ثروة الخليج السمكية مهدَّدة بالصيد المفرط والاحترار

صائد أسماك في سوق السمك في ميناء الفاو بجنوب العراق (أ.ف.ب)
صائد أسماك في سوق السمك في ميناء الفاو بجنوب العراق (أ.ف.ب)
TT

ثروة الخليج السمكية مهدَّدة بالصيد المفرط والاحترار

صائد أسماك في سوق السمك في ميناء الفاو بجنوب العراق (أ.ف.ب)
صائد أسماك في سوق السمك في ميناء الفاو بجنوب العراق (أ.ف.ب)

يُعد الخليج العربي تكويناً مائياً حديث النشأة جيولوجياً، وتحيطه ثماني دول سريعة النمو نسبياً. وخلال فصل الصيف، يصبح أكثر البحار حرارة على كوكب الأرض، لا سيما في حوضه الجنوبي الضحل؛ حيث تتجاوز حرارة سطح البحر 35 درجة مئوية.
وتضم أنظمة الخليج البحرية والساحلية فسيفساء متنوعة ومترابطة من النظم البيئية المهمة بيولوجياً واقتصادياً، بما في ذلك غابات المانغروف والمستنقعات المالحة وأحواض الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية. كما تمثّل الثروة السمكية أهم الموارد الطبيعية للبلدان الخليجية بعد النفط. ومع ذلك، لا تحظى هذه الثروة بالتقدير الكافي، بل تتعرض لتهديدات مختلفة، مثل تغيُّر المناخ والتوسُّع الحضري والصرف غير المعالج وارتفاع الملوحة والإفراط في الصيد.
- الاحترار ضعف المتوسط العالمي
ترك تغيُّر المناخ العالمي آثاره الواضحة على النظم البحرية في جميع أنحاء العالم، بما فيها الخليج، الذي يعاني بالفعل من ارتفاع درجات حرارة البحر في الصيف بما يتجاوز أسوأ السيناريوهات المتوقعة في كثير من المناطق المدارية. ومنذ الثمانينات، زادت حرارة سطح البحر في الخليج بمقدار 0.4 درجة مئوية كل عشر سنوات، بما يساوي ضعف المتوسط العالمي.
ونتج عن ارتفاع حرارة سطح البحر تدهور كبير في النظم البحرية، وطال الضرر الشعاب المرجانية على وجه خاص، باعتبارها أكثر النظم البيئية الساحلية تنوعاً في المنطقة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 70 في المائة من الشعاب المرجانية تلاشت نتيجة لاحترار مياه الخليج وعوامل بشرية أخرى. ويُظهر تقييم حديث أن كل أنواع الأسماك المعتمِدة على الشعاب المرجانية في الخليج معرضة للخطر.
ومن المتوقع أن تؤثر التغيُّرات في درجات الحرارة على أنماط التفريخ الموسمية للأسماك الزعنفية ذات الأهمية التجارية، ما قد يتسبب في عدم التزامن بين ظهور يرقات الأسماك وفرائسها، ويؤثر على وفرة الأنواع المهمة بالنسبة لسكان المناطق الساحلية. كما أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد في تكاثر الطحالب الضارة، وهي ظاهرة تتسبب في نفوق الأسماك.
ويمكن أن تؤدي المياه الأكثر دفئاً إلى نمو الأسماك على نحو أسرع، ولكن حجمها يكون أصغر في عمر معيّن. كما يتسبب الاحترار في زيادة استهلاك الكتلة الحيوية للطاقة عند انتقالها لمستوى أعلى في السلسلة الغذائية، ويسهم في تسريع تدهور البيئة.
ويتسبب ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة الاحترار العالمي، وغوص المناطق الساحلية نتيجة الأنشطة البشرية كاستخراج النفط والمياه الجوفية، في تعريض العديد من النظم البيئية الساحلية الكبيرة والمهمة لخطر الغمر بسبب طبيعتها المنخفضة، بما فيها السبخات والسهول الطينية في منطقة المد والجزر. وتكون الأعشاب المرجانية أكثر عرضة لزيادة الترسيب والتعكُّر الناجم عن زيادة نشاط العواصف، بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وفيما تساعد الظروف البيئية الإقليمية للخليج وطبيعته الجيولوجية في تقليل مخاطر ارتفاع حموضة البحر على الكائنات الحيّة، مثل الشعاب المرجانية والرخويات والطحالب التي تؤدي وظائف مهمة في النظم البحرية، فالضرر الأكبر لارتفاع الحموضة سيكون في تحلل الأراضي الصلبة الصخرية التي توجد عليها الشعاب المرجانية والنظم البيئية الأخرى.
- الأنشطة البشرية
تسهم عوامل أخرى في الإخلال بسلامة النظم البيئية للخليج، ومن بينها النمو السكاني غير المسبوق الذي شهدته المنطقة، ونتجت عنه زيادة واسعة النطاق في التوسع الحضري على المناطق الساحلية. وتشير التقديرات إلى أن 40 في المائة من ساحل الخليج جرى تعديله من خلال مشروعات الإسكان الشامل والسياحة والتنمية الصناعية اللازمة لاستدامة الزيادة السكانية، وانعكس ذلك تدهوراً كبيراً في النظم البيئية الساحلية بفعل التجريف واستصلاح الأراضي.
وعلى الرغم من المعايير العالية لمعالجة مياه الصرف في معظم بلدان المنطقة، تدخل الخليج كميات كبيرة من مياه الصرف الصناعي والمنزلي. وتنشأ المخلّفات الصناعية السائلة من الصناعات التحويلية الرئيسية التي تشمل منتجات مثل الأسمدة والبلاستيك والبتروكيماويات والمعادن.
