مهارات اللعب عند الأطفال ودورها في التطور اللغوي

استراتيجيات لتنميتها منذ الطفولة المبكرة

مهارات اللعب عند الأطفال ودورها في التطور اللغوي
TT

مهارات اللعب عند الأطفال ودورها في التطور اللغوي

مهارات اللعب عند الأطفال ودورها في التطور اللغوي

يتفق علماء النفس على أن للعب في مرحلة الطفولة المبكرة فوائد تستمر حتى الكبر وتعزز مهارات الإبداع والتعاون لديهم، وأن اللعب في الطفولة عامل أساسي وضروري للتطور الاجتماعي والعاطفي والإدراكي، وأن الحرمان من اللعب في الصغر قد يكون سببا في تكوين شخصيات مضطربة في كبرها وغير قادرة على الانسجام في المجتمع.

- خصائص ومراحل اللعب
تحدث إلى «صحتك» الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري، رئيس قسم اضطرابات التواصل في «مجمع عيادات العناية النفسية» بالرياض، وهو أكاديمي وباحث ومستشار لعدد من الهيئات وأستاذ مشارك بكلية الطب بجامعة الملك الفيصل بالرياض، فأوضح أن الأطفال يقومون بتكوين مفاهيم للعالم من حولهم من خلال اللعب الذي يستخدمون فيه خبراتهم الشخصية والذي يؤثر بشدة على تطورهم العام. وقد قام الباحثون بتحديد خمسة عناصر أساسية لتعريف خاصية اللعب، وهي:
- اللعب عبارة عن نشاط إرادي منبعه الذات.
- اللعب رمزي له معنى وبه يقوم الشخص بتقمص شخصيات مختلفة.
- اللعب نشاط فعال يضم العديد من المشاركين.
- اللعب نشاط يحكمه قانون معين.
- اللعب نشاط ممتع.
وحول مراحل اللعب الأساسية عند الأطفال، تقول الاختصاصية ريانة الدوسري اختصاصية النطق واللغة بمدينة الملك سعود الطبية وطالبة برنامج ماجستير علاج أمراض النطق واللغة بجامعة الفيصل - إن مهارة اللعب تعرف بأنها شكل من أشكال تفاعل الطفل مع بيئته المحيطة. ولكي يعتبر اللعب حقيقيا يجب أن يكون للطفل نية للقيام بالفعل وتكون حركاته مقصودة غير نمطية وتلقائية، وأن تظهر على الطفل مشاعر إيجابية مثل الفرح والسعادة. ومن المهم أن نعرف أن الأطفال يمرون بأربع مراحل أساسية للعب، وهي:
• مرحلة اللعب الحسي - الحركي والمعروف أيضاً بالاستكشافي: تبدأ مع الرضع في عمر (2 - 4) أشهر باستخدام حركتهم الجسدية والاستعانة بحواسهم بغرض الاستقصاء واستكشاف العالم. مثال: أن تقوم الطفلة بضرب اللعبة على الطاولة بهدف الاستمتاع بصوت الارتطام، أو وضعها داخل فمها، أو تتلاعب بها بيديها.
• مرحلة اللعب الترابطي غير الوظيفي: تظهر في عمر (5 - 12) شهراً مع نمو الطفل وتطوره حيث تبدأ مهارات اللعب الاستكشافي بالتلاشي وتستبدل بمهارات أكثر تقدما، حيث يقوم الطفل باستخدام الأشياء من حوله بطريقة ترابطية غير وظيفية ويظهر ذلك عندما يبدأ باللعب بشيئين فأكثر، مثل تكديس أو رص الألعاب والمجسمات معاً في سلة أو حاوية.
• مرحلة اللعب الوظيفي: تنمو مهارات الطفل وتتحول إلى لعب وظيفي حتى سن (18) شهراً حيث يبدأ الطفل باللعب بالأشياء عن طريق استخدامها بالشكل الصحيح المتعارف عليه تماماً كما يفعل والداه. فعلى سبيل المثال: أن يدفع السيارة الصغيرة، تقبيل دمية، تحريك الملعقة داخل الوعاء.
• مرحلة اللعب التخيلي: وأخيراً، يتطور اللعب الوظيفي ويتبلور إلى اللعب التخيلي، وهو من أهم مراحل اللعب وأكثرها تقدما.

