متى يظهر مثل «ذاك الولد» الذي غيّر تاريخ العالم؟

تشرتشل، صاحب التمثال في لندن، كان يقول «من شبّ على شيء شاب عليه» (رويترز)
تشرتشل، صاحب التمثال في لندن، كان يقول «من شبّ على شيء شاب عليه» (رويترز)
TT

متى يظهر مثل «ذاك الولد» الذي غيّر تاريخ العالم؟

تشرتشل، صاحب التمثال في لندن، كان يقول «من شبّ على شيء شاب عليه» (رويترز)
تشرتشل، صاحب التمثال في لندن، كان يقول «من شبّ على شيء شاب عليه» (رويترز)

لا يمكن لمن يتابع الأوضاع في بريطانيا والأزمات التي تتخبط بها هذه الأيام، أن يتساءل: هل أصبحت تلك الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس عاجزة عن إنتاج شخصية مثل تشرشل الذي لمع في قيادة تلك الإمبراطورية التي امتد استعمارها إلى الهند، وشمال وجنوب أفريقيا، ونيجيريا، وآسيا، والشرق الأوسط؟
ربما من المفيد تذكير الذين يتولون القيادة في بريطانيا، وربما تعريف الأجيال الجديدة في بريطانيا وغيرها من الدول، بتلك الشخصية التي تشعبت ميزاتها في عدة اتجاهات متجانسة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى. لم تعرف الانكسار يوماً حتى عندما كانت في أحلك الظروف وفي خضم الحروب والأخطار حيث الفشل كان مؤكداً.
عرفناه سياسياً ورجل دولة وعرفناه مراسلاً صحافياً حربياً، عرفناه وزيراً وعرفناه كاتباً وأديباً، عرفناه رئيس وزراء وعرفناه مؤرخاً، عرفناه خطيباً قائداً وعرفناه رساماً فناناً، فكان رجلَ علم وعمل، ورئيس وزراء أوحد نال جائزة نوبل للآداب، وأول من منحته الولايات المتحدة الأميركية الجنسية الفخرية في عهد الرئيس جون كينيدي. إنه الرجل الذي ترك بصمة راسخة في قيادة الإمبراطورية البريطانية العظمى والكومونولث في سنوات الحرب العالمية الثانية العصبية الحرجة، فكان صاحب الرؤية والشجاعة والحنكة والذكاء لجعل النصر ممكناً عندما شعر بأن الخطر بات قريباً من بلاده.
وينستون ليونارد سبنسر تشرشل، الولد البكر الذي ينحدر من سلالة الدوقات الأرستقراطية لعائلات مارلبورو، وهي أحد فروع عائلة سبنسر الأشهر في بريطانيا، كان مستعجلاً للخروج إلى الدنيا في ولادة مبكرة في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1874 وقبل شهرين من موعدها في «قصر بلانهايم»، الذي وهبه البرلمان الإنجليزي إلى جون تشرشل الدوق الأول لعائلة مارلبورو في أكسفورد شاير في إنجلترا، وعاش فيه والده اللورد راندولف تشرشل، بعد دوق مارلبورو السابع، الوالد السياسي ذو الشخصية الكاريزمية الذي تبوّأ منصب وزير خزانة وأسس الحزب الرابع في البرلمان البريطاني وهو حزب «التوري - المحافظون الديمقراطيون» إلى جانب الأحزاب الثلاثة القائمة آنذاك: «المحافظون»، و«الليبراليون»، و«الآيرلنديون الوطنيون». أما والدته جيني فهي ابنة الرجل البارز في المجتمع الأميركي ليونارد جيروم المشهور في حلبات سباق الخيل ونوادي اليخوت، والجد الذي أحبه وينستون كثيراً وقال عنه: «إنه رجل رائع حقاً، يحب ما يفعل ويفعل ما يحب. أما جيروم فهي عائلة بغيضة ما عداي، فأنا العضو الوحيد الأليف بينهم».
