قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة

لا تختلف نتائج زراعتها مع القلوب المتبرعة غير المصابة

قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة
TT

قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة

قلوب المتبرعين المصابين بـ«كوفيد ـ 19» آمنة للزراعة

قد يكون القلب المأخوذ من متبرع متوفى وفي الوقت نفسه مُصابٌ بـ«كوفيد - 19»، قلباً آمناً للزراعة Heart Transplantation في صدر مريض يُعاني من المراحل المتقدمة لفشل القلب... هذا ما طرحته نتائج دراسة أميركية حديثة، هي الأولى من نوعها حول هذا الجانب.
الدراسة الجديدة المدعومة من قِبل قسم جراحة القلب والأوعية الدموية بجامعة بنسلفانيا، تم تقديمها ضمن فعاليات الجلسات العلمية لمؤتمر رابطة القلب الأميركية 2022 الذي عُقد في الفترة ما بين 5 إلى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وفي عرضها الإخباري لهذه الدراسة، وضعت رابطة القلب الأميركية AHA العنوان «تبدو قلوب المتبرعين المصابين بفيروس (كوفيد – 19) آمنة للزراعة». وأضافت، أن «ذلك آمن تماماً مثل قلوب الأشخاص الذين لا يعانون من ذلك (المرض)، وفقاً لتحليل قصير المدى لأول عمليات زرع من هذا القبيل تم إجراؤها في الولايات المتحدة». وأن هناك حاجة إلى دراسات تبحث في الآثار الصحية المحتملة «طويلة المدى» للقلوب من المتبرعين المصابين بفيروس «كوفيد - 19».
- التعايش مع «كورونا»
تأتي هذه الدراسة لتعطي مزيداً من الدعم العلمي للتوجهات الطبية في التعايش مع مرض «كوفيد - 19»، وذلك بمحاولات تخطي حاجز اعتبار المصابين بهذا المرض غير ملائمين للتبرع بالأعضاء. كما تأتي بعد دراسة سابقة، وأولى من نوعها أيضاً، حول زراعة الكلى Kidney Transplantation من متبرعين مُصابين بـ«كوفيد - 19»، وهي دراسة باحثين من مركز زراعة الأعضاء في كليفلاند كلينيك، وتم نشرها ضمن عدد مايو (أيار) الماضي من مجلة جراحة المسالك البولية Journal of Urology. وكانت بعنوان «زراعة الكلى من المتبرعين الإيجابيين لـ(كوفيد – 19) - سلسلة من 55 حالة». وأشارت تلك الدراسة إلى أن خطر نقل عدوى «كوفيد - 19» من متبرعين متوفين يحملون هذا الفيروس، هو «صفر». وأن من بين 55 مريضاً تلقوا هذه الكلى من مرضى «كوفيد - 19» متوفين، لم يُصب أي منهم بـ«كوفيد - 19» جراء عملية زراعة الكلى.
وفي الدراسة الجديدة حول زراعة القلب، قال الباحثون «تشير هذه النتائج إلى أننا قد نكون أكثر قوة في الإقدام بشأن قبول المتبرعين الذين يوجد لديهم فيروس (كوفيد – 19)، وذلك عندما يكون ثمة مرضى في حاجة ماسة إلى زراعة عضو القلب». وهذه النتائج اللافتة للنظر، والمشجعة بشكل مبدئي، والتي تم تقديمها يوم 6 نوفمبر في مؤتمر الجلسات العلمية لرابطة القلب الأميركية، تعدّ نتائج أولية حتى يتم نشر النتائج الكاملة في مجلة علمية.
ووفق الإرشادات الطبية لعام 2022 الصادرة عن رابطة القلب الأميركية والكلية الأميركية لأمراض القلب ACC وجمعية فشل القلب الأميركية Heart Failure Society of America، يُوصى بإجراء زراعة القلب للأشخاص الذين تتطور حالة فشل القلب لديهم إلى ضعف القلب المتقدم Advanced Heart Failure، أي المرحلة دي Stage D. ويعاني مرضى المرحلة «دي» لفشل القلب، من أعراض شديدة تعيق وتتداخل مع قدراتهم على التعايش مع متطلبات وراحة عيش الحياة اليومية، مثل ضيق التنفس والتعب والتورم في الساقين أو الكاحلين أو القدمين أو البطن. وحتى مع تلقي أحدث ما هو متوفر اليوم من أدوية ومعالجات، يمكن أن يؤدي قصور القلب المتقدم إلى دخول المستشفى بشكل متكرر نتيجة تراكم السوائل في أماكن مؤثرة من الجسم، كالرئتين على وجه الخصوص، ما يُعيق القدرة على التنفس وبذل الجهد البدني والنوم براحة، بما يُشبه الشعور بالغرق.
وأفادت رابطة القلب الأميركية، بأن قائمة الانتظار لزراعة القلب، تشمل اليوم أكثر من 3 آلاف مريض. ينتظرون توفر قلب من متبرعين متوفين حديثاً. وأن الطلب على زراعة القلب ارتفع بأكثر من الضعف، خلال ما بين أعوام 1988 و2020.
- زراعة ناجحة
