«مذكرة الطاقة» تفجر جدلاً سياسياً حول اتساع الدور التركي في ليبيا

(تقرير إخباري)

الدبيبة يتوسط وزيرة خارجيته نجلاء النقوش ونظيرها التركي مولود جاويش أوغلو (الوحدة)
الدبيبة يتوسط وزيرة خارجيته نجلاء النقوش ونظيرها التركي مولود جاويش أوغلو (الوحدة)
TT

«مذكرة الطاقة» تفجر جدلاً سياسياً حول اتساع الدور التركي في ليبيا

الدبيبة يتوسط وزيرة خارجيته نجلاء النقوش ونظيرها التركي مولود جاويش أوغلو (الوحدة)
الدبيبة يتوسط وزيرة خارجيته نجلاء النقوش ونظيرها التركي مولود جاويش أوغلو (الوحدة)

يحتدم في ليبيا جدل قانوني وسياسي كبيران بخصوص مذكرة التفاهم الموقعة مؤخراً مع تركيا حول الطاقة، بين مدافعين يرون أنها تصب في صالح البلاد، ومعارضين يحذرون من أن تتسبب في جر ليبيا لصراع وحرب أهلية، فيما يركز بعض السياسيين والمتابعين للشأن الليبي على رصد وتحليل تداعيات خطوة هذا الاتفاق، ومدى تكريسه للحضور التركي في الساحة الليبية.
واعتبرت شخصيات سياسية عديدة أن توقيع هذه المذكرات «يعزز من وضعية تركيا بوصفها اللاعب الرئيسي المتحكم في المشهد الليبي»، وهو ما ذهب إليه عضو «المؤتمر الوطني السابق»، عبد المنعم اليسير، الذي قال إن أنقرة «باتت تملك القرار بوصول وسيطرة أي حكومة على العاصمة طرابلس، وللأسف فقد ساهم طرق أغلب القوى السياسية أبواب أنقرة في تعميق هذا الواقع».
وأضاف اليسير لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا ستعمل على الإبقاء على الوضع الراهن بهدف مضاعفة مكاسبها، من خلال تقوية الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الدبيبة، أو توظيف عملائها داخل ليبيا، والضغط باتجاه إجراء انتخابات تشريعية فقط ليتمكن تيار الإسلام السياسي الموالي لها وللدبيبة من السيطرة على نتائجها».
وتخوف اليسير من لجوء أنقرة لما سماه «السيناريو الأسوأ»، أي الإطاحة بالبرلمان عبر الطعن في شرعيته أمام الدائرة الدستورية، وإعادة (المؤتمر الوطني)، وهو ما سيمكنها من إقرار أي مذكرات تفاهم بين البلدين»، مشيراً إلى أن «انشغال الروس بأوكرانيا، واكتفاء الولايات المتحدة بمقعد المتفرج، قد يسهم فعلياً في عدم عرقلة مثل هذه المخططات».
غير أن المحلل السياسي الليبي، صلاح البكوش، أكد في المقابل «استمرار وجود المملكة المتحدة والولايات المتحدة كأطراف فاعلة سياسياً في الساحة الليبية، وربما بدرجة أكبر من تركيا».
من جهته، ورغم إقراره بتزايد الدور التركي بسبب استغلالها عدم وجود جسم تشريعي جديد، أو رئيس منتخب للتفاوض معه حول الاتفاقيات الهامة، رجح عضو «ملتقى الحوار السياسي الليبي»، أحمد الشركسي، «حدوث ارتدادات عكسية لهذه الخطوة، قد تصل حد اقتلاع الوجود التركي من الأراضي الليبية». وقال الشركسي لـ«الشرق الأوسط» إن المناطق المستهدفة بالمذكرة للتنقيب والإنتاج تقع في الشرق الليبي، أي تحت سيطرة (الجيش الوطني) الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، «مما قد ينبئ باندلاع مواجهة مسلحة إذا ما باشر الأتراك أي خطوة لتفعيل المذكرة». مضيفاً أنه «إذا انضمت أطراف دولية متضررة من تلك المذكرة لهذا الصراع كاليونان، وتضامن معها الاتحاد الأوروبي، فهذا سيشجع قطاعات ليبية واسعة على محاولة طرد القوات التركية من الأراضي الليبية، خاصة أن الجميع يعلم أن أنقرة تحاول الآن توظيف البلاد في صراعاتها الخاصة، ووضعها بفوهة صراع إقليمي ودولي قد يبدد مقدراتها ويمتد لأراضيها».