وينستون، المولود الجديد البكر لعائلة عريقة معروفة، كيف ستكون طفولته؟ بالطبع، سيكون طفلاً محبوباً ومدلّلاً والعطف والحنان يحيط به من الجميع، خصوصاً من والديه. لكن للأسف، لم يكن الأمر كذلك، إن هذا الطفل الجميل جداً، كما وصفه أبوه، أُهمل وتُرك وحيداً في غرفته، فأبواه اللذان أحبا أحدهما الآخر كثيراً كانا مغرمين بحياة اللهو والسهر والسياسة بحضور أمير ويلز وفي عهد الملك إدوارد الثاني، أكثر مما كانا مغرمين بطفلهما الصغير ونادراً ما كانت الأم تدخل غرفة حضانته لتلقي نظرة خاطفة عليه، والأب كذلك. هكذا تُرك الطفل المسكين منذ ولادته برعاية مربيته التي أحبته كثيراً، رعته أكثر من والديه وكانت بمثابة أُم ثانية. إنها السيدة أفرست التي عوّضته عن حنان أمه وأبيه واهتمت به وهو صغير، وبنشأته وهو ينمو ويكبر، وبمتابعة دراسته وهو في المدرسة. وعندما دعتها المدرسة في هارو للحضور واصطحابه لقضاء العطلة الصيفية في منزله، طلبت منها إحضار أفضل بنطال لديه من أجل إلقاء قصيدة في منافسة شعرية لم يحضرها والداه المنهمكان بحياتهما فكان اللهو أهم لديهما من مشاهدة وسماع ولدهما ذي الاثنى عشر ربيعاً وهو يلقي قصيدة مؤلَّفة من ألف ومائتي بيت نال على أثرها الجائزة الوحيدة التي حازها في حياته وهي «جائزة ماكولي» للمنافسة الشعرية، كانت السيدة أفرست السيدة الوحيدة الموجودة من العائلة لتشجيعه.
إننا نتساءل: كيف كان شعوره حينئذٍ يا تُرى، هذا الولد الذكي الذي كان والده المتنمّر اللورد راندولف تشرشل يصفه بـ«ذاك الولد» البليد الكسول الذي لم يجده نافعاً في شيء؟!
أُرسل وينستون إلى مدرسة سانت جورج البريطانية، في أسكوت، في بيركشاير لمدة سنتين (1882 – 1884) أمضى خلالهما أسوأ سنين حياته. فمدير المدرسة، القس الساديّ هربرت ويليام، كان يؤمن بالعنف، وذات مرة ضربه ضرباً مبرحاً بالعصا مسبباً له بقعاً حمراء وندوباً وربما جروحاً، وكل ذلك من أجل سرقة حفنة من السَّكر. لكنَّ وينستون الذي لا يسكت عن ضيم، انتظر حتى تعافى ثم استغلّ الفرصة ليتسلّل إلى غرفة القس ويسرق قبعته القشّية التي يرتديها في المناسبات الرسمية وأخذ يركلها حتى مزّقها إرباً ورماها في الغابة. ثار وينستون ضد السلطة والظلم في المدرسة لذلك لم يأبه للاجتهاد والعمل والنجاح فيها. كل هذا ولّد لديه نقمة ليجعل منه تلميذاً متمرداً ثورياً عنيداً سيئ السلوك كسولاً مهملاً. فطبيعته الثورية لم تتأقلم مع النظام والانضباط والسلطة. وهكذا، جاء في الفصل الأول في المرتبة الحادية عشرة في صف كان عدده أحد عشر تلميذاً. عاش وينستون بين أبٍ متنمّر ومدير معنّف وما يحبس في داخله من كرهٍ ورفضٍ وخيبة أمل، والمأساة هي أن والده تأخر ليكتشف الحقيقة. فأرسله إلى مدرسة في برايتون تديرها سيدتان، لكنَّ وينستون سرعان ما أُصيب بالتهاب رئوي وكاد يفارق الحياة في سن الحادية عشرة. لدى شفائه، عاد والده اللورد راندولف بذاكرته إلى الوراء، أيام كان يراه وهو يلعب بألعاب الجنود باهتمام وتركيز لافت وهو جالس على أرض غرفة حضانته، فقرر إرساله إلى مدرسة هارو لإلحاقه بالكلية العسكرية الملكية البريطانية فيما بعد.
ذهب وينستون إلى المدرسة الرسمية الكبرى في هارو القريبة من لندن، وللمفارقة التقى فيها تلميذاً آخر هو اللورد بايرون فأصبحا اللوردين الوحيدين فيها. وأيضاً، اتّسم الفصل الأول بالإهمال، لكن الشيء الإيجابي الوحيد كان تفوّقه في مادة التاريخ التي أحبها كثيراً. وفي هذه المدرسة بالذات شعر لدى سماعه الأغاني الحماسية والأناشيد المدرسية بشيء رائع في داخله. تحرّك فيه الحس القومي وحبه للوطن لذا حفظ القصيدة المؤلفة من ألف ومائتي بيت عن ظهر قلب، والتي تتحدث عن أن الجميع يعمل من أجل الدولة لا من أجل الحزب والناس كلهم سواسية يحب بعضهم بعضاً ولا فرق بين فقير وغني.
