تملك الممثلة كارلا بطرس كاريزما تجذب المشاهد في أي دور تلعبه، فتترك عنده الشعور بأنه يريد مزيداً من إطلالاتها. في الفترة الأخيرة، انشغلت بطرس بالعمل السياسي، إذ ترشحت مستقلة لدخول المجلس النيابي اللبناني. فكانت أحدث مشاركاتها الدرامية في مسلسل «عروس بيروت» في موسمه الثاني، لتغيب بعدها عن الشاشة الصغيرة. نسألها عن الأسباب التي أسهمت في هذا البعد، وترد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بعيد (عروس بيروت) قررت أن أتفرغ لعائلتي الصغيرة ولبناتي، ولا سيما أن الجائحة كانت في أوجها. انتابني الخوف من (كوفيد 19) وقررت أن أحمي نفسي مع أولادي وانعزلت في منزلي. في المقابل لم أتلقَ العرض الدرامي الذي يحفزني على كسر هذه العزلة».
ماذا عن «عروس بيروت»؟ هل استطعت أن تواكبي بسرعة جو الألفة المخيم بين فريق العمل، كون تجربة طويلة جمعت بعضهم مع بعض؟ «أحببت تجربة (عروس بيروت) كثيراً، واندمجت بسرعة مع الجميع. فهم زملاء أكن لهم كل تقدير، كما أنني أحب هذا النوع من الأعمال المختلطة والطويلة، تماماً كما مسلسل (الأخوة). هذا الأخير كان بمثابة تجربة استمتعت بها كثيراً، وبنيت عملية تلوينه بجنسيات عربية مختلفة على أساس واقعي. هنا يلعب ذكاء الكاتب دوره، فإما أن تنجح هذه الخلطات العمل أو تفشله».
وتشير بطرس إلى أنها لوّنت شخصيتها في «عروس بيروت» من عندياتها تماماً، كما فعلت في مسلسل «الأخوة». تعلق: «أحب إضافة لمسة على الدور الذي ألعبه من عندياتي، فيصبح حقيقياً أكثر؛ خصوصاً إذا ما كان يشبه واقعاً أعيشه».
ولكن اليوم بت تنتقين أدوارك بدقة، قلّت إطلالاتك، فممَّ تخافين؟ ترد بطرس في سياق حديثها: «يلازمني هذا الخوف من الانزلاق إلى مكان لا أحبذه، أي التكرار أو عدم تقديم جديد في مسيرتي. حتى في حياتي الشخصية، أخاف من هذا الأمر، إذ أفضل الحذر من الإقدام على خطوة ناقصة. في الدراما لا أحب أن أخيب ظن المشاهد، وأتمنى أن أبقى قادرة على ذلك، لأننا نعتاش من مهنتنا، ما يضطرنا مرات إلى القبول بعرض قد لا يناسب طموحاتنا كممثلين».
حالياً وفي ظل إنتاجات درامية كثيفة تشهدها الساحة وتعرض على المنصات، تبقى كارلا بعيدة عنها، فأين هي من هذه الفورة الدرامية؟ تقول: «صدف أن جاءت هذه الفورة، وأنا في عز عملي السياسي. فكما تعلمين ترشحت إلى المجلس النيابي مستقلة، وهو ما تطلب مني تفرغاً طويلاً. كما أني لم ألقَ العرض الذي يناسب عمري، فأنا أحب الدراما الغنية والطويلة التي تجمع تحت سقفها مجموعة من الممثلين العرب.
أشعر أنها تزودني بطاقة التحدي، وتدفعني إلى تقديم أداء مميز، ولا سيما أنها لا تنحصر بمشاهد من بلد واحد. مرات هناك ظروف حياة تتحكم بنا وتضعنا أمام خيارات صعبة. أنا اخترت أن ألازم بناتي وأبقى إلى جانبهن في هذه المرحلة الصعبة اقتصادياً وغير ذلك، والتي لا نزال نعيشها. لذلك ابتعدت قليلاً عن الساحة، لأن عائلتي بالنسبة لي فوق كل اعتبار».
يردد ممثلون كثيرون أن غيابهم عن الساحة لفترة طويلة يحجب عنهم الأضواء لأنها مهنة ناكرة للجميل، ينساهم الناس. أفلا تخاف كارلا بطرس من أن ينساها المنتجون؟ «لا أعتقد أن المنتجين يمكنهم أن ينسوني؛ خصوصاً أني على تواصل دائم معهم. ولكن العروض غير مناسبة، ولا أرغب أبداً في العودة إلى الوراء في مسيرتي، كما أطمح دائماً إلى التغيير كي لا يمل المشاهد. وهنا لا بد أن أتوجه إلى الكتّاب، ولا سيما النساء اللاتي أحب التعامل معهن. وأقول لهن جميعاً، يجب اليوم تخصيص موضوعات للنساء في منتصف العمر. يكتبن ما يشبهنا ويتناولن مشكلات كثيرة نعاني منها. هذه الرسالة أتوجه بها اليوم، وأحب أن تحفز على كتابة ما يناسب عمرنا وأحاسيسنا ومشكلاتنا.
