معايير علاجية جديدة لمرضى السكري في 2023

تهدف إلى ضبط الكوليسترول وضغط الدم وحماية القلب والكلى

معايير علاجية جديدة لمرضى السكري في 2023
TT

معايير علاجية جديدة لمرضى السكري في 2023

معايير علاجية جديدة لمرضى السكري في 2023

اتسمت الأهداف العلاجية الجديدة لعام 2023، لضبط ارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكوليسترول والدهون لدى مرضى السكري، بالصرامة، وفق معايير الرابطة الأميركية للسكري، ADA، وكذلك المعايير العلاجية المتعلقة بالوقاية من أمراض الشرايين القلبية، والحفاظ على وزن طبيعي للجسم.

معايير علاجية جديدة

ووفق معايير الوثيقة العلاجية الجديدة Standards of Care in Diabetes 2023 التي أصدرتها الرابطة في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإن جهود الأطباء خلال عام 2023 يجدر أن تهدف إلى عدم التهاون في العمل العلاجي على ضبط ارتفاع ضغط الدم لدى مرضى السكري، وصولاً إلى قراءات ما دون 130 على 80 ملم زئبق. وكذلك العمل العلاجي على خفض ارتفاع الكوليسترول الخفيف LDL إلى ما دون 70 ملغم/ ديسيلتر، لعموم مرضى السكري. وأن تكون الوقاية من أمراض شرايين القلب إحدى أهم الأولويات في الأهداف العلاجية.
وأفاد الدكتور روبرت أ. غاباي، المسؤول الطبي والعلمي في رابطة السكري الأميركية، بالقول: «في إصدار هذا العام من معايير رابطة السكري الأميركية للرعاية -المبادئ التوجيهية طويلة الأمد لإدارة مرض السكري على مستوى العالم- سترى معلومات تتحدث حقاً عن كيف يمكننا معالجة مرض السكري بشكل أكثر قوة، وكيف يمكننا العمل على تقليل المضاعفات بعدة طرق مختلفة».
وذكّر الدكتور غاباي بحقيقة قلّما يتنبه لها مرضى السكري، وذلك بقوله: «إدارة معالجة مرض السكري من النوع 2 لا تتعلق بضبط الغلوكوز ومعدلاته في الدم فقط؛ بل يزداد تركيز المعايير العلاجية في العمل على ضبط المخاطر القلبية، والمخاطر الكلوية، بالإضافة إلى إدارة ضبط الوزن». وأكّد: «إننا نحتاج إلى التفكير في كل هذه الجوانب، وليس في جانب واحد فقط (أي معدل الغلوكوز في الدم). لدينا الآن أدوات أفضل ومفيدة، في القدرة على المضي قدماً في هذا الأمر».
وجوانب هذه «الاستراتيجية العلاجية» لمريض السكري، هي التي تغيب عن أذهان كثير من المرضي؛ لأن معالجة مريض السكري لا تعني معالجة ارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم فقط؛ بل أيضاً معالجة منظومة العوامل المضطربة المرافقة التي تتسبب في التداعيات والمضاعفات لدى مريض السكري، والتي تهدد في نهاية الأمر سلامة حياته، وتعيق عدداً من قدراته البدنية المهمة.

