«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

خبراء أمن مصريون أكدوا لـ {الشرق الأوسط} أن المعركة مع الإرهاب طويلة

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!
TT

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

أكد خبراء أمنيون واستراتيجيون لـ«الشرق الأوسط» أن جماعة أنصار بيت المقدس تمثل تحولا خطيرا في أسلوب الأعمال والجماعات الإرهابية التي شهدتها مصر على مدار تاريخها الحديث، لما شهدته الفترة الأخيرة من أعمال عنف وإرهاب غير مألوفة ومختلفة عما كان يحدث من عمليات إرهابية سابقة.
فقد اتسمت العمليات الإرهابية الأخيرة في مصر بانتقال ميدانها من الأطراف في سيناء إلى داخل القطر المصري في قراه ومدنه حتى وصل إلى العاصمة القاهرة، لتشهد تفجيرات انتحارية وسيارات مفخخة لم يعهدها المصريون حتى في أصعب فترات الإرهاب التي مرت بها مصر.
لذلك، أصبحت جماعة أنصار بيت المقدس، التي اعترفت بمسؤوليتها عن تلك العمليات الإرهابية، مثار جدل كبير على الأصعدة كافة، لا سيما مع تزامن نشاطها مع سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثار الاتهام بوجود علاقة ما بين الجماعتين، بل ذهب البعض إلى أن جماعة أنصار بيت المقدس ما هي إلا ميليشيات تتبع القيادي الإخواني خيرت الشاطر.
ولا شك في أن هناك تساؤلات كثيرة حول جماعة بيت المقدس وحقيقتها، وهو ما نحاول البحث عن إجابات له مع الخبراء والمحللين.

