«الشرق الأوسط» تنشرحلقات من كتاب «الزمن الجميل» يكشف «التاريخ الحميمي لرؤساء الجمهورية الخامسة» (3-3): «الزمن الجميل» يرسم صورة «الرئيس الأرستقراطي» المتأرجح بين التقليد والحداثة

فاليري جيسكار ديستان «بخيل» أحب النساء وصيد الحيوانات الكاسرة

الرئيس ديستان مع زوجته أنيمون سوفاج دو برانت (غيتي)
الرئيس ديستان مع زوجته أنيمون سوفاج دو برانت (غيتي)
TT

«الشرق الأوسط» تنشرحلقات من كتاب «الزمن الجميل» يكشف «التاريخ الحميمي لرؤساء الجمهورية الخامسة» (3-3): «الزمن الجميل» يرسم صورة «الرئيس الأرستقراطي» المتأرجح بين التقليد والحداثة

الرئيس ديستان مع زوجته أنيمون سوفاج دو برانت (غيتي)
الرئيس ديستان مع زوجته أنيمون سوفاج دو برانت (غيتي)

في عام 2009، نشر الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، كتاباً بعنوان «الرئيس والأميرة» يروي فيه قصة علاقة حب جمعت بين رئيس فرنسي وأميرة بريطانية. والكتاب أحدث ضجة لا مثيل، خصوصاً في الجانب البريطاني، حيث إن ما جاء في كتاب جيسكار عن الأميرة البريطانية يؤشر وبشكل واضح إلى أن المعنية بالقصة ليست سوى الأميرة ديانا سبنسر، زوجة الأمير تشارلز.
في رواية الرئيس الأسبق، اسم الأميرة باتريسيا دو كارديف والرئيس الفرنسي هنري لامبرتي. ويتحدث الراوي عن لقاء الأميرة والرئيس بمناسبة عشاء رسمي جرى في قصر باكنغهام، بمناسبة قمة السبع في عام 1975 «التي تصادف الفترة التي كان فيها جيسكار رئيساً للجمهورية الفرنسية»، وتتوالى اللقاءات في القصور الرسمية من الجانبين، الملكية في بريطانيا والرئاسية في فرنسا.

                                                            خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (غيتي)
ومنذ الصفحات الأولى، يوحي جيسكار بأنه، من جهة، بطل الرواية، وأن المقصود من الجهة الثانية الأميرة ديانا التي لم تكن في ذلك التاريخ قد انفصلت عن زوجها، إذ إن طلاقهما قد حصل في شهر أغسطس (آب) من عام 1992، وما زاد من حيرة المتابعين أن المؤلف أشار إلى أن الرواية «إيفاء لوعد» مقطوع، ولكن من غير أن يفصل طبيعته ومناسبته. وكان التساؤل من على جانبي بحر المانش: هل وجدت، حقيقة، علاقة حب بين الأميرة الشابة والرئيس الأرستقراطي؟ وخلال أيام عديدة، التزم جيسكار الصمت. إلا أنه أخيراً، فاح بالمكنون بقوله إن الرواية من نسج الخيال، ولكن الأماكن التي جاء على وصفها حقيقية.
وأوضح في مقابلة مع مجلة «لو بوان»: «إنها رواية وشخصيتها الرئيسية الأميرة ديانا، وحاولت إحياءها كما رأيتها عند لقائي بها. لكنني التقيتها قليلاً، وكانت ترغب بأن تتحدث وتتواصل، ولذا أردت من روايتي أن تكون تكريماً لها». وأضاف جيسكار أنه التزم إزاءها بأن يروي قصص حب بين قادة ومسؤولي كبار الدول. هل كان صادقاً، أم اختلق القصة من البداية حتى النهاية، بحثاً، ليس عن الشهرة التي لم يكن يحتاج إليها، بل عن العودة إلى دائرة الضوء من غير باب السياسة بل الأدب. وكانت رواية «الرئيس والأميرة»، وهي الثانية التي ينشرها، طريقه إليها.
ومأساة جيسكار أنه فشل في الفوز بولاية رئاسية ثانية في عام 1981، وكان لا يزال شاباً وأراد ألا يترك السياسة. لذا، خاض الانتخابات النيابية في الدائرة التي مثلها في بداية شبابه، وانخرط في العمل السياسي المحلي، وجرب الأدب. ولأنه لعب دوراً مهماً مع المستشار الألماني هلموت شميت في دفع الاتحاد الأوروبي إلى الأمام، وإطلاق مجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى، فقد بقي مرجعاً. إلا أن ذلك لم يكن يكفيه لفرط ديناميته ورغبته في العمل.

