«الشرق الأوسط» تنشر حلقات من كتاب «الزمن الجميل» للكاتب الفرنسي فرانز أوليفيه جيزبير (1- 3): كتاب مثير ينزع «ورقة التين» عن الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران

يكشف «التاريخ الحميمي للجمهورية الخامسة» ويغوص في أسرار رؤسائها

فرانسوا ميتران وزوجته دانيال ميتران في حفل افتتاح أولمبياد ألبيرفيل 8 فبراير 1992 (غيتي)
فرانسوا ميتران وزوجته دانيال ميتران في حفل افتتاح أولمبياد ألبيرفيل 8 فبراير 1992 (غيتي)
TT

«الشرق الأوسط» تنشر حلقات من كتاب «الزمن الجميل» للكاتب الفرنسي فرانز أوليفيه جيزبير (1- 3): كتاب مثير ينزع «ورقة التين» عن الرئيس الفرنسي الأسبق ميتران

فرانسوا ميتران وزوجته دانيال ميتران في حفل افتتاح أولمبياد ألبيرفيل 8 فبراير 1992 (غيتي)
فرانسوا ميتران وزوجته دانيال ميتران في حفل افتتاح أولمبياد ألبيرفيل 8 فبراير 1992 (غيتي)

لا تحصى ولا تعد الكتب التي تتحدث عن الجمهورية الخامسة التي أرسى الجنرال شارل ديغول، أسسها، في خمسينات القرن الماضي. كما أن الكتب التي تتحدث عن التحولات السياسية والاقتصادية التي حصلت خلال ثمانية عهود تضج بها رفوف المكتبات التي تزداد غنى وثراءً مع كل موسم ثقافي. بيد أن ما يسعى إليه القارئ هو التعرف على ما يجري وراء الستارة، في الخفاء، وراء التصريحات المدوزنة. وهو يريد أن يلج إلى الخصوصيات والحميميات، لتظهر له صورة الرجل السياسي على حقيقتها، بعيداً عن النمطيات والسرديات الرسمية.
المعضلة أن أمراً كهذا ليس في مستطاع أي كاتب أو محلل. فهو يحتاج لرواد عرفوا الشخصيات العامة وعاشروها واطلعوا على أسرارها الخبيئة، ولهم القدرة والشجاعة لنقلها إلى القارئ. ولا شك أن فرانز أوليفيه جيزبير، الصحافي والكاتب والمحلل، له باع طويل في ذلك. ولعل أفضل دليل هو كتابه الجديد «الزمن الجميل، التاريخ الحميمي للجمهورية الخامسة»، المجلد الثاني، الصادر عن دار «غاليمار».

ميتران (يمين) مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (غيتي)