- صفات أساسية
وتضيف الاختصاصية ريانة الدوسري أنه لكي يحقق الطفل الوصول لهذه المهارة يجب أن يتميز بثلاث صفات أساسية: اللامركزية، الخروج من السياق، والترميز.
أما المركزية، فبناءً على نظريات «بياجيه» التطورية فإنها تشير إلى أن تصرفات الأطفال تكون شديدة المركزية (أنانية) وهذه النزعة تقل مع تطور الطفل وينتقل إلى اللامركزية والتي تلاحظ حين يقوم الطفل بأفعال بعيدة عن ذاته الشخصية ويشرع في إضافة وجهات نظر الأشخاص المحيطين به، كأن يقوم الطفل بأفعال لا يقوم بها عادةً مثل التظاهر بإعداد الشاي. واللامركزية يمكن أن تلاحظ أيضاً عندما يضيف الطفل لاعبين للروتين مثل أن يطعم دمية أو أحد إخوته. أما الخروج من السياق، يمكن أن يعرف على أنه عندما يلعب الطفل بأدوار خارجة عن السياق المكاني أو الزماني كأن يتظاهر بالاستحمام في غرفة النوم. أما الترميز، فيعرف أنه عندما يقوم الطفل باستخدام شيء ليرمز لشيء آخر. مثل أن يستخدم الموزة كهاتف محمول أو أن يستخدم مكعب البناء ككوب شاي أو يستخدم منديلا ورقيا كلحاف للدمية.

- اللعب وتطور الطفل
أوضح الدكتور وائل الدكروري أن أكثر النشاطات الطبيعية للطفل هي اللعب، وقد أثبتت الأبحاث أن للعب دوراً فعالاً في تطوير وبناء ودعم معظم القدرات التطويرية لدى الطفل مثل مهارات التواصل واللغة والمهارات الاجتماعية والعاطفية.
إن للعب دوراً مهماً في تطوير مهارات الفهم اللغوي واللفظي لدى الأطفال فمثلا وجد العالمان ديبرا ولاموري علاقة قوية بين اللعب وتطور اللغة الاستقبالية (الفهم) والتعبيرية. كما أقترح العالمان فيلدز وهيلسيد بأن اللعب الاجتماعي/ المسرحي له دور في تطوير مهارات الطفل اللغوية اللفظية. وأكد العالم الشهير إيزنبرج بأن اللعب التخيلي يطور مهارات التواصل الكلية وكذلك الصيغ النحوية واستخدام اللغة وكذلك التفاعل اللفظي لدى الطفل. كما أكد بيرك بأن الأطفال يقومون أثناء اللعب التخيلي باستخدام ومشاركة الأطفال الآخرين بالكلمات التي يستخدمونها ويسمعونها في محيط المنزل مما يؤدي بالتالي إلى تطوير المفردات لدى الأطفال. وأخيرا أكد بيرجن أن التعبير والقدرة على استرجاع القصص تتطور من خلال اللعب التخيلي.
وأضاف الدكتور وائل بأن للعب دوراً مهماً أيضاً في تطوير المهارات الاجتماعية لدى الأطفال حيث إنهم يتعلمون كيفية تبادل الأدوار أثناء اللعب وكيفية الحفاظ على مشاعر الغير باستخدام التواصل اللفظي وغير اللفظي ويتعلمون أيضاً انتظار دورهم وكيفية البدء باللعب.
للعب دور مهم أيضاً في تطوير المهارات التعليمية لدى الأطفال فمثلاً أثناء اللعب في ركن اللعب الاجتماعي التخيلي في الروضة يقوم الأطفال بمحاولاتهم الأولى للقراءة والكتابة وذلك أثناء قراءتهم للوحات المكتوبة أو كتابة أوراق للطلبات التي سيقومون بشرائها من السوق، وأثناء لعبهم دور المعلمة.
وعن استراتيجيات لعب الوالدين مع الأطفال، أكد الدكتور وائل الدكروري على ضرورة اتباع خطوات علمية مدروسة أثناء اللعب مع الأطفال بشكل عام، وهي:
- أخذ الطفل حيثما يريد وليس القيام بأخذه إلى المكان الذي تختاره الأم، ويجب ترك الحرية للأطفال لاختيار الألعاب التي يفضلونها.
- الاستجابة للحوار والتواصل عن طريق استخدام الحركات مع اللفظ.
- التحدث ووصف ما يحدث بينهما في ذلك الوقت.
- عدم توقع احتياجات الطفل مسبقاً حيث إن هذا يقلل من محاولاته للتواصل.
- محاولة ترجمة جمل الطفل ومحاولاته التواصلية بشكل ناجح.

