بيروت تتذكر خروج عرفات قبل 40 عاماً

جنبلاط لـ«الشرق الأوسط»: رحل لأنه كان على أرض ليست أرضه

عرفات وإلى جانبه وليد جنبلاط ونبيه بري قبل مغادرة الزعيم الفلسطيني بيروت المحاصرة في 30 أغسطس (آب) 1982 (غيتي)
عرفات وإلى جانبه وليد جنبلاط ونبيه بري قبل مغادرة الزعيم الفلسطيني بيروت المحاصرة في 30 أغسطس (آب) 1982 (غيتي)
TT

بيروت تتذكر خروج عرفات قبل 40 عاماً

عرفات وإلى جانبه وليد جنبلاط ونبيه بري قبل مغادرة الزعيم الفلسطيني بيروت المحاصرة في 30 أغسطس (آب) 1982 (غيتي)
عرفات وإلى جانبه وليد جنبلاط ونبيه بري قبل مغادرة الزعيم الفلسطيني بيروت المحاصرة في 30 أغسطس (آب) 1982 (غيتي)

في مثل هذا اليوم قبل 40 عاماً، ترك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بيروت المحاصرة من الإسرائيليين، إلى تونس محطته الأولى، في رحلة العودة إلى وطن أصغر مما يحلم، معلناً نهاية حقبة كان اللاعب الفلسطيني فيها أساسياً وجزءاً من صراعين؛ إقليمي مع إسرائيل، ومحلي مع اليمين اللبناني.
ترك رحيل عرفات فراغاً في دائرة القرار اللبناني، ملأته قيادة جديدة كان أبرزها رئيس حركة «أمل» نبيه بري، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، فيما كانت المفارقة في دخول إيران إلى الساحة اللبنانية عبر تأسيس «حزب الله» الذي بات عنوان المرحلة لوراثته كوادر من «فتح»، ثم وراثته الدور السوري بعد عام 2011.
يتذكر وليد جنبلاط، في حديث مع «الشرق الأوسط»، اليوم الذي وقف فيه مع بري وقيادات لبنانية أخرى في وداع منظمة التحرير الفلسطينية قبل مغادرتها بيروت المحاصرة عام 1982، واصفاً ذلك اليوم بأنه «كان نهاية مرحلة القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي حاربته أنظمة عربية وإسرائيل». ويقول: «المشكلة في الثورة الفلسطينية أنها كانت ثورة على غير أرضها». ويتابع: «لاحقاً عاد عرفات إلى فلسطين، لكنه عاد من خلال اتفاق أوسلو الذي لم يحدد المفاصل النهائية للاستيطان وللقدس، فقد تُرك الموضوعان مبهمين، وأتت الإدارة الأميركية لاحقاً واستفادت من هذه الثغرات، فكان التفاوض من أجل التفاوض، وأحد أبطاله كان السيد مارتن انديك الذي أتحفنا لاحقاً بكتاب جديد عن براعة (وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري) كيسنجر».
من الناحية «العاطفية النضالية»، يقول جنبلاط: «كانت أجمل أيام عشناها في النضال المشترك اللبناني - الفلسطيني أيام حصار بيروت التي لم تسقط عسكرياً، لكنها سقطت لاحقاً سياسياً». ويتذكر «معركة (معبر) المتحف التي كانت مفصلية، بدأ حينها القصف الإسرائيلي في منتصف الليل وتوقف في الخامسة من مساء اليوم التالي. بعدها كانت أول زيارة قمت بها إلى السفير السوفياتي آنذاك ألكسندر سولداتوف في مقر السفارة. أذكر أنه استقبلني عند المدخل، وحذرني من الاقتراب من القنابل العنقودية التي كانت منتشرة في حديقة السفارة. السفارة لم يكن فيها ملجأ محمي، فكان السفير وزوجته يحتميان في المبنى خلال القصف بأقل حماية ممكنة. أذكر حينها أنني مشيت في شوارع بيروت ورأيت الأهالي يلملمون آثار القصف، ويتوجه أحدهم للآخر بكلمة: الحمدلله ع السلامة».
عرفات يصعد إلى متن السفينة التي غادر بواسطتها بيروت متجهاً إلى منفاه التونسي عام 1982 (غيتي)
يرى جنبلاط أن «ظروف عرفات جعلته ينسحب لأنه كان على أرض ليست أرضه، وقبل بأوسلو لأنه كان بين سندان الأنظمة والمطرقة الإسرائيلية». ويضيف: «لاحقاً في بيروت انطلقت المقاومة، من منزل كمال جنبلاط في مار إلياس، وكانت عملية تلو الأخرى للمقاومة الوطنية اللبنانية من بيروت إلى الجبل وصيدا وكل أرض لبنانية محتلة».
في الملف الداخلي، يرى جنبلاط أنه «كانت هناك أخطاء في الحسابات... الاجتياح الإسرائيلي كان يجب أن يتوقف عند البعض عند خط نهر الأولي قرب صيدا، فيما كانت حسابات اليمين اللبناني ووزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون مختلفة، وأدت إلى غزو الجبل وبيروت ما أدى إلى نتائج كارثية على العيش المشترك (المسيحي الإسلامي) والوحدة الوطنية».
* درباس: السنة ذاقوا مرارة العروبة
في المقابل، يقول الوزير السابق نقيب محامي الشمال رشيد درباس، لـ«الشرق الأوسط»، إن «من الصعب القول إن لبنان تعلم مما حصل في ذلك الوقت، والمشكلة أن الطوائف تتعلم كلاً على حدة منذ إنشاء لبنان الكبير وجعله دولة كاملة الأوصاف، وحتى اليوم... لذلك استغرقت هذه التجارب مائة عام». ويوضح: «في المرحلة الأولى جاء المركز الذي تمثله الطائفة المسيحية، وأهمل المدى الحيوي ما شجع الطوائف الأخرى على البحث عن ملجأ آخر وصولاً إلى المفصل الأساسي في ما يعرف بهزيمة 1967 التي شكلت صدمة للعرب، فكان أن بحث المسلمون عن وسائل وجهات أخرى بديلة وترسخ في ذهننا أنه ليس هناك من حل إلا عبر حرب التحرير، وكانت حينها المقاومة الفلسطينية، وسرنا بعيداً وراء أوهامنا ظناً منا أنها ستقوم بردم الفجوة التي سببتها الهزيمة، إلى أن اكتشفنا في النهاية أن هذه المقاومة أصبحت نظاماً كغيرها ووصلنا إلى تحميل لبنان، عبر الحركة الوطنية اللبنانية، أكثر مما يحتمل، وذاق السنة مرارة العروبة بالعلاقة مع المقاومة الفلسطينية وسوريا، واكتشفوا أنه ليس لهم إلا الدولة اللبنانية».
عرفات قرب مقره بمحلة الفاكهاني في بيروت خلال حصار الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية في 30 يوليو (تموز) 1982 (غيتي)
ويضيف درباس: «في ذلك الحين بعدما كانت فرنسا، الأم الحنون، مرجعية المسيحيين، عادوا ولجأوا إلى أخ حنون هو إسرائيل، واكتشفوا بدورهم آنذاك أنها مغامرة فاشلة وليس لهم إلا الدولة اللبنانية»، مشيراً إلى أنه «يبدو أننا اليوم في مرحلة التجربة الشيعية».
وفي حين يعبر درباس عن اقتناعه بأن كل الطوائف ستعود إلى رشدها، يقول «الخطورة تبقى في هذه المرحلة هو أن ما تبقى من الدولة قد لا يتحمل تداعيات هذا الأمر، وقد نخسرها بين أيدينا نتيجة فشل التجربة الشيعية - الإيرانية».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

«مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان. وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم. وأعلنت وزارة

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية. ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما. وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.

كفاح زبون (رام الله)

أوروبا تتطلع للتواصل مع السلطات الجديدة في سوريا وتسيّر جسراً جوياً إنسانياً

صبي يحمل علم الثوة السوري ويلتقط صورة مع مقاتل من المعارضة خلال مظاهرة احتفالية بسقوط بشار الأسد في دمشق (أ.ب)
صبي يحمل علم الثوة السوري ويلتقط صورة مع مقاتل من المعارضة خلال مظاهرة احتفالية بسقوط بشار الأسد في دمشق (أ.ب)
TT

أوروبا تتطلع للتواصل مع السلطات الجديدة في سوريا وتسيّر جسراً جوياً إنسانياً

صبي يحمل علم الثوة السوري ويلتقط صورة مع مقاتل من المعارضة خلال مظاهرة احتفالية بسقوط بشار الأسد في دمشق (أ.ب)
صبي يحمل علم الثوة السوري ويلتقط صورة مع مقاتل من المعارضة خلال مظاهرة احتفالية بسقوط بشار الأسد في دمشق (أ.ب)

أعلن مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي، اليوم الجمعة، أنّ التكتّل يتطلّع لأن يجري «قريباً» اتصالات دبلوماسية مع السلطات الجديدة في سوريا، التي تقودها «هيئة تحرير الشام».

وقال المسؤول، طالباً عدم نشر اسمه، إنّ «ما نفكّر فيه الآن هو إجراء اتصالات، ونقل رسائل حول ما ننتظره» من السلطات الجديدة في سوريا، مشيراً إلى أنّ التواصل بين الطرفين سيكون «على مستوى (لجنة) عمل»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وأعلنت المفوضية الأوروبية، الجمعة، إقامة جسر جوي إنساني إلى سوريا عبر تركيا المجاورة، في أول مساعدة أوروبية مماثلة منذ سقوط بشار الأسد.

وجاء في بيان صادر عن المفوضية أن «رحلات المساعدة المموّلة من الاتحاد الأوروبي ستوفّر في المجموع نحو 50 طنّاً من الإمدادات الطبية المتأتية من مخازن الاتحاد الأوروبي في دبي، ستنقل إلى أضنة في تركيا لتوزيعها عبر الحدود في الأيام المقبلة».

وستنقل معونة إضافية زنتها 46 طنّاً بواسطة شاحنات من الدنمارك إلى أضنة قبل أن توزّع في سوريا، حسب البيان.

ومن المرتقب أيضاً أن تفرج المفوضية الأوروبية عن أربعة ملايين يورو لرفع مساعدتها الإنسانية في سوريا إلى 163 مليون يورو (حوالي 170 مليون دولار) هذه السنة.

ومن شأن هذا المبلغ الجديد أن يغطّي تكاليف حصص الرعاية الطارئة والإمدادات الطبية الأساسية ومستلزمات الملاجئ الطارئة واللوازم الطبية، فضلاً عن تيسير توزيع الحصص الغذائية في شمال سوريا.

وأشارت المفوضة الأوروبية المعنية بالمساعدة الإنسانية الطارئة حاجة لحبيب عبر حسابها على «إكس» إلى أنها تتابع «من كثب تطوّر الوضع في سوريا» وهي «على اتصال مع الشركاء في المنطقة».

ومنذ بدء هجوم المعارضة في سوريا في السابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني)، نزح حوالي 1.1 مليون شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: «تكتسي المساعدة التي نقدّمها إلى الشعب السوري أهمية متزايدة في ظلّ الوضع المتقلّب».

وفي أعقاب هجوم استمرّ 11 يوماً، استولت المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» على السلطة في دمشق، منهية بذلك حكم آل الأسد الذي استمر أكثر من نصف قرن.