في كتابه الجديد، ينكب جيزبير على أربعة عهود، يبدأها مع الرئيس جورج بومبيدو، خليفة الجنرال الكبير في قصر الإليزيه، وينتهي بعهد الرئيس جاك شيراك، الديغولي الآخر. وما بينهما، يغوص جيزبير في أسرار رئيسيين آخرين هما الأرستقراطي فاليري جيسكار ديستان والاشتراكي فرنسوا ميتران. ومن بين الأربعة، يبدو مع كل صفحة من الكتاب أن علاقة خاصة نمت بين الصحافي الشاب والزعيم الاشتراكي الذي واكب القرن العشرين، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية عهده الثاني في عام 1995، وكان أحد أبرز الفاعلين فيه.
يتوقف الكاتب عند الشخصية المعقدة التي تختبئ وراء صورة الرجل السياسي الذي وصل إلى الرئاسة في ثالث محاولة له، فيما الأولى كانت بمواجهة ديغول، ويرسم صورة علاقاته الأسرية وخارج النطاق الأسري. ذلك أن ميتران، صاحب كتاب «الانقلاب الدائم» الذي كرسه للتنديد بعودة ديغول إلى السلطة، الذي عده انقلاباً على الديمقراطية، كانت صداقاته تندرج في دوائر لا تتقاطع. كان ميتران رجل الأسرار والتكتم والازدواجية والتخفي، يظهر ما يريد ويترك في الظل ما يريد إبقاءه بعيداً عن الأعين. ولعل الصفحات التي كرسها الكاتب لحياة ميتران العاطفية ومغامراته النسائية تكشف هذه الطباع.
لم يكن ميتران يعيش حياة واحدة. كان جمعاً في صيغة المفرد. وكان عدة رجال في زمن واحد. ميتران كان متزوجاً من دانيال، امرأته الشرعية التي له منها ثلاثة أبناء هم باسكال وجان كريستوف وجيلبير، إلا أنه كانت له امرأة أخرى، ليست عشيقة ليلة أو وليدة لقاء... كلا. لقد كانت آن بانجو أكثر من ذلك بكثير. كانت عشق حياته، والضوء الذي كان يرفده بالسعادة طيلة أربعين عاماً.
لنترك الكلام لفرانز أوليفيه جيزبير يتحدث عن هذا الجانب:
في بداية العلاقة مع ميتران، دعا الأخير جيزبير إلى ملاقاته باكراً في منزله القائم مقابل كاتدرائية نوتردام لتسليمه بعض مقطوعاته الشعرية الغزلية التي سيستخدمها في كتاب يعده. وبعد انتظار زاد على أربعين دقيقة، وصل ميتران من الخارج مبعثر الشعر، غير حليق الذقن، وكأنه خارج لتوه من غرفة النوم، وبادر ضيفه قائلاً إن أشعاره موجودة في علبة كرتونية مركونة في غرفة «مسيو جان»، واسمه الكامل جان بالنسي. وما فهمه جيزبير لاحقاً أن جان هذا هو عشيق دانيال ميتران. والغريب أنه كان يعيش في منزل الرئيس اللاحق كأحد أفراد الأسرة. و«مسيو جان» كان مدرب التنس لسيدة فرنسا الأولى وعشيقها منذ سنوات. ويكتب جيزبير: «كنت أعلم أنه قريب من دانيال، لكن في ذاك الصباح فهمت أنه عشيقها وأن اتفاقاً جرى بين فرنسوا ودانيال منذ الستينات، بعد المغامرات النسائية المتكررة للأول، وقوامه أن لكل منهما أن يعيش الحياة التي يريدها لكنهما يبقيان معاً».

ميتران وزوجته دانيال (وسط) مع الأميرة الراحلة ديانا وأمير ويلز وقتها تشارلز خلال مأدبة في قصر الأليزيه 7 نوفمبر 1988 (غيتي)

دانيال كانت تعلم أن ميتران يعيش عملياً مع آن بانجو، وميتران يقبل بأن يعيش «مسيو جان» في منزلهما. وكانت أشعار الغزل موجهة للزوجة غير الشرعية التي أعطته لاحقاً ابنة هي مازارين، التي اعترف بها شرعياً في أواخر أيامه.
آن بانجو «أصبحت الأولى» بعد أن أبعد زوجته الشرعية، وهي التي تتخطى الأخريات من النساء اللواتي عرفهن ميتران، السابقات واللاحقات. لقد كانت حبه الكبير، ولهه، عشقه، الضوء المتبقي عندما ينطفئ كل شيء، وهي التي كتب لها آلاف الأشعار التي نشرت في كتاب من 1246 صفحة، عام 2016 بعنوان «رسائل إلى آن، 1962 - 1995». ومما كتبه لمن يسميها شمسه: «أعيش، أموت، أحترق وأغرق» في حبك.
التقى ميتران آن بانجو للمرة الأولى في عام 1957، وهي ابنة عائلة كان يعرفها عن قرب، إذ كان يلعب الغولف مع والدها الصناعي فرنسوا بانجو على الشاطئ الأطلسي، قريباً من منتجع هوسبورغ. وانتظر ميتران ست سنوات حتى بلوغ آن سن الرشد (21 عاماً). لكن فارق السن (27 عاماً) لم يكن عائقاً يحول دون تقاربهما. وفي عام 1963، وجد ميتران أن الوقت قد حان ولم يعد من سبب يحول دون التلاقي.