بعد تخرّجه في هذه المدرسة، ولا أدري كم كان معدله، قرر والده إرساله إلى الكلية الحربية في ساندهرت وكان وينستون في سن السادسة عشرة حينها، لكن في الواقع أن السيدة أفرست هي التي شجعته على الانضمام إلى الكلية قائلةً: «أتمنى أن تحاول وتجتهد جيداً يا أعز الناس كي تسعد أمك وأباك، وتخيّب آمال الذين يتنبأون لك بمستقبل غير باهر. وهكذا تقدم وينستون للامتحان ثلاث مرات قبل أن ينجح في المرة الأخيرة وينضم إلى الكلية ويتخرج بعدها في المرتبة العشرين».
السؤال الذي يجول في البال: هل أثّر إهمال والديه في تطوّر حياته؟
أحب وينستون أمه كثيراً ولم يُلقِ اللوم عليها أبداً، بل بالعكس، أقنع نفسه بأنها أحبته كثيراً، فقال لها: «الآن، أنا حبيبك...». لكن بعد سنوات مضت أخذ يتذكر علاقته بأمه بطريقة أكثر صدقاً وعيناه الزرقاوتان تشعُّ فرحاً قائلاً: «كانت أمي أميرتي الجميلة المتألقة دائماً، ونورها يسحرني (كنجمة المساء). أحببتها كثيراً من بعيد». كذلك فعل أبوه أيضاً فأبقى المسافة بعيدة بينهما. يتذكر وينستون أنه، ذات مرة، عندما حاول تقديم المساعدة لأبيه، تجّمد مكانه متفاجئاً بعد أن شاهد ردة فعل أبيه السلبية الباردة، وفي وقت لاحق في أثناء قيادة السيارة آخر مرة إلى المحطة وبرفقته هو وأمه، ربت أبوه على ركبته وكانت تلك المرة الوحيدة التي أظهر فيها اللورد راندولف حبه لابنه، حيث توفي عن عمر يناهز خمسة وأربعين عاماً بعد معاناة من شلل دام سبع سنوات عانت بعدها العائلة من ظروف مادية صعبة وكان وينستون حينئذٍ في الحادية والعشرين من عمره.
كتب وينستون لأمه وهو في الثمانية عشر ربيعاً قائلاً: «لا أستطيع أن أقوم بشيء بشكل صائب... أظن أنني سوف أكون دائماً (ذاك الولد)، حتى ولو أصبحت في الخمسين».
يمكن أن يقال كثيراً عن السير وينستون تشرشل مما نعرفه ومما لا نعرفه، وكما يقول المثل: «في السادسة كذلك في الستين»، أو «من شبّ على شيء شاب عليه»، فإن هذه الطفولة البائسة الحزينة والمعاناة من حرمان عاطفي وتعنيف معنوي وجسدي وهذه الحياة التي تميّزت بالقهر والظلم، وللمفارقة، انعكست إيجاباً، ولحسن الحظ، على شخصية مستقلة قوية في قراراتها كما ظهر في رفضه الخضوع لألمانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية رغم خضوع بعض دول الحلفاء لها، شخصية قادرة على الصبر والتحمّل وعدم السكوت عن ضيم، وهذا ما سبَّب له فشلاً عدة مرات كان المسؤول عن بعضها اتخاذ قرارات خاطئة عائدة لسياسيين آخرين، شخصية لا تنكسر ولا تتقبّل الإحباط، وعند شعوره بذلك كان وينستون يلجأ إلى الكتابة والرسم، شخصية ذات قدرة على الإقناع كالخطابات التي ألقاها أمام الشعب الإنجليزي إبّان وفي أثناء الحرب العالمية الثانية وقدرته على إقناع الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس روزفلت لدخول الحرب مع الحلفاء بعد غارات الطائرات اليابانية على قاعدة «بيرل هاربر» البحرية وتدمير الأسطول الأميركي فيها وإلحاق الهزيمة بدول المحور، ما غيّر مسار الحرب ومجرى التاريخ أيضاً. إنّ «ذاك الولد غيّر تاريخ العالم»، وغيرها من الأحداث المشهود لها.
يمكن أن يُقال الكثير عن هذا الطفل وهذا الرجل الذي تميّز بصفات قلّ نظيرها، فأين نحن من شخصية كهذه تظهر فجأة كمعجزة في بلد ما لتنقذه من محنته؟!
- باحثة لبنانية


