الكحول... يضر بالقلب

الكحول... يضر بالقلب
TT

الكحول... يضر بالقلب

الكحول... يضر بالقلب


أن تناول الكحوليات مرة واحدة يومياً ليس بالأمر غير الضار كما يظن البعض. وعلى خلاف الاعتقاد الشائع، فحتى الكميات القليلة من المشروبات الكحولية قد تزيد مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
تلاشي فكرة الفائدة
في السنوات الأخيرة، بدأت الفكرة الراسخة بأن الكحول مفيد للقلب في التلاشي تدريجياً. والآن، تشير دراسة جديدة إلى أن أي كمية من الكحول - حتى وإن كانت مشروباً واحداً في اليوم - قد تفاقم خطر إصابة الشخص بأمراض القلب والأوعية الدموية، وليس تقليلها. في هذا الصدد، أوضح د. كريشنا أراغام، طبيب القلب بمستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفارد والقائم على الدراسة: «لقد وجدنا أنه وعبر مختلف مستويات استهلاك المشروبات الكحولية، فإن خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض الشريان التاجي يتفاقم، بدلاً عن الانحسار».
إلا أنه استطرد بأنه رغم ذلك تبقى هناك أهمية بعض الشيء لكمية الكحوليات التي يجري تناولها، ذلك أنه حال تناول الكحوليات لما يصل إلى سبع مرات أسبوعياً، تبدو المخاطر الإضافية التي يتعرض لها القلب ضئيلة للغاية. أما حال تجاوز هذا المعدل، فإن المخاطر تتفاقم على نحو هائل.
جدير بالذكر هنا أن ثمة دراسات ملاحظة تعود إلى مطلع تسعينات القرن الماضي ربطت ما بين تناول المشروبات الكحولية بمعدلات خفيفة أو متوسطة (من مرة إلى مرتين يومياً) وانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب. ومع ذلك، فإن هذه الدراسات لا يمكنها إثبات أن المشروبات الكحولية هي التي تقف خلف هذه الفائدة. وعادة ما يتميز الأشخاص الذين يتناولون المشروبات الكحولية باعتدال بمستوى جيد من التعليم وحالة مادية ميسورة إلى حد ما، ومن المحتمل أن يكونوا ملتزمين بعادات صحية - وهي أمور بمقدورها جميعاً تفسير انخفاض مستوى المخاطر. وبإمكان الباحثين محاولة السيطرة على مثل هذه العناصر المربكة، لكن يبقى من الصعب رصد جميع العناصر المؤثرة المحتملة.
دور المتغيرات الجينية
المتغيرات الجينية وعادات تناول المشروبات الكحولية. تضمنت الدراسة الجديدة التي نشرت في 25 مارس (آذار) 2022 في دورية «جاما نتورك أوبين»، بيانات ما يقرب من 400.000 شخص من البنك الحيوي في المملكة المتحدة (يو كيه بيوبانك)، وهي قاعدة بيانات ضخمة تعنى بالمعلومات الصحية والوراثية داخل المملكة المتحدة. وأفاد المشاركون، الذين بلغ متوسط أعمارهم 57 عاماً، تناولهم 9.2 مشروب كحولي أسبوعياً في المتوسط. ونظراً لضخامة الدراسة، تمكن العلماء من تقدير المخاطر الإضافية عند مستويات مختلفة من استهلاك الكحوليات.
ومثلما أوضحت دراسات سابقة، فإن تناول المشروبات الكحولية بمعدلات من خفيفة إلى معتدلة يصاحبه انخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب. إلا أنه بعد تعديل الباحثين لستة عوامل فقط مرتبطة بصحة القلب (التدخين والنشاط البدني ومؤشر كتلة الجسم واستهلاك اللحوم الحمراء وتناول الخضار المطبوخ والحالة الصحية حسب تقدير الفرد لنفسه)، اختفت «الفائدة» المزعومة للمشروبات الكحولية تقريباً.