                                                                       الرئيس فاليري جيسكار ديستان
هكذا كان جيسكار ديستان، الذي خصص له فرانز أوزليفيه جيزبير، العديد من صفحات كتابه «الزمن الجميل». جيزبير رأى فيه الرجل الأرستقراطي، المفرط في الذكاء. ونقل عن رسالة وجهها الجنرال ديغول الذي عين جيسكار وزيراً للمالية في حكومات عديدة، إلى ابنه الأميرال فيليب جاء فيها: «جيسكار يتخطى الجميع بأشواط. لكن عيبه أنه يظهر ذلك. والحال أنه عندما تكون لنا مثل هذه الهامة، علينا أن نوهم الناس دوماً بأنهم يتمتعون بالدرجة نفسها من الذكاء». الذكاء لم يكن عيب جيسكار الذي بفضل ذكائه كان أصغر سياسي وصل إلى البرلمان وإلى الوزارة وإلى رئاسة الجمهورية «باستثناء الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون».
بيد أن عيب جيسكار أنه كان بالغ البخل. وفي هذا الخصوص يقول جيزبير: «جيسكار كان ممسك اليد حتى عندما شغل أعلى المناصب، بما في ذلك قصر الإليزيه. الأمر الذي كان موضع تندر عند معاونيه. نادراً ما امتدت يده إلى جيبه إلا عندما كان الأمر يتعلق بشغفه بالصيد. عندها تسقط كافة الحسابات». ويسرد جيزبير أن الطبق اليومي للعائلة في القصر الذي كانت تسكنه أسرة جيسكار، كان الحساء الذي يصنع مما تنتجه مزرعة الخضار التابعة للقصر. والحال أن جيسكار ولد وفي فمه ملعقة من الفضة. ويسرد جيزبير تمسك جيسكار بإبراز أصله النبيل، وكيف أنه، من بين كافة رؤساء الجمهورية الخامسة، وحده يتحدر من عائلة أرستقراطية، لا بل تجري في عروقه دماء ملكية من خلال أدلاييد دو سان جيرمان، الابنة غير الشرعية للملك لويس الخامس عشر ولعشيقته كاترين ليونور بينارد.

                                                   ديستان مع الأميرة الراحلة دايانا في العام 1994 (غيتي)
ولا ينسى الكاتب أن يذكر أن والده أدمون جيسكار نجح في عام 1922 أن يضيف إلى اسم عائلته اسم «ديستان» للتأكيد على نسبه الأرستقراطي. وكيف أنه بالتعاون مع أخيه أوليفيه، وابن عمه فيليب، اشتروا «قصر ديستان» القائم في منطقة أفيرون جنوب غربي فرنسا، وقد سكنه في القرن الثالث عشر تريستان ديستان، الذي أنقذ الملك فيليب أوغوست من الموت، في معركة «بوفين» بين الفرنسيين، وقوات مشتركة ألمانية وإنجليزية وهولندية.
ومن أجداد جيسكار، شارل هنري ديستان الذي شارك إلى جانب لافاييت، في حرب استقلال الولايات المتحدة الأميركية عن الإمبراطورية البريطانية، ورقي إلى مرتبة أميرال في البحرية الفرنسية، قبل أن يقاد إلى المقصلة بعد الثورة الفرنسية.
وكما أن جيسكار أرستقراطي النسب، كذلك زوجته أنيمون سوفاج دو برانت، ابنة أرستقراطيين يحملان كلاهما لقب «كونت» و«كونتيس»، وهي التوصيفات الموروثة من العهد الملكي. تعرف إليها جيسكار، وكانت في سن الـ18 عاماً. وسريعاً تزوجا وعاشا معاً طيلة 68 عاماً، برغم الشائعات التي سرت عن مغامرات الرئيس خارج بيت الزوجية، بما في ذلك خلال إقامته في قصر الإليزيه.