مقالات ذات صلة

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

تحقيقات وقضايا لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

لماذا علينا أن نسامح الآخرين؟

بعد ظهر أحد أيام ربيع عام 1985 في مدينة غاري بولاية إنديانا، الولايات المتحدة الأميركية، قتلت فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً امرأة مسنّة بعد أن اقتحمت منزلها. مدينة غاري لها تاريخ طويل من التوترات العرقية بين السكان البيض والسود، وحيث إن الفتاة، واسمها بولا كوبر، كانت سوداء البشرة والضحية، روث بيلك (77 سنة)، من العرق الأبيض، سارعت الصحافة المحلية لتغطية الحادثة لصب الزيت على النار وفسرت الجريمة على أنها ذات بعد عرقي. لكن الشرطة قالت حينها، إن الجريمة حدثت بدافع السرقة، وإن ثلاث فتيات أخريات شاركن في ارتكاب الجريمة، إلا أن الفتيات الأخريات قلن إن بولا كانت زعيمة العصابة.

تحقيقات وقضايا الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

الصوم... قاسم مشترك للضمير الإنساني

يكاد يكون الصوم الشعيرة التعبدية الوحيدة في مختلف الأديان والمعتقدات ذات الالتصاق الوثيق بالضمير الإنساني؛ إذ لاحظ باحثون في تاريخ الحضارات القديمة أن ظاهرة الصوم كانت حاضرة بقوة لدى مختلف الشعوب. وتُجمِع معظم الأديان والثقافات على اعتبار الصوم فرصة للتجدّد الروحي والبدني. فقد كان الصوم عبادة يتبارك بها البشر قبل الذهاب إلى الحروب، ولدى بعض الحضارات ممارسة جماعية لاتقاء الكوارث والمجاعات. شعوب أخرى حوّلته طقساً للإعلان عن بلوغ أفرادها اليافعين سن الرشد.

أحمد الفاضل
تحقيقات وقضايا هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

هل يجوز أن تتحوّل الحقيقة إلى موضوع حواريّ؟

لا ريب في أنّ أشدّ ما يهزّ الوجدان الإنسانيّ، في بُعدَيه الفرديّ والجماعيّ، أن يجري تناولُ الحقيقة الذاتيّة على لسان الآخرين، وإخضاعُها لمقتضيات البحث والنقد والاعتراض والتقويم. ما من أحدٍ يرغب في أن يرى حقيقته تتحوّل إلى مادّةٍ حرّةٍ من موادّ المباحثة المفتوحة. ذلك أنّ الإنسان يحبّ ذاتَه في حقيقته، أي في مجموع التصوّرات والرؤى والأفكار والاقتناعات التي تستوطن قاعَ وعيه الجوّانيّ.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا مجموعة احتجاجية تطلق على نفسها «بقيادة الحمير» تصب طلاء أصفر على طريق في لندن 23 فبراير الماضي (رويترز)

هل يجب أن نقبل ما يقوله الآخرون في امتداح هويّتهم؟

غالباً ما نسمع الناس يمتدحون ما هم عليه، سواءٌ على مستوى هويّتهم الفرديّة أو على مستوى هويّتهم الجماعيّة. لذلك نادراً ما وقعتُ على إنسانٍ يعيد النظر في هويّته الذاتيّة الفرديّة والجماعيّة. ذلك أنّ منطق الأمور يقتضي أن يَنعم الإنسانُ بما فُطر ونشأ عليه، وبما انخرط فيه والتزمه، وبما اكتسبه من عناصر الانتماء الذاتيّ. فضلاً عن ذلك، تذهب بعض العلوم الإنسانيّة، لا سيّما علوم النفس، مذهباً قصيّاً فتوصي بامتداح الأنا حتّى يستقيم إقبالُ الإنسان على ذاته، إذ من الضروريّ أن نتصالح وذواتنا حتّى نستمرّ في الحياة.

باسيل عون (مشير)
تحقيقات وقضايا أناس يشاهدون انطلاق مركبة «سبيس إكس» إلى الفضاء في 27 فبراير الماضي (رويترز)

عن «الإنتروبيا» والجدل والتسبيح

من نقطة «مُفرَدة» أولى، لا «أين» فيها ولا «متى»، فيها كل الزمان وكل المكان وكل الطاقة، مدمجين بنظام لا عبث فيه ولا خلل. كانت البداية، ومنها كانت كل البدايات، ينبعث من عِقالِ المفردة الأولى وتراتبيتها الصارمة فوضى كبيرة في انفجار كبير. ومن تلك الفوضى ينبت الزمكان وتنبعث الطاقة وتتخلق المادة، منها كان الكون بأجرامه ومخلوقاته، بل وكانت الأكوان وأجرامها ومجراتها ومخلوقاتها. فكأن قصة الكون وقصتنا معه، «هي أن تراتبية ونظاماً مكثفاً مدمجاً.


إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.