عشيقة ميتران آن بانجو وابنتها مازارين خلال مراسم تشييع جنازته في 11 يناير 1996 بجارناك (غيتي)

يقول جيزبير، إن ميتران «كان يقصفها بالرسائل». ولم تكن آن شابة سهلة المنال، وكان على ميتران أن يكون صبوراً. وبعد حصولها على شهادة البكالوريا، «صعدت» آن إلى باريس للدخول إلى معهد الفنون الجميلة، وجاءت توصية من والدها لـميتران بأن «يرعاها»، وهو ما حصل. وبالفعل، استقبلها ميتران في بيته وفي إطار عائلته طيلة شهور. ويروي الكاتب أنهما كانا يسيران معاً ليلاً، يداً بيد، في شوارع باريس، وكان حبهما في بدايته بريئاً، رومنطيقياً، عذرياً، حتى ربيع عام 1964 حيث جرى بينهما ما كان متوقعاً. وكتب لها ميتران في اليوم الذي تلا ليلة حبهما: «لا أعتقد أننا سننسى تاريخ 13 مايو (أيار) 1963، لقد كنت هذه الليلة سمائي وأرضي... غمرتني سعادة جارفة، ذات قوة رهيبة. لقد أعطيتني الكثير، وآمل أن أرد إليك الجميل سعادة مجنحة». وبعد سنوات من وفاة ميتران قالت آن بانجو لصحافي بريطاني ما يلي: «أن تكون معجباً بالشخص الذي تحب يحمل إليك سعادة لا تضاهى، أنت لن تتثاءب أبداً، إنه التجدد الدائم». بيد أنها أضافت: «كانت 32 عاماً من السعادة العميقة، ولكن أيضاً من التعاسة. كانت سنوات صعبة».
رغم «الحب الكبير»، لم يكن ميتران الرجل الذي تكفيه امرأة. كان يريدهن جميعاً وفي وقت واحد. وبقيت آن بانجو، التي شغلت مناصب رفيعة في عالم المتاحف، بعيدة عن الأنظار طيلة العقود الثلاثة التي أمضتها مع ميتران، حبها الأول وربما الأخير. ولم يعرف الفرنسيون صورتها إلا بعد أن ذاعت قصة حبها مع ميتران، وظهرت صورة ابنتهما مازارين، إذ شاركت في دفن ميتران وكانت مازارين متكئة على كتفها، في الصف الثاني. أخفت وجهها بنظارتين سوداوين، وكانت تريد أن تبقى نكرة حتى لا يكون وجودها مصدر إزعاج للرجل الكبير.

صورة للمنزل الريفي للرئيس ميتران في جارانك جنوب فرنسا التقطت في 7 يناير 2006 (أ.ف.ب)

