناياها سرديات ثقافية واجتماعية. وقد خضعت الملابس في تاريخها لعوامل أساسية، من أهمها مدى ملاءمتها ظروف المكان أو الموقع الجغرافي والتقاليد. فطبيعة الجلوس أرضاً فرضت الملابس الطويلة والفضفاضة للجنسين. والملابس في المنطقة الوسطى من الجزيرة العربية تتسم بالأكمام الواسعة التي تسمح بدخول الهواء، وفي جبال السروات يرتدي الأفراد ملابس مناسبة للعمل الزراعي.
ويلتبس على كثيرين الفرق بين الملابس الأثرية والتراثية والشعبية رغم صعوبة التفريق أحياناً بين الأخيرتين. فالملابس الاثرية هي الملابس التي لم يعد لها وجود سوى في الرسوم الأثرية والنقوش على الصخور وجدران الكهوف، أو تلك الموصوفة في الكتب، ولكنها ليست موجودة ولم تعد تصنع. والملابس التراثية هي الملابس التي كانت تلبس في حقبة من الزمن في منطقة معينة وشكلت هوية هذه المنطقة. والملابس الشعبية هي مجموعة ملابس مقتبسة من عدة شعوب ومناطق. ويمكن أن يكون الزي شعبياً مستوحى من التراث الشامي أو المصري، لكنه لا يمثل هوية المنطقة.
فعلى سبيل المثال، العقال تظهر الدلائل القديمة لارتدائه بشكله الحالي في شمال الجزيرة العربية في أوائل القرن الثامن عشر في البدايات المبكرة للعصر الحديث. ويبدو أن ارتداء العقال والغترة/ الشماغ انتشر من وسط وشمال الجزيرة العربية ومنها إلى بقية العرب في آسيا. ويقول الباحثان بروس إنغم ونانسي لندسفارن - ترابر إن العقال كان يتميز به العرب ذوو الثقافة البدوية داخل الجزيرة العربية، من وسطها إلى شمالها، بينما امتاز العرب الحضر في مناطق محدودة من ضفتي الخليج العربي، وفي الحجاز واليمن والشام ومصر وأفريقيا، بارتداء العمامة.
يختلف شكل العقال ليدل على صاحب البلد في الخليج العربي. فمثلاً العقال المهدب المكتل يدل على الرجل القطري، أما العقال الصغير فيدل على الرجل الكويتي. والأبيض يرتديه أمراء قبيلة ربيعة في العراق سابقاً وكذلك العلماء في الجزيرة العربية. والمقصب وهو العقال الحجازي المضلع ويرتديه في الغالب الأعيان والأمراء. وسمي بالمقصب لأنه يقصب بخيوط ذهبية أو فضية. والعقال الديري نسبة لدير الزور يكون غليظاً من قطعة واحدة متصلة مجزأة بفواصل. ويذكر أن العقال المقصب موجود منذ العهد العباسي وكان من خمس طبقات ومزخرفا باللون الأحمر.
أما الشماغ فيرجع الباحثون ظهوره إلى حقبة السومريين حيث كانوا يضعون على رؤوسهم قطعة من القماش. فأول من ارتدى الشماغ كان الحاكم السومري كوديا في الفترة 2146 – 2112 ق.م. ويقال إن أصل كلمة شماغ تعود إلى لفظ «اش ماخ» بالسومرية أو اش ساخ أي غطاء الرأس. ورسمة الشماغ هي عبارة عن عيون شباك الصيد الموشح بخطوط عريضة في جوانبه وهي متموجة تشبه أمواج مياه الأهوار. وفي حافته، خطوط ورسوم سود تمثل زعانف الأسماك التي اعتقد السومريون بأنها تطرد الأرواح الشريرة، وفي سياق آخر، تعبر عن سنبلة القمح والحنطة للاستبشار بالخير.
