هل تشكل محاولات إقصاء سيف الإسلام ضربة للمصالحة الليبية؟

تحذيرات من عودة المستبعدين لحمل السلاح كوسيلة لفرض وجودهم في المشهد السياسي

سيف الإسلام لدى ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية عام 2021 (مفوضية الانتخابات)
سيف الإسلام لدى ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية عام 2021 (مفوضية الانتخابات)
TT

هل تشكل محاولات إقصاء سيف الإسلام ضربة للمصالحة الليبية؟

سيف الإسلام لدى ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية عام 2021 (مفوضية الانتخابات)
سيف الإسلام لدى ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية عام 2021 (مفوضية الانتخابات)

(تحليل إخباري)
تصدرت الأنباء المتعلقة بـ«إقصاء محتمل» لسيف الإسلام القذافي من السباق الرئاسي، المشهد الليبي خلال الأيام الماضية، وأثارت مخاوف أنصاره، ودفعت عدداً من السياسيين إلى التساؤل حول تداعيات هذا الإقصاء على الوضع العام في البلاد، ومدى تأثيره على «محاولات المصالحة في البلاد».
واعتبر عضو مجلس النواب الليبي، على التكبالي، أن الإقصاء سوف «يمثل ضربة قوية لأي حديث عن تحقيق مصالحة وطنية، وكذا لمفهوم الديمقراطية المطلوب ترسيخهما»، لكنه انتقد في المقابل «المبالغة الكبيرة التي يبديها أنصار القذافي حول درجة الشعبية التي يتمتع بها سيف الإسلام، والتي ربما كانت وراء السعي لمحاولة إقصائه»، وقال إن «دعاية هؤلاء الأنصار حول شعبيته ربما وجدت صدى من قبل منافسيه في السباق الرئاسي، ولذا يبدى بعضهم ارتياحه حالياً بشأن ما تردد عن وجود تفاهمات سياسية بشأن استبعاده».
وكان الفريق السياسي لنجل القذافي قد أصدر الأسبوع الماضي بياناً، ندد فيه بما وصفه «التوافق بين ممثلي مجلسي الدولة والنواب على استبعاد من صدرت بحقهم أحكام قضائية، حتى لو كانت غير نهائية من الترشح للرئاسة، وحتى لو تمت تبرئتهم، وذلك في استهداف واضح ومباشر لشخص بعينه». وحذر البيان حينها من أن «إقصاء أطراف بعينها قد يقود إلى الطعن في نتائجها، وعدم الاعتراف بها أو مقاطعتها، وقد يصل الأمر إلى إجهاضها من الأساس».
غير أن التكبالي لفت إلى «عدم تمتع القذافي الابن بشعبية تذكر في المنطقة الغربية، وخاصة العاصمة طرابلس التي تعد الأعلى من حيث كثافة السكانية، فضلاً عن عدم وجود إحصائيات جادة تثبت أن لديه أنصاراً كثيرين في المنطقة الشرقية، مما يدل على أنه غير مؤهل للفوز بالمنصب، حتى وإن نجح في حصد كتلة غير هينة من الأصوات»، على حد قوله. موضحاً أن «قائد الجيش الوطني خليفة حفتر قد يكون المرشح الأكثر استفادة، إذا ما تم إقصاء سيف الإسلام، وقد يصوت أنصاره حينذاك، وخاصة في الجنوب لحفتر، كما أن شعبية رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، متراجعة بشكل عام بالشارع الليبي، بعد قيام حكومته بتسليم أبو عجيلة المريمي للسلطات الأميركية، وحديثه عن وجوب امتثال سيف الإسلام لقرار المحكمة الجنايات الدولية».