                                                          ديستان مع الزعيم السوفياتي ليونيد برجنيف (غيتي)
وعام انتخابه رئيساً، نشرت صحيفة «لو كنار أونشينيه» الأسبوعية الساخرة خبراً مفاده أن جيسكار، بعد فترة قصيرة من انتخابه، حصل له حادث سير صباحي في باريس عندما كان يقود سيارة فيراري يملكها المخرج السينمائي روجيه فاديم، الذي جعل من بريجيت باردو بطلة لأفلامه. والمفاجأة أن جيسكار لم يكن وحده، إذ كانت إلى جانبه امرأة قيل وقتها إنها الممثلة مارلين جوبير، ليتبين لاحقاً أنها كاترين شنيدر، ابنة عم زوجته أنيمون. وتفيد معلومات أخرى بأن جيسكار ارتبط بعلاقة مع الممثلة الهولندية سيلفيا كريستيل، بطلة أفلام «إيمانويل» الجنسية التي انتشرت على نطاق واسع في سبعينات القرن الماضي.
وبعد أن منع الفيلم الأول من العرض في الصالات الفرنسية، سمح به لاحقاً بعد تدخل عالي المستوى، والأرجح من جانب جيسكار. كذلك، فإن الصحافي الفرنسي نيكولا بوانكاريه، كشف في عام 2011 أن جان بيديل بوكاسا، إمبراطور أفريقيا الوسطى، أخبره أن جيسكار «سرق منه زوجته الإمبراطورة كاترين».
ثمة من ربط بين هذه الحادثة، وبين الهدية التي قدمها بوكاسا لزوجة جيسكار، وهي عبارة عن قرط من الماس الذي كان أحد أسباب فشله، في الفوز بولاية رئاسية ثانية، إذ كان على جيسكار أن يودعه المحفوظات الوطنية، لا أن تحتفظ به زوجته، الأمر الذي أخذ عليه ولم ينجح في تبديد الإزعاج الذي سببه لدى الرأي العام الفرنسي. ويشير جيزبير إلى العلاقة بين جيسكار وبوكاسا من جانب أن الأول كان يرتاد أدغال أفريقيا الوسطى للصيد، الذي كان مولعاً به إلى حد كبير، خصوصاً صيد الحيوانات الكاسرة. ومن «مآثره» أن زعيم الحزب الشيوعي، ورئيس الدولة السوفياتية ليونيد بريجنيف، قدم لجيسكار هدية استثنائية، وهي السماح له بالذهاب إلى سيبيريا لاصطياد «النمر السيبيري»، برغم أن فصيلته كانت على وشك الانقراض. ويكشف الكاتب أن الطائرة السوفياتية التي حملت جيسكار، حملت أيضاً نمرين من هذه الفصيلة، أخرجا من إحدى حدائق الحيوانات، وأطلقا في السهوب السيبيرية ليكونا الفريسة التي يسعى وراءها جيسكار، وزير المالية الفرنسي وقتها.

                                            ... مع المستشار الألماني هيلموت شميت والرئيس الأميركي جيرالد فورد (غيتي)
ينقل جيزبير فقرة من كتاب الصحافي الفرنسي جان كو «بعضاً من الذكريات»، حيث يتحدث عن جيسكار كالتالي: «كان جيسكار كاملاً. لم ألتق في حياتي رجلاً بنظافته في كل شيء: يداه، أظافره، قمصانه، رأسه، أذناه، ذقنه. كان استثنائياً في كل شيء». ولا غرو في ذلك. إذ إن جيسكار ارتاد أفضل المعاهد والجامعات الفرنسية. وورث عن أهله اسماً وقصراً وعريناً انتخابياً. كان محدثاً ومطوراً في كل شيء، بما في ذلك إقرار حق الإجهاض للنساء منذ سبعينات القرن الماضي، فيما هذه المسألة تحدث انقساماً عامودياً داخل المجتمع الأميركي بين مؤيد ومعارض.
وزمن الحرب العالمية الثانية، انخرط جيسكار في المقاومة، بعكس سلفه الرئيس جورج بومبيدو. وشارك في تحرير العاصمة باريس من الاحتلال النازي، ثم انتمى إلى «الجيش الأول» الذي كان يقوده الجنرال دو لاتر دو تاسيني، وخرج منه برتبة «بريغادير» مع تنويه رسمي بهدوئه وشجاعته.
لا تنم كتابة جيزبير عن حب لشخص جيسكار، كما حاله مع ميتران وشيراك، بل عن إعجاب. يقول عنه: «جيسكار كان يتفوق على الجميع. كان قادراً على إلقاء خطاب حول أي موضوع مهما كان معقداً. كان مفرط الذكاء، ولكن رغم ذكائه، لم يكن يعرف كيفية التعامل مع الناس العاديين... كان معجباً بالجنرال ديغول إلى درجة أنه سعى أحياناً إلى تقليده. بهرته ممارسة ديغول السلطة الانفرادية التي انتقدها في عام 1967 بعد عام من خروجه من الحكومة، لكنه لم يتردد في الاقتداء بها...». وبعد أن أصبح رئيساً، ولإبراز كم أنه رجل حديث وديمقراطي وراغب في الاطلاع على أوضاع مواطنيه، ارتأى أن يقبل وزوجته دعوة إلى العشاء عند مواطنين عاديين. ومرات أخرى، كان يدعو إلى قصر الإليزيه عمال نظافة لتناول الفطور معه ومع زوجته، وذلك كله لمحو صورة الأرستقراطي التي جعلت منه موضوع سخرية وتندر. كذلك ابتدع وسيلة أخرى للتواصل، وهي حديث أسبوعي متلفز إلى الفرنسيين حول كافة المواضيع ومن دون حواجز.
أراد جيسكار نفض الغبار، وإيقاظ فرنسا وتحديثها، وإدخال العديد من الإصلاحات إليها. فهم قبل غيره أهمية المعلوماتية والثورة الرقمية، وسعى لأن تكون لفرنسا استقلاليتها في هذا المجال. ويؤكد جيزبير أن جيسكار أراد الاقتداء بما قام به ديغول، وأن يسرع الإصلاحات التي رآها ضرورية لبلاده. كما أراد خصوصاً أن يحدث «ثورة اجتماعية»، وأن يكون «رئيساً عصرياً». هو من أدخل إلى القانون الفرنسي، الطلاق التوافقي. وحق الإجهاض للنساء. وحرر المرأة من وصاية الرجل وهيمنته عليها وفق منطوق القوانين السابقة. ويشدد جيزبير على أن جيسكار كان «سباقاً، فتح كافة الأبواب واقتبس الأفكار الجيدة والمفيدة من أي جهة أتت».
كان جيسكار يعتقد أن إعادة انتخابه لولاية ثانية من سبع سنوات، أمر «طبيعي». لكن صدمة حياته أن فرنسوا ميتران هزمه في عام 1981، منتقماً بذلك من الهزيمة التي ألحقها به جيسكار في عام 1974، وما زال الفرنسيون يتذكرون خروجه المسرحي من قصر الإليزيه مشياً على الأقدام، منفرداً، وتحت قدميه السجادة الحمراء، وصفان من الحرس الجمهوري. وكيف سار في شارع فوبورغ سان هونوريه وسط تصفيق الجمهور. وفي المساء السابق، توجه إلى الفرنسيين بكلمة متلفزة قائلاً لهم: «إلى اللقاء»، فيما الكاميرا تركز على المقعد الرئاسي الفارغ.

«الشرق الأوسط» تنشر حلقات من كتاب «الزمن الجميل» للكاتب الفرنسي فرانز أوليفيه جيزبير (1- 3): كتاب مثير ينزع «ورقة التين» عن الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران
 


