هل ينهي تشكيل حكومة «موحدة» الانقسام السياسي في ليبيا؟

(تحليل سياسي)

عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)
عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)
TT

هل ينهي تشكيل حكومة «موحدة» الانقسام السياسي في ليبيا؟

عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)
عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)

جددت التعقيدات السياسية في ليبيا الحديث حول ضرورة تشكيل حكومة «موحدة» باعتباره حلاً لوقف النزاع على السلطة، وسط تساؤلات بشأن إمكانية تحقيق ذلك لجهة إنهاء الانقسام السياسي الحاصل في البلاد.
ورأى مجلس الأمن الدولي، في بيانه مساء أول من أمس، أن «استمرار المأزق السياسي في ليبيا، وعدم إحراز تقدم يُهددان تحقيق الاستقرار»، داعياً إلى حوار ليبي بقصد تشكيل حكومة موحدة، «تكون قادرة على الحكم في أنحاء البلاد جميعها، وتمثل فئات الشعب كافة».
وفي أول رد فعل على البيان، رحب فتحي باشاغا، رئيس حكومة «الاستقرار» الموازية، بدعوة مجلس الأمن «لإطلاق حوار وطني شامل، تشارك فيه فئات المجتمع الليبي كافة؛ بهدف تشكيل حكومة قادرة على العمل في الأنحاء جميعها، وتمثل فئات الشعب كافة».
وبينما ثمن باشاغا «التزام مجلس الأمن المستمر بدعم وحدة واستقلال ليبيا، وكذلك الالتزام القوي بشأن تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تحظى بالنزاهة والاستقلالية»، رأت عضو مجلس النواب، ربيعة أبو راص، أن بيان مجلس الأمن «جاء فضفاضاً دون تحديد هوية الحوار، أو الحديث عن أطراف الصراع»، ورأت أنه «عبارة عن ضغط لتقديم تنازلات أكبر لبعض الدول، وللأطراف الأخرى ذات النفوذ على الأرض، بشأن ما يتعلق بالموارد النفطية والحدود البحرية والاتفاقيات الثنائية».
وعبرت أبو راص في حديثها إلى «الشرق الأوسط» عن «عدم اعتقادها بوجود طرف جاد، محلياً أو دولياً، يعمل على تسوية الأوضاع في ليبيا»، وقالت بهذا الخصوص: «لن تجد بعض الأطراف المتداخلة في البلاد أفضل من هذه الفرصة لضمان استمرار مصالحها، رغم ما لاحظناه من جدية في تحركات المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، ورغبته فعلاً في إشراك الليبيين برسم مستقبل بلادهم»، مبرزة أن «الرسالة الوحيدة الواضحة التي نقلها بيان مجلس الأمن كانت للمجلس الرئاسي، وتتعلق بدعوته للقيام بمهامه، وحثه على إكمال ملف المصالحة الوطنية، وفق العدالة الانتقالية، بمساعدة الاتحاد الأفريقي».
ويعتقد متابعون للشأن المحلي أن الانقسام السياسي في ليبيا معلق بوضع دستور للبلاد وإجراء الانتخابات، وتفكيك التشكيلات المسلحة، لافتين إلى أن ليبيا «لم تعد في حاجة إلى مسكنات، وفترات انتقالية جديدة».
ودعا مجلس الأمن الجهات الفاعلة كافة في ليبيا إلى الحفاظ على الهدوء، والالتقاء تحت رعاية الأمم المتحدة للاتفاق بسرعة على مسار للمضي قدماً؛ بهدف وضع اللمسات الأخيرة على التسوية السياسية، بما في ذلك الأساس الدستوري، من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية، حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، في أنحاء البلاد جميعاً في أقرب وقت ممكن.
وتعاني ليبيا تنازعاً على السلطة بين حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وخصمه فتحي باشاغا منذ قرابة عام؛ مما تسبب في تجميد الحياة السياسية في ليبيا، وفقاً لمتابعين. وأمام مجلس الأمن، رأى باتيلي أن «الجمود السياسي، الذي طال أمده، أسهم في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد»، داعياً إلى «الضغط على القيادة السياسية في البلاد للتوصل إلى قاعدة دستورية، يجري الاتفاق عليها بين رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة، عقيلة صالح وخالد المشري».
وقال باتيلي متوعداً: «إذا لم يتوصل المجلسان لاتفاق، ينبغي البحث عن آليات بديلة لرفع المعاناة القائمة، بسبب إجراءات سياسية مؤقتة أصبحت غير ملائمة اليوم»، علماً بأنه منذ المباحثات التي أجرتها لجنة مشكلة من الطرفين بالقاهرة الصيف الماضي، بشأن تعديلات الدستور، لم تلتئم ثانية لأسباب تتعلق باعتراضات على أحقية العسكريين ومزدوجي الجنسية في الترشح للانتخابات.
وللتقريب بين صالح والمشري، سبق أن أعلن المجلس الرئاسي عن مبادرة، تتضمن عقد لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة، بالتنسيق مع المبعوث الأممي، بقصد استئناف أعمال اللجنة المشتركة المعنية ببحث المسار الدستوري.
وتستهدف المبادرة أيضاً «التهيئة لحوار دستوري باعتباره أولوية لإنهاء المراحل الانتقالية، تُضمّن فيه المبادرات والأفكار والرؤى، التي طرحتها الأحزاب والقوى الوطنية على المجلس الرئاسي».
وسبق أن طرحت غالبية القوى في ليبيا مبادرات لحل الأزمة. ففي بدايات فبراير (شباط) الماضي أعلن مجلس النواب خريطة طريق، ترتكز على إجراء الاستحقاق الانتخابي خلال مدة لا تتجاوز 14 شهراً من تاريخ تعديل الإعلان الدستوري، المطلوب لتنفيذ الخريطة. وقال المرشح الرئاسي الليبي، سليمان البيوضي، أمس، إنه «لم يتبق من عمر خريطة الطريق التي أقرها مجلسا النواب والأعلى للدولة سوى أربعة أشهر، دون أن تجرى الانتخابات أو يتم التوافق على قاعدة دستورية».
وفي الخامس من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ذكّرت الأمم المتحدة بمرور عام على تأجيل الانتخابات الوطنية التي كان إجراؤها مقرراً في 24 ديسمبر 2021، وهي الذكرى التي تحل وسط استمرار الخلاف حول السلطة التنفيذية.
وجدد مجلس الأمن الدولي «دعمه الكامل لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والممثل الخاص للأمين العام عبد الله باتيلي، في المشاورات مع مختلف الأطراف الليبية المعنية والشركاء الدوليين»، مشدداً على «أهمية إجراء حوار وطني شامل، وعملية مصالحة تستند إلى مبادئ العدالة الانتقالية»، وشجع على مواصلة الجهود من جانب المجلس الرئاسي، بدعم من البعثة والاتحاد الأفريقي بهذا الخصوص.


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».