من جهته، أكد عضو المؤتمر الوطني العام (المنتهية ولايته)، عبد المنعم اليسير، أن إقصاء سيف الإسلام من الترشح للرئاسة «سوف يسهم في تأزيم المشهد السياسي، عبر تغليب رغبات البعض في التشفي في مشروع المصالحة الوطنية الضروري لاستقرار البلاد». متهماً «الإخوان» بـ«الوقوف وراء طرح إقصاء نجل القذافي»، بقوله إن «تنظيم الإخوان الذي سبق أن وظف سيف الإسلام لإخراج كافة رموزه وعناصره من السجون، ثم انقلب عليه لرغبته في تصدر المشهد، هو من سيسعى بكل جهده للحيلولة دون عودته للسلطة... والأمر ذاته يتكرر مع واشنطن التي ترى في عودة نجل القذافي للسلطة هزيمة معنوية لها».
ورجح اليسير أن «يكون حفتر هو المرشح المستفيد من أصوات أنصار القذافي بالجنوب، إذا ما جرى إقصاء سيف الإسلام»، إلا أنه رهن الأمر بـ«استفاقة أنصار الأخير من وهم أن الدبيبة هو شخص قريب منهم».
في المقابل، نفت عضوة المجلس الأعلى للدولة، نعيمة الحامي، ما يتردد عن استهداف مجلسها لشخص القذافي الابن بعينه، أو سعي المجلس الأعلى للدولة لإقصائه بهدف تعزيز فرص مرشحين آخرين، يعتبرهم البعض شخصيات مقربة من المجلس أو قياداته».
وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الهدف والمبدأ العام لدى المجلس الأعلى للدولة هو استبعاد ترشيح أي شخصية كان لها موقف معادٍ لثورة 17 فبراير (شباط)، ولا تزال مذكرة التوقيف التي أصدرتها الجنائية الدولية بحق سيف الإسلام القذافي سارية». مضيفة: «نحن نتحدث عن مبادئ وقوانين لا رغبات، ولن نعترض على أي شخصية تنطبق عليها شروط الترشح للرئاسة، حتى لو كانت تنتمي للنظام السابق».
من جانبه، حذر زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، الليبي حافظ الغويل، من «تكلفة تهميش قطاع واسع من الليبيين من أنصار النظام السابق بشكل عام، ومن انضم لهم من الليبيين حالياً، ممن رأوا في القذافي الابن شخصية بعيدة عن صناعة القرار، ولم ينخرط في الصراع الدامي خلال العقد الماضي». وقال بهذا الخصوص: «إذا لم يشعر هؤلاء أن لهم فرصة حقيقية في المشاركة، فقد يرون أن حمل السلاح قد يكون الطريق الوحيد لإثبات وفرض وجودهم في الساحة، خاصة أن بعض المرشحين يمتلك فعلياً تشكيلات مسلحة، وتوجه إليه الاتهامات بارتكاب الانتهاكات بحق الليبيين، ولم يتم إقصاؤه».
وأضاف الغويل موضحاً: «في المقابل، فإن كافة التهم الموجهة لسيف الإسلام هي تهم سياسية بالمقام الأول، فضلاً عن عدم انضمام كل من ليبيا أو الولايات المتحدة الأميركية لعضوية المحكمة الجنائية، وبالنهاية هذا الإقصاء سوف يبرهن على ضعف وهزلية الانتخابات، فضلاً عن عدم تمتع منافسي سيف الإسلام بشعبية حقيقية تكفل لهم هزيمته في انتخابات نزيهة».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

«سد النهضة»: مصر ملتزمة بضبط النفس رغم خطاب إثيوبيا «العدائي»

القاهرة تجدد رفض أي إجراءات تعمّق الانقسامات بين دول حوض النيل (وزارة الري المصرية)
القاهرة تجدد رفض أي إجراءات تعمّق الانقسامات بين دول حوض النيل (وزارة الري المصرية)
TT

«سد النهضة»: مصر ملتزمة بضبط النفس رغم خطاب إثيوبيا «العدائي»

القاهرة تجدد رفض أي إجراءات تعمّق الانقسامات بين دول حوض النيل (وزارة الري المصرية)
القاهرة تجدد رفض أي إجراءات تعمّق الانقسامات بين دول حوض النيل (وزارة الري المصرية)

جددت مصر رفضها أي إجراءات تعمق الانقسامات بين دول حوض النيل، مؤكدة أنها ملتزمة بسياسة «ضبط النفس» رغم خطاب إثيوبيا «العدائي» بشأن أزمة «سد النهضة».

