هزيمة ليز تشيني في الانتخابات التمهيدية تثبت قدرة ترمب على حشد الجمهوريين

الرئيس السابق ينتقم من أعضاء حزبه الذين أيدوا عزله في تحقيقات «أحداث 6 يناير»

ليز تشيني تتحدث لأنصارها خلال الليلة الانتخابية أول من أمس (أ.ف.ب)
ليز تشيني تتحدث لأنصارها خلال الليلة الانتخابية أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

هزيمة ليز تشيني في الانتخابات التمهيدية تثبت قدرة ترمب على حشد الجمهوريين

ليز تشيني تتحدث لأنصارها خلال الليلة الانتخابية أول من أمس (أ.ف.ب)
ليز تشيني تتحدث لأنصارها خلال الليلة الانتخابية أول من أمس (أ.ف.ب)

شهدت جولة من الانتخابات التمهيدية لعدد من أعضاء الحزب الجمهوري لعبة سياسية واسعة، أظهرت قدرة الرئيس السابق دونالد ترمب على حشد الناخبين لمساعدة مرشح وإسقاط آخر. وظهر ذلك واضحاً في هزيمة تاريخية كبيرة للنائبة الجمهورية ليز تشيني في ولاية وايومنغ أمام منافستها هارييت هاجمان التي حظيت بتأييد ترمب ودعمه، ما بدا جلياً أنه انتصار كبير للرئيس السابق في حملته للإطاحة بالجمهوريين الذين أيدوا عزله، بعد أن اقتحم حشد من أنصاره مبنى «الكابيتول» العام الماضي.
وحصلت تشيني مساء الثلاثاء على 28.9 في المائة فقط من أصوات الناخبين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية في ولاية وايومنغ، مقابل 66.3 في المائة لمنافستها هارييت هاجمان. ولم يكن للغة المال كثير من التأثير في تصويت الناخبين في ولاية وايومنغ؛ حيث كان لدى تشيني ميزة في جمع الأموال عن هاجمان، وجمعت 15 مليون دولار مقارنة بمبلغ 4.1 مليون دولار جمعتها هاجمان.
وأعلنت تشيني في خطاب التنازل أنها لا ترغب في «مواكبة كذبة الرئيس ترمب بشأن انتخابات 2020» للفوز بالانتخابات التمهيدية. وقالت لمؤيديها: «كان سيتطلب الأمر مني مساندة جهوده المستمرة لتفكيك نظامنا الديمقراطي ومهاجمة أسس جمهوريتنا. كان هذا مساراً لا يمكنني أن أسلكه ولن أسلكه». وأضافت: «لا يوجد مقعد في مجلس النواب، ولا يوجد مكتب في هذه الأرض، أكثر أهمية من المبادئ التي أقسمنا على حمايتها، وقد فهمت العواقب السياسية المحتملة للالتزام بواجبي».
في خطابها، كررت تشيني تعهداتها بمنع ترمب من الاقتراب من البيت الأبيض مرة أخرى، وفتحت الباب أمام توقعات المحللين بأنها قد ترشح نفسها في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بعد أن قارنت نفسها مع الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن.
وقالت تشيني في خطابها: «العمل الحقيقي يبدأ الآن»، مشيرة إلى أن «البطل العظيم في حزبنا أبراهام لينكولن هُزم في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، قبل أن يفوز بأهم انتخابات على الإطلاق».
وقد لعبت تشيني دوراً كبيراً في لجنة تحقيقات أحداث 6 يناير (كانون الثاني)، واعتداء أنصار ترمب على مبنى «الكابيتول». وفازت بمقعدها قبل عامين بنسبة تتجاوز 70 في المائة في الولاية نفسها التي سحب سكانها من تشيني هذا المقعد مساء الثلاثاء. وفي عدة دوائر سياسية وحزبية، كان ينظر إلى ليز تشيني على أنها نجمة جمهورية صاعدة يمكن أن تحتل منصب رئيسة مجلس النواب؛ لكن بعد أن أصبحت أشد المنتقدين لترمب تحوّل عنها الجمهوريون.
وقد اتخذت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إجراءات ضد كل من ليز تشيني والنائب آدم كينزينغر من إيلينوي، اللذين صوّتا لعزل ترمب. وأدت كراهية ترمب لتشيني إلى سحب القيادة الجمهورية في مجلس النواب منها لصالح أعضاء آخرين. وساعد زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفين مكارثي، في قيادة الجهود لعزل تشيني من دورها في قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب.
وقد وضع ترمب هدف إنهاء تاريخ تشيني في الكونغرس أولوية، في حملته للانتقام من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين العشرة الذين دعموا إجراءات عزله عام 2021.
وكانت هزيمة تشيني محط أنظار عديد من المتابعين والمحللين والخبراء، والتي كشفت درجة سيطرة ترمب على حاضر الحزب الجمهوري ومستقبله. فمن بين عشرة جمهوريين في مجلس النواب صوتوا لإقالة ترمب وعزله عام 2021 لدوره في التحريض على اقتحام منى «الكابيتول»، نجا اثنان فقط منهم في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في 2022، بينما أعلن أربعة منهم تقاعدهم، وخسر الأربعة الآخرون، من أبرزهم تشيني ابنة نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني، صاحب النفوذ الواسع داخل الحزب الجمهوري. وهو ما يكشف قبضة ترمب على الحزب الجمهوري، وقدرته على التأثير على الناخبين الجمهوريين.
