لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

فرنسيون يحملون لافتات كُتب عليها «عار» و«لا مسامحة للمعتدين» أثناء وقفة احتجاجية ضد مواطنهم الممثل جيرار ديبارديو خارج مسرح سيباستوبول... حيث قدم عرضاً في ليل (شمال فرنسا) في 19 أبريل 2023. وكانت عشرات النساء اتهمن الممثل الفرنسي المخضرم بارتكاب أعمال عنف جنسي في حين ترجع بعض المزاعم اعتداءاته الجنسية إلى عقود وفقاً لتقرير صادر عن موقع «ميديابارت» الإخباري الاستقصائي الفرنسي (أ.ف.ب)
فرنسيون يحملون لافتات كُتب عليها «عار» و«لا مسامحة للمعتدين» أثناء وقفة احتجاجية ضد مواطنهم الممثل جيرار ديبارديو خارج مسرح سيباستوبول... حيث قدم عرضاً في ليل (شمال فرنسا) في 19 أبريل 2023. وكانت عشرات النساء اتهمن الممثل الفرنسي المخضرم بارتكاب أعمال عنف جنسي في حين ترجع بعض المزاعم اعتداءاته الجنسية إلى عقود وفقاً لتقرير صادر عن موقع «ميديابارت» الإخباري الاستقصائي الفرنسي (أ.ف.ب)
TT

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

فرنسيون يحملون لافتات كُتب عليها «عار» و«لا مسامحة للمعتدين» أثناء وقفة احتجاجية ضد مواطنهم الممثل جيرار ديبارديو خارج مسرح سيباستوبول... حيث قدم عرضاً في ليل (شمال فرنسا) في 19 أبريل 2023. وكانت عشرات النساء اتهمن الممثل الفرنسي المخضرم بارتكاب أعمال عنف جنسي في حين ترجع بعض المزاعم اعتداءاته الجنسية إلى عقود وفقاً لتقرير صادر عن موقع «ميديابارت» الإخباري الاستقصائي الفرنسي (أ.ف.ب)
فرنسيون يحملون لافتات كُتب عليها «عار» و«لا مسامحة للمعتدين» أثناء وقفة احتجاجية ضد مواطنهم الممثل جيرار ديبارديو خارج مسرح سيباستوبول... حيث قدم عرضاً في ليل (شمال فرنسا) في 19 أبريل 2023. وكانت عشرات النساء اتهمن الممثل الفرنسي المخضرم بارتكاب أعمال عنف جنسي في حين ترجع بعض المزاعم اعتداءاته الجنسية إلى عقود وفقاً لتقرير صادر عن موقع «ميديابارت» الإخباري الاستقصائي الفرنسي (أ.ف.ب)

