رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية

أسبوع التحصين العالمي تحت شعار «حياة طويلة للجميع»

رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية
TT

رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية

رحلة تطور اللقاحات عبر الألفية الماضية

يشهد الأسبوع الأخير من شهر أبريل (نيسان) (24 - 30) من كل عام، احتفالاً عالمياً بأسبوع التحصين العالمي. ويهدف في هذا العام إلى تسليط الضوء على العمل الجماعي المطلوب والتشجيع على استخدام اللقاحات لحماية الناس من جميع الأعمار من الأمراض، وتحفيز مزيد من المشاركة حول التطعيم على مستوى العالم، لتأكيد أهمية التطعيم وتحسين صحة ورفاهية الجميع في كل مكان، رافعين شعار «حياة طويلة للجميع» (Long life for all)، سعياً وراء العيش بحياة طويلة وبشكل جيد.
بهذه المناسبة، أقام قطاع الصحة العامة وصحة المجتمع بوزارة الصحة بدولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمراً توعوياً بعنوان «التطعيم حياة» للتعريف بأهمية التحصينات في صحة المجتمع وجودة الحياة. ترأس المؤتمر الدكتور حسين عبد الرحمن الرند الوكيل المساعد لقطاع المراكز والعيادات الصحية في وزارة الصحة بدولة الإمارات، الذي أكد أنه بفضل التحصينات، عاش المليارات من البشر في جميع أنحاء العالم حياة أطول، كبروا وطالت أعمارهم وتحسنت جودة حياتهم. حقاً، لقد وفرت اللقاحات الفرصة والأمل لنا جميعاً للاستمتاع بحياة أكثر إرضاءً، ما يحفزنا لنكافح جميعاً من أجل اللقاحات، وحماية الناس من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، سعياً وراء حياة طويلة وجيدة.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن الحياة الطويلة للجميع ليست وعداً، وإنها هي طموح، لأن كل شخص يستحق فرصة في حياة مُرْضِية.

- أهمية اللقاحات
تحدث إلى «صحتك» الأستاذ الدكتور أشرف أمير أحد المتحدثين في المؤتمر، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع واستشاري طب الأسرة، مؤكداً أن اللقاحات أنقذت الأرواح بشكل كبير منذ بداياتها في عام 1796، حيث كان أول تحصين ضد الجدري (Smallpox) وهو بمثابة الحرب ضد الأمراض، وأُعْطيت من خلاله، لأول مرة، الفرصة لتحصين الجميع، تلتها عشرات اللقاحات لاحقاً، عبر قرنين وربع قرن من الزمن.
منذ القدم، بحث الناس عن طرق لحماية أنفسهم من الأمراض المعدية. فمن ممارسة «التجدير» (الذي يعني التلقيح بفيروس الجدري للتطعيم) في القرن الخامس عشر إلى لقاحات «مرسال الرنا» (mRNA vaccines) المستخدمة اليوم للتحصين.
وقد كان لمنظمة الصحة العالمية (WHO) دور كبير ومهم وحاسم في الحد من الأمراض الخطيرة من خلال التحصين العالمي في القرنين العشرين والحادي والعشرين. وفي أسبوع التحصين العالمي، تتعاون جميع المؤسسات من جميع أنحاء العالم لإضفاء الحيوية على هذا الأسبوع.