أما رئيس مؤسسة «سلفيوم» للدراسات والأبحاث الليبي، جمال شلوف، فلم يستبعد في تحليله لما صاحب توقيع المذكرة من تحشيد عسكري تركي فوق الأراضي الليبية، ارتباط «عملية إنزال الدفعة الجديدة من المرتزقة السوريين، التي كشف عنها المرصد السوري لحقوق الإنسان في مصراتة بوجود محاولة تركية للوجود في مناطق قريبة من الهلال النفطي الخاضع لسيطرة الجيش الوطني».
وقال شلوف لـ«الشرق الأوسط» إن «وجود الأتراك ونفوذهم يكاد يكون منحصراً في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الدبيبة فقط»، معتبراً أن «الرهان الحقيقي لمواجهة مساعي تركيا الراهنة بعموم البلاد لا يعتمد فقط على مواقف الليبيين وحدهم، بل أيضاً على المواقف الدولية، وتحديداً دور الاتحاد الأوروبي، خاصة أن الجميع يعلم أن تركيا توظف الورقة الليبية في صراعها مع اليونان، وتهدف لنزع أي دعم أوروبي للأخيرة».
وأضاف شلوف موضحاً: «هناك اليوم تنافس بين شركات الطاقة الأوروبية العاملة في ليبيا، أدى لعدم توحد مواقف الدول الأوروبية من تطورات الأوضاع في ليبيا خلال السنوات الماضية، وهو ما راهنت عليه تركيا لتوسيع وجودها، ونجحت فعلاً في استثماره لصالحها».
أما رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للفكر والدراسات، أحمد عليبة، فذهب إلى أن الأتراك وضعوا أعينهم على حصة النفط والغاز، كونها الأهم، خاصة مع تزايد الطلب على الطاقة، وقال إن «أنقرة ترغب في أن تكون مقاول النفط والغاز الجديد بالمنطقة، وترى أن ليبيا قد تكون طريقها لذلك، وهناك أحاديث حول مساعيها لتمرير أنبوب لنقل الغاز النيجيري عبر ليبيا إلى شرق المتوسط وأوروبا تحت إشرافها». ورأى عليبة أن توقيع المذكرة «أدى لتكتل خصوم تركيا في عموم البلاد، فالمجلس الرئاسي أعلن معارضته لها بدعوى عدم التشاور معه حولها، كما رفضها عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، فيما سارع البرلمان بمخاطبة الأمم المتحدة للتأكيد على انتهاء ولاية حكومة الدبيبة، ولتسليط الضوء على مخالفتها لبنود الاتفاق السياسي، الذي جاء بها للسلطة برعاية المنظمة الأممية».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
TT

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

تبرَّأت «مفوضية العون الإنساني» التابعة للحكومة السودانية، من بيع المواد الإغاثية في الأسواق، مؤكدةً أنه «لا يوجد تسريب للمساعدات الإنسانية (من جهتها)، وأن تصرفات بعض المواطنين لا يمكن أن تُحسب عليها»

وتفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في الأسواق خلال الفترة الماضية، وأفاد سودانيون بأنهم شاهدوا في عدد من الولايات مواد غذائية مخصصة للمساعدات معروضة للبيع في الأسواق العامة، دون رقابة من السلطات.

لكنَّ مفوضة العون الإنساني، سلوى آدم بنيه، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «بيع مواطن لحصته من الإغاثة في السوق ليست مسؤوليتنا»، مشيرةً إلى أن «بعض المتلقين للمساعدات يضطرون إلى بيعها لشراء معونات أخرى يحتاجون إليها مثل دقيق حبوب الذرة والدخن».