وأكد وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، أنه «على الرغم من أن الأغلبية العظمى من دول حوض النيل اختارت مسار وطريق الحوار، فإنه من المؤسف أن يقوم طرف بعينه بترويج الخطاب العدائي، وإصدار بيانات تحريضية بهدف تقويض وحدة وتعاون دول حوض النيل»، في إشارة إلى التصريحات الإثيوبية الأخيرة بشأن «سد النهضة».

وشدد في كلمته، يوم الأحد، خلال الاجتماع الـ33 لـ«المجلس الوزاري لوزراء المياه بدول حوض النيل»، الذي عقد في بوروندي، على أن مصر «سوف تستمر في ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والمسؤولية، من خلال الامتناع عن الرد على هذه التصريحات داخل هذا المحفل، لتجنب جر مبادرة حوض النيل إلى مثل هذه الاستفزازات غير المبرّرة».

وكانت أديس أبابا اتهمت مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا، و«تهيئة الأوضاع للتصعيد». وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان الأربعاء الماضي، إن مصر تستند إلى «معاهدات تعود إلى الحقبة الاستعمارية... وتشن حملة لزعزعة الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، تركز على إثيوبيا، ولا تقتصر عليها فحسب». وزعم البيان الإثيوبي أن «مصر رفضت الحوار وزادت خطابها العدائي بنية واضحة للتصعيد».

«لا للإجراءات الأحادية»

وخلال كلمته أمام وزارء المياه في دول حوض النيل، يوم الأحد، أكد وزير الري المصري أن «التحديات التي تواجه حوض النيل اليوم، لا يمكن معالجتها من خلال الإجراءات الأحادية؛ بل من خلال التعاون الحقيقي القائم على الإدارة المستدامة لمواردنا المائية المشتركة وفق مبادئ القانون الدولي، لا سيما مبدأ (عدم الضرر)». وشدد الوزير على أن مصر «ليست ضد التطلعات التنموية لأي دولة من دول حوض النيل؛ بل على العكس، نحن ندعم بشكل فعال التنمية المستدامة التي لا تتسبب فى ضرر».

وزير الري المصري هاني سويلم في كلمته خلال اجتماع «المجلس الوزراي لوزراء المياه بدول حوض النيل» (وزارة الري المصرية)

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، رخا أحمد حسن، أن الموقف المصري تجاه أزمة «سد النهضة» ثابت ولن يتغير في الوقت الراهن. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التزام مصر بسياسة ضبط النفس منذ توقف مفاوضات سد النهضة يتمحور حول نقطتين؛ الأولى استمرار التصعيد الإثيوبي بالتحدي لعدم قبول توقيع اتفاق قانوني ينظم عمليات ملء وتشغيل السد، والنقطة الثانية هي تأثر مصر بالسد، سواء بالفيضانات التي حدثت أو الجفاف المؤقت أو الممتد». ويتوقع أنه «في حال حدوث فترة جفاف دون التوصل إلى اتفاق، فالموقف المصري الملتزم بضبط النفس سوف يتغير».

وبشأن تأثير الخطاب العدائي الإثيوبي على العلاقات بين دول حوض النيل، أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، أن «علاقة مصر بدول حوض النيل جيدة، ولن تتأثر بأي تحريض إثيوبي».