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس
TT

«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس

يطيح «كتاب وخنجر: هكذا أصبح الأكاديميون وأمناء المكتبات الجواسيس غير المتوقعين في الحرب العالمية الثانية» للباحثة الأميركية إليز غراهام بالنموذج التقليدي الذي غلب على أذهان الجمهور حول شخصيّة الجاسوس عميل الاستخبارات، والتي تكرّست عبر مئات الروايات والأفلام السينمائيّة والمسلسلات التلفزيونيّة على مثال «جيمس بوند» - بطل روايات الكاتب البريطاني إيان فلمنغ - فيقدّم من خلال سيرة أربع من عملاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) - كان نواة تأسيس وكالة الاستخبارات الأميركيّة لاحقاً - الذين لم يأتوا من خلفيات أمنية أو عسكريّة، ولا حتى من أقسام الفيزياء والتكنولوجيا بالجامعات الأميركية والبريطانية المرموقة - كما كان الحال في مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية، بل من أقسام الأكاديمية النظريّة في الأنثروبولوجيا والتاريخ واللغات، فكأنما تضع «أقل الناس لمعاناً في العالم، في المهنة الأكثر بريقاً في العالم»، على حد تعبير المؤلفة.

تعود بدايات هذه العلاقة غير المتوقعة بين العلوم النظريّة ووكالات الجاسوسية إلى أيّام الحرب العالميّة الثانية، التي دخلتها الولايات المتحدة دون جهاز استخبارات مدني كما كان الحال في بعض أمم أوروبا - تأسس جهاز الاستخبارات البريطاني في عام 1909 – إذ اعتمدت دائماً لجمع المعلومات الاستراتيجية والحساسة من العالم على جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الأميركي.

على أن الحاجة إلى نهج جديد يوسع دائرة جمع المعلومات لما وراء الإطار العسكري بدت ماسة بعد اندلاع الحرب على البر الأوروبي في 1939 مع غزو ألمانيا لبولندا، فعمد الرئيس فرانكلين روزفلت إلى تكليف المحامي البارز ويليام دونوفان بتأسيس ما سمي وقتها بمكتب الخدمات الاستراتيجية الذي استمر في نشاطه عامين بعد انتهاء الحرب عام 1945 ليخلفه في مهماته وكالة الاستخبارات المركزية من 1947 والتي تعد اليوم أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم على الإطلاق.

غلاف الكتاب

وتقول غراهام إنّ تصور دونوفان عن جهاز مدني للاستخبارات تمحور حول بناء منظومة لجمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها للوصول إلى استنتاجات ذات فائدة، مما يحتاج إلى مهارات احترافيّة في التعامل مع المعلومات والأرشيف إلى جانب أساسيات العمل الميداني، ولذلك استقصد البحث عن مهنيين متخصصين من عالم الأكاديميا والسعي لتجنيدهم كعملاء.

كان أساتذة الجامعات وأمناء المكتبات وخبراء الأرشيف منجماً غنياً للمواهب التي يمكن أن تلعب دور الجاسوس المفترض ببراعة: أذكياء ويمكنهم التعلّم بسرعة، يحسنون التعامل مع المعلومات، ومعتادون على العمل المضني، ويتسمون عادة بالتحفظ في سلوكياتهم، مما يسهل ذوبانهم في الأجواء من حولهم دون لفت الانتباه، ومنهم بنى دونوفان أول شبكة تجسس أميركيّة محترفة في الفضاء المدنيّ.

تتبع غراهام في «كتاب وخنجر» دونوفان بينما يتصيد هذه المواهب في أروقة الكليّات النظريّة للجامعات الأميركيّة، وتضئ على قصص أربع منهم ممن تم تجنيدهم بأسلوب أدبي رفيع يمزج بين حقائق التاريخ ورومانسيّة الدراما، لتكون الولادة الأولى للجهد الاستخباراتي الأميركي في أجواء من الرّفوف المديدة من الكتب ورائحة الورق، وصناديق الوثائق والبحث عن معلومة في كومة من البيانات بعيداً عن الأنظار بدلاً من الصورة التلفزيونية لمطاردات العميل رقم 007 بالسيارات الرياضيّة الفارهة، والقفز من الطائرات، وترك المغلّفات للعملاء في نقاط الالتقاط. وبالنسبة للمؤلفة فإن كتابها بمثابة تذكّر لهؤلاء الكوادر الذين ساعدوا الولايات المتحدة على كسب الحرب، وتالياً مد مظلّة الهيمنة الأميركيّة على العالم لعقود.

