الابتعاد عن الشاشات «يجلب» السعادة

الابتعاد عن الشاشات «يجلب» السعادة
TT

الابتعاد عن الشاشات «يجلب» السعادة

الابتعاد عن الشاشات «يجلب» السعادة

كشفت دراسة حديثة عن المخاطر الناتجة من قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشات screen time المختلفة للأطفال والمراهقين، وأهمها عدم الإحساس بالسعادة.
وفي المقابل أوضحت الدراسة أن أولئك الذين يمارسون الرياضة أو يمارسون هواية مثل تعلم الموسيقى أو حتى من يتواصلون بشكل حقيقي مع الأصدقاء بعد المدرسة، يكونون أكثر إحساساً بالسعادة إلى جانب تمتعهم بصحة بدنية أفضل من أقرانهم الذين يقضون الوقت أمام هذه الشاشات، مهما كانت الألعاب الموجودة أو الأفلام مثيرة وممتعة.

- أنشطة الأطفال
جاءت هذه النتائج في الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة جنوب أستراليا University of South Australia ونُشرت في نهاية شهر يونيو (حزيران) من العام الجاري في دورية «بي إم سي لطب الأطفال BMC Pediatrics». وأجرى الباحثون تحليلاً لبيانات 61759 من الطلبة في المدارس الأسترالية من بداية المرحلة الابتدائية وحتي نهايتها. وتراوحت أعمار الأطفال بين 4 و9 سنوات، وذلك بالتعاون مع هيئة تعليمية لمقياس مؤشر السعادة والرضا للأطفال في جنوب أستراليا في عام 2018.
وتبعاً للمعهد الأسترالي للصحة والرعاية «Australian Institute of Health and Welfare» يعاني واحد من كل سبعة أطفال (أي ما يعادل ما يعادل نحو 560 ألف طفل) من اضطراب بشكل أو بآخر على مستوى الصحة النفسية. وعلى وجه التقريب هناك طفل من كل 10 أطفال لا يشعر بالسعادة في أستراليا.
وقد تم تقييم متوسط عدد الأيام في الأسبوع التي شارك فيها الأطفال في أنشطة ما بعد اليوم الدراسي أياً كان نوع هذا النشاط في الفترة الزمنية 3 إلى 6 مساءً. واعتمد التقييم على معرفة الحالة النفسية من خلال الأحاسيس المختلفة التي يشعر بها كل طفل سواء كانت إيجابية أو سلبية مثل السعادة والحزن والقلق والفرح والمشاركة والمثابرة والتفاؤل والرضا عن الحياة بشكل عام. ووجد الباحثون أن معظم الطلاب يشاهدون التلفاز بشكل منتظم نحو 4 أيام في الأسبوع في أثناء الدراسة، وكذلك يقضون على وسائل التواصل الاجتماعي وقتاً يصل إلى نحو 3 أيام في الأسبوع.
وأشار الباحثون إلى ضرورة تشجيع الأطفال على المشاركة في أنشطة أخرى غير مشاهدة الشاشات، وكلما كان ذلك في مرحلة عمرية مبكرة كان أفضل، وهذا مهم بشكل خاص للأطفال في سن المدرسة الابتدائية لأنهم يكتسبون المهارات الاجتماعية من خلال قضاء يوم دراسي كامل مع زملاء آخرين. ويجب أن ندرك أن التواصل الاجتماعي الحقيقي مهم بنفس القدر للمراهقين الذين يواجهون مجموعة من التغييرات الجسدية والاجتماعية والعاطفية والنفسية.
وأوضحت الدراسة أن الآباء ربما يعتقدون أن مشاهدة الشاشات بشكل مكثف أو قضاء وقت على وسائل التواصل الاجتماعي يتسبب في عدم الشعور بالسعادة لمجرد عدم ممارسة نشاط بدني. ولكن في المقابل أظهرت النتائج أن أداء الواجبات المنزلية أو القراءة على سبيل المثال -وكلاهما من الأنشطة التي لا تحتاج إلى نشاط بدني- يسهمان مع ذلك، بشكل إيجابي في خلق شعور بالسعادة لدى الأطفال.

- الشعور بالسعادة
وجدت الدراسة أيضاً أن الطلاب الذين ينتمون إلى خلفيات اجتماعية واقتصادية أدنى والذين يمارسون الرياضة بشكل منتظم كانوا أكثر ميلاً إلى التفاؤل بنسبة 15 في المائة من أقرانهم و14 في المائة أكثر احتمالية أن يكونوا سعداء ولديهم شعور بالرضا عن حياتهم وأيضاً كان 10 في المائة أكثر احتمالاً لأن يكونوا قادرين على التحكم في عواطفهم.
في المقابل وجدت الدراسة أن الأطفال الذين يتمتعون بمستوى أكبر من الرفاهية وتتوافر أمامهم الشاشات المختلفة بما فيها ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي كانوا أقل إحساساً بالسعادة بنسبة 9 في المائة وأيضاً كان 8 في المائة أقل تفاؤلاً و11 في المائة أكثر قابلية لليأس وعدم المحاولة في المهام الموكلة إليهم. وأكد الباحثون أنهم مدركون أن حث الأطفال على الابتعاد عن الشاشات أمر بالغ الصعوبة خصوصاً أن معظمهم قد نشأوا على وجود هذه الأجهزة ولكن إذا كانت الأسرة أكثر وعياً بالمشكلات المرتبطة بانقضاء وقت مبالغ فيه أمام الشاشات يمكنها عمل نوع من التوازن بين وقت الشاشة والأنشطة الأخرى سواء بدنية أو اجتماعية وثقافية.
ونصحت الدراسة الآباء بضرورة وضع قيود على استخدام الشاشات وإلزام الأطفال بممارسة النشاط إما قبل وإما بعد الاستخدام إلى جانب تعليم الأطفال الاستمتاع بهوايات أخرى لا تحتاج إلى الخروج خصوصاً في البداية -لأن الطفل يكون مرتبطاً بالوجود في المنزل لأنه يسمح له بمشاهدة الكثير من الشاشات. ومن الهوايات الاستماع إلى الموسيقى أو التلوين والرسم أو حتى الألعاب المعتادة مثل الشطرنج أو اللعب بالزهر.
وبالطبع لا بديل عن ممارسة الرياضة بشكل منتظم بعد ذلك لأن الرياضة لا توفر النشاط البدني فقط ولكن تخلق فرصة كبيرة للصداقة الحميمة والحقيقية وتقوّي الروابط الاجتماعية بين الأقران وتحسّن من صورة الذات self - image وتقلل من أعراض القلق والاكتئاب وتحسن التحصيل الدراسي.
وأكدّت الدراسة الدور المجتمعي في التغلب على هذه المشكلة لضمان توفر فرص ممارسة كل الأنشطة البدنية والثقافية والاجتماعية لجميع الأطفال بغضّ النظر عن البيئة الاقتصادية بمعنى أن عدم توفر الملاعب والمساحات الخضراء وفرص تعلم العزف على الآلات الموسيقية يمكن أن يحرم الأطفال الفقراء من السعادة خصوصاً مع إمكانية الحصول على أجهزة إلكترونية رخيصة الثمن وبالتالي قضاء وقت أطول أمام هذه الشاشات لعدم توفر البدائل، مما يؤدي إلى زيادة الإحساس بالاكتئاب والقلق.

- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

صحتك كيف تنقص الوزن بشكل دائم؟ (شاترستوك)

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

دائماً ما يوجد حولنا أشخاص «يتمتعون بعملية أيض سريعة»، أو على الأقل نعتقد ذلك، هؤلاء الأشخاص لديهم شهية كبيرة، ومع ذلك لا يكتسبون وزناً أبداً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الضغط الإضافي قد يؤدي إلى إتلاف ممرات الأنف ما يزيد من فرص حدوث نزيف مؤلم (رويترز)

طريقة تنظيف أنفك الخاطئة قد تضر بك... ما الأسلوب الأمثل لذلك؟

لقد لجأ مؤخراً أخصائي الحساسية المعتمد زاكاري روبين إلى منصة «تيك توك» لتحذير متابعيه البالغ عددهم 1.4 مليون شخص من العواقب الخطيرة لتنظيف الأنف بشكل خاطئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

أكد موقع «سيكولوجي توداي» على أهمية الصداقة بين البشر حيث وصف الأصدقاء الجيدين بأنهم عامل مهم في طول العمر

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات
TT

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة نُشرت في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية «JAMA Network Open»، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة المختلفة في سن مبكرة أثناء فترة المراهقة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب. وبالتالي يكون هؤلاء الأطفال مدفوعين لتعاطي هذه المواد أكثر من غيرهم الذين يتمتعون ببنية مخية طبيعية.

دراسة المخ

الدراسة التي تم تمويلها من المعاهد الوطنية الصحية (NIH) بالولايات المتحدة وقام بها باحثون من جامعة واشنطن Washington University بسانت لويس أجريت على ما يقرب من 10 آلاف مراهق من جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث تمت متابعتهم عن طريق تحليل بيانات تم جمعها من دراسة سابقة (وهي: دراسة التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study التي تُعد أكبر دراسة طولية لتطور المخ في الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة)، التي يدعمها المعهد الوطني لتعاطي المخدرات التابع للمعاهد الوطنية للصحة (NIDA).

قام الباحثون بعمل مراجعة وتقييم لأشعة الرنين المغناطيسي التي أجريت على المخ لـ9804 أطفال عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 9 و11 عاماً. وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي طفل قام بتجربة أي مادة مخدرة.

وبعد ذلك قام الباحثون بتتبع المشاركين على مدى ثلاث سنوات لمعرفة بدء تعاطي المواد المختلفة وركزوا على مراقبة تعاطي الكحول والنيكوتين و / أو نبات القنب بشكل أساسي؛ لأن هذه المواد على وجه التحديد تعد الأكثر شيوعاً في مرحلة المراهقة المبكرة في الولايات المتحدة. وهذه المتابعة كانت من خلال سؤال المراهقين وذويهم بشكل مباشر، أو من خلال السجلات التي تفيد بتورط هؤلاء الطلاب في تجربة هذه المواد.