إلا أن د. أراغام وزملاءه ذهبوا لأبعد عن ذلك، ذلك أنهم نظروا كذلك في متغيرات جينية محددة ترتبط على نحو وثيق بكمية المشروبات الكحولية التي يتناولها المرء. ومن غير المحتمل أن تكون هذه المتغيرات مرتبطة بعوامل أخرى تتعلق بنمط الحياة وتحدث بشكل عشوائي بين السكان. وخلص الباحثون إلى أن الأشخاص الذين لديهم متغيرات جينية تنبئ بارتفاع معدلات استهلاك الكحوليات كانوا بالفعل يتناولون المزيد من هذه المشروبات، وكانوا كذلك أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض الشريان التاجي.
ومن المهم الانتباه هنا إلى أن المخاطر التي جرى تقييمها في هذه الدراسة تتعلق بالتشخيص للمرة الأولى لمشكلة تتعلق بالقلب. هنا، أوضح د. أراغام: «ربما تكون المخاطر التي تنطوي عليها المشروبات الكحولية أكبر لدى الأشخاص الذين يعانون بالفعل من أمراض القلب والأوعية الدموية، رغم أن هذه الدراسة لا تتناول هذه المسألة».
علاوة على ذلك، ثمة دليل علمي قوي على أنه فيما يخص الأشخاص الذين يعانون الرجفان الأذيني، فإن تقليل تناول المشروبات الكحولية يؤدي بوضوح إلى تراجع نوبات معدلات ضربات القلب السريعة غير المنتظمة التي تتسم بها هذه الحالة.
وضع الحدود
في الوقت الحالي، تقترح الإرشادات الغذائية الفيدرالية الأميركية أنه إذا كنت تتناول مشروبات كحولية، يجب أن تقصر نفسك على أقل عن 15 «شربة» (drink) في الأسبوع للذكور، وثماني «شربات» للإناث. إلا أن البيانات الجديدة تشير إلى أن الرجال أيضاً يجب أن يلتزموا بالحد الأدنى الأقل - وهو اقتراح جرى النظر فيه بالفعل بادئ الأمر، لكنه قوبل بالرفض في النهاية خلال التحديث الأخير للإرشادات.
من ناحيته، قال د. أراغام، «أخبر مرضاي الآن أنه إذا تناولت مشروبات كحولية بما يصل إلى سبع مرات في الأسبوع، فإن خطر الإصابة بأمراض القلب لا ينخفض، وإنما سيزداد». ومع ذلك، فإنه بالنظر إلى أن المخاطر المضافة ضئيلة للغاية، فإن تقليل معدل تناول المشروبات الكحولية ليس بالضرورة أولوية كبيرة. وأضاف د. أراغام: «يمكن للناس التركيز فقط على العناصر الأخطر، بمعنى إذا كان لدي مريض يدخن ويعاني من زيادة الوزن، ويتناول مشروباً كحولياً واحداً في اليوم، فسأفضل التركيز على التوقف عن التدخين وفقدان الوزن عن تقليل تناول المشروبات الكحولية».
إلا أنه فيما يخص المرضى الذين يتناولون بانتظام أكثر عن مشروب كحولي واحد في اليوم، يصبح الأمر مختلفاً. عن هذا، قال د. أراغام: «أود توضيح أنه لا توجد كمية من المشروبات الكحولية مفيدة لك. إلا أنه إذا كان بإمكانك تقليل معدل تناولك للمشروبات الكحولية إلى مرة واحدة بدلاً عن مرتين أو ثلاثة في اليوم، ستجني حينها معظم الفوائد».

* رسالة هارفارد للقلب
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

صحتك المشي اليومي يسهم في تعزيز الصحة ودعم الحالة النفسية (رويترز)

6 فوائد صحية للمشي اليومي

أكدت كثير من الدراسات أهمية المشي اليومي في تعزيز الصحة، ودعم الحالتين النفسية والجسدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

حذَّرت دراسة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)

كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني كثير من الأشخاص من كثرة التفكير ليلاً؛ الأمر الذي يؤرِّقهم ويتسبب في اضطرابات شديدة بنومهم، وقد يؤثر سلباً على حالتهم النفسية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».