وبعكس آن بانجو، كانت دانيال ميتران حاضرة على الصعيد الفرنسي السياسي والاجتماعي العام. كانت شخصية متحررة عرفت بميولها اليسارية وبدفاعها عن الحريات وعن المحرومين والمعذبين في الأرض، ومنهم أكراد العراق. وكانت ترأس مؤسستها «فرنسا الحريات» التي كانت تريدها صوتاً لعدالة على المستوى العالمي.
ولسنوات طويلة، أخفى ميتران الجزء الغامض من حياته، إلى أن خرجت الأمور إلى العلن وهو في قصر الإليزيه. استغل ميتران موقعه الرئاسي لوأد الأخبار والشائعات التي تتحدث عن حياته الخفية وعن وجود آن بانجو، وكان كل مساء يترك قصر الإليزيه مع فرنسوا دو غروسوفر، صديقه الشخصي، الذي كان يقيم في المبنى الذي أسكن فيه آن بانجو، لإيهام موظفي القصر بأنه يخرج معه في نزهة. لكن، رغم التدابير والإجراءات التي اتخذها مستعيناً بموقعه، لم تبق حياته الخفية بعيدة عن أنظار وأسماع الصحافة التي لم تكن تجرؤ على إخراجها إلى العلن. ويروي بيار، سائقه الخاص، في كتاب أصدره قبل سنوات بعنوان: «القيادة من اليسار»، أنه فتح يوماً صندوق السيارة في الساحة الداخلية لقصر الإليزيه، وفوجئ من كان إلى جانبه بأنه يحتوي على ألعاب للأطفال. ولكن بعد أن ذاع سر آن بانجو ومازارين، تخلى ميتران عن التخفي وبدأ بالخروج معهما إلى المطاعم والمسارح والأماكن العامة. وأكثر من مرة اصطحبته مازارين في رحلات استجمام خارجية، منها رحلة إلى مصر بدعوة من الرئيس حسني مبارك.
مازارين أصبحت منذ سنوات كاتبة قديرة ومحترمة، ومثقفة لها وزنها في الساحة الثقافية الفرنسية.
الرئيس الاشتراكي كان حقيقة زير نساء. وكانت له كوكبة من النساء اللواتي كن يتحلقن حوله. يقول جيزبير عن ميتران: «يا لعجبي! كيف أن كافة هاته النسوة تسامحن ميتران لسلوكه الممجوج. ما هو سره الذي مكنه من أن يتجنب الاختلاف معهن، لا بل أن يحولهن لاحقاً إلى مساعدات له ويتكئ عليهن لتحقيق نجاحه؟ إنها حقيقة مهنة. حتى وفاته، كان دوماً محاطاً بالنساء... كان يحتاط ويتكتم. كان يكذب، وربما كان يصدق كذبه... لا أحد يعلم أعداد اللواتي عرفهن من مساعدات ووزيرات وصحافيات: نساء من كل نوع التقى بهن صدفة، في الشارع أو في القطار. عاشر نجمات، وكانت له علاقة حب فاضحة في فترة ما مع المغنية داليدا التي قبلها أمام أعين العابرين أمام صالة سينما في جادة الشانزليزيه».
لكن مغامراته العاطفية لم تجعله ينقطع عن زوجته الشرعية، يقول جيزبير: «عندما تكون دانيال إلى جانبه كانت تثير حنقه، وعندما تكون بعيدة عنه كان يشعر بغيابها. وبعد وصوله إلى الرئاسة، استنبط ميتران قصة ذهابه يومياً إلى منزله (المشترك مع دانيال) بحجة الاطلاع على بريده، لكن في الحقيقة لتبادل بعض العبارات معها قبل أن يلتحق بآن بانجو، حيث كان يقضي الليل بقربها».
وخلاصة الكاتب أن ميتران لم تكن تكفيه امرأتان. كان يريدهن كلهن معاً، وذلك حتى نهاية حياته.
ومن الإجحاف اختصار ميتران بعلاقاته النسائية. فالرجل الذي كان أحد أركان المشهد السياسي الفرنسي طيلة أربعة عقود على الأقل، كان مثقفاً وأديباً ومفكراً، إضافة إلى كونه سياسياً ماهراً، لا بل ماكراً. فقد نجح في تجميع اليسار بكافة مكوناته تحت رايته، وركب الموجة ليصل إلى رئاسة الجمهورية التي كانت حلمه الأكبر، وبقي في قصر الإليزيه 14 عاماً. كان ميتران مدرسة ثقافية وتاريخية وسياسية، وكتب بنفسه سيرة حياته وأسطورتها. كان سجين الجيش الألماني في بداية الغزو النازي لفرنسا، وفشل في الهرب من معتقله مرتين، إلا أنه نجح في المرة الثالثة. واتهم بالتعاون مع نظام فيشي الذي خضع للألمان ونفذ إراداتهم بما فيها محاربة المقاومة الفرنسية، لكنه قدم نفسه على أنه مقاوم. وكان خصمه الأكبر الجنرال ديغول.
ونشأت بين جيزبير وميتران علاقة خاصة. ولا يخفي الكاتب إعجابه وحبه لهذا الرئيس رغم اختلافهما السياسي. وثمة رابط يجمع بينهما، هو يبرز في كل سطر من السطور التي كتبها جيزبير عنه.
ويبقى أن الأخير يدخلنا إلى عالم ميتران الخاص، إلى حميميته، حيث يعريه وينزع عنه الغطاء الذي يختبئ تحته ليظهر لنا حقيقة الرجل المتعدد والمتنوع.

«الشرق الأوسط» تنشرحلقات من كتاب «الزمن الجميل» يكشف «التاريخ الحميمي لرؤساء الجمهورية الخامسة» (2- 3): شيراك... شهية مفتوحة للنساء والطعام... وطبقه المفضل رأس العجل المطبوخ
 

«الشرق الأوسط» تنشرحلقات من كتاب «الزمن الجميل» يكشف «التاريخ الحميمي لرؤساء الجمهورية الخامسة» (3-3): «الزمن الجميل» يرسم صورة «الرئيس الأرستقراطي» المتأرجح بين التقليد والحداثة

 


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.