بعد ظهر أحد أيام ربيع عام 1985 في مدينة غاري بولاية إنديانا، الولايات المتحدة الأميركية، قتلت فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً امرأة مسنّة بعد أن اقتحمت منزلها. مدينة غاري لها تاريخ طويل من التوترات العرقية بين السكان البيض والسود، وحيث إن الفتاة، واسمها بولا كوبر، كانت سوداء البشرة والضحية، روث بيلك (77 سنة)، من العرق الأبيض، سارعت الصحافة المحلية لتغطية الحادثة لصب الزيت على النار وفسرت الجريمة على أنها ذات بعد عرقي. لكن الشرطة قالت حينها، إن الجريمة حدثت بدافع السرقة، وإن ثلاث فتيات أخريات شاركن في ارتكاب الجريمة، إلا أن الفتيات الأخريات قلن إن بولا كانت زعيمة العصابة. كانت الغنيمة التي خرجت بها الفتيات من بيت الضحية 10 دولارات، بالإضافة إلى سرقة سيارتها.
قبضت الشرطة على بولا، وتم التحقيق معها وتقديمها للمحاكمة وسط أجواء مشحونة بالتوتر في المدينة. وكما كان متوقعاً، حكمت المحكمة على بولا بالإعدام، لتصبح أصغر سجين محكوم بالإعدام في الولايات المتحدة. في عام 1986، كان القانون في ولاية إنديانا يسمح بمحاكمة المتهمين بعمر 10 سنوات كبالغين، وبالتالي يمكن أن يواجهوا عقوبة الإعدام. ورغم أن الفتاة قاصر لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، فإن أحداً لم يستنكر الحكم عليها بالإعدام.
لكن بسبب التغطية الإعلامية للقضية، سرعان ما تحولت قضية بولا إلى قضية عالمية. قامت منظمة العفو الدولية بحملة من أجلها، وتم تقديم مليوني التماس إلى المحكمة العليا في ولاية إنديانا، وأرسل البابا يوحنا بولس الثاني مبعوثاً من الفاتيكان للمطالبة بإنقاذ حياتها. لكن السبب الرئيسي في إطلاق الحملة لإنقاذ بولا كان يُدعى بيل بيلك – حفيد الضحية روث بيلك. كان بيل شاباً مسيحياً متديناً ومحارباً قديماً في فيتنام. وكان بيل يعتقد بأن جدته كانت متسامحة وأنها لم تكن لترغب في رؤية هذه الفتاة الصغيرة تُعدم. حاول زيارتها في السجن، لكن لم يُسمح له بذلك - كان السماح للقتلة المدانين برؤية أفراد أسرة ضحيتهم مخالفاً للقانون. لذلك؛ تبادل بيل وبولا الرسائل على مدى سنوات. عندما تم تخفيف عقوبة الإعدام بحق بولا البالغة من العمر 19 عاماً إلى السجن 60 عاماً في يوليو (تموز) 1989، كانت الكلمات الأولى لبيل هي «الحمد لله!» وفي 17 يونيو (حزيران) 2013، تم إطلاق سراحها بسبب السلوك الجيد، وكان عمرها 43 سنة. ولكن بعد سنتين فقط، قررت بولا الانتحار وأنهت حياتها بيدها.
لنعد الآن إلى الفترة التي أعقبت الحكم على بولا بالإعدام لمناقشة الفكرة الأساسية لهذا المقال: التسامح والغفران.
بينما كانت بولا تنتظر تنفيذ حكم الإعدام، أثار مصيرها جدلاً حول قيمة الحياة البشرية: ما الذي نطالب به عندما نطالب بالعدالة؟ هل الغفران عمل يأس أم شجاعة عميقة؟ مع تعمق صداقة بيل وبولا، تتطلب قصتهم منا التفكير في أفعال التسامح والتعاطف القوية التي قد نكون قادرين عليها. إن الغفران ومسامحة من أساء إلينا، سواء كان الدافع لذلك دينياً أم إنسانياً، هو الطريق إلى تحويل الحياة إلى مسار جديد وإعطائها معنى جديداً. في كتاب «سبعون في سبعة: قصة حقيقية عن القتل والرحمة» (بنجوين بريس 2023)، ينسج الكاتب أليكس مار سرداً لا يُنسى عن جريمة بولا العنيفة وعواقبها. الكتاب يقدم قصة عن إرادة الحياة، وحول ما نحن على استعداد لقبوله على أنه عدالة. هذا الكتاب، الذي تم بحثه وكتابته بدقة، يقدم فصلاً مؤلماً في تاريخ نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة، لكن آفاق الكتاب والأفكار والقيم التي يناقشها تتجاوز كل الحدود.
نحن نعاني في مجتمعنا المعاصر ضغوطاً كثيرة ونتعرض لمواقف صعبة ولإساءات أحياناً من أقرب الناس إلينا. ويسعى كثير منا إلى أساليب كثيرة للتعاطي مع هذه المواقف، ونحن هنا لا نتحدث عن الغضب والتفكير بالانتقام، بل عن كيفية السيطرة على الغضب والتسامح. يلجأ الكثيرون إلى الروحانيات والتعاليم التي تحث على التسامح والغفران في جميع الأديان للمساعدة في تجاوز حالات الغضب والإحساس بالظلم، في حين يلجأ آخرون إلى أساليب أخرى، مثل اليوغا والتأمل.
