المأساة السورية... قعرٌ لا قعر له

(تحليل إخباري)

سيدتان تسيران قرب الدمار بمخيم اليرموك جنوب دمشق العاصمة السورية في 2 الشهر الجاري ( رويترز)
سيدتان تسيران قرب الدمار بمخيم اليرموك جنوب دمشق العاصمة السورية في 2 الشهر الجاري ( رويترز)
TT

المأساة السورية... قعرٌ لا قعر له

سيدتان تسيران قرب الدمار بمخيم اليرموك جنوب دمشق العاصمة السورية في 2 الشهر الجاري ( رويترز)
سيدتان تسيران قرب الدمار بمخيم اليرموك جنوب دمشق العاصمة السورية في 2 الشهر الجاري ( رويترز)

«كلما اعتقدنا أننا وصلنا إلى قعر الأزمات في سوريا، نكتشف أننا مخطئون. وانتشار الكوليرا داخل البلاد وفي مخيمات اللجوء بالدول المجاورة، آخر دليل على أن القعر السوري لا قعر له».
كان هذا تعليق دبلوماسي غربي بعد عودته من سوريا التي يزورها من وقت لآخر خلال السنوات الأخيرة، في إطار عمله مبعوثاً لبلاده في هذا الملف.
وأشار الدبلوماسي إلى أنه بعد سنوات من الحرب هناك، سقط مئات آلاف القتلى، وغادر نصف السوريين بيوتهم، وهناك أكثر من سبعة ملايين نازح داخل البلاد، بينهم مليونان في مخيمات عشوائية، ونحو سبعة ملايين لاجئ في الدول المجاورة، كما أن البنية التحتية مدمَّرة، والخدمات الصحية معدومة، والمدارس مغيَّبة، والبلاد مقسّمة إلى ثلاث «دويلات» فيها جيوش وميليشيات أجنبية. وزاد: «اعتقدنا سابقاً أن هذا الجمود المؤلم هو القعر السوري، ثم غاص القعر السوري مع انتشار وباء كورونا والانهيار الاقتصادي في لبنان، وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا التي زادت من معاناة السوريين في جميع المناطق، وجعلت من سوريا أزمة منسية وخارج أولويات الاهتمام الدولي».
القعر الجديد كان بانتشار الكوليرا. وحسب الأمم المتحدة، فإن هذا الوباء ينتشر بشكل سريع في جميع أنحاء سوريا ومخيمات النزوح، في البلاد وأماكن اللجوء، وخصوصاً في لبنان. وتم الإبلاغ عن أكثر من 24 ألف حالة كوليرا مشتبه بها، وتم أيضاً تأكيد إصابات في جميع المحافظات السورية الـ14، وحتى الآن توفي 80 شخصاً على الأقل.
وكان هذا بمثابة جرس إنذار جديد. وقد دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر، وناشدت المانحين واللاعبين تقديم الأموال لتوفير الخدمات الصحية. لكن الأرقام الأخيرة لم تكن مبشرة. فالأموال التي وعد المانحون بتقديمها في مؤتمر المانحين السابق كانت نحو أربعة مليارات دولار، لم يصل منها إلى الآن سوى ثلثها، ولن يصل في أحسن الأحوال نصفها مع نهاية العام. فالدول المانحة مشغولة بأزماتها الاقتصادية وانهياراتها وتعهداتها في الحرب الأوكرانية.
سوريا منسية بالفعل. فلأول مرة لم يُعقد اجتماع متابعة لمؤتمر بروكسل للمانحين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، كما لم تُعقد اجتماعات سياسية عالية المستوى عن سوريا. وحتى اللجنة الدستورية التي كانت تتضمن «مناقشات» بين أطياف سورية في جنيف، وُضعت على الرف. فقد دفنتها موسكو احتجاجاً على موقف سويسرا والغرب في أوكرانيا. تلاشى وهم وجود عملية سياسية بتسهيل أممي. تبدد سراب رعاية دولية لمسار تنفيذ القرار 2254.
وأمام الانقسام الأميركي - الغربي والأولوية الأوكرانية والأزمات الاقتصادية العالمية والانهيارات السورية، لا مجال لمبادرات كبيرة عن سوريا. قصارى الطموح حالياً هي خطوات صغيرة، خطوة صغيرة من هنا وخطوة صغيرة من هناك. فالدول المجاورة تبحث عن خطوات لوقف الفيضان السوري من التدفق والتسرب عبر الحدود، عن إجراءات لوقف تهريب المخدرات والإرهاب وتموضع الميليشيات. والقوى الكبرى خفّضت سقف دبلوماسيتها السورية فيما تبقّى لديها من وقت، للبحث عن مقايضات صغيرة. فماذا يمكن لموسكو ودمشق أن تقدماه في حال وافقت واشنطن وبروكسل على زيادة حصة الأموال المخصصة لمشاريع «التعافي المبكر»؟ وما الثمن الذي يمكن توقعه إذا أعفت واشنطن بعض الأدوات الطبية من قائمة عقوباتها، أو زادت عاصمة أوروبية عدد التأشيرات الممنوحة لدبلوماسيين سوريين؟ ما الضمانات التي تقدمها دمشق في حال عاد بعض اللاجئين؟
قبل عشر سنوات، كان الحديث عن «تغيير النظام» ثم «مرحلة انتقالية» بمشاركة ممثلين عنه، ثم صار الحديث عن «تغيير سلوك» الحكومة، ثم عن «تحسين» السلوك. كان الحديث عن عودة اللاجئين وتفكيك مخيمات النازحين، وبات الطموح يركز على تحسين نوعية خيم النازحين. كان الحديث عن إعمار سوريا، وباتت الخطط توضع لإصلاح مدرسة أو ترميم غرفة في مستشفى، أو مد شبكات المياه وتركيب حنفية في صهريج.
أيضاً، يدور الحديث بين الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي، عن تحسين وصول المساعدات الإنسانية عبر الخطوط بين «الدويلات» الثلاث، بدلاً من الحديث عن سوريا الموحدة وسيادة كاملة على الحدود والأجواء. ولم تعد الاتصالات العسكرية بين الدول الكبرى والإقليمية الفاعلة ترمي إلى بحث الانسحابات العسكرية والخروج من سوريا، بل صارت تقتصر على «منع الصدام» بينها وإيجاد آليات لـ«التعايش» بين الخصوم.
وأمام مشهدٍ كهذا، لن يكون انتشار وباء الكوليرا هو القعر الأخير في المأساة السورية.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.