المنصة الشاملة والوحيدة

وتطرق الوزير سويلم في كلمته إلى العلاقات بين دول حوض النيل، مؤكداً أن «مبادرة حوض النيل، وعلى مدار أكثر من 25 عاماً، هي المنصة الشاملة والوحيدة القادرة على توحيد كل دول الحوض بروح من الوحدة والالتزام المشترك، ودور منظمة حوض النيل الفريد يدفعنا للحفاظ عليها وفق مبادئها التأسيسية القائمة على الشمولية والتوافق والثقة والمنفعة المتبادلة».

ولفت سويلم إلى أن مصر دعمت على مدار السنوات الماضية «عدداً من المشروعات في مختلف دول حوض النيل، وكان آخرها مشروعان في كل من أوغندا وتنزانيا، بما يعكس نهجنا البناء في تطبيق مبدأ الإخطار المسبق والتشاور وفقاً للقانون الدولي».

«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

وتشهد العلاقات المصرية - الإثيوبية توترات متصاعدة بشأن «سد النهضة» الذي شيدته أديس أبابا في عام 2011، وافتتحته رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط اعتراضات من دولتي المصب؛ مصر والسودان، للمطالبة باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «تشغيل السد» بما لا يضر بمصالحهما المائية.

أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، يرى أن «التوقيع على اتفاق قانوني بشأن سد النهضة أصبح أكثر أهمية من قبل». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «خلال السنوات الست الماضية، أثر سد النهضة على مصر والسودان، سواء باحتجاز جزء من المياه، أو الفيضانات التي تسببت في أضرار للبلدين، لكن لو حدثت فترة جفاف ممتد مثلما حدث لمدة 7 سنوات بين عامي 1981 و1987، فستكون المشكلة أكبر والضرر أكثر كثيراً».

وبحسب شراقي، فإن «توقيع اتفاق ينظم عمليات ملء وتشغيل السد ضروري جداً، خصوصاً مع اعتزام إثيوبيا بناء سدود أخرى كبيرة، يجب أن يشملها الاتفاق».

وأكد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية أن «الادعاءات الإثيوبية لن تؤثر على العلاقات بين دول حوض النيل، أو على المشروعات التنموية العديدة التي تنفذها مصر في دول الحوض».


استراتيجية «تطويق الأرض»: صراع شرق ليبيا وغربها على «النفوذ والجغرافيا»

المنفي في زيارة سابقة لمنشأة عسكرية بغرب ليبيا (مكتب المنفي)
المنفي في زيارة سابقة لمنشأة عسكرية بغرب ليبيا (مكتب المنفي)
TT

استراتيجية «تطويق الأرض»: صراع شرق ليبيا وغربها على «النفوذ والجغرافيا»

المنفي في زيارة سابقة لمنشأة عسكرية بغرب ليبيا (مكتب المنفي)
المنفي في زيارة سابقة لمنشأة عسكرية بغرب ليبيا (مكتب المنفي)

تمضي السلطات في شرق ليبيا وغربها في صراع يبدو في بعض جوانبه صامتاً، لكنه يعتمد - وفق دلائل - استراتيجية «تطويق الأرض»، وهي عملية مرحلية في سباق التنافس على مزيد من النفوذ المُعزَّز ببسط القوة على الأرض.

حفتر يزور مقراً للتصنيع الحربي (الجيش الوطني الليبي)

ويتموضع «الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة في شرق ليبيا، منذ إعادة تشكيله في عام 2014، لكنه منذ ذلك التاريخ بدأ يتوسع من خلال أذرعته في أنحاء مختلفة باتجاه وسط وجنوب البلاد. في موازاة ذلك تتمترس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس العاصمة، غير أنها أصدرت مؤخراً قراراً يعزز قبضتها على بعض البلديات.

ويرصد مراقبون كيف أن سلطات بنغازي، الممثلة في قيادة «الجيش الوطني» وحكومة أسامة حمّاد، أحدثت «اختراقاً» في جبهة العلاقات الاجتماعية لغريمتها «الوحدة»، وذلك بمد جسور التواصل مع مَن كانوا يُصنَّفون على أنهم «أعداء أمس»، سواء في الزاوية أو مدن أخرى بالعاصمة.