الكوليسترول والدهون

وفي جانب الكوليسترول والدهون، شملت وثيقة معايير المعالجة الجديدة لعام 2023، تغيرات مهمة في ضرورة التركيز على توضيح أرقام الأهداف العلاجية لضبط الدهون والكوليسترول. وأوضحت أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون مرض السكري، والذين تتراوح أعمارهم بين 40 و75 عاماً، والذين يعانون زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (بما في ذلك أولئك الذين يعانون واحداً أو أكثر من عوامل خطر الإصابة بتصلب الشرايين)، يُوصى بالعلاج المُكثّف بأدوية فئة الستاتين Statin Therapy لخفض معدل الكوليسترول الخفيف الضار بنسبة 50 في المائة أو أكثر، مقارنة بالمعدل الأساسي لنسبته لدى المريض قبل بدء علاج خفض الكوليسترول، وصولاً إلى مقدار أقل من 70 ملغم/ ديسيلتر. وهو أقل من الهدف السابق البالغ 100 ملغم/ ديسيلتر. ولتحقيق هذا الهدف، تنصح الوثيقة بالنظر في إضافة أدوية من فئة خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول (مثل إزتيميب Ezetimibe أو مثبط PCSK9)، مع أقصى حد يمكن أن يتحمله المريض من العلاج بأدوية فئة الستاتين.
كما أوضحت أنه بالنسبة للأشخاص المصابين بمرض السكري الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و75 عاماً، والذين أصيبوا فعلاً بأمراض القلب والأوعية الدموية، يُوصى بالعلاج المُكثّف بأدوية فئة الستاتين بهدف خفض معدل الكوليسترول الخفيف الضار بنسبة 50 في المائة، أو أكثر من المعدل الأساسي لدى المريض، وصولاً إلى مقدار أقل من 50 ملغم/ ديسيلتر. أي ليس فقط الوصول إلى 70 ملغم/ ديسيلتر. وأشار الدكتور غاباي إلى أن هذا الهدف المنخفض جداً في مقدار الكوليسترول الخفيف الذي يجدر الوصول إليه، يستند إلى أدلة علمية قوية في الدراسات الطبية.
وبالنسبة لمرضى السكري الذين تزيد أعمارهم على 75 عاماً، يجب على أولئك الذين يتناولون العقاقير المخفضة للكولسترول أن يستمروا في تناولها. أما بالنسبة لأولئك الذين ليسوا كذلك، فقد يكون من المعقول بدء علاج الستاتين متوسط الشدة بعد مناقشة الفوائد والمخاطر.

حماية الكليتين

وفي شأن الاهتمام بالكليتين، تضمنت الوثيقة العلاجية الجديدة توصية أخرى تدعو إلى إضافة عقار «فينيرينون» للأشخاص المصابين بداء السكري من النوع 2. وعقار «فينيرينون» هو من الأدوية الحديثة جداً، والأول من نوعه في فئة أدوية MRA، ويستخدم لتقليل مخاطر تدهور وظائف الكلى (تقليل مخاطر الانخفاض المستمر في معدل الترشيح الكبيبي GFR)، ولمنع الوصول إلى الفشل الكلوي ESRD، وخفض احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية MI والوفيات ذات الصلة بأمراض القلب وفشل القلب، لدى مرضى النوع 2 من السكري المصابين بأمراض الكلى المزمنة. وتمت الموافقة على استخدامه الطبي لهذه الغايات في الولايات المتحدة في يوليو (تموز) 2021، وفي الاتحاد الأوروبي في فبراير (شباط) 2022.
ولذا جاءت التوصيات الجديدة بوصفه لمرضى السكري من النوع 2 الذين لديهم بالفعل ضعف مزمن في الكلى CKD، ولديهم كذلك البول الزلالي Albuminuria، والذين يتم علاجهم بالجرعات القصوى المسموح بها من مثبط الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ACE أو حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين ARB. والهدف من إضافة هذا العقار الجديد هو تقليل خطر تطور مرض الكلى المزمن، وتحسين نتائج القلب والأوعية الدموية.
كما أكّدت ضرورة الاستفادة من إضافة تناول أولئك المرضى لأحد أدوية فئة مثبط SGLT2. وهي من الأدوية الحديثة أيضاً، والتي تعمل بشكل فريد في تحقيق جانبين: الجانب الأول هو تأثير علاجي «مباشر»، يتعلق بضبط نسبة سكر الغلوكوز في الدم، عبر زيادة إخراج سكر الغلوكوز مع البول. والجانب الآخر هو تأثير «غير مباشر» عبر آليات معقدة، محصلتها حماية وظائف الكلى من التدهور لدى مرضى السكري، وحماية القلب أيضاً لديهم. وفي التحديث الجديد، تغيرت عتبة بدء أدوية فئة مثبط SGLT2 لحماية الكلى، إلى معدل ترشيح كبيبي eGFR بمقدار أعلى أو مساوٍ لـ20 مل/ دقيقة/ مساحة سطح الجسم، ووجود البول الزلالي بمقدار أعلى أو مساوٍ لـ200 ملغم/ غم كرياتينين.
وخلال إعداد هذه الوثيقة العلاجية العلمية لعلاج مرضى السكري، شاركت الكلية الأميركية لأمراض القلب ACC في صياغة الجوانب المتعلقة بإدارة مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية لدى مرضى السكري.
والتعريف الجديد لارتفاع ضغط الدم لدى مريض السكري هو ما كان أعلى أو مساوياً لـ130 ملم زئبق (ضغط الدم الانبساطي) على 80 ملم زئبق (ضغط الدم الانبساطي). وذلك عندما يتكرر على قياسين في أوقات مختلفة. ولذا تم اعتماد الهدف العلاجي بما يكون أدنى من 130 على 80 ملم زئبق، إذا أمكن الوصول إليه بأمان. وهو ما دلت على جدواه كثير من نتائج الدراسات الطبية خلال العقد الماضي.