- تاريخ اللقاحات
تحدث الدكتور أمير عن قصة هذه الاكتشافات غير العادية التي أنقذت حياة الملايين، وفقاً لتواريخ حدوثها، كالتالي:
> من 1400 إلى 1700، منذ القرن الخامس عشر على الأقل، حاول الناس في أجزاء مختلفة من العالم منع المرض عن طريق تعريض الأشخاص الأصحاء للجدري عمداً - وهي ممارسة تُعرف باسم التجدير (variolation)، (من اسم الجدري، فاريول variole). تشير بعض المصادر إلى أن هذه الممارسات كانت تحدث منذ 200 قبل الميلاد. تصف الروايات المكتوبة من منتصف القرن السادس عشر شكلاً من أشكال التجدير المستخدم في الصين يُعرف بالنفخ، حيث يتم تجفيف قشور الجدري وطحنها ونفخها في فتحة الأنف باستخدام أنبوب!
> في عام 1721، جلبت السيدة ماري وورتلي مونتاغو (Lady Mary Wortley Montagu) التطعيم ضد الجدري إلى أوروبا، من خلال طلب تلقيح ابنتيها ضد الجدري كما لاحظت ممارسته في تركيا.
> في عام 1774، حقق بنيامين جيستي (Benjamin Jesty) تقدماً كبيراً باختبار فرضيته القائلة إن الإصابة بجدري البقر - وهو فيروس بقري يمكن أن ينتشر إلى البشر - ويمكن أن يحمي الشخص من الجدري.
> في مايو (أيار) 1796، توسع الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر (Edward Jenner) في هذا الاكتشاف، وقام بتلقيح جيمس فيبس البالغ من العمر 8 سنوات بمواد تم جمعها من قرحة جدري البقر، على الرغم من معاناته من رد فعل محلي والشعور بتوعك لعدة أيام، تعافى فيبس تماماً.
> بعد شهرين، في يوليو (تموز) 1796، قام جينر بتلقيح فيبس بمادة من قرحة الجدري البشرية من أجل اختبار مقاومة فيبس الذي ظل في صحة تامة، وأصبح أول إنسان يتم تطعيمه ضد الجدري. تمت صياغة مصطلح «لقاح vaccine» لاحقاً، مأخوذاً من الكلمة اللاتينية التي تعني بقرة، فاكا (vacca).
> في عام 1872، ابتكر لويس باستير (Louis Pasteur) أول لقاح تم إنتاجه في المختبر: لقاح كوليرا الطيور في الدجاج، على الرغم من تعرضه لسكتة دماغية ووفاة اثنتين من بناته بسبب التيفود.
> في عام 1885، نجح لويس باستير في منع داء الكلب (Rabies) من خلال التطعيم بعد التعرض. وكان أول شخص يتلقى التطعيم بنجاح (جوزيف مايستر)، من 13 حقنة، كل منها يحتوي على جرعة أقوى من فيروس داء الكلب.
> في عام 1894، عزلت الدكتورة آنا ويسيلز ويليامز (Anna Wessels Williams) سلالة من بكتيريا الدفتيريا (Diphtheria) التي تعد حاسمة في تطوير مضاد السموم لهذا المرض.