فهذه الموضوعات تنقصنا، خاصة أن العالم العربي لا يعطيها أهمية كبرى».
وعن كيفية تقييمها للشريط الدرامي السائد بصورة عامة، تقول: «حسب ما لمست، فإن هناك تفاعلاً ملحوظاً بين المشاهد والدراما، نراه بكثرة عبر السوشيال ميديا. وأنا شخصياً أحب الإضاءة على كل ما هو إيجابي، ولا أحب أن أقلل من مجهود أحد. هذا الخليط الذي نلحظه اليوم في دراما المنصات جميل، ولو أنه يتعلق بأعمال قصيرة. كما أن الإنتاجات أضاءت على قدرات مخرجين لبنانيين شباب كانت الساحة الدرامية تحتاجهم كي تخرج عن المألوف. أقول للجميع (برافو) وهنيئاً لكم على كل نجاح تحققونه في ظل ظروف صعبة جداً، نعيشها في لبنان وتتطلب تضحيات جمة».
لم تتابع كارلا في الفترة الأخيرة أعمالاً درامية، إذ كانت منشغلة بمشروعها السياسي. ولكنها استطاعت أن تشاهد مقتطفات من بعض أعمال رمضان، كما «للموت»، وتقول: «لقد كان عملاً موفقاً وهو ما لمسته أيضاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
إنه نجاح نفتخر به لبنانيين في ظروف يشعر فيها معظم الناس على هذا الكوكب بالإحباط. فالشعب اللبناني جبار، وهو مثل يحتذى به في ظل هذه الظروف الصعبة».
تتحول اليوم كارلا بطرس بشكل أكبر نحو العمل الإنساني والاجتماعي.
فهل هذا العمل جذبها مؤخراً كي تخصص له كل هذا الوقت؟ «هذا العمل أمارسه منذ زمن، ولكني انتظرت كي أضعه تحت الضوء في الفتر الأخيرة. شعرت بحاجة لأكون في قلبه؛ خصوصاً أني عشت الحرب اللبنانية عن قرب، ورأيت ويلاتها بأم العين.
الإخوة كانوا يتقاتلون ويتحاربون، وهو ما جرحني في الصميم، وما دفعني من ناحية ثانية إلى التفكير بالتغيير بمساعدة الجيل الشاب. وهو ما حفزني أيضاً على دخول المعترك السياسي، إذ نحن بأمسّ الحاجة اليوم للنساء في المجلس النيابي. فالمرأة هي نصف الدنيا إذا لم تكن كلها، تربي الأجيال وتسهر على راحتهم. وهناك موضوعات كثيرة تطولها في العمق كالمرأة الأرملة والحاضنة والمعلمة وغيرها. كما أنها كائن بشري يتعرض للعنف، وهو ما نراه كثيراً في الآونة الأخيرة، وأحدثها في مصر».
ماذا أضافت إليك هذه التجربة السياسية التي خضتها مع أنها لم تحمل النهاية السعيدة؟ «هذه التجربة أتاحت لي فرصة اكتشاف نواحٍ كنت أجهلها زودتني بخبرة وطنية كبيرة ونمّت عندي أحاسيسي تجاه الوطن. لم ألمس أي نواحٍ سلبية من هذه التجربة، بل زادتني ثقة بنفسي وأفرحتني جداً».
وهل تتمنين لعب دور درامي كامرأة تعمل في مجال السياسة؟ «أتمنى ذلك، ولقد أسررت إلى أحد المخرجين بأن دوراً من هذا النوع، أنا جاهزة له لأني تشبعت منه على أرض الواقع، وأختزن مشاعر كثيرة في استطاعتي استخدامها درامياً. هذا النوع من الأدوار يراودني منذ فترة طويلة، ولديّ أفكار كثيرة غيره أستطيع أن أزود بها الكتّاب. لماذا لا نقدم دراما تبرز دور المرأة كفاعلة في المجتمع؟ أو لماذا لا نتناول قصة فنانة تعيش الوحدة بعدما كانت في قلب الشهرة؟ هناك أمثلة كثيرة يمكن تناولها كسياسية قديمة شغلت منصب رئاسة الوزراء، وفجأة أضحت وحيدة ليس هناك من يتذكرها».
وتختم: «اكتبوا لنا هذا النوع من الأدوار بعيداً عن الأم الحنون أو اللعوب أو الشريرة، ونحن جاهزات لذلك».