تجمع لسكان من الزاوية بعد وضع حجر أساس مطار الزاوية الدولي (صفحة موثوقة موالية لحكومة حمّاد)

مطار الزاوية التجاري الدولي

في مدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس، وضعت حكومة حمّاد الأسبوع الماضي حجر الأساس لبناء مطار الزاوية التجاري الدولي، بحضور وزيري داخليتها عصام أبو زريبة، والمواصلات عبد الحكيم الغزيوي، وعدد من أعضاء مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، في خطوة أحدثت ترحيباً من سكان المدينة.

وفي خطوة وُصفت بأنها «دليل على الجدية»، وصل مدير شركة «SRJ» التركية المُكلَّفة من «الجهاز الوطني للتنمية» برفقة الفريق المختص لبدء المسح الجغرافي، ووضع الخرائط تمهيداً لانطلاق أعمال إنشاء المطار.

ووسط تنديد من المناوئين لحفتر بما يُسمُّونه «معركة استقطاب الأطراف المحسوبة على سلطات طرابلس»، قال مصدر موالٍ لـ«الجيش الوطني» إن القائد العام المشير حفتر «ترك فرصاً كثيرة للأطراف السياسية والمؤسسات للعمل على إنقاذ ليبيا؛ إلا أنه يرى في ذلك تحركاً ينقذ البلاد مما هي فيه؛ فأصدر تحذيره الأخير بأن الجيش لن يتجاهل ما يحدث».

واستقبل حفتر على مدار الأسابيع الماضية وفوداً كثيرة من مشايخ وأعيان قبائل من جنوب وغرب ووسط ليبيا، كانوا محسوبين على سلطات طرابلس، بينما وسّع الفريق صدام حفتر، نائب القائد العام لـ«الجيش الوطني»، جولاته في مناطق كثيرة بالجنوب الليبي ضمن جولاته الميدانية.

ويعتقد المصدر - الذي رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية كونه يعيش في غرب ليبيا - أن «المؤسسة العسكرية تضطلع بدورها الوطني في حماية الليبيين من حالة المتاجرة بمستقبلهم والتشرذم التي تشهدها البلاد»، مُعتقِداً أن «هناك إقبالاً واسعاً من أطراف كانت محسوبة على الدبيبة للاصطفاف مع (الجيش الوطني)».

وقبل أن تصل حكومة حمّاد إلى الزاوية - التي تناصب حفتر العداء - يُلاحظ أن «الجيش الوطني» زاد من توسع نفوذه في الجنوب الليبي، إما بالتعاون العسكري مع الحكومة التشادية لمراقبة وتأمين الحدود، أو بمشاريع تنموية وخدمية وعسكرية مثلما حدث في مدينة سبها، ما يعزز وجوده في الحزام الجنوبي للبلاد.

صراع على الجغرافيا

غير أن فتحي الشبلي، رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي، يرى أن «ما يحدث اليوم في ليبيا لا يخرج عن كونه صراع جغرافيا قبل أن يكون صراع سياسة». وقال إن «كل طرف يحاول توسيع نطاق سيطرته على الأرض لكسب نفوذ سياسي واقتصادي أكبر».

ولفت الشبلي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «معادلة القوة أصبحت تقوم على مَن يُطوِّق الآخر، ويمتلك أوراق ضغط ميدانية تمكّنه من فرض شروطه في أي تسوية مقبلة».

الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة (مكتب الدبيبة)

وفي إطار تصاعد المنافسة، كان الدبيبة قد أصدر قراراً بإنشاء 15 فرعاً بلدياً جديداً يتبع بلدية مصراتة، ويشمل ذلك مناطق متعددة بعيدة جغرافياً عنها، من بينها تاورغاء، وأبو قرين، وبونجيم، وزمزم. في حين كانت محكمة استئناف طرابلس أصدرت حكماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي يقضي بإلغاء قرار ضم تاورغاء لبلدية مصراتة، وعدّ إنشاء فرع بلدي هناك غير قانوني.

وعدّ المحلل السياسي خالد باقان محاولة الدبيبة لضم بلديات من بني وليد حتى الحدود الإدارية لسرت لتكون تابعة لمصراتة محاولة من أجل ما سمّاه «إعلان دولة مصراتة الكبرى في حال فَقَد نفوذه وسقطت حكومته في طرابلس»، لكنّ مواليين لحكومة الدبيبة رفضوا هذا الأمر، وذهبوا إلى أن ذلك يأتي «في إطار صلاحيتها الرسمية».

وعَدَّ عضو مجلس النواب جاب الله الشيابي، الإجراء الذي اتخذه الدبيبة «سياسة توسعية لتضخيم الذات». وقال إن قرار ضمّ بلدية تاورغاء إلى بلدية مصراتة، وإنشاء فرع بلدي تابع لها، إجراء يأتي مخالِفاً لإرادة الأهالي ولقواعد الإدارة المحلية التي لم يلتزم بها مطلقاً.

وجَدَّد الشيابي في تصريح صحافي التذكير بحكم محكمة استئناف طرابلس الذي قضى بإيقاف قرار ضم البلديات، وقال إن «رئيس الحكومة لم يلتزم ويحترم حكم القضاء، في تجاوز خطير لمبدأ الشرعية وسيادة القانون»، مؤكداً أن «تاورغاء بلدية قائمة بذاتها؛ ولن نقبل بأي قرار ينتقص من استقلاليتها أو يفرض عليها تبعية إدارية دون موافقة أهلها وممثليهم».

وشدّد الشيابي على المطالبة «بإلغاء قرار الدبيبة فوراً، واحترام أحكام القضاء، والحفاظ على حقوق تاورغاء وسكانها، وعلى النائب العام التدخل الفوري إن لم يكن لحماية حقوق أهل تاورغاء، فليكن لحماية هيبة القضاء من العابثين».

ضم بلديات إلى مصراتة

ردود الفعل على قرار الدبيبة تصاعدت بشكل لافت بين البلديات التي يريد الدبيبة ضمها إلى مصراتة - مسقط رأسه - إذ طالب المجلس التسييري لبلدية بني وليد (شمال غربي ليبيا) مجلس النواب «بضم البلدية بكامل حدودها الإدارية إلى سرت، وإلغاء القرارات الصادرة عن حكومة الدبيبة كافة بشأن البلدية».

ويرى المجلس أن القرار يستهدف «استغلال الموارد الطبيعية والمحاجر داخل البلدية»، كما أبدى رفضه ضم «بلدية زمزم بوصفها فرعاً لبلدية مصراتة، من غير وجه حق، وإن لَزِم الأمر، فالأولى أن تكون فرعاً بلدياً لبلدية بني وليد». وبني وليد من المدن التي لا تزال على ولائها للنظام السابق الذي كان يقوده الرئيس الراحل معمر القذافي.

ومنذ أن فشل «الجيش الوطني» في دخول العاصمة وتراجع إلى خارج حدودها الإدارية في منتصف 2020، وهو يرابط في محور سرت - الجفرة. ويتخذ من هذه المنطقة نقطة انطلاق إلى الجنوب.

صورة وزّعتها القوات البرية التابعة لـ«الجيش الوطني» لإحدى دورياتها (الجيش الوطني)

وتمسّك المجلس التسييري لبلدية بني وليد «بضرورة احترام الحدود الإدارية والتاريخية لبلدية بني وليد والبلديات الواقعة في نطاق الحدود العُرفية (لقبيلة ورفلة)؛ وعدم المساس بها تحت أي مبرر كان، وقصر أي مقترحات تتعلق بتعديل التبعية الإدارية على السلطة التشريعية فقط».

كما أبدى مجلس حكماء وأعيان تاورغاء رفضه لقرار حكومة «الوحدة» بشأن ضم تاورغاء كأنها فرع بلدي، ويؤكد «على الاستقلالية الإدارية لبلدية تاورغاء المشروعة بقرار الجهات التشريعية والمؤيدة بأحكام القضاء والقانون».

وتظل في ليبيا أطراف سياسية واجتماعية على يسار «الجيش الوطني» وسلطات طرابلس، لديها اعتراضات على حكومة «الوحدة»، كما تعبر عن رفضها لما وُصِفَ بـ«عسكرة ليبيا»، وترى في «توسيع الجيش سيطرته على مدن الجنوب أنه يُكرّس الانقسامين العسكري والسياسي، ويُعدّ في الوقت نفسه تحركاً استباقياً لأيّ ترتيبات أممية مُقبلة».


النيابة الليبية تكشف متورطين في «تزوير الجنسيات»

النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)
TT

النيابة الليبية تكشف متورطين في «تزوير الجنسيات»

النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

كشفت النيابة العامة في ليبيا عن «شبكتين منفصلتين للتزوير» داخل مكتب السجل المدني في كل من مدينتي سبها والأصابعة، وذلك في إطار مواصلتها لتعقب المتورطين في «تزوير الجنسيات»، متهمة موظفين باستغلال وظائفهم لإصدار مئات المستندات المزورة، وتمكين أجانب من الحصول على وثائق المواطنة الليبية.

ففي سبها، أمرت النيابة العامة بحبس موظف في مكتب السجل المدني، إضافة إلى متهمين آخرين، بعد ضبطهم متلبسين بحيازة مستندات رسمية مسروقة تحمل أختام مصلحة الأحوال المدنية، استُخدِمت لتزوير أوراق عائلية لصالح أشخاص غير ليبيين.

وأسفرت العملية، بحسب النيابة، عن ضبط كميات ضخمة من الوثائق المزوّرة بلغت أكثر من ألف مستند متنوع، من بينها شهادات ميلاد، ووضع عائلي، وإثبات ولادة، وعقود زواج وطلاق، إضافة إلى بطاقات هوية واستمارات أسر.

وفي تطوّر آخر يزيد من خطورة الملف، أعلنت النيابة العامة أنها أقامت الدعوى العمومية في مواجهة موظف بمكتب السجل المدني - الأصابعة، بعد ثبوت تورّطه في تزوير 7 قيود عائلية كاملة لصالح 7 أجانب، وأشارت إلى أن هذه القيود المزورة استعملت لاستخراج 20 رقماً وطنياً لعائلات هؤلاء الأشخاص، ما مكّنهم من الحصول على وثائق رسمية اعتماداً على بيانات مزيفة، وقد تمت إحالة المتهم إلى القضاء وهو رهن الحبس الاحتياطي.

ويشير هذا التلاحق بين القضيتين إلى اتساع نطاق عمليات التزوير داخل مكاتب الأحوال المدنية، بما يكشف وجود شبكات تعمل بطرق متشابهة، تستهدف منظومات الهوية الليبية عبر تسجيل غير المستحقين ضمن السجلات الرسمية.

وامتلاك أجانب لأرقام وطنية عبر مستندات مزوّرة يعني فتح الباب أمام الحصول على جوازات سفر، ومزايا اجتماعية، وحقوق قانونية لا يحق لهم التمتع بها، بما يمسّ صميم الأمن القومي والهوية القانونية للدولة.

وتؤكد هذه القضايا، التي تُعد من أوسع عمليات التزوير المعلنة، ضرورة تعزيز الرقابة على مكاتب السجل المدني، وتطوير آليات التحقق الرقمي، وتكثيف إجراءات مكافحة الفساد داخل المؤسسات المعنية بإدارة بيانات السكان.