وقام الباحثون في الدراسة الجديدة، بتحليل البيانات حول 3289 عملية زراعة قلب أُجريت في الولايات المتحدة في الفترة ما بين فبراير (شباط) 2021 إلى مارس (آذار) 2022. وتضمنت أول 84 حالة زراعة قلب من أشخاص ثبتت إصابتهم المرافقة بـ«كوفيد - 19» حال أخذ قلوبهم للزراعة. وفيما بين منْ تلقوا قلباً للزراعة من شخص مُصاب بـ«كوفيد - 19» وشخص غير مُصاب به، قارن الباحثون المضاعفات بعد الجراحة، مثل رفض الجسم للقلب المزروع Organ Rejection، والسكتة الدماغية بعد الجراحة، والحاجة إلى غسيل الكلى نتيجة الفشل الكلوي ما بعد العملية، إلى جانب معدل حول الوفاة خلال فترة الـ30 يوماً التالية لإجراء عملية زراعة القلب. ونظر الباحثون على وجه التحديد في الوفيات الناجمة عن الالتهابات الميكروبية في الرئة والمضاعفات المرتبطة بذلك، وهي مخاوف معروفة لدى الأشخاص الذين أصيبوا بـ«كوفيد - 19».
ولكن بالنتيجة لهذه المقارنات الدقيقة والشاملة، لم يجد التحليل فروقاً ذات «دلالة إحصائية» في النتائج بين المجموعتين، وفق ما أفاد الباحثون. وسواء كان القلب قد أُخذ من شخص إيجابي (أي مصاب) لـ«كوفيد - 19» أم لا، فإن كلتا المجموعتين من مُتلقي الزراعة لديهم معدلات وفاة مماثلة في المستشفى وخلال 30 يوماً من عملية الزراعة للقلب. كما كان لديهم أيضاً معدلات مماثلة من المضاعفات المتعلقة بالعملية الجراحية ذاتها، وكذلك المضاعفات الأخرى المتعلقة بما بعد زراعة القلب.
ونقلت رابطة القلب الأميركية في نشرتها الإخبارية عن الدراسة، تعليق الدكتور إلدرين ف. لويس، رئيس قسم طب القلب والأوعية الدموية في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا ورئيس لجنة النشر العلمي بالرابطة والمتخصص في قصور القلب المتقدم وزراعة القلب، بقوله «تقدم هذه النتائج دليلاً على أن النتائج كانت متشابهة في الـ30 يوماً بعد الزراعة بين المرضى الذين تلقوا قلوب متبرعين إيجابية لـ(كوفيد – 19). لذلك؛ يبدو أن المخاطر المحتملة أقل من المتوقع. وفي المقابل، قد يساعد هذا في معالجة النقص في قلوب المتبرعين للزراعة، وتقليل أوقات الانتظار؛ لأن الناس غالباً ما يصابون بالمرض مع تقدم قصور القلب، أثناء انتظار توفر قلب المتبرع».
- انتقاء المرضى الملائمين لتلقي زراعة القلب وواهبيه
> يمكن إجراء عمليات زراعة القلب للأطفال والبالغين حتى سن 70 عاماً، وربما حتى سن 75 عاماً في بعض الظروف.
ولأنها عملية جراحية كبرى، وعلى درجة عالية من التعقيد، ومع ندرة توفر قلوب يُتبرع بها وملائمة للزراعة، فإن عملية زراعة القلب لا تُجرى إلا عندما يتحتم اللجوء إليها حفاظاً على سلامة حياة المريض، ولا تتوفر أي إمكانية له للعيش إلا بزراعة قلب سليم في صدره. وذلك عندما تكون العلاجات الأخرى لمشكلات فشل القلب غير مجدية بالفعل. أي أن زرعة القلب هي العلاج الأخير للأشخاص الذين يعانون من فشل القلب في مرحلته النهائية.
ولدى البالغين، يمكن أن يحصل فشل القلب المتقدّم نتيجة لأي من الأسباب التالية:
- ضعف عضلة القلب، الناجم عن أسباب عدة. أي مرض أصاب عضلة القلب نفسها بالضرر، كالعدوى الميكروبية، أو أحد الأمراض الوراثية، أو دون سبب واضح.
- مرض الانسداد المتقدّم في شرايين القلب التاجية. ما أدى إلى نوبات قلبية تسببت بضرر لا يمكن إصلاحه في القلب.
- مرض صمام القلب المتقدّم.
- عيوب خِلْقية في القلب لا يمكن معالجتها، وأدت إلى فشل القلب في مراحله الأخيرة، الأمر الذي قد يتطلب عملية زرع قلب.
- عدم انتظام ضربات القلب الخَطِرة المتكررة، بما لا يمكن التحكم فيه بواسطة علاجات أخرى.
- عدم نجاح عمليات زراعة القلب السابقة.
وزراعة القلب ليست ملائمة لجميع مرضى فشل القلب، نتيجة أسباب عدة، كوجود أمراض أخرى متقدّمة، أو المرضى الذين ليس لديهم استعداد أو غير قادرين على إجراء تغييرات في نمط الحياة اللازمة للحفاظ على صحة قلب الجديد، أو وجود أمراض ميكروبية مزمنة. ولذا؛ يتم إجراء تقييم شامل لمرضى فشل القلب المتقدّم، قبل وضعهم على قائمة الانتظار لزراعة القلب مستقبلاً. كما يُجري طاقم فريق زراعة القلب تقييماً نهائياً قبيل الزراعة، لتحديد إذا ما كان قلب المتبرِع مناسباً للمريض، وإذا ما كان المريض مستعداً لإجراء الجراحة.