وتُظهر النظم البيئية البحرية الواقعة قرب المصبات تراكيز مرتفعة من الملوثات، وإن كانت أغلب الدراسات تشير إلى أن المستويات الحالية من المعادن الثقيلة في الرواسب البحرية والأسماك لا تزال ضمن التراكيز المسموحة دولياً. وقد تم توثيق العديد من حالات تكاثر الطحالب الضارة على نطاق واسع في خليج الكويت خلال العقود القليلة الماضية، وكانت هذه الحالات تُعزى إلى ارتفاع المغذيات الناجمة عن المخرجات الصناعية ومياه الصرف الصحي، وتسببت في نفوق أعداد كبيرة من الأسماك.
وبسبب الطبيعة الضحلة والمقيدة للخليج ومحدودية مدخلاته من المياه العذبة، لا سيما مع بناء السدود على الأنهار الرئيسية التي تغذي حوضه شمالاً، انخفض تدفق المياه العذبة التي تصب في الخليج إلى نحو 110 كيلومترات مكعبة في السنة، مع معدلات تبخر مرتفعة وفضلات معامل التحلية، ما يرفع مستوى الملوحة بشكل غير عادي.
ونتيجة التقلُّب الحراري الشديد والملوحة المرتفعة، تعيش العديد من الكائنات البحرية في الخليج بالقرب من حدودها الفيزيولوجية، ما يجعلها هشة تجاه أي تبدلات طارئة في ظروف النظام البيئي. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، أدى الضغط المتزايد نتيجة تغيُّر المناخ والأنشطة البشرية في المناطق الساحلية إلى تدهور واسع النطاق، وفقدان للنظم البيئية الساحلية في أكثر من مكان.
- الصيد المفرط يستنزف الثروة السمكية
بالإضافة إلى الآثار السلبية للتلوُّث وتدمير الموائل، أدى ضغط الصيد المكثّف إلى الاستغلال المفرط لثلثي الأنواع المهمة تجارياً، والاستغلال الكامل لنحو 5 في المائة من الأنواع الحية الأخرى التي تعيش في مياه الخليج. وقد أسهم الافتقار إلى تقييمات موثوقة للمخزون السمكي وطنياً وإقليمياً في تفاقم ممارسات الصيد الجائر في المنطقة. ويتراوح إنتاج المصايد في الخليج بين 210 و420 ألف طن من الأسماك سنوياً.
ولا تزال ممارسات الصيد المدمِّرة، مثل صيد الروبيان بشباك الجرّ، تحدث في بعض دول الخليج. ومن المرجّح أن ممارسات كهذه أسهمت بشكل كبير في تدهور النظام البيئي من خلال التدمير المباشر لقاع البحر في مناطق تطبيقها. وينتج عن الصيد بشباك الجرّ أيضاً ارتفاع الصيد العرضي للأسماك الصغيرة؛ حيث إن العديد من الأسماك التجارية توجد داخل مناطق صيد الروبيان.
كما يتم اصطياد الأسماك اليافعة بشكل شائع في مصايد الأعماق التي تستخدم مصائد أسماك شبكية سلكية كثيفة (قرقور). وفي أبوظبي، تشكّل الأسماك غير البالغة أكثر من نصف كمية أسماك القيعان الضحلة التي يتم اصطيادها.
وخلال السنوات السبعين الماضية، تغيّر تركيب أنواع الأسماك التي يجري اصطيادها وتناقص متوسط القيمة الغذائية للصيد، ما يشير إلى أن الأنواع ذات المحتوى الغذائي المرتفع قد انهارت واستبدلت بها أنواع ذات قيمة غذائية أقل، كاللافقاريات والأحياء التي تتغذى على العوالق. ورغم أن السجلات الرسمية لمصايد الأسماك لا يمكن التعويل عليها، فإن الثابت هو تراجع حصة الفرد في المنطقة من الإمدادات السمكية مع استمرار أنشطة الصيد المحلية والأجنبية.
ولا تزال قواعد مراقبة الصيد غير صارمة ولا متسقة بين دول الخليج بما يكفي لحماية النظم البيئية البحرية. كما يستمر الصيد في استنزاف معظم مخزون الأسماك في المنطقة؛ حيث لم تتمكن برامج إعادة بناء المخزون وإكثار أنواع الأسماك المحلية من حل المشكلة. ومن الواضح أن زيادة حصاد الكتلة الحيوية في الجزء العلوي من السلاسل الغذائية البحرية، وتوسع مصايد الأسماك، والضغط على الجزء السفلي من السلاسل الغذائية، هي أدلة على الصيد الجائر والإدارة غير الفعّالة.
ومن المتوقع أن تزداد الضغوط المرتبطة بالسكان في العقود المقبلة مع استمرار نمو المدن الساحلية، وستكون هناك زيادة في وتيرة وحجم الظواهر الحرارية الشديدة تحت وطأة تغيُّر المناخ. ومن أجل حماية الموائل الطبيعية في الخليج العربي والحفاظ على نظمه البيئية المهمة لا بد من إجراءات مؤثرة تحدّ من الآثار التراكمية للضغوط التي يتعرض لها.
ويشمل ذلك، على سبيل المثال، تطبيق إدارة واقعية ومسؤولة لمصايد الأسماك بالتعاون مع صانعي السياسات العالميين، مثل منظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، وتحسين أساليب وخطط الرصد لتحديد مواقع الصيد البحري غير القانوني. ويجب تعديل الضوابط التي تنظم مصايد الأسماك واستراتيجيات مقاومة المناخ، خصوصاً في المواسم شديدة الحرارة، وتقليص أذونات السماح بالصيد من حيث الكميات والأماكن والمواعيد.
ويمكن توجيه المزيد من الدعم لمصايد الأسماك الصغيرة التي تعمل عادة على نحو أكثر استدامة، وإنشاء المزيد من المناطق البحرية المحمية وحفظ الأنواع المستوطنة، بحيث تكون هناك قواعد صارمة لتعزيز سلامة المناطق الحرجة.
كما يُفترض بدول المنطقة أن تضمن أمنها الغذائي قبل إصدار تصاريح التجارة الدولية للصيد ضمن مياهها الإقليمية. وسيكون من المجدي أن تتبنى دول الخليج أهدافاً علمية متكاملة، على المستويين الوطني والإقليمي، تحقق الإدارة المستدامة للمخزون السمكي وتعكس مسار فقدان التنوُّع البيولوجي في المنطقة.


مقالات ذات صلة

قرش يقتل امرأة ويصيب رجلاً بجروح خطيرة في أستراليا

يوميات الشرق الشرطة الأسترالية ستتعاون مع خبراء لتحديد نوع القرش المسؤول عن الحادث (د.ب.أ)

قرش يقتل امرأة ويصيب رجلاً بجروح خطيرة في أستراليا

كشفت الشرطة عن أن قرشاً هاجم امرأة، اليوم (الخميس)، وقتلها وأصاب رجلاً بجروح خطيرة قبالة الساحل الشرقي لأستراليا.

«الشرق الأوسط» (كانبيرا)
صحتك لأن الجسم لا ينتج «أوميغا-3» طبيعياً يجب الحصول عليها من الغذاء مثل السردين (بيكسباي)

السردين أم التونة: أيهما يحتوي على كمية أكبر من «أوميغا-3» والبروتين؟

يُنصح بتناول أسماك السردين والتونة على نطاق واسع لأنهما يوفران بروتيناً عالي الجودة وأحماض «أوميغا-3» طويلة السلسلة المفيدة لصحة القلب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك الأسماك غنية بالفيتامينات والمعادن (رويترز)

6 أنواع من الأسماك تناولها يفيد صحة قلبك ودماغك

تعدّ الأسماك من أصح الأطعمة التي يمكن تناولها، خاصةً لصحة القلب والدماغ، ويعود ذلك إلى غناها بالفيتامينات والمعادن وأحماض أوميغا 3 الدهنية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق تُعيد كتابة قواعد الصيد تحت السطح (شاترستوك)

صدمة في الأعماق... حيتان الأوركا تقلب القرش وتقتات على كبده

رصد علماء للمرة الأولى حيتان أوركا تصطاد مجموعة من أسماك القرش اليافعة، وتقلبها على ظهورها وتأكل أكبادها الغنيّة بالطاقة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق لقطة من طائرة من دون طيار تُظهر دلافين تسبح في المياه البرازيلية (رويترز)

دراسة: البشر قد يكونون سبباً في إصابة الدلافين بمرض يُشبه ألزهايمر

حذَّر علماء في دراسة من أن ازدهار الطحالب الناجم عن تصريفات مياه الصرف الصحي قد يُسبب لدى الدلافين نفس نوع تنكس الدماغ الذي يُلاحظ لدى البشر المصابين بألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.