وتَسبب الصراع الدائر بين الجيش و«قوات الدعم السريع» الذي تعدّه الأمم المتحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، في مقتل ما بين 20 ألفاً و150 ألف شخص، بالإضافة إلى إجبار نحو 11 مليون شخص على النزوح.

لجنة للمراجعة

وكشفت المسؤولة الحكومية عن «تشكيل لجنة مكونة من ممثلي عدد من المؤسسات ذات الصلة لمراجعة مخازن تابعة لبعض المنظمات لمعرفة ما يوجد بها من مواد إغاثة، ولماذا لم يتم توزيعها؟».

وأكدت أن «اللجنة ستقف على تنفيذ المشاريع الخاصة بالمنظمات، وسترفع تقريرها إلى المفوضية في غضون أسبوعين لاتخاذ الإجراءات تجاهها».

وقالت الأمم المتحدة، الاثنين، إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهراً من الحرب المدمرة.

جانب من مساعدات الإغاثة في السودان (الأمم المتحدة)

ووجهت الأمم المتحدة نداءً لجمع 4.2 مليار دولار لتوفير المساعدات لـ20.9 مليون شخص داخل السودان من إجمالي 30.4 مليون شخص قالت إنهم في حاجة إلى المساعدة فيما سمتها «أزمة إنسانية غير مسبوقة».

وفي سبتمبر (أيلول ) 2023 أصدر مجلس الوزراء قراراً بإقالة مفوض العون الإنساني، نجم الدين موسي، وكان ذلك بعد نشر تقارير إعلامية أشارت إلى «فساد كبير» في ملف الإغاثة.

وتفيد وسائل إعلام محلية سودانية برصد بيع مواد غذائية «بكميات كبيرة» في أسواق ولاية بورتسودان التي تعد العاصمة المؤقتة للبلاد، في حين يشكو ملايين النازحين في مراكز الإيواء بعدد من الولايات من نقص المساعدات.

ورغم وصول آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب في السودان أبريل (نيسان) 2023، فإن مئات الآلاف من النازحين في مراكز الإيواء بالولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني لم يتلقوا المعونات، ويعتمدون على توفير معاشهم من إمكانات ذاتية.

تسريب مُسبق

وقال ناشطون ومتطوعون في مجال العمل الإنساني لـ«الشرق الأوسط» إن «تسريب المساعدات الإنسانية قد يحدث مسبقاً قبل وصولها إلى مراكز الإيواء».

وشرح بعضهم أن «المواد الغذائية لا تصل إلى كل المحتاجين إليها بسبب تسريبها إلى الأسواق»، ورجحوا «تورط مسؤولين» في عملية التسريب تلك، من دون أن يحددوا أسماء.

لكن الناشطين أنفسهم أكدوا كذلك أن «بعض المواطنين يبيعون الفائض عن حاجتهم من المواد الغذائية في الأسواق»، وأفادوا بأنهم رصدوا «بعض تلك المواد في منازل لمواطنين».

لاجئون سودانيون فروا من العنف يتلقون المساعدات بالقرب من الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

وقال نشطاء آخرون في مدينة حلفا الجديدة شرق السودان، أنهم سألوا بعض أصحاب المحال التجارية عن مصدر البضائع (المصنَّفة مساعدات) التي تحصلوا عليها، لكنهم رفضوا الإفصاح عنها.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي وصلت أولى المساعدات الإنسانية إلى جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، للمرة الأولى بعد 21 شهراً من اندلاع الحرب في البلاد بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

وفي حين ترفض الحكومة السودانية الإقرار بحدوث مجاعة في البلاد، يشير أحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، إلى أن 24 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

ومنذ بداية الحرب، توجَّه اتهامات إلى طرفي الحرب بتعطيل المساعدات الإنسانية كجزء من استخدام «سلاح التجويع».