- زراعة القلب... أعقد العمليات الجراحية
> تعدّ عملية زراعة القلب «الأعلى تعقيداً» من بين جميع أنواع العمليات الجراحية الكبرى التي يتم إجراؤها على مستوى العالم.
وعمليات زرع القلب نادرة. وفي عام 2020، تم إجراء أقل من 8200 عملية زراعة قلب في جميع أنحاء العالم. وعمليات زراعة القلب غير شائعة لسببين:
- نقص وفرة قلب المتبرعين، وضرورة أن يكون المتبرع والمتلقي «متطابقين».
- عمليات زراعة القلب هي عمليات جراحية معقدة للغاية. وعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، يوجد أقل من 150 مستشفى تمتلك القدرة على إجراء جراحة زراعة القلب من بين أكثر من 6 آلاف مستشفى.
وجوانب التعقيد فيها لا تتضمن فقط جانب التحدي الجراحي، والتقنيات المتقدمة المستخدمة في استئصال القلب المريض من صدر المريض، ووضع المريض على جهاز القلب الصناعي، ثم استئصال القلب السليم من صدر المتوفى، والحفاظ على حيويته، وبعدها زراعة هذا القلب السليم في صدر المريض. بل ثمة تعقيدات إكلينيكية في التعامل مع حالة المريض نفسه، الذي وصل إلى المراحل المتقدمة جداً في ضعف القلب، وتداعياته ومضاعفاته على الأعضاء الأخرى في جسمه، لتهيئته للدخول في هذه العملية الجراحية الكبرى.
ثم ثمة تعقيدات تتطلب متابعة طبية دقيقة في التعامل مع حالة المريض بعد زراعة القلب السليم في صدره، من نواحي بدء هذا القلب المزروع في العمل، ومتابعة نشاطه وأي مضاعفات قلبية فيه، وتقبّل جسم المريض للقلب المزروع بداخله، وتأثيرات الأدوية الخافضة لنشاط جهاز المناعة لديه كي لا يرفض جسم المريض هذا القلب الجديد، وتعقيدات الوقاية من الإصابة بأي عدوى ميكروبية نتيجة إضعاف جهاز المناعة لديه، وجوانب أخرى من التعقيدات الاكلينيكية في عمل الأعضاء الأخرى في الجسم، ناهيك عن الجوانب النفسية وعودة قدرات ممارسة النشاط البدني والتغذية وغيره.
وعلى الرغم من الخطورة الجراحية لعملية زراعة القلب، وعلى الرغم من جميع جوانب تعقيدات المعالجة الطبية قبلها وخلالها وبعدها، وعلى الرغم من عدم ضمان حصول احتمالات المفاجآت في الانتكاسات الإكلينيكية، فإن فرصة تخطي ونجاة المريض هي بالفعل جيدة، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى لعمل الطاقم الطبي في المراحل التي تسبق العملية، وخلالاها، والفترة التالية لها، إلى حين خروج المريض من المستشفى.
ثم بعد ذلك، ثمة مخاطر إكلينيكية أخرى لنجاح استمرار كفاءة عمل القلب المزروع لاحقاً، كرفض الجسم للقلب المزروع بعد حين، وفشل القلب المزروع، والتطور السريع لأمراض الشرايين القلبية في القلب المزروع، والعدوى الميكروبية لأن الأدوية الكابتة للمناعة تجعل الجسم أكثر عُرضة للعدوى، والآثار الجانبية لأنواع من الأدوية التي يتعين على المريض تناولها للحفاظ على سلامة وكفاءة عمل القلب المزروع.
ويفيد أطباء القلب في مايو كلينك بالقول «تختلف معدلات البقاء على قيد الحياة بعد زراعة القلب بناءً على عدد من العوامل. وتستمر معدلات البقاء على قيد الحياة في التحسن على الرغم من زيادة الخطورة لدى مَن أَجروا زراعة القلب من كبار السن. وقد بلغ المعدل الإجمالي للبقاء على قيد الحياة في جميع أنحاء العالم نحو 90 في المائة بعد سنة واحدة، ونحو 80 في المائة بعد خمس سنوات للبالغين».


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال