ما زلنا نعيش شهر أكتوبر (تشرين الأول) «الوردي»، شهر التوعية والوقاية القائمة على الكشف المبكر لسرطان الثدي. ومع بداية هذا الشهر من كل عام يزداد إقبال النساء، استجابة لبرامج ورسائل التوعية، على الفحص بغرض الكشف المبكر عن هذا المرض المخيف. ولا بد لمن تتقدم لعمل هذا الفحص من الاستعداد النفسي لتبعات ما بعد الكشف، فالنتيجة قد تكون سليمة، أو بحاجة لمتابعة أو قد تكون ليس ما تتمناه كل امرأة. في كل الأحوال، فإن الإقدام على الفحص شجاعة والاستعداد لتقبل النتيجة أيا كانت هو قمة الشجاعة.
يركز قسم الوقاية من السرطان ومكافحته في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) على اكتشاف السرطان مبكراً، حيث يكون العلاج سهلا، من خلال:
- معرفة مخاطر الإصابة بسرطان الثدي، وإمكانية تقليل خطر الإصابة به. ومن المهم جدا معرفة التاريخ العائلي، وموعد إجراء فحص سرطان الثدي، ومعرفة مكان إجراء هذا الفحص.
- الحصول على استشارة وراثية وعمل الاختبارات اللازمة أمر أساسي لفهم مخاطر الإصابة بسرطان الثدي وسرطان المبيض الوراثي.
> أحياناً لا تظهر أعراض لسرطان الثدي - ولا حتى كتلة، ويظل الفحص هو المهم.
- التمتع بصحة جيدة والحفاظ عليها يقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي ويمكن أن يساعد في تحسين فرص البقاء على قيد الحياة في حالة حدوثه.
وتقدم المملكة الفحص مجانا في جميع مستشفياتها ومراكزها الصحية.
- دراسة حديثة
وقد قدمت دراسة حديثة عنوانها «أثر الكشف المبكر على مراحل التشخيص لسرطان الثدي في المملكة العربية السعودية Breast Cancer Stage Migration in Saudi Arabia: Examining the Influence of Screening » للباحثة الإكلينيكية السعودية الدكتورة أطلال محمد أبو سند استشارية طب الأورام العلاجي وأورام الثدي أستاذة مشاركة بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز، الحاصلة على جائزة جدة للإبداع في مجال الإبداع المجتمعي في مبادرة بعنوان (ناجية).
تبحث الدراسة في فائدة التوعية والكشف المبكر لسرطان الثدي، وأظهرت نتائجها تناقص الحالات في مراحل متأخرة، وعوضاً يتم تشخيصها في مراحل مبكرة وهو ما يعرف بـ«stage migration» ومما يميز هذا البحث أنه يتفرد بمناقشة أثر التوعية والكشف المبكر على مراحل التشخيص. نشرت الدراسة في المجلة العالمية للجودة والسلامة في الرعاية الصحية العدد (5) لعام 2022 (Global Journal on Quality and Safety in Healthcare).
- سرطان الثدي
أوضحت الدكتورة أبو سند أن سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطانات شيوعاً بين النساء في السعودية، حيث تم تشخيص 2463 حالة بين يناير (كانون الثاني) وديسمبر (كانون الأول) من عام 2017. وشكل سرطان الثدي 17.7 في المائة من جميع السرطانات المبلغ عنها لدى المواطنين السعوديين، و30.9 في المائة من جميع السرطانات المسجلة بين النساء من جميع الأعمار، وفقاً للسجل السعودي للأورام (SCR) لعام 2021. وقد تم تحليل إحصائيات السجل (SCR) لحدوث سرطان الثدي السنوي (BCI) والنسبة المئوية لكل مرحلة/ سنة لوصف تأثير فحص سرطان الثدي على تحسين معدلات الكشف المبكر.
والتقارير السنوية متاحة على الإنترنت حيث تم استخراج البيانات. وتم تضمين ما مجموعه 10970 حالة إصابة بسرطان الثدي على مدى 17 عاماً في التحليل؛ تم رسم البيانات ومقارنة الاتجاهات. وفي السجل السعودي للأورام (SCR)، يتم تصنيف المراحل باستمرار على أنها محلية وإقليمية وبعيدة وغير معروفة، موصوفة في دليلها الخاص (التدريج هو تجميع حالات السرطان إلى فئات واسعة بناءً على مدى انتشار المرض وفقاً للمراقبة وعلم الأوبئة وملخص المرحلة والنتائج النهائية [SEER]).
[seer.cancer.gov/tools/ssm/ssm2000/intro.pdf]
لقد لوحظ أن مؤشر BCI السنوي قد زاد بمقدار خمسة أضعاف خلال 17 عاماً، فمن 500 حالة في عام 2001 إلى أكثر من 2500 حالة في عام 2017. وحتى عام 2006 - 2007، كانت هناك نسبة عالية بشكل ملحوظ من المرحلة الإقليمية، تلاها انخفاض في السنوات اللاحقة، والذي انعكس من خلال زيادة مطردة في المرحلة المحلية.
من المحتمل أن تكون النسبة المئوية المنخفضة لمرضى المرحلة المبكرة في هذه المراجعة خلال حقبة الفرز المسبق (2001 - 2006) بسبب تأخر التقديم، والإحالة، ونقص التحري والوعي. بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء ذوات الأعمار 40 أو أكبر، في نفس حقبة الفرز، كن قد ولدن في الستينيات وما قبلها عندما كان تعليم الفتيات محدوداً، مما أدى إلى تقليل الرعاية الذاتية والوعي الصحي.
في السنوات الأخيرة، تجاوز معدل حدوث المراحل المحلية مثيله في المراحل الإقليمية، وشهد عام 2007 - 2008 بداية تحول وهجرة المراحل (stage migration). نتج هذا التحول الكبير في التوزيع المرحلي عن تغيير إما في نظام التدريج، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة، أو تحسن في برامج التوعية بسرطان الثدي والفحص.
- برامج ومشاريع وطنية
> البرنامج الوطني للتوعية بسرطان الثدي. لقد تطور نشاط التوعية بسرطان الثدي مع تشكيل لجنة البرنامج الوطني للتوعية بسرطان الثدي في عام 2003 كمبادرة غير ربحية من قبل مؤسس جمعية «زهرة» لسرطان الثدي والتي تم تأسيسها لاحقاً في عام 2007، (J Infect Public Health، 2019). كما أسست العديد من المنظمات غير الحكومية برامج فحص الثدي في مناطق مختلفة من المملكة. ومن المثير للاهتمام أن العديد من مشاريع الفرز التجريبية في مناطق مختلفة (الرياض والدمام وجدة والقصيم) بدأت منذ عام 1997، (Ann Saudi Med، 1997).
> مشروع الكشف المبكر عن سرطان الثدي. تشير الدكتورة أبو سند إلى أنه وعندما لوحظ من أن جميع حالات المعدلات المنخفضة للكشف عن السرطان - التي تم الإبلاغ عنها، مقارنة بالدول الغربية؛ ومع أن فترات المتابعة كانت قصيرة - كانت تتراوح من 2 إلى 5 سنوات. لذا وفي عام 2012، أطلقت وزارة الصحة مشروع الكشف المبكر عن سرطان الثدي (BCED) على الصعيد الوطني لتعزيز الوقاية الأولية من خلال الوعي الإعلاني عن عوامل الخطر القابلة للتعديل المرتبطة بسرطان الثدي، والوقاية الثانوية من خلال التصوير الشعاعي للثدي للنساء المعرضات لمخاطر متوسطة وهن اللائي تزيد أعمارهن عن 40 عاماً.
> تم توفير المرافق المخصصة، بما في ذلك الوحدات المتنقلة في جميع أنحاء المملكة والمجهزة بأشعة الثدي الشعاعية، ويمكن الوصول إليها مجاناً للمواطنين. تم الاعتراف بشهر أكتوبر على المستوى الوطني باعتباره «شهر التوعية بسرطان الثدي»، مما يعكس التقويم الدولي للسرطان. ومع ذلك، يمكن الوصول إلى مرافق الفحص على مدار العام. تتوفر أيضاً مبادرات حكومية وخاصة أخرى غير ربحية للكشف المبكر عن سرطان الثدي.
وقد أدى هذا بشكل إجمالي إلى مزيد من الكشف عن المرض محليا بالتوافق مع عدد أقل من حالات المرض المتقدم محلياً، أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء اللائي يبلغن من العمر 40 عاماً أو أكثر في السنوات الأخيرة كن قد ولدن في منتصف السبعينيات، عندما كانت السعودية تخضع لتحديث وتحضر كبيرين، مما انعكس بلا شك على مستويات الوعي الاجتماعي والتعليمي والصحي للسكان.
بالإضافة إلى الحدوث الإجمالي للإصابة بسرطان الثدي، فقد أبلغ المركز السعودي للأورام (SCR) عن حدوث السرطان حسب الفئة العمرية، كانت نسبة الإصابة أعلى في الأعمار ما بين 30 - 59 سنة. وكانت هنالك زيادة حادة في حدوث سرطان الثدي (BCI) بين الفئات العمرية المستهدفة (أي الفئات العمرية المؤهلة للفحص) بعد إجراء الفحص المبكر لسرطان الثدي بالمقارنة مع المجموعات الأقل عرضة للخضوع للفحص (15 - 30) وما فوق الـ75 سنة لتأكيد التأثير المحتمل للفحص على الإصابة الكلية المتزايدة الملحوظة. ومع ذلك، فإن عدم وجود زيادة تفاضلية واضحة في حدوث الإصابة بسرطان الثدي (BCI) في الفئات العمرية المؤهلة للفحص لا يؤكد ولا يدحض تأثير الفحص على زيادة الإصابة. علاوة على ذلك، قد يكون تأثير التحري قد تم تخفيفه بسبب جمع الفئات العمرية مما أدى إلى تداخل سن القطع لبداية الفحص، كما هو موضح في الفئة العمرية 30 - 44.
- استنتاجات الدراسة
- هناك وعي صحي متقدم بشكل عام، وتقدم في السعي للحصول على الرعاية الطبية، وتحسن الوصول إلى الرعاية حتى بين الأفراد من المسنات.
- من الملاحظ أن المركز السعودي للأورام (SCR)، حتى الآن، لا يشير إلى تواتر حدوث سرطان الثدي في كل فئة عمرية، الأمر الذي كان سيسمح باستنتاج أكثر دقة إذا تم توثيقه.
- رغم أن الهدف النهائي لبرنامج فحص سرطان الثدي هو تقليل معدل الوفيات، لا يمكن المبالغة في الفوائد الأخرى مثل وصف العلاج أو التدخل الأقل سمية.
- يمكن أن تظهر ميزة التحول أو الهجرة المرحلية (stage migration) مع المزيد من الكشف الموضعي للأمراض، مع تقليل التكلفة والوقت اللازمين للعلاج لاحقاً.
- يمكن استخدام مؤشر الإصابة بسرطان الثدي (BCI)، الذي يتم الإبلاغ عنه سنوياً بواسطة المركز السعودي للأورام (SCR)، لقياس أداء الفحص. وهناك مقياس آخر هو خفض معدل الوفيات، ولكن قد يستغرق الأمر سنوات حتى يصبح واضحاً، حيث لا يتم الإبلاغ عنه بشكل متسق ولم يتم تضمينه بعد في السجل السعودي للأورام (SCR).
- يلزم إجراء تقييم دوري لكيفية عمل برنامج الفحص في ضوء النتائج الجديدة أو التغييرات في السكان لضمان بقائه ناجحاً وفعالاً من حيث التكلفة. وبالمثل، فإن التحقق من جودة وأداء البرنامج الذي تم نشره أمر بالغ الأهمية لتحقيق الهدف.
- بشكل عام، من المرجح أن يكون تحول أو هجرة المرحلة (stage migration) الملحوظة متعددة العوامل، بسبب التوسع العام لموارد الرعاية الصحية، بما في ذلك الفحص، وزيادة الوعي الصحي، وتحسين الوصول إلى الرعاية.
- السجل السعودي للأورام
في عام 1992، تم إنشاء السجل السعودي للأورام (SCR)، تحت إشراف وتمويل وزارة الصحة السعودية. وفي عام 2004، تم ربطه مع الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية. وفي عام 2014، تم نقل السجل إلى المجلس الصحي السعودي التابع لإدارة السجلات الوطنية في المركز الوطني للمعلومات الصحية. يقوم السجل السعودي للأورام بجمع المعلومات من خلال مسجلي السرطان بمراكز الأورام في القطاعات الصحية المختلفة بالمملكة، حيث يتم العمل على تسجيل جميع حالات السرطان وإدخال بياناتها باستخدام برنامج آلي معتمد، وتتم مراجعة جودة البيانات وتحليلها وإصدار التقارير السنوية في المكتب الرئيسي بالمجلس الصحي السعودي.
وقد كان للمعلومات الإحصائية التي يوفرها السجل السعودي للأورام غاية الأهمية لتطوير الخدمات الصحية والوقائية لمرضى السرطان بالمملكة العربية السعودية خلال الثلاثين سنة الماضية، كما انضمت وزارة الصحة لمقدمي الخدمات الطبية المتخصصة لمرضى السرطان بافتتاح عدد من المدن الطبية المرجعية ومراكز الأورام المتخصصة منذ عام 200، وفقاً لآخر تقارير انتشار السرطان في المملكة عام 2017 (Cancer incidence report 2017).
* استشاري طب المجتمع