الفائزة بالمنصب هي هارييت هاجمان، محامية من سكان ولاية وايومنغ منذ فترة طويلة. وأدلت هاجمان بتصريحات في الماضي ضد ترمب، ودعمت السيناتور تيد كروز لمنصب الرئيس في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عام 2016؛ لكن تعليقاتها لم تمنعها من الحصول على تأييد ترمب في سبتمبر (أيلول) 2021.
ووصف ترمب هزيمة تشيني بأنها استفتاء من الناخبين ضدها وضد تصريحاتها وأفعالها المناهضة لترمب وأنصاره. وقال في سلسلة من التغريدات عبر حسابه على موقع «سوشيال تروث»: «أهنئ هاجمان على فوزها الكبير في وايومنغ، وهذه نتيجة رائعة لأميركا، وتوبيخ للجنة غير المنتخبة من المأجورين السياسيين والبلطجية». وأضاف: «ليز تشيني يجب أن تخجل من نفسها والطريقة التي تتصرف بها، والآن يمكنها أن تختفي في أعماق النسيان».
ووصف ترمب خطاب تشيني بأنه «غير ملهم»، وهاجمها لعدم تصديقها بأن انتخابات الرئاسة لعام 2020 قد سُرقت منه. وقال: «خطاب تشيني أمام حشد صغير في وايومنغ غير ملهم، وركزت على اعتقادها بأن الانتخابات في 2020 لم تُسرق على الرغم من الأدلة الهائلة والقاطعة». وأضاف: «ليز تشيني شخص أحمق وقع في أيدي أولئك الذين يريدون تدمير بلادنا».
- معركة ألاسكا
ومن بين الجمهوريين الذين وقفوا ضد ترمب وأيدوا عزله، السيناتورة ليزا موركوفسكي، وهي الشخصية الوحيدة في مجلس الشيوخ التي صوّتت لإدانة ترمب خلال محاكمة عزله الثاني. وانتقد الجمهوريون في ألاسكا موركوفسكي وأعلنوا أنها لا ينبغي أن تواصل سباق إعادة انتخابها. لكنها تجاهلت هذه الدعاوى وخاضت المعركة.
وتواجه موركوفسكي أيضاً معركة شرسة في الانتخابات التمهيدية في ولاية ألاسكا المزدحمة بكثير من المرشحين؛ حيث يوجد 19 مرشحاً في هذه الانتخابات التمهيدية المفتوحة. ومن المفترض أن يتنافس الفائزون الأربعة الأوائل في الانتخابات المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقد ألقى ترمب بثقله ونفوذه وراء المرشحة كيلي تشيباكا التي تتنافس وموركوفسكي. لكن يبدو أن الأخيرة تتمتع بكثير من الدعم والسجل المشرف على مدى عملها سيناتورة في مقعد ألاسكا في مجلس الشيوخ منذ عام 2002؛ خلفاً لوالدها فرانك موركوفسكي الذي شغل هذا المنصب منذ عام 1981. وخلال عملها، كان لموركوفسكي كثير من المواقف الليبرالية بشأن الأسلحة والبنية التحتية وتأييد حقوق الإجهاض.
ووفقاً للتقييمات، تتقدم موركوفسكي على تشيباكا بنسبة 42.7 في المائة من الأصوات مقابل 41.4 في المائة. وربما تخسر موركوفسكي أمام تشيباكا التي يؤيدها ترمب، كما حدث مع ليز تشيني. لكن المحللين يقولون إن ولاية ألاسكا مختلفة عن وايومنغ؛ حيث تؤيد غالبية الناخبين في وايومنغ الرئيس ترمب بنسبة تزيد على 70 في المائة، بينما تقل قليلاً في ولاية ألاسكا.
لكن تتمتع كل من ولايتي وايومنغ وألاسكا بكونهما ولايات حمراء جمهورية موثوق بتصويتهما لصالح المرشحين الجمهوريين، ما يجعل من غير المرجح أن تؤثر النتائج على ما إذا كان الديمقراطيون سيفقدون أغلبيتهم الضئيلة في الكونغرس.
وبالتالي، من المتوقع أن يستعيد الجمهوريون مجلس النواب، ولديهم أيضاً فرصة للفوز بالسيطرة على مجلس الشيوخ. ومن المتوقع أن يقوم الزعماء الجمهوريون بحل لجنة تحقيق 6 يناير، إذا فازوا بالسيطرة على مجلس النواب في نوفمبر المقبل.
- عودة سارة بالين
وفي منافسة على المقعد الوحيد لولاية ألاسكا في مجلس النواب، عادت الحاكمة السابقة سارة بالين (التي اختارها المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين عام 2008 لتكون نائبته) إلى الأضواء مرة أخرى، بعد خوضها السباق إلى جانب 3 مرشحين آخرين في الانتخابات التمهيدية. وقد أطلقت بالين حملتها في أبريل (نيسان) الماضي، وتبنت نهجاً مؤيداً لترمب، وألقت اللوم على اليسار الراديكالي في مشكلات التضخم وارتفاع الأسعار.
وتأتي بالين في المرتبة الثانية بنسبة 32.7 في المائة، مقابل منافستها الديمقراطية ماري بيلتولا التي تحظى بتقييمات بنسبة 37.1 في المائة. وفي المركز الثالث نيك بيغيتش الجمهوري بنسبة 28.9 في المائة.
ويتنافس الثلاثة على خلافة النائب دون يونغ الذي توفي في مارس (آذار) الماضي، بعد أن ظل محتفظاً بمقعدة في مجلس النواب عن ولاية ألاسكا لقرابة 5 عقود. وإذا استطاعت بالين إقصاء المرشح الجمهوري الآخر بيغيتش وحظيت بالدعم، فيمكنها أن تتفوق على المنافسة الديمقراطية بيلتولا وتفوز بالمقعد.
ومن المقرر أن تستمر المعركة لأسبوعين، ولن تظهر نتائج التصويت في ولاية ألاسكا حتى نهاية أغسطس (آب) الجاري.