7 جوانب رئيسية في معالجة مرض السكري

> جانب التثقيف الصحي لمريض السكري لا يتعلق بالحمية الغذائية وأدوية خفض نسبة سكر الدم فقط؛ بل أيضاً بإدراك أن الأسباب الرئيسية للوفيات، وللإعاقات، وللمعاناة المرضية، ولارتفاع التكاليف المادية في المعالجة، ليست في تلك التأثيرات السيئة «المباشرة» لارتفاع أو انخفاض نسبة سكر الغلوكوز في الدم فقط؛ بل إنها ناجمة عن التأثيرات السيئة «غير المباشرة» وطويلة المدى لـ«عدد من العوامل الأخرى» (غير ارتفاع الغلوكوز في الدم)، على شرايين القلب، وشرايين الأطراف، وشرايين الدماغ، والكليتين، والأعصاب، والعينين. ولذا يجدر بمريض السكري إدراك أن جوانب متابعة معالجة حالته المرضية تشمل 7 عناصر رئيسة، هي:
- العمل المتواصل على ضبط نسبة سكر الغلوكوز في الدم، والتأكد من ذلك بإجراء تحاليل الدم لمعدلات تراكم السكر في الهيموغلوبين. وهو ما يعكس مستويات الغلوكوز خلال الأشهر الثلاثة التي مضت. وتحديداً، أكّدت التوصيات المُحدّثة الحرص على استخدام اختبارات تراكم السكر في الهيموغلوبين (السكر التراكمي) HbA1c المعتمدة في نقطة تقديم الرعاية الصحية لمرضى السكري، وعدم الاكتفاء بنتيجة نسبة السكر في الدم بالوخز بالإبرة. وتحقيق ذلك الضبط بتناول الأدوية اللازمة لخفض السكر (إما عبر الفم أو عبر الحقن تحت الجلد)، واتباع نمط صحي في التغذية الملائمة لاحتياج المريض.
- العمل على متابعة قياسات ضغط الدم، ومعالجة أي ارتفاعات فيه بصرامة تفوق المطلوبة لدى غير مرضى السكري.
- متابعة مستويات الكولسترول والدهون الثلاثية في الدم، والعمل على خفض أي ارتفاعات في الكولسترول الخفيف الضار، بشكل صارم أيضاً.
- إجراء تقييم وظائف الكلى، وقدراتها على تصفية الدم من المركبات الكيميائية الضارة، وأيضاً قدرات ترشيح الدم وتصفيته فيها، ومدى حفاظها على منع تسريب بروتين الزلال في البول.
- الاهتمام بضبط وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية. ولذا أكّدت التوصيات الحديثة على خفض وزن الجسم لجعله ضمن المعدلات الطبيعية، كـ«هدف علاجي» يتم التأكيد على تحقيقه لدى مرضى السكري من النوع 2.
- إجراء الفحوصات الدورية لشبكية العين والأعصاب الطرفية.
- إجراء الفحوصات الدورية للتأكد من سلامة الشرايين، سواء القلبية أو الطرفية أو الدماغية. وتحديداً، أكّدت التوصيات الحديثة ضرورة إجراء الفحوصات والتقييم لمدى وجود أمراض الشرايين الطرفية PAD، في محاولة لتقليل احتمالات اللجوء اضطراراً إلى بتر الأطراف.

* استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع