اقتراب الشتاء يزيد من مخاوف النازحين شمال غربي سوريا

عائلة نازحة تدعم خيمتها بشادر من النايلون في «مخيم الفقراء» شمال إدلب (الشرق الأوسط)
عائلة نازحة تدعم خيمتها بشادر من النايلون في «مخيم الفقراء» شمال إدلب (الشرق الأوسط)
TT

اقتراب الشتاء يزيد من مخاوف النازحين شمال غربي سوريا

عائلة نازحة تدعم خيمتها بشادر من النايلون في «مخيم الفقراء» شمال إدلب (الشرق الأوسط)
عائلة نازحة تدعم خيمتها بشادر من النايلون في «مخيم الفقراء» شمال إدلب (الشرق الأوسط)

يترقب نحو مليون ونصف المليون نازح سوري يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة في مئات المخيمات العشوائية المنتشرة على سفوح الجبال ووسط الوديان القريبة من الحدود التركية وشمال إدلب، اقتراب فصل الشتاء بحذر بالغ وخوف شديد، مما سيحمله هذا الفصل من كوارث إنسانية يسببها هطول الأمطار الغزيرة وغرق الخيام وانجراف الأتربة والبرد القارس والعواصف الثلجية، في مأساة تتكرر كل عام في فصل الشتاء.
يعمل «أبو أسعد» (62 عاماً) وأبناؤه وأحفاده، وكثير من العائلات النازحة في مخيمات سرمدا شمال إدلب، منذ بضعة أيام، على تحصين وتدعيم جوانب الخيام التي يقيمون فيها بطبقة من الحجارة وفوقها كمية من التراب لتثبيتها، ومنع تسرب مياه الأمطار إلى داخلها لتفادي كارثة حلت بهم الشتاء الماضي، عندما غمرت مياه الأمطار خيامهم وحولت حياتهم على مدار 10 أيام إلى جحيم.
ويقول «أبو أسعد» الذي نزح منذ 5 سنوات، من ريف حماة الشرقي إلى مخيمات سرمدا التي تؤوي أكثر من 4 آلاف أسرة نازحة شمال إدلب، «حياتنا بشكل عام في المخيمات قاسية جداً لا سيما في فصل الشتاء لكن مع العواصف المطرية والثلجية تكون قسوتها أشد، حيث نعيش بحالة قلق دائم في خيام بالكاد تصمد أمام هذه العواصف، وكثيراً ما نتعرض خلال ذلك للغرق وتبلل الأغطية والأواني المنزلية البسيطة والأغذية المتوفرة للتلف».
أما في مخيم الحرمين على الطريق الواصلة بين مدينتي سرمدا وحارم شمال إدلب، الذي يضم حوالي 500 عائلة نازحة، فلا يختلف مشهد استعداد العائلات لفصل الشتاء فيه عن مخيمات سرمدا وأطمة شمال إدلب، إذ بدأ سكانه بتثبيت الخيام بوسائل وطرق تجعلها أكثر قدرة على مواجهة الرياح والعواصف الهوائية ومنع اقتلاعها كما حدث في الأعوام الماضية.
ويقول محمد الشيخ (55 عاماً) أحد قاطني المخيم، وهو نازح من ريف إدلب الجنوبي، إن «موقع المخيم على مرتفع جبلي بالقرب من الحدود السورية التركية، يجعله عرضة للرياح ونتائجها الكارثية على قاطنيه أكثر من مخيمات أخرى، فربما تتحمل العائلات مياه الأمطار المتدفقة والسيول لبعض الوقت، ولكن في مخيمات جبال حارم تكون المأساة والكارثة أشد وقعاً على النازحين عندما تهب رياح شديدة وتقتلع الخيام وتصبح العائلات بلمح البصر في العراء ويعلو خلال ذلك صراخ الأطفال وطلب النجدة من الآخرين، وهذا تكرر مرات ومرات خلال السنوات الماضية، ونأمل أن لا تتكرر تلك المأساة مجدداً».
وعن الحلول الممكنة لتفادي الكوارث الإنسانية جراء الأمطار والثلوج خلال فصل الشتاء في مخيمات النازحين، قال محمد السيد وهو مدير «مخيم البركة» الذي يؤوي نحو 1000 أسرة نازحة في منطقة دير حسان الحدودية شمال إدلب، بأنه «لا يمكن تفادي الكوارث الإنسانية التي تلحق الضرر بالنازحين جراء العواصف المطرية والثلجية خلال فصل الشتاء إلا بنقلهم من المخيمات العشوائية إلى تجمعات سكنية مجهزة بقنوات صرف صحي وضمن أماكن مرتفعة، طالما لم يتضح إلى الآن الحل السياسي في أفق الأزمة السورية، الذي يضمن عودة النازحين إلى ديارهم دون أن يحكمهم نظام الأسد، فالأمطار الغزيرة تحول المخيمات في الأماكن المنخفضة، إلى مستنقعات قد يستغرق بقاء المياه فيها أشهراً عدة، وقد تصبح بيئة آمنة لتكاثر الحشرات الضارة المسببة للأمراض، فضلاً عن انهدام الخيام فوق رؤوس ساكنيها أثناء العواصف الثلجية».
من جانبه قال «فريق منسقي استجابة سوريا» المتخصص برصد الحالة الإنسانية للنازحين، بأنه «تواجه آلاف الأسر السورية في المنطقة بدايات فصل الشتاء وسط الفقر والعوز، وتوقعات بتدني درجات الحرارة بشكل كبير خلال الفترة القادمة، حيث تعيش الكثير من الأسر النازحة في الخيام والمباني غير المكتملة والمجهزة، وهي عاجزة عن توفير أبسط سبل الدفء».
ويضيف، أن «مئات الآلاف من المدنيين يستقبلون الشتاء ضمن المخيمات بعد أن أجبروا على الفرار من العمليات العسكرية في شمال غربي سوريا، وتعاني المخيمات الحالية للنازحين داخلياً من الاكتظاظ فيما بات من المحدود إيجاد المأوى في المنازل القائمة... وحتى العثور على مكان في مبنى غير مكتمل، بات من الأمور شبه المستحيلة، حيث ازدادت أعداد المخيمات في مناطق شمال غربي سوريا بشكل ملحوظ خلال الفترة السابقة لتصل أعدادها إلى 1633 مخيم يقطنها 1811578 نسمة من بينها 514 مخيما عشوائيا يقطنها 311782 نسمة».