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء في مجموعة متطرفة بالتحريض على هجوم الكونغرس الأميركي

أصدرت محكمة فيدرالية أميركية، الخميس، حكماً يدين 4 أعضاء من جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، أبرزهم زعيم التنظيم السابق إنريكي تاريو، بتهمة إثارة الفتنة والتآمر لمنع الرئيس الأميركي جو بايدن من تسلم منصبه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الماضية أمام دونالد ترمب. وقالت المحكمة إن الجماعة؛ التي قادت حشداً عنيفاً، هاجمت مبنى «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، لكنها فشلت في التوصل إلى قرار بشأن تهمة التحريض على الفتنة لأحد المتهمين، ويدعى دومينيك بيزولا، رغم إدانته بجرائم خطيرة أخرى.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

إدانة 4 أعضاء بجماعة «براود بويز» في قضية اقتحام الكونغرس الأميركي

أدانت محكمة أميركية، الخميس، 4 أعضاء في جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، بالتآمر لإثارة الفتنة؛ للدور الذي اضطلعوا به، خلال اقتحام مناصرين للرئيس السابق دونالد ترمب، مقر الكونغرس، في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021. وفي محاكمة أُجريت في العاصمة واشنطن، أُدين إنريكي تاريو، الذي سبق أن تولَّى رئاسة مجلس إدارة المنظمة، ومعه 3 أعضاء، وفق ما أوردته وسائل إعلام أميركية. وكانت قد وُجّهت اتهامات لتاريو و4 من كبار معاونيه؛ وهم: جوزف بيغز، وإيثان نورديان، وزاكاري ريل، ودومينيك بيتسولا، بمحاولة وقف عملية المصادقة في الكونغرس على فوز الديمقراطي جو بايدن على خصمه الجمهوري دونالد ترمب، وفقاً لما نق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