وقيل إن العمائم هي تيجان العرب. وقد اعتمر النبي محمد العمامة البيضاء والخضراء والسوداء. وارتدى سادة العرب العمائم المهراة الصفر نسبة إلى مدينة هراة. ولألوان العمائم مناسبات، فهارون الرشيد كان يلبس العمامة السوداء المصنوعة من الخز في المجالس العامة. وتعددت أشكال العمائم بتعدد من يلبسها، فالرصافية هي العمامة ذات الطيات العمودية نسبة للرصافة. والكردية (الكرسية) عصائب من الصوف الطويلة تلف حول الرأس. والكوفية قطعة القماش المربعة بألوان عدة ومرقطة. والعلويون في الأهوار يلبسون الشماغ الأخضر ليميزهم عن باقي الناس للدلالة على أنهم من سلالة الرسول.
وفيما يخص لبس الشماغ الأحمر، تشير الروايات إلى ارتباطه قديماً بنجد وقبائل الشمال، وأكثر أعلامها حمر. ويقول الشيخ العلامة عبد القادر شيبة محقق كتاب «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» بأن رجال أهل نجد والمملكة العربية السعودية عموماً يلبسون الشماغ الأحمر، فهم يعتبرون لبس الشماغ الأحمر رمزاً للقوة والشجاعة وعدم الاكتراث بالموت. ويروي الشيخ شيبة أن الشيطان جاء يوم بدر إلى كفار قريش بهيئة رجل نجدي يلف العصابة الحمراء (الشماغ) على رأسه ليحرض الكفار على قتال المسلمين، وذلك لقناعة المشركين آنذاك بأن هذا الرجل النجدي الشجاع الذي لا يهاب الموت سوف يقاتل معهم فلم لا يقاتلون وهم أولى بالقتال.
أما «الغبانة»، التي هي نوع من أنواع العمائم الملونة فتلبس في الحجاز. وهي أحد أهم الموروثات القديمة؛ وتحكي كتب التاريخ أن «الغبانة» من الكلمة «ياباني»، نسبة إلى اليابان، لأنه كان يأتي مطرزا غالباً من اليابان. ولكن ثمة رأي آخر يقول إن الملابس أحياناً تسمى بناء على طريقة الاستخدام لا المنشأ. فـ(العمامة) مرسلة الذوائب للوجاهة عموماً و(العمة) تكون ملفوفة على الرأس للعمل عند أهل البحر والزراعة.
و«البقشة» إذا كان سيجمع فيها أغراضه ويربطها ويحملها على كتفيه كبديل عن الحقيبة. و(الغبانة) إذا كان سيحتزم بها الرجل ليرفع الثوب عن الأرض تغبن الثوب أي تقصره، فالغبن يكون بطي الثوب مؤقتا بحبل أو حزام. وأما الخبن فهو طي الثوب طياً نهائياً.
ومع مر الزمن، أصبح يطلق على العمة غبانة وعلى الغبانة بقشة. وقد تميزت منطقة الحجاز بوفرة الأقمشة، خصوصاً تلك التي كان يجلبها الحجاج معهم من الهند وجنوب شرقي آسيا، ما يجعل أشكالها متعددة وألوانها مختلفة.
وعن دلالة الملابس يقول الأديب سليمان فيضي في مذكراته نقلاً عن لسان الملك عبد العزيز: «وقد أقسم الملك عبد العزيز أن لا يلبس العقال المقصب حتى يثأر من خصمه. وبقي يرتدي العقال الأسود حتى اليوم الذي حملوا إليه ختم خصمه بعد مقتله، حينئذ نادى: ائتوني بعقال مقصب. فلما أحضروه وضعه على رأسه فيما صدحت الهتافات والأهازيج». والعقال المقصب الذي ذاع صيته بعد أن لبسه الملك عبد العزيز، ثم لبسه الملكان سعود وفيصل الذي كان آخر من لبسه وهو ملك. ولبسه أيضاً الملك فهد والملك عبد الله قبل توليهما الحكم، وكذلك الأمير سلطان رحمهم الله وغيرهم من الأمراء... لطالما كانت ملابس الشعوب تاريخها.
- كاتب سعودي