ولكن ماذا يعني الغفران والتسامح أساساً؟
يشير العديد من الفلاسفة الغربيين إلى أن مفهوم التسامح يعني التغلب على الاستياء، والذي يتحقق من خلال السيطرة على الذات والتسامح مع الآخرين. لكن هذا التفسير يترك مجالاً للنقاش العلمي: هل الغفران فعل أم شعور؟ هل يتطلب منا أن ننظر إلى المسيء بمحبة، أم أن مجرد التغلب على رغبتنا في الانتقام كافٍ؟
نحن أناس غير كاملين نعيش في عالم غير كامل، ومع ذلك، فإننا نتوقع علاقات مثالية. عندما يخفت ضوء الحب، تصبح النزاعات أمراً لا مفر منه. الغفران هو المرهم الذي يشفي من خيانة الحب، لكن قلة من الناس يعرفون ما يعنيه التسامح، ناهيك عن معرفة كيفية التسامح. الغفران يتطلب الانضباط وقوة الشخصية. تحدث الخيانة عندما نتوقع من الناس أن يتصرفوا بطريقة معينة وهم لا يفعلون ذلك. لا يمكن أن تحدث الخيانة إلا عندما توجد علاقة ثقة، فلا يمكن للأشخاص الذين لا نثق بهم أن يخونونا لأنه ليس لدينا توقعات سلوكية. من دون توقعات، المسامحة ليست ضرورية. لا تقتصر الخيانة على الصداقة ومصالح الحب، حيث تكون التوقعات السلوكية متأصلة في تلك العلاقات. نحن نشكل علاقات ثقة مع المجتمع ككل. نتوقع من الناس، حتى لو لم نعرفهم، أن يتصرفوا باحترام. عندما نصبح ضحايا لجرائم شخصية، نشعر بالخيانة لأن توقعاتنا من السلوك البشري قد انتهكت. الغفران مطلوب فقط عندما يفشل الأشخاص في الارتقاء إلى مستوى توقعاتنا. تخلق الخيانة حاجزاً بيننا وبين أعز الناس إلينا لا يمكن تجاوزه إلا بالمغفرة.
إن الغفران ليس شعوراً. الغفران عمل. يجب أن نقرر بوعي أن نغفر لمن لم يرقَ إلى مستوى توقعاتنا. يجب علينا أن نتصرف لكي نغفر ولا ننتظر حتى يخفف النسيان من آلام خيبة الأمل. التسامح هو عملية نشطة نتخذ من خلالها قرارات واعية لمتابعة فعل التسامح، بغض النظر عن مشاعرنا. إذا اعتمد التسامح على المشاعر، فلن يغفر إلا القليل من الناس.
باختصار، يمكن القول إن الغفران هو اختيار مؤلم بتناسي الإساءة. يصعب أحياناً نسيان الإساءة، خاصة إذا كانت خطيرة. يحدث الغفران الحقيقي عندما نتخذ قراراً متعمداً بعدم التفكير في الأخطاء، أو تناسي الأخطاء. غالباً ما يؤدي التفكير في الإساءة إلى إعادة إشعال الألم العاطفي المرتبط بالخيانة. في كل مرة نركز فيها على فعل الخيانة، نعيد بوعي أو بغير وعي بناء حاجز الخيانة بالتفكير.
عندما نختلف مع شخص ما، نميل في جدالنا معه إلى استخدام عبارة «تذكر عندما...»، ونكرر الحديث عن الإساءة التي تعرضنا لها يوماً من الأيام من ذلك الشخص. قد يؤدي إحياء الأخطاء السلوكية التي تم التغاضي عنها مرة واحدة إلى الفوز بالجدل، ولكنه سيكون انتصاراً آنيّاً. الشخص الذي أطلق القنبلة العاطفية يخسر لأنه يعيد إشعال ألم الخيانة. يتحول الألم العاطفي المتبقي إلى غضب إذا تُرك لتتفاقم، ولا يمكن تهدئة هذا النوع من الغضب إلا بالانتقام. إن كسب حجة باستخدام التسامح سلاحاً هو عمل انتقامي يمكن استخدامه مراراً وتكراراً ما دام أن الغضب يزعج قلب الإنسان. سيشعر المتلقي للانفجار العاطفي بالخيانة لأنه كان يعتقد أنه قد تم العفو عن الإساءة. المسامحة تبني علاقات المحبة ولا تدمرها.
كما أن المسامحة الحقيقية لا تسمح باللجوء للتشهير. التشهير شكل خفي من أشكال الانتقام لأن المعتدي يتعرض للتشهير ويصبح هدفاً للإذلال العلني. قد تساعد استشارة صديق موثوق به في عملية التعافي من الغضب. لكن التشهير يؤدي بالتأكيد إلى نتائج عكسية.
المسامحة تتطلب الانضباط. يجب ألا يتحمل الشخص الذي يسامح آلام الخيانة فحسب، بل يجب عليه أيضاً أن يتخذ قراراً مستمراً بعدم تذكر الإساءة، وعدم استخدام التسامح سلاحاً، ويجب عليه الامتناع عن التشهير. في جميع العلاقات، سوف نفشل، في وقت ما، في الارتقاء إلى مستوى توقعات الآخرين. يتم تقليل وطأة الخيانة بمجرد أن ندرك أنه في عالم غير كامل يسكنه أشخاص غير كاملين، لا توجد علاقة مثالية. المسامحة تمنع استمرار حاجز الخيانة وتسمح لنا بالاستمرار في تقوية علاقاتنا. المسامحة جزء أساسي من الحياة. يجب أن نتعلم أن نغفر للآخرين لأننا في وقت ما سنحتاج إلى أن يغفر لنا الآخرون.
- باحث ومترجم سوري


