من المعروف أن الجينات يمكن أن تلعب دوراً مهماً في الإصابة بالأمراض المختلفة سواء العضوية أو النفسية ومنها اضطراب القلق (Anxiety Disorder). ولكن بالطبع هناك عوامل بيئية يمكن أن تزيد من احتمالية حدوث المرض النفسي مثل السلوك العائلي للأسرة خصوصاً إذا كان الطفل من نفس الجنس -بمعني أن الطفلة الأنثى تزيد احتمالية إصابتها بالقلق إذا كانت الأم تعاني منه ونفس الأمر ولكن بشكل أقل جداً مع الطفل الذكر في حالة إصابة الأب- وهو ما خلصت إليه أحدث دراسة لعلماء تابعين للهيئة الصحية في مقاطعة نوفا سكوشيا الكندية (Nova Scotia Health Authority).
- انتقال القلق
أوضحت الدراسة التي نُشرت في منتصف شهر يوليو (تموز) الحالي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية «JAMA Network Open»، أن الأبناء أكثر تأثراً بالممارسة المباشرة بغضّ النظر إذا كان الأمر يتعلق بشيء صحيح من عدمه، بمعني أن الأم التي تعاني من القلق الدائم على أطفالها من إصابتهم بالأمراض المختلفة مثل جائحة «كورونا» على سبيل المثال يمكن أن تحميهم فعلاً من الإصابة العضوية بالمرض. ولكن في المقابل ينتقل الإحساس الدائم بالخطر من الطفل إلى الأم وعلى أرض الواقع، إذ إن هناك مراهقين لم يستطيعوا التخلص من الإجراءات الصحية شديدة الصرامة المتعلقة بالجائحة حتى في الأوقات التي رُفعت فيها القيود بشكل جزئي وبعد تناولهم للقاح المضاد للفيروس.
وأكد العلماء أن انتقال القلق من الآباء للأبناء ليس حتمياً. ويمكن –رغماً عن العامل الجيني- التحكم في سلوكهم لكي يقوم بحماية أطفالهم. وعلى سبيل المثال فإن الآباء الذين يعانون من القلق من الأمراض أو تعلم أطفالهم المراهقين بعض العادات السيئة مثل التدخين يمكن أن يتحكموا في التعبير عن هذه المشاعر حتى في حالة معانتهم منها.ولذلك يجب على الآباء اللجوء إلى طلب النصيحة الطبية لمعرفة إذا كان القلق الذي يعانون منه طبيعياً أم أنه قلق مَرضي لأن الشعور بالقلق المبرَّر طبيعي ومنطقي مثل الأم التي تنصح أطفالها بالالتزام بالتعليمات في حالة الذهاب لرحلة مدرسية (قلق طبيعي) مقابل الأم التي تمنع أطفالها من الذهاب للرحلات تماماً لخوفها عليهم (قلق مرضي).
قام الباحثون بإجراء الدراسة لمعرفة إذا كان القلق ينتقل من نفس جنس الآباء من عدمه، ولذلك راجعوا بيانات نحو 400 طفل كندي متوسط أعمارهم 10 سنوات من 221 أماً و237 أباً وكانوا جميعا قد شاركوا في دراسة نفسية سابقة على العائلات الأكثر عُرضة للاضطرابات المزاجية (mood disorders).
وكانت النتيجة أن الأمهات اللاتي يعانين من القلق أكثر عرضة لإصابة بناتهن بالقلق ثلاثة أضعاف الأخريات، والأمر نفسه مع الآباء أيضاً ولكن بنسبة أقل على الرغم من ثبات العامل الجيني، بمعنى أن تأثر الابنة بالأم القلقة أكثر من أخيها من نفس الأم. كما أن مشاركة نفس المنزل مع والد أو والدة من نفس الجنس لا يشعر بالقلق بشكل مرضي يحمي الأطفال من الإصابة كما تبين أن هؤلاء الأطفال كانوا أقل عرضة بنسبة 38 في المائة للإصابة باضطراب القلق من الأقران الآخرين.
- دائرة القلق
أوضح الباحثون أن اضطرابات القلق شائعة جداً بين المراهقين وخطيرة بشكل ربما لا يتخيله الآباء نظراً لحداثة العمر وقلة التجارب في التعامل مع المخاوف المختلفة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاكتئاب وضعف التحصيل الدراسي والانخراط في تعاطي المواد المخدرة لمحاولة الحصول على الاطمئنان من القلق على كل المستويات وأيضاً يمكن أن ينتهي به الحال إلى التفكير في الانتحار. وأكدت الدراسة أن القلق المرضي على الرغم من خطورته فإن العلاج يعطي نتائج جيدة وسريعة عن طريق الجلسات النفسية والعقاقير.
وحذّرت الدراسة من حدوث ما يمكن تعريفه بدائرة القلق، وعلى سبيل المثال الأم دائمة القلق من حدوث الأمراض المختلفة لأطفالها وتبالغ في الالتزام بوسائل الوقاية المتعددة تنقل إليهم الإحساس بالخطر الوشيك وبالتالي يشعرون بنفس المشاعر تجاه الأم خصوصاً أنها أكبر عمراً وأكثر عرضة للإصابة بشكل حقيقي. ولذلك يجب على الآباء طلب المساعدة المختصة فيما يتعلق بقلقهم ليس فقط للحفاظ على صحتهم النفسية ولكن أيضاً للحفاظ على صحة أطفالهم ويجب أن يقوموا بتقديم نموذج السلوك الشجاع لأطفالهم وتشجيعهم على مواجهة المواقف التي قد تكون مثيرة للقلق.
وذكرت الدراسة أن وجود والد من الجنس الآخر من دون حالة قلق لم يكن وقائياً من الإصابة بنفس نسبة وجود والد من نفس الجنس لا يعاني من القلق من الأساس. وقام الباحثون بإجراء تجربة لمعرفة إذا كان يمكن منع انتقال القلق من خلال تغيير السلوك، حيث تم توجيه الآباء للتصرف سواء بقلق أو بهدوء في أثناء استعداد أطفالهم لأداء اختبار إملاء بحيث يكون تعبير القلق والسلوك المرتبط به ظاهراً بشكل واضح، وتبين أن هذا السلوك انعكس بشكل واضح على الأطفال، حيث تمكنوا من التغلب على القلق الطبيعي من الامتحان في حالات هدوء الآباء والعكس في حالة قلق الآباء.
ونصحت الدراسة الآباء بمحاولة اتباع روتين معين للتغلب على القلق كنوع من الوقاية لهم ولأبنائهم مثل ممارسة الرياضة بشكل منتظم وممارسة أشياء تساعدهم على الاسترخاء مثل التأمل أو القراءة أو ممارسة طقوس دينية معينة تُشعرهم بالسكينة وبالطبع في حالات عدم نجاح هذه المحاولات يجب اللجوء إلى طبيب أو معالج نفسي للتخلص من المشاعر السلبية حتى لا يتم انتقالها إلى أطفالهم.
- استشاري طب الأطفال