- مهارات لغوية
وحول الطرق والأساليب ذات العلاقة المباشرة بتطور المفردات والجمل لدى الأطفال، فتشمل:
- تشجيع الأطفال على التواصل من خلال تشجيعهم على النظر لوجه الأم أثناء التحاور.
- التسمية الجماعية مع الطفل.
- توقيت الاستجابة مع سؤال الطفل أو إشارته للأشياء والنظر إلى الأم/ الاختصاصي.
- النزول إلى مستوى نظر الطفل ثم التحدث معه.
- استخدام جمل قصيرة.
- استخدام جمل بسيطة.
- تكرار الجمل باستمرار.
- تكرار الجمل وتغييرها (ارم الكرة، ارمها).
- استخدام نبرة صوت مبالغ فيها أثناء التحدث عن الأشياء المختلفة وليس رفع الصوت.
- التأكيد على الكلمات المهمة.
- عدم التحدث بكثرة بحيث تغلب على الحوار.
- التحدث بسرعة أقل من الطبيعي.
كما توجد استراتيجيات، أثناء اللعب مع الأطفال، ذات علاقة مباشرة بتطور اللغة تشمل:
- الحديث المتوازي. وهو عبارة عن تعليقات الشخص أو وصفه لما يقوم به أثناء انشغاله باللعب مثل (أنت تبني البيت)، (أنت فتحت الباب).
- الحديث الذاتي: وهو وصف الشخص لما يقوم به أثناء اللعب مع الطفل، مثل (أنا أبني البيت)، (أنا أبني).
- التطوير: وهو تطوير الشخص لجمل الطفل الناقصة أو غير الصحيحة لغوياً لجمل أكثر صحة لغوياً. مثل إذا قال الطفل (بيبي ننا) أو (بيبي أكل) يمكن للأم أن تقول (البيبي يأكل) أو (البيبي يبغي يأكل).
- التضخيم. وهي الملاحظات التي يضيفها الشخص على كلام الطفل، فمثلاً إذا قال الطفل (بيبي أكل) يمكن للأم أن تقول (البيبي جيعان يبغي يأكل).
- تغيير الجمل. وهو قيام الشخص بتطوير نوع الجملة التي يستخدمها الطفل إلى نوع آخر فمثلاً إذا قال الطفل (عباية ماما) يمكن للأم أن تطور جملة الطفل إلى سؤال وتقول (هذه عباية ماما؟) أو إلى صيغة نفي بحيث تقول (لا هذه ليست عباية ماما).