- لقاحات العصر الجديد
> من عام 1918 إلى عام 1919، قتلت جائحة الإنفلونزا الإسبانية ما يقدر بنحو من 20 إلى 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك جندي واحد من بين كل 67 جندياً أميركياً، ما جعل لقاح الإنفلونزا أولوية عسكرية أميركية. تم إجراء تجارب مبكرة على لقاحات الإنفلونزا: اختبرت كلية الطب بالجيش الأميركي مليوني جرعة عام 1918، لكن النتائج غير حاسمة.
> في عام 1937، طور ماكس ثيلر وهيو سميث ويوجين هاجن لقاح 17 د ضد الحمى الصفراء (yellow fever). تمت الموافقة على اللقاح في عام 1938 وتلقاه أكثر من مليون شخص في ذلك العام. وحصل ثيلر على جائزة نوبل.
> في عام 1939، أظهر عالما البكتيريا بيرل كندريك وجريس إلدرينج فاعلية لقاح السعال الديكي (whooping cough). أظهر العلماء أن التطعيم يقلل من معدلات إصابة الأطفال بالمرض من 15.1 لكل 100 طفل إلى 2.3 لكل 100.
> بحلول عام 1945، تمت الموافقة على لقاح الإنفلونزا الأول للاستخدام العسكري، تلاه في عام 1946 الاستخدام المدني. يقود البحث الطبيبان توماس فرنسيس جونيور وجوناس سالك، وكلاهما مرتبط ارتباطاً وثيقاً بلقاح شلل الأطفال.
> من 1952 إلى 1955، طور جوناس سالك أول لقاح فعال ضد شلل الأطفال وبدأت التجارب. قام سالك باختبار اللقاح على نفسه وعائلته في العام التالي، وأجريت تجارب جماعية شملت أكثر من 1.3 مليون طفل في عام 1954.
> بحلول عام 1960، تمت الموافقة على استخدام النوع الثاني (OPV) من لقاح شلل الأطفال، الذي طوره ألبرت سابين، باستخدام الفيروس المضعف ويمكن إعطاؤه عن طريق الفم، وكانت تشيكوسلوفاكيا أول دولة في العالم تقضي على شلل الأطفال.
> في عام 1967، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن البرنامج المكثف لاستئصال الجدري، مستهدفة أكثر من 30 دولة من خلال المراقبة والتطعيم. تم القضاء على الجدري في الغالب بأوروبا الغربية وأميركا الشمالية واليابان.
> في عام 1969، بعد أربع سنوات من اكتشاف الدكتور باروخ بلومبرغ (Baruch Blumberg) لفيروس التهاب الكبد بي، طور أول لقاح مضاد مع عالم الأحياء الدقيقة إيرفينغ ميلمان، باستخدام شكل من الفيروس معالج بالحرارة.
> من 1981 إلى 1990، تمت الموافقة على لقاح معطل مشتق من البلازما وآخر معدّل وراثياً (DNA recombinant)، ولا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم.
> في عام 1971، تم دمج لقاح الحصبة مع النكاف والحصبة الألمانية (rubella) في لقاح واحد (MMR) بواسطة الدكتور موريس هيلمان.
> في عام 1974، أنشأت منظمة الصحة العالمية البرنامج الموسع الأساسي للتحصين (EPI) لتطوير برامج التحصين في جميع أنحاء العالم. الأمراض الأولى التي يستهدفها برنامج التحصين الموسع هي الدفتيريا والحصبة وشلل الأطفال والتيتانوس والسل والسعال الديكي.
> في أعوام 1978 - 1983، تم ترخيص لقاح متعدد السكاريد يقي من 14 إلى 23 سلالة مختلفة من الالتهاب الرئوي بالمكورات.
> في عام 1980، أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على الجدري، الوباء الأكثر فتكاً منذ أقدم العصور، تاركاً وراءه الموت والعمى والتشوه.
> في عام 1976، سجلت حالات السعال الديكي أدنى مستوى لها على الإطلاق في الولايات المتحدة.
> في عام 1985، تم ترخيص أول لقاح ضد الأمراض التي تسببها المستدمية النزلية من النوع ب (Haemophilus influenzae type b (Hib)
> في عام 1988، بعد استئصال الجدري، أطلقت منظمة الصحة العالمية مبادرة عالمية لاستئصال شلل الأطفال المنتشر في 125 دولة، بحلول عام 2000.
> بحلول عام 1994، تم القضاء على شلل الأطفال من الأميركتين، تلتهما أوروبا عام 2002، وبحلول عام 2003، أصبح المرض متوطناً في 6 دول فقط.
> في عام 1995، قادت الدكتورة آن ساريويسكي (Anne Szarewski) فريقاً للبحث عن لقاح لفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) المتسبب لحالات طبية أخرى، منها سرطان عنق الرحم. وقد تمكن من تقليل حدوث

- سرطان عنق الرحم في جميع أنحاء العالم بمقدار الثلثين.
> في عام 2006، تم تطوير نسخة أقل خطورة من اللقاح المضاد لفيروس الروتا (rotavirus) المسبب للإسهال الحاد عند الأطفال الصغار، وحتى عام 2019 تم استخدامه في أكثر من 100 دولة.
> في عام 2006، تمت الموافقة على أول لقاح لفيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، كجزء من جهود القضاء على سرطان عنق الرحم.
> في عام 2016، نجح مشروع لقاح التهاب السحايا (Meningitis)، في القضاء على مرض المكورات السحائية من المجموعة المصلية A في بلدان حزام التهاب السحايا في أفريقيا، ويتم الآن دمجه في برامج التحصين الوطنية الروتينية.
> في عام 2019، تم إطلاق أول لقاح (RTS / S) للملاريا يمكن أن يقلل بشكل كبير من أكثر سلالات الملاريا فتكاً وانتشاراً بين الأطفال الصغار، وهي المجموعة الأكثر عرضة للوفاة من المرض.
> في عام 2021، تم إنشاء مخزون عالمي من اللقاحات لضمان الاستجابة لفاشية إيبولا (Ebola)، واستخدامه في البلدان المعرضة لخطر كبير.

