العجز عن توفير وسائل التدفئة والطبخ يُعيد الدمشقيين إلى العصور القديمة

الأوضاع الأسوأ في تاريخ البلد... وحتى الحطب لم يعد متوفراً

الحطب الأخضر بدل اليابس المفقود (رويترز)
الحطب الأخضر بدل اليابس المفقود (رويترز)
TT

العجز عن توفير وسائل التدفئة والطبخ يُعيد الدمشقيين إلى العصور القديمة

الحطب الأخضر بدل اليابس المفقود (رويترز)
الحطب الأخضر بدل اليابس المفقود (رويترز)

أمام بوابة منزله الخارجية، غرب العاصمة السورية دمشق، كان (م. ن) في ساعات الصباح يحاول إشعال بعض قطع الخشب الصغيرة والكرتون لتحضير إبريق من الشاي، لكن كمية الكرتون والورق التي لديه لم تسعفه في إشعال النار بشكل جيد.
الرجل الذي تفتقد عائلته للغاز المنزلي منذ أكثر من شهرين، كان كلما أوشكت النار على الانطفاء، يطلب وبصوت عال من ابنه وابنتيه من حوله، الإسراع بإحضار كمية من الكرتون والورق وأكياس النايلون... لكن من دون جدوى؛ لأن «النبيشة» جمعوا، منذ ساعات الصباح الباكر، كل الكرتون والبلاستيك من أكياس القمامة.
التشاؤم الذي خيم على وجه الرجل لم يستمر إلا للحظات، مع إسعافه من قبل جارته بكمية من الكرتون رمتها عليه من البلكون، لينجح بعد ذلك في إشعال النار بشكل جيد، ووضع إبريق الشاي على ثلاثة أحجار متوسطة الحجم أحاط النار بها؛ لتعم الابتسامة على وجهه ووجوه ابنه وابنتيه.
بعد نضوج إبريق الشاي، رفض ابن وابنتا (م. ن) دعوته للدخول إلى المنزل من أجل تناول الإفطار، وفضلوا تناول ساندويتشات الزعتر مع الشاي في الشارع وهم حول النار للتدفئة عليها، لأن الجو داخل المنزل شديدة البرودة.
ومنذ حلول فصل الشتاء، يشكو غالبية سكان دمشق من البرد وانعدام وسائل التدفئة والغاز المنزلي والكهرباء، وسط تواصل عجز الحكومة عن توفيرها، بسبب أزمة محروقات شديدة تعصف بمناطق سيطرة النظام منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وتسببت الأزمة الحالية في حالة شلل شبه تام في الطرقات، وعدد من المؤسسات الحكومية، وارتفاع كبير في أجور النقل والمواصلات، وفترات انقطاع طويلة في التيار الكهربائي، فيما ضرب الركود معظم الأسواق، إضافة إلى تسجيل موجة ارتفاع جديدة في أسعار معظم المواد الأساسية والغذائية والخضراوات، لم يخفضها التحسن النسبي الذي شهده مؤخرا سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي، حيث يصل حاليا إلى 6 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، بعدما تجاوز أواخر أيام العام الماضي الـ7300 ليرة.
وتوزع الحكومة على كل عائلة كمية تبلغ 50 لتراً من مازوت التدفئة بالسعر الحكومي (500 ليرة للتر الواحد) عبر «البطاقة الذكية»، لكن نسبة التوزيع حتى الآن في دمشق لم تصل إلى 50 في المائة، فيما تتجاوز فترة تسلم رسالة أسطوانة الغاز المنزلي (وزن 10 كيلوغرامات) 100 يوم، والتي سبق أن تم تحديدها بـ23 يوما. ووصل سعر اللتر الواحد من المازوت في السوق السوداء إلى ما بين 12 و15 ألف ليرة سورية، بعدما كان قبل الأزمة الحالية بين 5 و6 آلاف، بينما حلّق سعر الكيلوغرام الواحد من الغاز المنزلي إلى 23 ألف ليرة، علما بأن سعره الحكومي للعائلات ألف ليرة. وفي مشهد آخر يعكس مدى صعوبة الحياة التي وصل إليها سكان في دمشق، رصدت «الشرق الأوسط» قيام عدد من أرباب العائلات بإحراق كميات من الخشب والورق والنايلون والبلاستيك بداخل «تنكة» زيت فارغة أمام بوابات منازلهم الخارجية، أو على البلكونات وانتظارها حتى تصبح جمرا، ومن ثم إدخالها إلى الغرف لتوفير التدفئة لأفراد عائلتهم.
رب عائلة مؤلفة من 5 أفراد، أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يتسلم بعد الـ50 لتراً من مازوت التدفئة «ولا يستطيع شراء مدفأة حطب لغلاء ثمنها، وما في اليد حيلة».
الرجل وفي تعقيبه على الأضرار التي يخلفها الدخان المنبعث من «التنكة» على صحة أفراد العائلة، قال: «دخان يعمي ولا برد يدبح».
ورصدت «الشرق الأوسط»، مع حالة الركود في معظم الأسواق وإحجام كثير من الناس عن شراء إلا ما هو ضروري جدا، تحول كثير من محال بيع الفلافل والخضراوات إلى بيع حطب التدفئة، ولكن الإقبال عليها ضعيف جدا بسبب ضعف القوة الشرائية لمعظم الناس، إذ يصل سعر الكيلوغرام الواحد من الحطب ما بين 1800 - 1500 ليرة حسب الجودة ونسبة جفافه من الماء. وباتت غالبية المواطنين في مناطق سيطرة النظام، تعيش أوضاعاً هي الأسوأ في تاريخ سوريا، بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة أمام الدولار، والارتفاع المستمر للأسعار، وتواصل فقدان مداخيل العائلات الشهرية لجزء كبير من قيمتها، حيث لا يتعدى متوسط الراتب الشهري لموظفي القطاع العام 20 دولاراً، ولموظفي القطاع الخاص 50 دولاراً، بعدما كان راتب الموظف الحكومي قبل سنوات الحرب يعادل نحو 600 دولار.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
TT

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)
تدريب للشباب على مختلف التخصصات المهنية ووسائل تحسين الدخل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

يواصل «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» تقديم المشاريع والمبادرات التنموية في التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب والمجتمعات، والاستثمار في رأس المال البشري، ودعم سبل العيش والمعيشة.

وذكر تقرير حديث عن البرنامج أن البرامج والمبادرات التنموية التي يقدمها البرنامج السعودي ركزت في المساهمة على بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد، من خلال برنامج «بناء المستقبل للشباب اليمني» الذي يساهم في ربط الشباب اليمني بسوق العمل عبر تدريبهم وتمكينهم بالأدوات والممكنات المهارية.

ويساعد البرنامج الشباب اليمنيين على خلق مشاريع تتلاءم مع الاحتياجات، ويركّز على طلاب الجامعات في سنواتهم الدراسية الأخيرة، ورواد الأعمال الطموحين، وكان من أبرز مخرجاته تخريج 678 شاباً وشابةً في عدد من التخصصات المهنية، وربط المستفيدين بفرص العمل، وتمكينهم من البدء بمشاريعهم الخاصة.

وشملت المشاريع والمبادرات برامج التمكين الاقتصادي للسيدات، بهدف تعزيز دور المرأة اليمنية وتمكينها اقتصادياً.

تدريبات مهنية متنوعة لإعداد الشباب اليمني لسوق العمل (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وأشار التقرير إلى أن برنامج «سبأ» للتمكين الاقتصادي للسيدات، الذي أسهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب، وإكساب 60 سيدة للمهارات اللازمة لإطلاق مشاريعهن، وإطلاق 35 مشروعاً لتأهيل وتدريب قطاع الأعمال ودعم 35 مشروعاً عبر التمويل وبناء القدرات والخدمات الاستشارية، مع استفادة خمسة آلاف طالبة من الحملات التوعوية التي تم تنظيمها.

وإلى جانب ذلك تم تنظيم مبادرة «معمل حرفة» في محافظة سقطرى لدعم النساء في مجال الحرف اليدوية والخياطة، وتسخير الظروف والموارد المناسبة لتمكين المرأة اليمنية اقتصادياً.

وقدم «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» مشروع الوصول إلى التعليم في الريف، الذي يهدف إلى حصول 150 فتاة على شهادة الدبلوم العالي وتأهيلهن للتدريس في مدارس التعليم العام، في أربع محافظات يمنية هي: لحج، شبوة، حضرموت، والمهرة، بما يسهم في الحد من تسرب الفتيات في الريف من التعليم وزيادة معدل التحاقهن بالتعليم العام في المناطق المستهدفة.

وقدّم البرنامج مشروع «دعم سبل العيش للمجتمعات المتضررة»، الموجه للفئات المتضررة عبر طُرق مبتكرة لاستعادة سبل المعيشة الريفية وتعزيز صمود المجتمعات المحلية من خلال دعم قطاعات الأمن الغذائي، مثل الزراعة والثروة السمكية والثروة الحيوانية، لأهمية القطاعات الأكثر حساسية للصدمات البيئية والاقتصادية، موفراً أكثر من 13 ألف فرصة عمل للمستفيدين من المشروع.

البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن يساهم في إنشاء أول حاضنة أعمال للنساء في مأرب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

وضمن البرامج والمبادرات التنموية المستدامة، جاء مشروع استخدام الطاقة المتجددة لتحسين جودة الحياة في اليمن، بهدف توفير المياه باستخدام منظومات الطاقة الشمسية، وتوفير منظومات الري الزراعي بالطاقة المتجددة، وتوفير الطاقة للمرافق التعليمية والصحية، والمساهمة في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين الأمن الغذائي لليمنيين.

كما يهدف المشروع إلى حماية البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتوفير مصدر مستدام للطاقة، محققاً استفادة لأكثر من 62 ألف مستفيد في 5 محافظات يمنية.

وفي مساعيه لتعزيز الموارد المائية واستدامتها، أطلق البرنامج مشروع تعزيز الأمن المائي بالطاقة المتجددة في محافظتي عدن وحضرموت، لتحسين مستوى خدمات المياه والعمل على بناء قدرات العاملين في الحقول على استخدام وتشغيل منظومات الطاقة الشمسية.

تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

ومن خلال مشروع المسكن الملائم، يسعى البرنامج إلى المساهمة في تعزيز التنمية الحضرية وإيجاد حل مستدام للأسر ذات الدخل المحدود في المديريات ذات الأولوية في محافظة عدن من خلال إعادة تأهيل المساكن المتضررة، وقد ساهم المشروع في إعادة تأهيل 650 وحدة سكنية في عدن.

وتركّز البرامج التنموية على المساهمة في بناء قدرات الكوادر في القطاعات المختلفة، وقد صممت عدد من المبادرات في هذا الجانب، ومن ذلك مبادرات تدريب الكوادر في المطارات مركزة على رفع قدراتهم في استخدام وصيانة عربات الإطفاء، ورفع درجة الجاهزية للتجاوب مع حالات الطوارئ، والاستجابة السريعة في المطارات اليمنية، إضافة إلى ورش العمل للمساهمة في الارتقاء بمستوى الأداء وتذليل المعوقات أمام الكوادر العاملة في قطاعات المقاولات والزراعة.