أركان اللعب والمهارات
وعن التوظيف التعليمي لأركان اللعب في برامج التدخل المبكر، أشار الدكتور الدكروري بأن لكل ركن من أركان اللعب دورا مهمًا في تطوير مهارات النمو المختلفة لدى الأطفال. فهناك مثلا:
• ركن المكعبات. يساعد الأطفال على بناء مهارات التصنيف، التسلسل، المفاهيم، الإعجاب وحل المعضلات وكذلك تطوير مهاراتهم الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك فإن مهارات الطفل اللفظية تتطور أثناء تحدث الطفل عما قام ببنائه.
• ركن الخيال الاجتماعي. يساعد الطفل على اكتشافه وتطويره للأدوات المختلفة التي يلعبها البالغون في المجتمع وكذلك للسلوكيات الاجتماعية المختلفة وأيضاً لمهارات اللغة والأكاديمية. فالألعاب الخاصة بالمنزل تطور الأداء اللفظي واللغوي للطفل أثناء حديثه عن النشاطات التي يقوم بها الأشخاص وكذلك تزيد من فهم الأطفال لاحتياجات ومسؤوليات الأشخاص البالغين مثلاً (أثناء قيامهم بتحضير وجبة طعام).
• ركن القراءة. يساعد على تطوير اهتمامات الطفل بالكتب، مهارات ما قبل التعلم مثل (التعرف على الحروق) وكذلك تساعدهم على إعادة صياغة القصص القصيرة وترديدها.
• ركن الاستماع. يساعد على تحفيز سمع الطفل وتشجيعه على الاستماع.
• ركن النشاط البدني. يساعد على تطوير أدائهم الجسدي وكذلك أدائهم اللفظي حينما يقومون بالتحدث عما يقومون به كالقفز ورمي الكرة.
وأخيرا، ما هو دور اختصاصي أمراض النطق واللغة في تقييم مهارات اللعب؟ ودوره في التدخل؟ لاختصاصي أمراض النطق واللغة دور كبير وأساسي في تقييم مهارات اللعب عند الأطفال. وللعب دور محوري لا غنى عنه في مجال التدخل المبكر. وفي العادة يستخدم الاختصاصي اختبارات مقننة وغير مقننة تستهدف اللغة واللعب قد تشمل اللعب مع الطفل أو مراقبة الطفل يلعب مع أهله وأيضاً قد يطلب تعبئة استمارة تقييم تحوي على أسئلة تخص التطور النمائي بشكل عام ومهارات اللعب بشكل خاص. وبناءً على كل هذه الأشياء يقرر الاختصاصي احتياج الطفل للتدخل من عدمه.
وتنصح الجمعية الأميركية للنطق واللغة والسمع الأهالي باستشارة المختصين عندما يتأخر الطفل في تحقيق أهدافه اللغوية ونطق الأصوات بشكل صحيح مقارنة بأقرانه. ولأن علاقة اللعب واللغة علاقة ترابطية فمن المتوقع أن التأخر اللغوي يصاحبه تأخر في مهارات اللعب. ويتأكد اللجوء لاستشارة المختصين عندما يكون عند الطفل اضطراب أو تأخر نمائي مصاحب.

• استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

مرض غامض يحصد الأرواح في الكونغو

أفريقيا المرض الغامض أودى بحياة أكثر من 67 شخصاً (رويترز)

مرض غامض يحصد الأرواح في الكونغو

أعلن وزير الصحة في إقليم كوانغو بجنوب غربي الكونغو، أبولينير يومبا، اليوم (الأربعاء)، وفاة 67 شخصاً على الأقل في الأسبوعين الماضيين نتيجة مرض غامض.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا )
صحتك القلب لديه نظامه العصبي المعقد الذي يُعد أمراً بالغ الأهمية للتحكم في إيقاعه (معهد كارولينسكا)

القلب له دماغه الخاص

أظهرت دراسة جديدة أجراها فريق بحثي من معهد كارولينسكا في السويد بالتعاون مع باحثين من جامعة كولومبيا الأميركية، أن القلب لديه دماغ صغير عبارة عن نظام عصبي خاص.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك دراسة: التعرض لتلوث الهواء يزيد من خطر العقم