- جائحة كورونا واللقاحات
> في 30 يناير (كانون الثاني) 2020، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أن تفشي فيروس كورونا الجديد 2019 (SARS-CoV-2) يمثل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً. في 11 مارس (آذار)، أكدت المنظمة أن «COVID-19» أصبح جائحة.
> في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وبعد عام واحد فقط من اكتشاف الحالة الأولى لـ«كوفيد - 19»، تم تطوير وإنتاج وتوزيع لقاحات «كوفيد - 19» بسرعة غير مسبوقة، وبعضها يستخدم تقنية mRNA الجديدة، وتم إعطاء جرعات اللقاح الأولى.
> بدءاً من يوليو (تموز) 2021، تم إعطاء ما يقرب من 85 في المائة من لقاحات «كوفيد - 19» في البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط.
وهكذا فقد تم، لأكثر من قرنين من الزمان، تطعيم الناس ضد الأمراض الفتاكة، منذ أن تم ابتكار أول لقاح في العالم ضد الجدري إلى التقنيات الجديدة المستخدمة في لقاحات «كوفيد - 19». وقد ساعدت اللقاحات، حتى الآن، في الحماية من أكثر من 20 مرضاً. وفي السنوات الثلاثين الماضية فقط، انخفضت وفيات الأطفال بنسبة تزيد على 50 في المائة، ويرجع الفضل في ذلك لحد كبير إلى اللقاحات. وسوف تحتاج العقود المقبلة إلى تعاون وتمويل والتزام ورؤية عالمية لضمان عدم إصابة أي طفل أو بالغ بمرض يمكن الوقاية منه باللقاحات أو وفاته.
لقد علمنا التاريخ أن الاستجابة العالمية الكاملة والفعالة للأمراض، التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، تستغرق وقتاً ودعماً مالياً وتعاوناً - وتتطلب يقظة مستمرة.
- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
TT

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

وذكرت أن قبل خمس سنوات، سمع العالم التقارير الأولى عن مرض غامض يشبه الإنفلونزا ظهر في مدينة ووهان الصينية، والمعروف الآن باسم «كوفيد - 19».

وتسبب الوباء الذي أعقب ذلك في وفاة أكثر من 14 مليون شخص، وأصيب نحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وكذلك في صدمة للاقتصاد العالمي، وأدرك زعماء العالم أن السؤال عن جائحة أخرى ليس «ماذا إذا ظهرت الجائحة؟»، بل «متى ستظهر؟»، ووعدوا بالعمل معاً لتعزيز أنظمة الصحة العالمية، لكن المفاوضات تعثرت في عام 2024، حتى مع رصد المزيد من التهديدات والطوارئ الصحية العامة العالمية.

وإذا ظهر تهديد وبائي جديد في عام 2025، فإن الخبراء ليسوا مقتنعين بأننا سنتعامل معه بشكل أفضل من الأخير، وفقاً للصحيفة.

ما التهديدات؟

في حين يتفق الخبراء على أن جائحة أخرى أمر لا مفر منه، فمن المستحيل التنبؤ بما سيحدث، وأين سيحدث، ومتى سيحدث.

وتظهر تهديدات صحية جديدة بشكل متكرر، وأعلن مسؤولو منظمة الصحة العالمية تفشي مرض الملاريا في أفريقيا، كحالة طوارئ صحية عامة دولية في عام 2024. ومع نهاية العام، كانت فرق من المتخصصين تستكشف تفشي مرض غير معروف محتمل في منطقة نائية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويعتقد الآن أنه حالات من الملاريا الشديدة وأمراض أخرى تفاقمت بسبب سوء التغذية الحاد.

وتشعر القائمة بأعمال مدير إدارة التأهب للأوبئة والوقاية منها في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيرخوف، بالقلق إزاء وضع إنفلونزا الطيور، فالفيروس لا ينتشر من إنسان إلى إنسان، ولكن كان هناك عدد متزايد من الإصابات البشرية في العام الماضي.

وقالت إنه في حين أن هناك نظام مراقبة دولياً يركز بشكل خاص على الإنفلونزا، فإن المراقبة في قطاعات مثل التجارة والزراعة، حيث يختلط البشر والحيوانات، ليست شاملة بما فيه الكفاية.

وتؤكد أن القدرة على تقييم المخاطر بشكل صحيح «تعتمد على الكشف والتسلسل وشفافية البلدان في مشاركة هذه العينات».

تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهمية الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

وتقول إن جائحة «كوفيد - 19» تركت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم «مهتزة حقاً»، وتبعتها قائمة طويلة من الأزمات الصحية الأخرى.

وأضافت: «بدأت الإنفلونزا الموسمية في الانتشار، وواجهنا الكوليرا، والزلازل، والفيضانات، والحصبة، وحمى الضنك. إن أنظمة الرعاية الصحية تنهار تحت وطأة العبء، وتعرضت القوى العاملة الصحية لدينا على مستوى العالم لضربة شديدة، ويعاني الكثيرون من اضطراب ما بعد الصدمة. ومات الكثيرون».