مقالات ذات صلة

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

تحقيقات وقضايا لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

بعد ظهر أحد أيام ربيع عام 1985 في مدينة غاري بولاية إنديانا، الولايات المتحدة الأميركية، قتلت فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً امرأة مسنّة بعد أن اقتحمت منزلها. مدينة غاري لها تاريخ طويل من التوترات العرقية بين السكان البيض والسود، وحيث إن الفتاة، واسمها بولا كوبر، كانت سوداء البشرة والضحية، روث بيلك (77 سنة)، من العرق الأبيض، سارعت الصحافة المحلية لتغطية الحادثة لصب الزيت على النار وفسرت الجريمة على أنها ذات بعد عرقي. لكن الشرطة قالت حينها، إن الجريمة حدثت بدافع السرقة، وإن ثلاث فتيات أخريات شاركن في ارتكاب الجريمة، إلا أن الفتيات الأخريات قلن إن بولا كانت زعيمة العصابة.

تحقيقات وقضايا الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

يكاد يكون الصوم الشعيرة التعبدية الوحيدة في مختلف الأديان والمعتقدات ذات الالتصاق الوثيق بالضمير الإنساني؛ إذ لاحظ باحثون في تاريخ الحضارات القديمة أن ظاهرة الصوم كانت حاضرة بقوة لدى مختلف الشعوب. وتُجمِع معظم الأديان والثقافات على اعتبار الصوم فرصة للتجدّد الروحي والبدني. فقد كان الصوم عبادة يتبارك بها البشر قبل الذهاب إلى الحروب، ولدى بعض الحضارات ممارسة جماعية لاتقاء الكوارث والمجاعات. شعوب أخرى حوّلته طقساً للإعلان عن بلوغ أفرادها اليافعين سن الرشد.

أحمد الفاضل
تحقيقات وقضايا هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

لا ريب في أنّ أشدّ ما يهزّ الوجدان الإنسانيّ، في بُعدَيه الفرديّ والجماعيّ، أن يجري تناولُ الحقيقة الذاتيّة على لسان الآخرين، وإخضاعُها لمقتضيات البحث والنقد والاعتراض والتقويم. ما من أحدٍ يرغب في أن يرى حقيقته تتحوّل إلى مادّةٍ حرّةٍ من موادّ المباحثة المفتوحة. ذلك أنّ الإنسان يحبّ ذاتَه في حقيقته، أي في مجموع التصوّرات والرؤى والأفكار والاقتناعات التي تستوطن قاعَ وعيه الجوّانيّ.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا مجموعة احتجاجية تطلق على نفسها «بقيادة الحمير» تصب طلاء أصفر على طريق في لندن 23 فبراير الماضي (رويترز)

هل يجب أن نقبل ما يقوله الآخرون في امتداح هويّتهم؟

غالباً ما نسمع الناس يمتدحون ما هم عليه، سواءٌ على مستوى هويّتهم الفرديّة أو على مستوى هويّتهم الجماعيّة. لذلك نادراً ما وقعتُ على إنسانٍ يعيد النظر في هويّته الذاتيّة الفرديّة والجماعيّة. ذلك أنّ منطق الأمور يقتضي أن يَنعم الإنسانُ بما فُطر ونشأ عليه، وبما انخرط فيه والتزمه، وبما اكتسبه من عناصر الانتماء الذاتيّ. فضلاً عن ذلك، تذهب بعض العلوم الإنسانيّة، لا سيّما علوم النفس، مذهباً قصيّاً فتوصي بامتداح الأنا حتّى يستقيم إقبالُ الإنسان على ذاته، إذ من الضروريّ أن نتصالح وذواتنا حتّى نستمرّ في الحياة.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا أناس يشاهدون انطلاق مركبة «سبيس إكس» إلى الفضاء في 27 فبراير الماضي (رويترز)

عن «الإنتروبيا» والجدل والتسبيح

من نقطة «مُفرَدة» أولى، لا «أين» فيها ولا «متى»، فيها كل الزمان وكل المكان وكل الطاقة، مدمجين بنظام لا عبث فيه ولا خلل. كانت البداية، ومنها كانت كل البدايات، ينبعث من عِقالِ المفردة الأولى وتراتبيتها الصارمة فوضى كبيرة في انفجار كبير. ومن تلك الفوضى ينبت الزمكان وتنبعث الطاقة وتتخلق المادة، منها كان الكون بأجرامه ومخلوقاته، بل وكانت الأكوان وأجرامها ومجراتها ومخلوقاتها. فكأن قصة الكون وقصتنا معه، «هي أن تراتبية ونظاماً مكثفاً مدمجاً.


أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

TT

أي حرب بين إسرائيل و«حزب الله» أشد من «طوفان الأقصى»

مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)
مستشفى ميداني إسرائيلي تم تجهيزه في مرآب للسيارات في الطابق الثالث تحت الأرض في مدينة حيفا تحسباً لحرب مع "حزب الله" (غيتي)

في الحروب يحرص عادة كل طرف على نصب الكمائن للطرف الآخر. أما اليوم، في الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله»، فيبدو أن كل طرف يوقع نفسه في الكمائن. فعلى رغم أن كلا الطرفين يؤكد أنه غير معني بتوسيع نطاق الحرب، فإنهما يندفعان بشكل جارف إلى توسعتها. وعلى الجانب الإسرائيلي، تجري تدريبات حربية متواصلة على كيفية توسيعها، في حين تشير الاستطلاعات إلى أن الجمهور يؤيد هذه التوسعة. قبل شهرين فقط كان 64 في المائة من المستطلعين الإسرائيليين يؤيدون حرباً مع «حزب الله» حتى لو كان الثمن حرباً إقليمية واسعة. وفي الشهر الأخير هبطت هذه النسبة إلى 46 في المائة وهي لا تزال نسبة مرتفعة إلى حد بعيد. هذا التأييد أفزع القيادات العسكرية في تل أبيب، وجعلها تشعر بأن الجمهور لا يدرك تماماً ما قد تعنيه هذه الحرب.

أيال حولتا، المستشار الأسبق للأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية، يقول إن حرباً كهذه ستؤدي إلى تدمير مناطق شاسعة من لبنان، ولكنها أيضاً ستلحق أضراراً كبيرة في إسرائيل، وقد توقع نحو 15 ألف قتيل فيها.

فتاة تعبر قرب دكان مغلق كتب عليه "لقد مات 4 من رفاقي. منطقة حرب" في تل أبيب (رويترز)

معهد أبحاث الإرهاب في جامعة رايخمان، أجرى دراسة حول سيناريوهات حرب مع «حزب الله» بمشاركة 100 خبير عسكري وأكاديمي، خرجوا فيها باستنتاجات مفزعة؛ إذ قالوا إن من شأن حرب كهذه أن تتسع فوراً لتصبح متعددة الجبهات، بمشاركة ميليشيات إيران في سوريا والعراق واليمن وقد تنضم إليها حركتا «حماس» و«الجهاد» في الضفة الغربية.

ورجّحت الدراسة أن يطلق «حزب الله» طيلة 21 يوماً كمية هائلة من الصواريخ بمعدل 2500 إلى 3000 صاروخ في اليوم ويركز هجومه على إحدى القواعد العسكرية أو المدن في منطقة تل أبيب، وكذلك على مناطق حساسة أخرى، مثل محطات توليد الكهرباء وآبار الغاز ومفاعل تحلية المياه والمطارات ومخازن الأسلحة. وبالإضافة إلى الدمار الذي سيحدثه هذا القصف، ستنفجر فوضى لدى الجمهور الإسرائيلي.

كذلك، سيحاول «حزب الله» الدفع بخطته القديمة، في إرسال فرق «الرضوان» لتخترق الحدود الإسرائيلية وتحتل بلدات عدة، كما فعلت «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) وأكثر.