وتضمنت الأسئلة استخدام أي مواد غير مشروعة أخرى (مثل الأدوية العصبية من دون وصفة طبية والأقراص المخدرة). ثم قام الباحثون بعمل مقارنة بين صور الرنين المغناطيسي الخاصة بالمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة بأنواعها المختلفة قبل بلوغهم سن 15 عاماً بأقرانهم الذين لم يقدموا على تجربة المخدرات، لمعرفة إذا كانت هذه الفرضية (ارتباط تشريح المخ بزيادة القابلية للمخدرات) صحيحة أم لا.

وقال معظم الطلاب (90.2 في المائة) الذين شملتهم الدراسة إنهم قاموا بتجربة تناول الكحوليات مرة واحدة على الأقل قبل عمر الخامسة عشرة. وقالت نسبة كبيرة منهم إنهم قاموا بشرب الكحول بالتزامن مع التدخين سواء النيكوتين أو نبات القنب. وفي المقابل، قال الأطفال الذين قاموا بتجربة التدخين في البداية إنهم بدأوا أيضاً في تعاطي الكحول بعد فترة بسيطة من التدخين، ما يعني أن تجربة مادة معينة في الأغلب تؤدي إلى تجربة بقية المواد.

اختلافات تشريحية

قام العلماء بتقييم الاختلافات التشريحية الظاهرة في الأشعة تبعاً لمقاييس معينة مثل الحجم الكلي للمخ، والسمك، وكذلك النتوءات الموجودة، وعمق طيات المخ depth of brain folds واهتموا بشكل خاص بطبقات القشرة المخية، وهي الطبقة الخارجية من المخ المليئة بالخلايا العصبية. وهي مسؤولة عن العديد من العمليات الإدراكية والعاطفية، مثل التعلم والإحساس والذاكرة واللغة والانفعالات العاطفية واتخاذ القرار (من المعروف أن هذه المقاييس والخصائص ترتبط بالتباين في القدرات المعرفية وردود الفعل والتوصيلات العصبية من شخص لآخر).

ووجد الباحثون اختلافات واضحة في بنية خلايا المخ للمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة قبل سن 15 عاماً وأقرانهم الذين لم يقوموا بتجربة المواد. وعلى سبيل المثال، كانت هناك زيادة في حجم المخ الكلي، وأيضاً زيادة في حجم القشرة المخية للمراهقين الذين قاموا بتعاطي المواد المختلفة، سواء المخدرات أو الكحوليات. وأيضاً كان هناك ما يقرب من 39 اختلافاً إضافياً بين مخ الذين جربوا المواد وأقرانهم في الكفاءة الوظيفية للخلايا وسمك القشرة المخية. وقال الباحثون إنهم وجدوا في بعض الحالات اختلافات في شكل الخلايا وبنيتها بطريقة فريدة من نوعها تبعاً لطبيعة المادة المستخدمة.

الإدمان لا يحدث فقط بسبب الانحراف السلوكي بل ربما لسبب قهري

وأظهر تحليل حديث آخر للبيانات الخاصة بالدراسة نفسها (التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study) أن أنماط التوصيلات العصبية في المخ في مرحلة المراهقة المبكرة يمكن أن تتنبأ ببدء تعاطي المواد المخدرة في الشباب، وهو الأمر الذي يؤكد أن إدمان هذه المواد ليس فقط بسبب الانحراف السلوكي والمشاكل النفسية، ولكن ربما لسبب قهري مرتبط بشكل المخ والخلل الوظيفي في خلاياه.

أوضحت الدراسة أن هذه النتائج تعد بالغة الأهمية في لفت النظر إلى ضرورة وضع الأسباب البيولوجية في الحسبان عند التعامل مع مشاكل إدمان المراهقين وإقدامهم على تجربة أنواع معينة من المواد الضارة، ونصحت الدراسة أيضاً بضرورة عمل مسح عن طريق أشعة الرنين المغناطيسي للأطفال، وتوفير الدعم النفسي للأطفال الأكثر عرضة لتجربة هذه المواد تبعاً للتغييرات التشريحية في مخهم، وعمل دورات توعية باستمرار لهم، وتحذيرهم من عواقب الإدمان، وعلاجهم في حالة تعرضهم بالفعل لهذه المواد.

وفي النهاية، أكد الباحثون أن بنية المخ وحدها لا يمكنها التنبؤ بتعاطي المواد المخدرة أثناء المراهقة، ولا يجب استخدام هذه البيانات بوصفها أداة تشخيص قاطعة، ولكن يجب أن يتم التعامل معها بوصفها عامل خطورة إضافياً مثل: «البيئة، والاستعداد الوراثي الجيني، والتعرض لأحداث مأساوية في الطفولة»، خاصة في حالة وجود اختلافات واضحة في بنية المخ التشريحية في مرحلة الطفولة، قبل أي استخدام لهذه المواد.

* استشاري طب الأطفال.