ترمب ينتقد قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز

وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الأربعاء، انتقادات لقرار الرئيس جو بايدن، عدم حضور مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث، وذلك خلال جولة يجريها الملياردير الجمهوري في اسكتلندا وإيرلندا. ويسعى ترمب للفوز بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل، ووصف قرار بايدن عدم حضور مراسم تتويج ملك بريطانيا بأنه «ينم عن عدم احترام». وسيكون الرئيس الأميركي ممثلاً بزوجته السيدة الأولى جيل بايدن، وقد أشار مسؤولون بريطانيون وأميركيون إلى أن عدم حضور سيّد البيت الأبيض التتويج يتماشى مع التقليد المتّبع بما أن أي رئيس أميركي لم يحضر أي مراسم تتويج ملكية في بريطانيا. وتعود آخر مراسم تتويج في بري

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

لا تقل خطورة عن الإدمان... الوحدة أشد قتلاً من التدخين والسمنة

هناك شعور مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والاكتئاب والسكري والوفاة المبكرة والجريمة أيضاً في الولايات المتحدة، وهو الشعور بالوحدة أو العزلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل هناك تنسيق تركي أميركي روسي لإبعاد الأسد عن إيران؟

مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري  للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)
مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)
TT

هل هناك تنسيق تركي أميركي روسي لإبعاد الأسد عن إيران؟

مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري  للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)
مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)

حتى الآن، لا تزال «التخمينات» تهيمن على قراءة المشهد المتفجر في سوريا لفهم أسبابه ودلالاته، وموقف الولايات المتحدة منه. فالهجوم المفاجئ الذي شنته مجموعات سورية معارضة، بقيادة «هيئة تحرير الشام»، المصنفة إرهابية من واشنطن، وأدى إلى تغيير خريطة الحرب الأهلية في سوريا، كان لافتاً بتوقيته، فقد بدأ بعد يومين من إعلان وقف إطلاق النار في لبنان، بين إسرائيل و«حزب الله».

ورغم ما يراه معلقون أن تركيا قد تكون هي التي تقف وراء اندلاع هجوم المعارضة المسلحة في سوريا، فإنهم يلاحظون وجود «غض نظر» من إدارة بايدن على الحدث، قد يكون من بين أهدافه، ليس فقط الضغط على إيران وروسيا، بل ومحاولة التأثير على إدارة ترمب المقبلة، لضمان عدم سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، والحفاظ على مظلتها لحماية الأكراد من أي هجوم تركي، في حال لم تفلح محاولات التوصل إلى صيغة مقبولة للحل في سوريا.

يلفت برايان كاتوليس، كبير الباحثين في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، إلى إن الحرب الأهلية في سوريا «لم تنتهِ حقاً، فقد استمرت لسنوات دون أن يلاحظ العالم ذلك، ولكنها كانت تجري بمستوى أقل من الشدة».

ويتابع في حديث مع «الشرق الأوسط» أن نظام الأسد واصل قتل شعبه بدعم من روسيا وإيران وجماعات مثل «حزب الله»، لكن الصراع المتجدد (في المنطقة) أدى إلى تعقيد الأمور بالنسبة لمجموعة أخرى معارضة للأسد: المقاتلون الأكراد الذين كانوا قد سيطروا على أجزاء من محافظة حلب، وقال مسؤولون من المهاجمين، يوم الاثنين، إنهم يخلون المنطقة بالحافلات.

معارك عنيفة بين الجيش السوري والفصال المسلحة في حماة (أ.ب)

ويرى كاتوليس أن المحرك الرئيسي للأحداث الأخيرة «داخلي»؛ لأن الوضع لم يصل قط إلى فترة من الاستقرار المستدام، «فقد استغلت قوات المعارضة نقاط الضعف في بنية النظام، بسبب الفساد والركود والافتقار إلى الشرعية السياسية في أجزاء من سوريا، وتمكنت من إعادة تجميع صفوفها. فملايين السوريين يريدون العيش في حرية، وهذا لم يتغير، ويبقى أن نرى ما إذا كانوا سيحققون هذه الطموحات».