ويطالب مراقبون بتعليق فوري لقواعد بيانات الأحوال المدنية ومراجعتها بالكامل قبل أي خطوة انتخابية، محذرين من أن استمرار هذا النزيف قد يحوِّل ليبيا إلى دولة «مواطنين على الورق» فقط.

بدوره، أكد المحامي العام بمكتب النائب العام خليفة عاشور، أن حجم الوقائع قيد الاشتباه في عمليات التزوير داخل السجل المدني «كبير»، وهو محل نظر الآن من قبل النيابة العامة، وتحت إشراف اللجنة المركزية بمكتب النائب العام.

وكشف عاشور، في تصريحات تلفزيونية مساء السبت، أن عدد القيود محل الاشتباه بلغ 34 ألف قيد عائلي، وأن ما جرى التحقيق فيه فعلياً حتى الآن «رمزي»، ولم يتجاوز 5 ملفات فقط. وأضاف أن البلاغات الأولية تتضمن أكثر من 274 أجنبياً يُشتبه في حصولهم على أرقام وطنية ليبية، لافتاً إلى إحالة 154 قضية مرتبطة بهذه الوقائع إلى المحاكم المختصة.

وأكد عاشور أن الأرقام «تتزايد» في ظل وجود «تلاعب كبير» يتم عبر دس أرقام وطنية مزوّرة تمكّن أصحابها من استخراج جوازات سفر غير قانونية.

وأوضح أن الموظفين المتورطين يخضعون للمساءلة وفق قانون العقوبات وقانون الكسب غير المشروع والقوانين الاقتصادية، فيما يُعدّ الأجنبي الذي تحصَّل على وثائق مزورة «شريكاً في الجريمة».

وأضاف أن بعض هؤلاء الأجانب استفادوا من دعم الأسر ومخصصات مالية حكومية موجهة للمواطنين حصراً، وتعهد بأن كل من امتدت يده إلى تزوير ملفات السجل المدني سينال عقابه وفق القانون دون استثناء.

وفي شأن آخر، بحث مدير أمن بنغازي الكبرى، اللواء صلاح هويدي، مع وفد من المفوضية العليا للانتخابات، الخطة الأمنية الخاصة بتأمين عملية انتخاب البلديات في نطاق اختصاص المديرية، وضمان تنفيذها في بيئة مستقرة وشفافة.

كما ناقش الاجتماع جاهزية المراكز الانتخابية، وانتشار القوة المكلفة بالتأمين، وآليات تسهيل حركة المواطنين يوم الاقتراع، بما يضمن انضباط العملية وسلامة جميع المشاركين.

وأكد هويدي إعداد خطة مُحكمة تشمل تعزيز الدوريات، وتأمين محيط كل مركز، ورفع مستوى التنسيق بين الوحدات الأمنية، مشدداً على أن المديرية ملتزمة بتوفير أعلى درجات الجاهزية لإنجاح هذا الاستحقاق المحلي الهام، فيما اعتبر ممثلو المفوضية أن التنسيق الأمني المستمر يمثل ضمانة رئيسية لانتخابات منظمة وآمنة.

لقاء تكالة مع بعض أعضاء الهيئات القضائية في طرابلس (المجلس الأعلى للدولة)

إلى ذلك، وبينما بحث مجلس الدولة بمقره في طرابلس ملف «المناصب السيادية»، جدَّد محمد تكالة رئيس المجلس، خلال اجتماعه مع الفريق القانوني الداعم للمسار القانوني للدولة، بحضور بعض أعضاء الهيئات القضائية، التزامه باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للحفاظ على وحدة الجهاز القضائي واستقلاله، وتعزيز دوره في ترسيخ دولة القانون.

وناقش الاجتماع مستجدات أوضاع القضاء، مؤكداً أهمية الحفاظ على وحدة السلطة القضائية وضمان اضطلاعها بمهامها الدستورية، بوصفها إحدى أهم الضمانات لاستقرار الدولة وحماية حقوق الإنسان وصون سيادة الدستور والقانون.