الشخصيّات الأربعة التي اختارتها غراهام لسرد هذه المرحلة كانوا لدى تجنيدهم قد سلكوا في حياتهم خطوطاً مهنيّة أكاديمية في عدد من جامعات النخبة عندما تحدث إليهم موظفون فيدراليون لطلب مساعدتهم في المجهود الحربيّ. جوزيف كيرتس كان يدرّس اللغة الإنجليزية في جامعة ييل، وأديل كيبري أستاذة تاريخ العصور الوسطى في جامعة شيكاغو والخبيرة بعبور الأرشيفات وأقسام المحفوظات، وكارلتون كون أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة هارفارد، وأيضاً شيرمان كينت الباحث الملحق بقسم التاريخ في جامعة ييل.

تلقى المجندون الأكاديميون الجدد تدريبات مكثّفة على أساليب الخداع، ومراوغة المطاردين وطرائق التشفير وأساسيات القتال الفردي، ويبدو أنهم لم يجدوا صعوبة في التقاط هذه المهارات الجديدة، لكن الجزء الأصعب كما لاحظ مدربوهم كان تعليمهم نسيان خلفيّة اللياقة والتهذيب التي قد تمنعهم من ضرب الخصم تحت الحزام أو استغلال نقاط ضعفه.

أرسل بعدها كيرتس وكيبري تحت غطاء مهمّة أكاديمية لشراء الكتب من دور النشر المحليّة. كيرتس إلى إسطنبول - التي كانت تمور بالجواسيس من كل الدّول - وكيبري إلى استوكهولم - للبحث في مكتبات دولة محايدة عن مواد ألمانية قد تكون ممنوعة من التوزيع في مناطق أخرى من أوروبا: مثل الصحف والمجلات، والصّور، والخرائط.

أكوام المواد الأوليّة التي جمعتها كيبري كانت بحاجة إلى تنظيم وتحليل، وتلك كانت مهمة أوكلت لكينيث، الذي قاد فريقاً من المحللين تولى مثلاً تحديد مواقع المطارات ونقاط توزيع الكهرباء ومحطات السكك الحديدية ومكاتب التلغراف على امتداد الأراضي الفرنسيّة للعمل على منع قوات الاحتلال النازي من الانتفاع بها، وفي الوقت ذاته تحديد مبانٍ ومساحات قد يتسنى للحلفاء الاستفادة منها عند الحاجة لإنشاء مستشفيات ميدانيّة ونقاط ارتكاز.

وتقول غراهام إن فريق كينت نجح مستفيداً من الخرائط السياحيّة وأدلة الأعمال التي أرسلتها كيبري في تحديد مواقع معامل تنتج مكونات أساسيّة لصناعة أسلحة المحور والتي استهدفها الحلفاء بالتخريب بشكل ممنهج. أما كون فيبدو أنّه لم يكن مفيداً كثيراً خلال فترة الحرب، وكانت أفضل فكرة له كما تقول غراهام هي إخفاء العبوات الناسفة في أكوام الفضلات التي تتركها البغال على جوانب الطرق.

عاد هؤلاء الأكاديميون إلى جامعاتهم بعدما وضعت الحرب أوزارها: كيرتس استعاد وظيفته أستاذاً في جامعة ييل، واستأنفت كيبري عملها في عبور المجموعات الأرشيفية المغلقة التي تحتفظ بها الحكومات ومراكز البحث وجهات ذات حيثية مثل الفاتيكان. أما كينت فلم يعد يجد نفسه في عالم الأكاديميا، فالتحق بعد عدّة سنوات بوكالة الاستخبارات المركزية وأسس مجلتها البحثية الداخلية، «دراسات في الاستخبارات»، فيما تورط كون في نشر نظريات أنثروبولوجيّة ذات نفس عنصري ما لبثت أن فقدت قيمتها العلميّة خلال الخمسينيات فخسر سمعته وانتهى إلى الإهمال.

وتقول غراهام إن هذه البدايات المشجعة للتقاطع بين عالمي الكتاب والخنجر جعلت من مجموعة جامعات النخبة الأميركيّة - التي تسمى برابطة اللبلاب - بمثابة مزارع مفتوحة لاستقطاب المواهب المميزة إلى العمل الاستخباراتي، وهو الأمر الذي لا أحد ينكر أنه مستمر إلى الآن.