قصص إنسانية... كتب مفتوحة على الحياة

نشاط نظمته مكتبة بلدية بيروت لاستعارة التجارب بدل الكتب

جانب من الحضور في مكتبة بلدية بيروت
جانب من الحضور في مكتبة بلدية بيروت
TT

قصص إنسانية... كتب مفتوحة على الحياة

جانب من الحضور في مكتبة بلدية بيروت
جانب من الحضور في مكتبة بلدية بيروت

اسمها المهرّجة «بوبا». تجلس على أريكة وحولها مستمعون إلى قصتها، ضمن نشاط نظّمته مكتبة بلدية بيروت في منطقة الباشورة، بغرض استعارة تجارب إنسانية بدلاً من الكتب، والإصغاء إلى حكايات بشر يشاركون الآخرين لوعة قرروا تحويلها إلى فرح. «لِمَ أنتِ مهرّجة؟»، تضحك للسؤال وتعكسه: «لِمَ لا أكون مهرّجة؟»، تردّ الشابة الملوّن وجهها، والمزيّنة نبرتها بأحلام الأطفال.
بجانبها، تجلس «عباس الحساس»، مهرّجة شارع. اسمها ريم طه، تُسقط على نفسها اسم رجل، وبهزأ المتألمين من الحياة، توضح «اخترتُ اسم رجل تعبيراً عن جزئي المكبوت والممنوع من الظهور. للأنثى جانبان، رجل وامرأة، فلِمَ لا أستطيع أن أكون عباس؟ إنه اسم جدي»، تقول ابنة الـ27 عاماً بإصرار على هزيمة الإحباط.
في كل زاوية حكاية تترقّب آذاناً صاغية. انتظرنا منتصراً على السرطان ليروي تجربته، وهذا الصنف من الانتصارات ملهم وشجاع. لم يأتِ، لمخالطته مصاباً بـ«كورونا». وكان لقاء مع «كتاب» تعرّض للتنمّر لتدنّي علاماته المدرسية. عمره 24 سنة، يفضّل عدم كشف اسمه: «التجربة هي الأهم وهدفي دفع الناس نحو المواجهة». فـ«كتاب» أخير، تقلّب أوراقه معالِجة نفسية حركية، تختار أيضاً إخفاء هويتها. تشارك تجربة مؤثرة عن إصابتها بأزمة الوجود وأسئلته الصعبة، ثم قرارها اعتزال المهمّة المستحيلة: الأجوبة.
نشاط تريد منه مكتبة بلدية بيروت نشر ثقافة «المكتبة الإنسانية»، ومحاكاة الآخر بكونه كتاباً مفتوحاً يمكن الاستماع إليه من دون إدانة. قواعد اللعبة: «استعارة» شخص (وليس كتاباً) لعشرين دقيقة. «بوبا» و«عباس الحساس» تسرحان في الأحلام وهما تخبران قصتيهما. المعالجة النفسية الحركية تضحك كطفلة على المعاناة وتقرر أن لا شيء سيوقفها؛ كالمتغلّب على التنمّر وهو يؤكد أنّ الإرادة أقوى من الظرف.
نعود إلى «بوبا» المتكئة على أريكة حمراء. منذ الطفولة وهي ترى في الألوان ملجأ للسعادة. كانت غرفتها أشبه بسيرك مصغّر، من دون أن تعرف ما هو السيرك وما مفهوم المهرّج. ظنّت أنّ المهرّجين هم مَن يُضحكون الأولاد في أعياد ميلادهم ويسلّونهم في مطاعم «الماكدونالدز». إلهامها الأول كان ولداً أيقظ فيها إحساساً بأنها «بوبا» المهرّجة. عرّفها على نفسها ومَن تريد أن تكون.
تخصصت في التغذية، وشغفها الموسيقى والتفاعل مع الناس حين تلوّن وجهها وترتدي زي المهرّج لتُسعدهم في الشارع. «هذا شكلي الذي أحبّه. يرغمنا المجتمع على الدراسة للعمل وتأمين المال. يقتل الطفل في داخلنا ويسلبنا الضحكة الحقيقية. المهرّج يعلّمني التمسّك ببراءة الأطفال فأشعر بجدوى الحياة».