مقالات ذات صلة

الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

تحقيقات وقضايا الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

يكاد يكون الصوم الشعيرة التعبدية الوحيدة في مختلف الأديان والمعتقدات ذات الالتصاق الوثيق بالضمير الإنساني؛ إذ لاحظ باحثون في تاريخ الحضارات القديمة أن ظاهرة الصوم كانت حاضرة بقوة لدى مختلف الشعوب. وتُجمِع معظم الأديان والثقافات على اعتبار الصوم فرصة للتجدّد الروحي والبدني. فقد كان الصوم عبادة يتبارك بها البشر قبل الذهاب إلى الحروب، ولدى بعض الحضارات ممارسة جماعية لاتقاء الكوارث والمجاعات. شعوب أخرى حوّلته طقساً للإعلان عن بلوغ أفرادها اليافعين سن الرشد.

أحمد الفاضل
تحقيقات وقضايا هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

لا ريب في أنّ أشدّ ما يهزّ الوجدان الإنسانيّ، في بُعدَيه الفرديّ والجماعيّ، أن يجري تناولُ الحقيقة الذاتيّة على لسان الآخرين، وإخضاعُها لمقتضيات البحث والنقد والاعتراض والتقويم. ما من أحدٍ يرغب في أن يرى حقيقته تتحوّل إلى مادّةٍ حرّةٍ من موادّ المباحثة المفتوحة. ذلك أنّ الإنسان يحبّ ذاتَه في حقيقته، أي في مجموع التصوّرات والرؤى والأفكار والاقتناعات التي تستوطن قاعَ وعيه الجوّانيّ.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا مجموعة احتجاجية تطلق على نفسها «بقيادة الحمير» تصب طلاء أصفر على طريق في لندن 23 فبراير الماضي (رويترز)

هل يجب أن نقبل ما يقوله الآخرون في امتداح هويّتهم؟

غالباً ما نسمع الناس يمتدحون ما هم عليه، سواءٌ على مستوى هويّتهم الفرديّة أو على مستوى هويّتهم الجماعيّة. لذلك نادراً ما وقعتُ على إنسانٍ يعيد النظر في هويّته الذاتيّة الفرديّة والجماعيّة. ذلك أنّ منطق الأمور يقتضي أن يَنعم الإنسانُ بما فُطر ونشأ عليه، وبما انخرط فيه والتزمه، وبما اكتسبه من عناصر الانتماء الذاتيّ. فضلاً عن ذلك، تذهب بعض العلوم الإنسانيّة، لا سيّما علوم النفس، مذهباً قصيّاً فتوصي بامتداح الأنا حتّى يستقيم إقبالُ الإنسان على ذاته، إذ من الضروريّ أن نتصالح وذواتنا حتّى نستمرّ في الحياة.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا أناس يشاهدون انطلاق مركبة «سبيس إكس» إلى الفضاء في 27 فبراير الماضي (رويترز)

عن «الإنتروبيا» والجدل والتسبيح

من نقطة «مُفرَدة» أولى، لا «أين» فيها ولا «متى»، فيها كل الزمان وكل المكان وكل الطاقة، مدمجين بنظام لا عبث فيه ولا خلل. كانت البداية، ومنها كانت كل البدايات، ينبعث من عِقالِ المفردة الأولى وتراتبيتها الصارمة فوضى كبيرة في انفجار كبير. ومن تلك الفوضى ينبت الزمكان وتنبعث الطاقة وتتخلق المادة، منها كان الكون بأجرامه ومخلوقاته، بل وكانت الأكوان وأجرامها ومجراتها ومخلوقاتها. فكأن قصة الكون وقصتنا معه، «هي أن تراتبية ونظاماً مكثفاً مدمجاً.

تحقيقات وقضايا أزياء متنوعة ارتداها مشاركون في انطلاق المرحلة الثانية من رحلة «إعادة إحياء قلب الجزيرة العربية» من الدرعية في 16 يناير 2023 (واس)

الأزياء تروي تاريخ الشعوب... لفظاً وتواصلاً

يقال إنك «بالملبس تستطيع أن تقول من أنت من دون أن تتفوه بكلمة» و«تستطيع الوصول إلى كل ما تتمناه في الحياة إن ارتديت الملابس المناسبة». وثمة أقوال كثيرة مشابهة تثير الرغبة في «اعتناق» المظهر.

أحمد الفاضل

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.