دراسة: التعرض لتلوث الهواء يزيد من خطر العقم

أظهرت دراسة أميركية حديثة أن تعرض الأم والأب لملوثات الهواء الشائعة قد يزيد من خطر العقم لأنه قد يكون ضاراً بتطور البويضات والحيوانات المنوية والأجنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الأنشطة الروتينية عالية الكثافة مثل صعود السلالم تقلل من خطر إصابة النساء بالنوبات القلبية إلى النصف (رويترز)

4 دقائق من المجهود اليومي تقلل من خطر إصابة النساء بالنوبات القلبية

أكدت دراسة جديدة أن النساء اللاتي يقمن يوميّاً بـ4 دقائق من المجهود اليومي والأنشطة الروتينية عالية الكثافة يقللن من خطر إصابتهن بالنوبات القلبية إلى النصف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك امرأة تعاني مرض ألزهايمر (رويترز)

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

أكدت دراسة جديدة أن طريقة الكلام قد تتنبأ باحتمالية الإصابة بمرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«تعفن الدماغ»... ماذا نعرف عن هذا المصطلح وعلاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)
قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)
TT

«تعفن الدماغ»... ماذا نعرف عن هذا المصطلح وعلاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)
قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)

اختيرت كلمة «تعفن الدماغ» لتكون كلمة عام 2024، في «أكسفورد»، بعد 37 ألف تصويت ومناقشة عامة على مستوى العالم وتحليل من الخبراء.

وأفادت دار نشر جامعة أكسفورد، ناشرة «قاموس أكسفورد الإنجليزي»، بأن معدل استخدام الكلمة زاد بنسبة 230 في المائة عن العام السابق.

فماذا يعني «تعفن الدماغ»؟

تُعرف «أكسفورد» تعفُّن الدماغ بأنه «التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص؛ خصوصاً نتيجة الإفراط في استهلاك المواد (الآن بشكل خاص المحتوى عبر الإنترنت) التي تُعدّ تافهة أو غير صعبة».

بمعنى آخر، فإنك إذا كنت تقضي ساعات طويلة في تصفح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بلا هدف، فإنك قد تعاني من تعفن الدماغ.

وبحسب شبكة «بي بي سي» البريطانية، يعود أول استخدام مسجَّل لمصطلح «تعفن الدماغ» إلى ما قبل إنشاء الإنترنت بكثير؛ فقد استخدمه الشاعر والفيلسوف الأميركي، هنري ديفيد ثورو، في عام 1854 بقصيدته التي تدعى «والدن»، وذلك أثناء انتقاده لميل المجتمع إلى التقليل من قيمة الأفكار العميقة والمعقدة وكيف أن هذا يشكل جزءاً من الانحدار العام في العقل والفكر.

وتُستخدم الكلمة حالياً كوسيلة لوصف المحتوى منخفض الجودة والقيمة الموجود على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال عالم النفس وأستاذ جامعة أكسفورد، أندرو برزيبيلسكي، إن الشعبية التي اكتسبتها الكلمة الآن هي «مؤشر على طبيعة العصر الذي نعيش فيه».

وأضاف: «لا يوجد دليل على أن تعفُّن الدماغ شيء حقيقي، لكنه فقط رمز للضرر الذي يلحق بنا بسبب العالم الإلكتروني».

ومن ناحيتها، قالت الدكتورة إيلينا توروني، استشارية علم النفس المؤسسة المشاركة لعيادة تشيلسي لعلم النفس، لموقع «بريكينغ نيوز» الآيرلندي: «تعفن الدماغ مصطلح يستخدمه الناس لوصف ذلك الشعور الضبابي الذي ينتابك عندما تستهلك كثيراً من المحتوى المكرَّر منخفض الجودة».

وأكملت: «إنه ذلك الشعور بالاستنزاف العقلي أو البلادة الذهنية الذي يحدث بعد ساعات من تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي، أو مشاهدة البرامج، أو الانخراط في مواد لا تحفز عقلك».