مقالات ذات صلة

تحذير من «فيضانات» بعد أمطار غزيرة ضربت غرب ليبيا

شمال افريقيا متطوعو الهلال الأحمر الليبي يحاولون إبعاد سيارة عالقة بالمياه في مدينة الزاوية (الهلال الأحمر)

تحذير من «فيضانات» بعد أمطار غزيرة ضربت غرب ليبيا

أغرقت مياه الأمطار شوارع عديدة في غرب ليبيا، كما طوقت محيط مستشفى ترهونة التعليمي، وعزلت عديد المنازل، وسط جريان أودية وتحذير من «فيضانات محدودة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تكنولوجيا أعلنت «غوغل» الأميركية ابتكار أداة ذكاء اصطناعي «جين كاست» قادرة على توفير توقعات متعلقة بالطقس على مدى 15 يوماً بدقة غير مسبوقة (متداولة)

«غوغل» تبتكر وسيلة ذكاء اصطناعي توفر توقعات جوية بدقة غير مسبوقة

أعلنت شركة غوغل الأميركية، اليوم الأربعاء، ابتكار أداة ذكاء اصطناعي قادرة على توفير توقعات متعلقة بالطقس على مدى 15 يوماً بدقة غير مسبوقة.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
بيئة رجل يركب دراجة هوائية في شارع غمرته المياه جنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

إسبانيا تقرّ «إجازة مدفوعة لأسباب مناخية» في الظروف السيئة

أقرت الحكومة الإسبانية اليوم (الخميس) «إجازة مدفوعة لأسباب مناخية» لأربعة أيام لتجنب تنقل الموظفين في حال وجود تحذير بسبب سوء الأحوال الجوية.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق الأجواء الباردة شجعت السكان على التوجه إلى البراري ومناطق التخييم (واس)

موجة باردة مفاجئة تعيد حياة سكان الرياض إلى الأجواء الشتوية

شهدت العاصمة السعودية الرياض، ومعظم المناطق الوسطى من البلاد، تغييراً مفاجئاً في طقسها.

بدر الخريف (الرياض)
الولايات المتحدة​ طواقم تعمل على إزالة شجرة أسقطتها عاصفة قوية ضربت منطقة شمال غربي المحيط الهادئ بالولايات المتحدة (رويترز)

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

ضربت عاصفة قوية ولاية واشنطن الأميركية، اليوم (الأربعاء)، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مئات الآلاف وتعطل حركة السير على الطرق ومقتل شخصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.