تدمير على نسق غزة

هذا السيناريو المخيف، جاء أولاً وبالأساس لكي يصبّ بعض الماء البارد على الرؤوس الحامية التي راحت تمارس ضغوطاً على الجيش لكي يجتاح الأراضي اللبنانية. والجيش، إذ يدرك بأن القيادات السياسية اليمينية الحاكمة تحرّض عليه وتظهره متردداً وخائفاً من الحرب، ينشر في المقابل خططاً تظهر أنه جاد في الإعداد للحرب. وبحسب التدريبات والتسريبات التي يمررها، يتضح أنه يعدّ لاجتياح بري واسع يحتل فيه الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني، وربما حتى نهر الزهراني أيضاً. وهو يقول إنه في حال رفض «حزب الله» اتفاقاً سياسياً يبعده عن الحدود، فإن الجيش سيسعى لفرض هذا الابتعاد بالقوة.

ويوضح أنه سيبدأ توسيع الحرب بقصف جوي ساحق يدمر عدداً من البلدات اللبنانية على طريقة غزة، وبعدها يأتي الاجتياح. وبحسب مصادر عسكرية، فإن إسرائيل استعادت الأسلحة المتأخرة من الولايات المتحدة، بما فيها القنابل الذكية، وستستخدمها في قصف الضاحية الجنوبية في بيروت ومنطقة البقاع على الأقل.

طائرة إطفاء إسرائيلية تلقي مواد لإخماد النيران المشتعلة في الجليل الأعلى جراء صواريخ أطلقها «حزب الله» (أ.ف.ب)

ويبعد نهر الليطاني عن الحدود 4 كيلومترات في أقرب نقطة و29 كيلومتراً في أبعد نقطة، ليشكل شريطاً مساحته 1020 كيلومتراً مربعاً يشمل ثلاث مدن كبيرة، صور (175 ألف نسمة) وبنت جبيل ومرجعيون. ويعيش في تلك المنطقة نصف مليون نسمة، تم تهجير أكثر من 100 ألف منهم، حتى الآن. لذا؛ فإن الحديث عن احتلال هذه المنطقة كلها لن يكون سهلاً. فـ«حزب الله» أقوى بكثير من «حماس» ولديه أنفاق أكبر وأكثر تشعباً من أنفاق غزة، كما أنه يملك أسلحة أفضل وأحدث وأكثر فتكاً، وهو مستعد لهذه الحرب منذ فترة طويلة. وإذا كانت إسرائيل تخطط لحرب قصيرة من 21 يوماً، فإن أحداً لن يضمن لها ذلك وقد تغرق في الوحل اللبناني مرة أخرى.

جدوى الحرب ومستوطنات الشمال

بدأ الجيش الإسرائيلي في إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة حرب طويلة، فجرى إنعاش أوامر الاحتياط الأمني في أوقات الطوارئ في المستشفيات والمصانع والمؤسسات الحكومية والرسمية والملاجئ. وهو يضع في الحسبان احتمال أن يستطيع «حزب الله» إطلاق آلاف الصواريخ والمسيّرات وضرب البنى التحتية من محطات توليد كهرباء وتحلية مياه وآبار غاز. وفي التدريبات التي جرت في الشهرين الماضيين، وضع في الحسبان أيضاً احتمال أن تتدخل إيران مباشرة. عندها ستتفاقم فوضى الملاحة في البحر الأحمر وقد يتم ضرب قبرص. وهذا يعني أن الأراضي الإسرائيلية، كلها، ستتحول إلى جبهة مشتعلة.

ويقول معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في دراسته: «حتى الآن أطلق (حزب الله) أكثر من 5000 ذخيرة مختلفة، معظمها من لبنان، على أهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل؛ ما أدى إلى مقتل 33 مدنياً وعسكرياً، وإحداث أضرار جسيمة. فهناك شعور قوي بعدم جدوى الحرب بالنسبة لمستقبل المنطقة الشمالية، والمستوطنات الـ28 التي تم إخلاؤها ومدينة كريات شمونة وسكانها، الذين يتساءلون متى وتحت أي ظروف سيتمكنون من العودة إلى بيوتهم».