نسألها عن الأسى وراء وجه المهرّج الملوّن وضحكته العريضة، فتجيب بأنه كجميع البشر تعتريه أنواع المشاعر. تحمل بيدها «المنخار» الخاص بالمهرّج وتصفه بأصغر الأقنعة، فحين تضعه على منخارها، تنسى القسوة وتتحوّل إلى شخص مرِح. تنتقد وضع الأقنعة لإرضاء المجتمع، وزيادة الطلب عليها مع التقدّم في العمر. «بوبا» كتاب مفتوح على إعادة فهم الحياة من وجهة نظر مهرّجة تصرّ على اللعب. ألا يكبر الإنسان على اللعب؟ ترفض ربط الألعاب بالأطفال: «قوة مهرّج الشارع في شفافيته، فيما الناس راضخون لصرامة المجتمع. يُخرج من داخله أحاسيسه فيُفرح ويملأ المكان بالطاقة الإيجابية».
تحضّر لسيرك في البقاع يخاطب الأطفال بأسلوب تفاعلي، فيوقظ فيهم خيالاتهم الإبداعية. تريد «بوبا» الإبقاء على الروح الحية وإنقاذها من السيستم الاجتماعي الجارح. تريد ألا يموت اللعب مدى العمر، فيسلب المجتمع الإنسانَ براءته: «هذا ما حصل معي، فقررت أن أشبه نفسي».
تخفي «عباس الحساس» سخطاً على مجتمع يدين الآخر ويزجّه في إطار. يظنها الناس «فاضية البال» حين ترتدي لباس المهرّج وتجول في عروض الشارع. هناك تشعر بالانتماء الصافي للإنسانية، فتتمسّك بشغف التفاعل مع الآخرين، أتقاضت المال، أم عملت بلا مقابل.
يؤلمها أن يعدّل البعض نظرته حيالها حين تقدّم العروض مقابل المال، ويرميها بعدم الجدية وإضاعة الوقت حين تقدّم عروضاً مجانية. «عزيزي المجتمع، هذه أنا، أضفي ألواناً على أيامك الباهتة. يمنحني مهرّج الشارع بهجة، فأمنحها للآخرين. ينبغي لفت الانتباه إلى أهمية التفاعل، خصوصاً مع الغرباء. وهذا يتطلب طاقة هائلة ووضع المشاكل جانباً. المهرّج كأم تمرّ بأيام عصيبة، لكنها تجنّب أطفالها التأثيرات السلبية. أتعلّم تحويل الألم إلى طاقة خلاقة، وأن أضع الجوانب المظلمة في الضوء». العبرة من كتاب ريم طه، أن الأشياء يمكن أن تكون مختلفة عما نظنّها، وبعض دروس الأيام لربما تلقّيناها بأسلوب خطأ. ثمة دائماً احتمالات أخرى. حيوية ومُقبلة على الحياة، هي المعالجة النفسية الحركية. شابة في الرابعة والعشرين، بداخلها امرأة ناضجة، كبّرتها الأسئلة. منذ الطفولة وهي تُكثر منها وعبثاً تستريح من حملها. نقرأ كتابها: «جرفتني الأزمة الوجودية والسؤال عن الإنسان وجدواه. أتاح لي تخصصي الجامع بين الفن والعلوم قدرة على وضع حدّ لهذا العذاب. اقتنعت بأنني لأعالج الآخرين يجب أولاً معالجة نفسي. ألقيت عنها الأثقال وقررتُ التركيز على هدفي، بعدما أدركتُ أنّ الأسئلة مدمّرة ولن أبقى في الدوامة إلى الأبد». في كتابها، تحتدم المواجهة مع النفس، قبل إعلان التصالح معها: «بلغتُ السلام الداخلي بالبوح، وقررت الانطلاق من جديد».
خلف الشاب المنتصر على التنمّر، كتاب عن موسيقى الجاز، وبجانبه كتاب آخر عنوانه «أم كلثوم في أبوظبي». يذكر قسوة أستاذه وتنمّره عليه لتدنّي علاماته المدرسية، وتعرّضه للتحطيم المعنوي: «تألمت بداية، ثم تصالحت مع نفسي. أرسب في مواد وأنجح في أخرى. العلامات ليست نهاية الدنيا. على الإنسان أن يحاول حيث يجد سعادته».
يتخرّج من الجامعة ويستعدّ لدخول سوق العمل. لا يخفي خوفه مما ينتظره ويصمم على التصدّي. يسامح أستاذه، ويقول إنّ المتنمّر قد لا يعي ما يفعله. أتؤرقك العلامات اليوم؟ «على الإطلاق. اكتسبتُ نفسي».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.