ينبغي حصر استخدام الإنترنت مواقع التواصل الاجتماعي لأوقات محددة في اليوم لتفادي «تعفن الدماغ» (رويترز)

أما كاسبر غراثوهل، رئيس قسم اللغات في جامعة أكسفورد، فأوضح أن مصطلح «تعفن الدماغ»، في معناه الحديث، يشير إلى أحد المخاطر المتصورة للحياة الافتراضية، وكيف نستخدم وقت فراغنا.

وأضاف: «إن النظر والتأمل في كلمة العام في (أكسفورد) على مدى العقدين الماضيين يجعلك ترى انشغال المجتمع المتزايد بكيفية تطور حياتنا الافتراضية، والطريقة التي تتغلغل بها ثقافة الإنترنت إلى حديثنا وجوانب شخصيتنا».

وأكمل: «كانت الكلمة الفائزة في العام الماضي، وهي «ريز» المشتقة من كلمة «كاريزما»، مثالاً مثيراً للاهتمام على كيفية تطوير المصطلحات الجديدة ومشاركتها بشكل متزايد داخل المجتمعات عبر الإنترنت».

ما عواقب «تعفن الدماغ»؟

يقول كريغ جاكسون، أستاذ علم النفس الصحي المهني بجامعة برمنغهام سيتي: «لا يوجد تأثير جسدي معروف لـ(تعفن الدماغ) على الأشخاص الذين يُفرِطون في استخدام الإنترنت ومواقع التواصل. لكن هذه المشكلة قد ينتج عنها تغيرات إدراكية وسلوكية».

ويمكن أن يشمل هذا مجموعة واسعة من الآثار السلبية.

وتقول توروني: «يمكن أن تتراوح هذه الآثار من صعوبة التركيز وانخفاض الإنتاجية إلى الشعور بعدم الرضا أو حتى الشعور بالذنب بشأن الوقت الضائع في تصفُّح الإنترنت. ويمكن أن يؤثر الأمر أيضاً على الصحة العقلية، مما يساهم في الشعور بالتوتر أو القلق أو الافتقار إلى الهدف في الحياة».

وأضافت: «بمرور الوقت، يمكن أن يصعب (تعفن الدماغ) على الأشخاص التركيز على الأنشطة ذات المغزى أو التوصل إلى أفكار عميقة».

كيف يمكن أن نتصدى لـ«تعفن الدماغ»؟

وفقاً لموقع «بريكينغ نيوز»، هناك 6 طرق لمكافحة «تعفن الدماغ»، وهي:

1-ضع حدوداً لاستخدامك للإنترنت:

ينصح جاكسون بحصر استخدام الإنترنت ومواقع التواصل لأوقات محددة قليلة في اليوم ولمدة محددة.

2- ابحث عن بدائل جذابة

تقول توروني: «استبدل بالتصفح السلبي للإنترنت أنشطةً أكثرَ إثراءً، مثل قراءة كتاب أو تدوين مذكرات أو استكشاف هواية إبداعية».

3- قم بأي نشاط بدني

تؤكد توروني أن «التمارين المنتظمة ترياق قوي للضباب العقلي».

وأضافت أنه «حتى المشي القصير في الهواء الطلق يمكن أن يساعد في تنقية ذهنك وتعزيز تركيزك».

4- خذ فترات راحة للتخلص من السموم الرقمية

يقول جاكسون إن «التخلص من السموم الرقمية والتوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفترة يمكن أن يغير من نظرة المستخدمين لعلاقاتهم بهذه الوسائل».

5- حفّز عقلك بطرق إيجابية

تنصح توروني قائلة: «انخرط في الأشياء التي تشكل تحدياً بالنسبة لك، مثل تعلُّم مهارة جديدة، أو حل الألغاز. الأمر يتعلق بتغذية عقلك بمحتوى عالي الجودة».

6- كن انتقائيا في اختيارك للمحتوى

تقول توروني: «اخترِ المحتوى الذي يتماشى مع اهتماماتك وقيمك، مثل الأفلام الوثائقية أو البث الصوتي القيّم أو الكتب التي تلهمك».