يهود متدينون يؤدون صلاة الصباح عند هضبة في الضفة الغربية بعد وعود حكومية بضمن مزيد من الاراضي الفلسطينية (أ ب)

ترسانة «حزب الله»

بحسب التقارير ومنذ حرب لبنان الثانية، يشكّل «حزب الله» التهديد العسكري الرئيسي لإسرائيل؛ نظراً لضخامة قواته المدعومة إيرانياً وبصفته «رأس الحربة في محور المقاومة». وتتكون الترسانة الرئيسية للحزب مما لا يقل عن 150 ألف صاروخ وقذيفة وأسلحة إحصائية أخرى، بالإضافة إلى مئات الصواريخ الدقيقة الموجهة، والمتوسطة والطويلة المدى، التي تغطي المنطقة المأهولة بالسكان في إسرائيل. يكمن الضرر الرئيسي المحتمل لهذا المخزون في الصواريخ الدقيقة، والتي تشمل صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والصواريخ الدقيقة القصيرة المدى المضادة للدبابات، والصواريخ الساحلية المتقدمة وآلاف الطائرات والمروحيات المُسيّرة. وفي حرب 2006، عندما خاض الجانبان حرباً استمرت 34 يوماً، كان لدى «حزب الله» نحو 15 ألف صاروخ وقذيفة، غالبيتها العظمى لم تكن موجهة ومداها أقل من 20 كيلومتراً؛ مما يعني أنها لم تكن قادرة على الوصول لمدينة حيفا شمالي إسرائيل. وقد أطلق الحزب نحو 120 صاروخاً يومياً في تلك الحرب؛ ما أسفر عن مقتل 53 إسرائيلياً وإصابة 250 وإلحاق أضرار مادية جسيمة.

أما اليوم، فإلى جانب ما ذُكر، هناك أيضاً المنظومات السيبرانية المتقدمة، القادرة على التسبب بأعمال قتل جماعي وأضرار مدمرة للأهداف المدنية والعسكرية، بما في ذلك البنية التحتية الوطنية الحيوية. الموارد العسكرية التي يملكها «حزب الله» كبيرة كمّاً ونوعاً، بما يضاهي عشرات أضعاف القدرات العسكرية لـ«حماس» قبل اندلاع الحرب. والأهمية الاستراتيجية هي أن «حزب الله» يمتلك البنية التحتية والقدرات العسكرية اللازمة لشنّ حرب طويلة، ربما لأشهر عدة، وإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل.

عناصر من «حزب الله» يشيعون في بيروت القيادي في الحزب محمد نعمة ناصر الذي قتل في غارة إسرائيلية (د.ب.أ)

ويضيف التقرير أنه «في حرب واسعة النطاق ضد (حزب الله)، سيتعين على أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي أن تتعامل، مع مرور الوقت - وخاصة في الأسابيع الأولى من الحرب - مع وابل من الأسلحة يصل إلى آلاف يومياً، ولن يكون من الممكن اعتراضها كلها. هذه الهجمات، بما في ذلك من جبهات أخرى، مثل إيران والعراق وسوريا واليمن، يمكن أن تسبب التشبع لطبقات الدفاع الجوي الإسرائيلية، بل وربما نقصاً في وسائل الاعتراض. وهذا تهديد عسكري ومدني لم تعش مثله إسرائيل. في مثل هذا السيناريو، سيكون مطلوباً من الجيش الإسرائيلي تحديد الأولويات، سواء بين ساحات القتال المختلفة أو فيما يتعلق بتوزيع الموارد للدفاع الفعال عن الجبهة الداخلية. من المتوقع أن تعمل القوات الجوية كأولوية أولى لحماية الأصول العسكرية الأساسية، وكأولوية ثانية لحماية البنى التحتية الأساسية، وكأولوية ثالثة فقط لحماية الأهداف المدنية، التي سيكون لسلوك الجمهور فيها، أهمية كبيرة في مواجهة تحذيرات الجبهة الداخلية والحماية السلبية بمختلف أنواع الملاجئ، والتي تعدّ قليلة».