ويقول كاتوليس إن العوامل الخارجية مثل تركيا وروسيا وإيران مهمة، لكن التحدي المركزي يظل الانقسامات الداخلية في سوريا والصراع على السلطة والنفوذ بين مجموعة واسعة من الجماعات المتنافسة.

لا إزاحة للأسد

ورغم الأوضاع التي تحدث عنها الباحث الأميركي فإن الموقف الأميركي لم يتغيّر كثيراً على مدى عقد من الزمن، وأكده مجدداً المتحدث باسم الخارجية الأميركية قبل يومين. إذ وعلى الرغم من خسارة الأسد مصداقيته، فإن الولايات المتحدة لا ترى إزاحته من السلطة أولوية، مثلما أنها لا تدعم الفصائل المعارضة أيضاً.

صحيفة «نيويورك تايمز»، من جهتها، تحدثت عن أن المبادرات التي جرى تقديمها للأسد من الولايات المتحدة وبعض دول الخليج وحتى إسرائيل، للتخلي عن تحالفه الإقليمي الأكثر أهمية مع «حزب الله» وإيران، قد تنحرف عن مسارها بسبب هجوم الفصائل المستمر. لافتة إلى أن الأسد سيكون الآن «أكثر تردداً في التخلي عن إيران وحلفائها، الذين ما زالوا أفضل رهان له للقتال مرة أخرى، من أجل بقاء نظامه».

صورة من لقاء الأسد وعراقجي يوم 1 ديسمبر 2024 (الخارجية الإيرانية)

من جهة أخرى، تحدثت أوساط مطلعة في واشنطن، عن واقع مختلف على الأرض، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الأسد أكثر استعداداً الآن للتجاوب مع تلك المبادرات لفك الارتباط مع إيران.

وألمحت إلى اتفاق أوّلي لفتح مسار التفاوض بين الأسد مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بضغط من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأشارت المصادر إلى أن «تلقي الجيش النظامي مساعدات روسية في الدفاع عن حماة، هو «للقول إنه لن يتم التخلي عن النظام».

تابعت المصادر أنه، في الوقت نفسه، يجري الحديث عن ضمانات لانسحاب المسلحين من حلب، قد تتم إما قبل تسلم ترمب منصبه، وإما بعده بقليل، على أن يتم التخلص من العناصر غير السورية في الفصائل، وتشكيل فيلق تابع لوزارة الدفاع السورية يضم العناصر السورية المسلحة، بضمانة تركية روسية، وفتح مسار نهائي لإخراج إيران من المعادلة في سوريا.

دخان يتصاعد وسط المعارك بين الجيش السوري والفصائل المسلحة في حلب (د.ب.أ)

ورغم أن هجوم الفصائل الذي يقال إن تركيا تتعاون ضمناً معها عبر حدودها في شمال سوريا، قد تكون من بين أهدافه تحقيق أهداف تكتيكية لأنقرة، حيث تحظى بنفوذ أكبر في الصراع، لكن لا يخفى أيضاً أنه جاء أيضاً في الفترة الانتقالية بين إدارتي الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب.

ويرى مراقبون أن تركيا قد تكون تحاول استغلال هذه الفترة، لتوجيه ضربة للنفوذين الروسي والإيراني في سوريا، بعدما أضعفت إسرائيل إيران و«حزب الله» اللبناني، الداعمين للرئيس السوري بشار الأسد، وانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا. وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، (الأربعاء)، قائلاً إن رفض الرئيس السوري بشار الأسد المشاركة «بأي شكل ملموس» في عملية سياسية، فتح المجال لهجوم تلك الفصائل وتقدمها يظهر أن داعميه، مثل روسيا وإيران، مشتتون.

وقال مراقبون إن المقاتلين الأكراد الذين تعدهم تركيا عدواً تاريخياً وضعيفاً للغاية لمواجهة الفصائل التي تدعمها ويقودون الهجوم، لم يكن لديهم خيار سوى قبول عرض الخروج الآمن إلى شمال شرقي سوريا، حيث أشركتهم الولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم «داعش»، خلال العقد الماضي.

ومع مراوحة هجوم الفصائل على أبواب مدينة حماة، في تغيير جذري لاستجابة دمشق للهجوم على حلب، بدا أن شبح تجدد الحرب الأهلية صار حقيقياً، وقلب المعادلة بالنسبة للولايات المتحدة التي حاولت قبل سنوات طي صفحة الحرب من دون أن يثمر ذلك عن أي نتائج إيجابية تذكر.