وقالت إن العالم لم يكن في وضع أفضل من أي وقت مضى عندما يتعلق الأمر بالخبرة والتكنولوجيا وأنظمة البيانات للكشف السريع عن التهديد.

وتضيف أن توسيع قدرات التسلسل الجينومي في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، وتحسين الوصول إلى الأكسجين الطبي والوقاية من العدوى ومكافحتها، تظل «مكاسب كبيرة حقاً» بعد جائحة «كوفيد - 19». وهذا يعني أن إجابتها عمّا إذا كان العالم مستعداً للوباء التالي هي: «نعم ولا».

وتقول: «من ناحية أخرى، أعتقد أن الصعوبات والصدمة التي مررنا بها جميعاً مع (كوفيد) ومع أمراض أخرى، في سياق الحرب وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية والسياسية، لسنا مستعدين على الإطلاق للتعامل مع جائحة أخرى، ولا يريد العالم أن يسمعني على شاشة التلفزيون أقول إن الأزمة التالية تلوح في الأفق».

وتقول إن عالم الصحة العامة «يكافح من أجل الاهتمام السياسي، والمالي، والاستثمار، بدلاً من أن تعمل الدول على البقاء في حالة ثابتة من الاستعداد».

وذكرت أن الحل الطويل الأجل «يتعلق بالحصول على هذا المستوى من الاستثمار الصحيح، والتأكد من أن النظام ليس هشاً».

هل الأموال متاحة للاستعداد للوباء؟

وجد وزير الصحة الرواندي الدكتور سابين نسانزيمانا نفسه يتعامل مع تفشي مرضين رئيسيين في عام 2024: حالة الطوارئ الصحية العامة في أفريقيا، و66 حالة إصابة بفيروس «ماربورغ» في بلاده.

ويشارك في رئاسة مجلس إدارة صندوق الأوبئة، الذي أُنشئ في 2022 كآلية تمويل لمساعدة البلدان الأكثر فقراً على الاستعداد للتهديدات الوبائية الناشئة.

ويحذر نسانزيمانا مما إذا وصل الوباء التالي في عام 2025 بقوله: «للأسف، لا، العالم ليس مستعداً، ومنذ انتهاء حالة الطوارئ الصحية العامة بسبب (كوفيد) العام الماضي، حوّل العديد من القادة السياسيين انتباههم ومواردهم نحو تحديات أخرى، ونحن ندخل مرة أخرى ما نسميه دورة الإهمال، حيث ينسى الناس مدى تكلفة الوباء على الأرواح البشرية والاقتصادات ويفشلون في الانتباه إلى دروسه».

وقال إن صندوق الأوبئة «يحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من الموارد للوفاء بمهمته»،

وفي عام 2022، بدأت منظمة الصحة العالمية مفاوضات بشأن اتفاق جديد بشأن الجائحة من شأنه أن يوفر أساساً قوياً للتعاون الدولي في المستقبل، لكن المحادثات فشلت في التوصل إلى نتيجة بحلول الموعد النهائي الأولي للجمعية العالمية للصحة السنوية في 2024، ويهدف المفاوضون الآن إلى تحديد موعد نهائي لاجتماع هذا العام.

جائحة «كورونا» غيّرت الكثير من المفاهيم والعادات (إ.ب.أ)

وتقول الدكتورة كلير وينهام، من قسم السياسة الصحية في كلية لندن للاقتصاد: «حتى الآن، أدت المحادثات في الواقع إلى تفاقم مستويات الثقة بين البلدان»، ولا يوجد اتفاق حول «الوصول إلى مسببات الأمراض وتقاسم الفوائد»، وكذلك الضمانات التي تُمنح للدول الأكثر فقراً بأنها ستتمكن من الوصول إلى العلاجات واللقاحات ضد مرض وبائي مستقبلي، في مقابل تقديم عينات وبيانات تسمح بإنشاء هذه العلاجات».

وتشير الأبحاث إلى أن المزيد من المساواة في الوصول إلى اللقاحات في أثناء جائحة «كوفيد - 19» كان من الممكن أن ينقذ أكثر من مليون حياة.

وذكرت وينهام: «الحكومات متباعدة للغاية، ولا أحد على استعداد حقاً للتراجع».

وقالت آن كلير أمبرو، الرئيسة المشاركة لهيئة التفاوض الحكومية الدولية التابعة لمنظمة الصحة العالمية: «نحن بحاجة إلى اتفاق بشأن الجائحة يكون ذا معنى».