آثار صدمة 7 أكتوبر

ويحذر الدكتور العميد (احتياط) أريئيل هايمان من أن «إسرائيل، في معظمها، لا تزال تعاني صدمة جماعية مستمرة، من جراء هجوم (حماس) في 7 أكتوبر، تضر بشدة بقدرتها على الصمود. ويتجلى هذا الوضع في تقلص مؤشرات الصمود، كما تظهرها استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي. فهناك تراجع كبير في الصمود الوطني للمجتمع الإسرائيلي، مقارنة بالأشهر الأولى للحرب. ويتجلى ذلك في انخفاض واضح في مستوى التضامن والثقة في مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، وفي مستوى التفاؤل والأمل لدى غالبية الجمهور. كل هذا، أيضاً في مواجهة ما يُعدّ «تباطؤاً» في الحرب على غزة، والتي كان ينظر إليها في البداية، على أنها حرب مبررة، وأدت في البداية إلى «التقارب حول العلم الوطني». من المشكوك الآن، إلى أي مدى سيكون المجتمع الإسرائيلي مستعداً ذهنياً لحرب صعبة وطويلة الأمد في الشمال أيضاً».

جندي إسرائيلي يتفقد الأضرار في منزل أُصيب بصاروخ أطلقه «حزب الله» على كريات شمونة (أ.ف.ب)

ويقول البروفسور بوعز منور، رئيس جامعة رايخمان، الذي ترأس البحث حول الحرب مع لبنان: «لا تخافوا، إسرائيل لن تُهزم في حرب كهذه. لكن 7 أكتوبر سيبدو صغيراً أمام ما سيحل بنا في حرب مع لبنان. سيحصل ضرر استراتيجي كبير. لكن لن يكون هناك خطر وجودي علينا. وأنا لا أريد أن أخفف وطأة هذه الحرب إلا أنني أضع الأمور في نصابها. والحقيقة أننا لا نحتاج إلى حرب كهذه؛ إذ إنه في حال التوصل إلى اتفاق في غزة سينسحب الأمر على الشمال».

وحذّر البروفسور شيكي ليفي، الباحث في اتخاذ القرارات ورئيس دائرة التمويل في الجامعة العبرية، من حرب لبنان ثالثة عالية، مؤكداً أن «الجميع يتفق على أن مثل هذه الحرب، إذا ما نشبت، ستكون حرباً وجودية، مع إصابات في الأرواح وفي الممتلكات على نطاق لم تشهده دولة إسرائيل أيضاً. هذه حرب ستضع مجرد وجود الدولة في خطر حقيقي». ويضيف، في مقال نشرته «معاريف» أخيراً أن «انعدام ثقة أغلبية الجمهور في إسرائيل بالقيادة السياسية غير مسبوق، كما ينعكس في استطلاع إثر استطلاع. الجيش متآكل حتى الرمق الأخير من الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر. يوجد حد لما يمكن أن نطلبه من رجال الاحتياط الذين انفصلوا عن عائلاتهم، جمّدوا حياتهم المهنية والتعليمية ويقاتلون منذ أشهر طويلة في غزة وفي الشمال».

على رغم كل ذلك، هناك احتمال كبير في أن تختار إسرائيل فتح هذه الحرب، أو الانجرار إليها على طريق الكمائن الذاتية. فهي تواصل سياسة الاغتيالات لقادة «حزب الله»، مع علمها اليقين بأن مع كل اغتيال يأتي رد تصعيدي. في الوقت الحاضر، يحافظ «حزب الله» على السقف الذي حددته الولايات المتحدة وإيران في بداية الحرب، بمنع الانفجار الأوسع، ملتزماً بسياسة الرد وعدم المبادرة إلى عمليات كبيرة. لكن استمرار هذا الانضباط ليس مضموناً. فيكفي أن يقع أحد الأطراف في خطأ ما حتى تنفجر الأمور وتخرج عن السيطرة. وعندها لا يبقى من كلام سوى ذلك المثل القائل: «مجنون ألقى حجراً في البئر».