الخبير الاستراتيجي اللواء عبد الرافع درويش رئيس حزب فرسان مصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «نقطة التحول في جماعة أنصار بيت المقدس عندما تولى الرئيس السابق محمد مرسي، حيث كان يدعمهم ويرسل لهم سيارات في سيناء، وأنهم كانوا يسعون لما يسمى غزة الكبرى التي تضم سيناء حتى العريش وغزة على مساحة الـ700 كم، ضمن الخطة الأميركية الصهيونية، ومعها بعض دول المنطقة، كبديل استعماري جديد لحل مشكلة إسرائيل، وذلك في إطار نظرية الشرق الأوسط الجديد التي كشفت عنها كوندوليزا رايس، وهو ما وافق عليه الرئيس المعزول مقابل 25 مليون دولار التي يسأل عنها أوباما الآن. ولذلك، فأنا أعد ما حدث يوم 3/7 من عام 2013 نصرا يشبه نصر 1973، لأننا استرددنا فيه سدس الأرض المصرية التي باعها (الإخوان)».
ويضيف درويش أن «ليبيا كانت المقر الرئيس لـ(الجهاد) وجماعة بيت المقدس، وكانت هناك سيارات تحمل شبابا ما بين 25 - 35 سنة من مرسى علم بمصر إلى مصراتة بليبيا لتدريبهم هناك بهدف إنشاء جيش حر على شاكلة (الجيش الحر) بسوريا ليحل محل القوات المسلحة المصرية، وتزامن ذلك مع ما قاله عاصم عبد الماجد بإنشاء شرطة في أسيوط تكون موازية لوزارة الداخلية المصرية، وذلك في إطار خطة شاملة للسيطرة على الدولة المصرية».
وأضاف أن «المشكلة بدأت في أعقاب ثورة يناير، حيث لم يكن هناك أي حزب منظم في مصر إلا جماعة الإخوان، خاصة أن الثورة كانت بلا قيادة. وتنظيم الإخوان هذا تنظيم دولي، مصروف عليه 45 مليار دولار لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وإحداث الفوضى الخلاقة للقضاء على الجيوش العربية، لضمان عدم القدرة على الوقوف أمام إسرائيل وتحقيقا لأمنها. وتأكيدا لذلك، نرى المخطط واضحا على الخريطة العربية؛ بداية من الصومال في الجنوب، ووصولا لموريتانيا غربا حيث نجد سيطرة للإخوان المسلمين، ثم الجزائر قبل سيطرة الجيش، وبعدها المغرب نجد أن رئيس الحكومة من الإخوان المسلمين رغم أنها ملكية، ثم تونس وليبيا، كذلك من الإخوان المسلمين، ثم مصر قبل أحداث الثلاثين من يونيو (حزيران)، واليمن وسوريا، ثم العراق وبدءوا أيضا بإثارة الفتنة بين السنة والشيعة تحت اسم الهلال الشيعي الذي يجمع سوريا والعراق ولبنان وإيران. ومن الغريب أن إيران الشيعية تدعم حماس السنية لتكون هي الشوكة في ظهر مصر وتعد هي الجناح العسكري للإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه يعملون على خلق ما يسمى الهلال السني لإحداث الفتن والمعارك الداخلية لإنهاك الجيوش العربية».
واستطرد أن «جماعة بيت المقدس لم تجر عملية واحدة ضد إسرائيل منذ تولي (الإخوان)، وكذلك لم يحدث أي تفجير لخط الغاز المصري بسيناء أثناء حكم (الإخوان)، بينما بدأ العمل ضد القوات المسلحة المصرية عندما قرر الفريق السيسي هدم الأنفاق بيننا وبين غزة».
وعن دخول الإرهاب إلى القاهرة والمدن بعد سيناء، قال اللواء عبد الرافع درويش: «إنهم هربوا من سيناء بعد زيادة الضغط عليهم من قبل الجيش، وأصبحت آخر أوراقهم العمليات الانتحارية وتفجير النفس، وهي مؤشر على قرب نهاية هذه الجماعات الإرهابية، لأن ذلك آخر ما يمكن عمله عندهم، بعد أن فقدوا حب الحياة تحت تأثير وصولهم لمرحلة اليأس. ويجب أن نعلم أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع أن توقف الإرهاب بنسبة 100 في المائة، لكنه سيجري تجفيف منابع الإرهاب لأقصى درجة، إلا أن المعركة ستطول لبعض الوقت، وعلى الشعب أن يقبل تحمل الخسائر ويقدم بعض التضحيات. فهذه الجماعة تحاول جر الجيش لحروب جانبية، ويبدو كأنهم هم الذين يحاربون دولة الإرهاب وليس العكس». ويشير اللواء درويش إلى «لجوء هذه الجماعة لتغيير أسلوبها بعد محاصرتها وتضييق الخناق عليها؛ حيث أصبحوا يلجأون لخطف الأشخاص وطلب الفدية للحصول على موارد كما فعلوا وخطفوا الدكتورة نادية الأنصاري أستاذ الكبد وطالبوها بفدية ثلاثة ملايين جنيه. ونحن الآن في حالة حرب، وهي تعني أن من يرفع يده بأي شيء يموت، وضرورة تحقيق العدالة الناجزة السريعة، فما دامت هناك قرائن وأدلة فلا بد من صدور أحكام سريعة. ومن ثم، لا بد لرئيس الجمهورية أن يعلن حالة الحرب بكل شروطها وقوانينها، كما أطالب الحكومة المصرية بأن تتوجه إلى حماس الذين أعلنوا الحرب ضدنا وركبوا السيارات البيضاء ذات الدفع الرباعي وعليها علامة (الإخوان)، لترى هؤلاء الناس وتضربهم هناك قبل أن أنتظر ليأتوا ويضربوا أولادنا، كما فعل أنور السادات في معمر القذافي عندما شتم مصر وأعلن الحرب علينا، فأرسل إليه طائرات تضربه، وساعتها قال السادات: (ولادي يؤدبون الولد المجنون اللي هناك)، قاصدا القذافي دون أن تعترض دولة واحدة في العالم. فجماعة بيت المقدس تغيرت 180 درجة وتحولت من مقاومة الاحتلال ونصرة بيت المقدس إلى محاربة مصر».
من ناحية أخرى، كشف القيادي الإخواني المنشق أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «أنصار بيت المقدس» جماعة ناتجة عن تزاوج بين مائة عنصر من عناصر ألوية الناصر صلاح الدين وعناصر جماعة التوحيد والجهاد التي كانت تدعى سابقا «التكفير والجهاد».
وأوضح أن «(ألوية صلاح الدين) كانت تستهدف إسرائيل وتطلق الصواريخ عليه، حتى دخلت حماس في التهدئة مع الإسرائيليين وتحفظت كيانات كانت تمارس المقاومة ومنها (ألوية الناصر صلاح الدين)، حيث خرج منها 100 عنصر اعترضوا على التهدئة وقرروا نقل المعركة من غزة إلى سيناء، وتسللوا إليها ليرتبطوا بجماعة التوحيد والجهاد التي غيرت وجهتها من التكفير للتوحيد أثناء وجود بعضهم داخل السجون في أعقاب حادث طابا وشرم الشيخ عام 2004، وعندما تلاقيا معا كونا جماعة أنصار بيت المقدس التي تنتمي إليها (كتائب الفرقان) إحدى أذرعها التي تمارس العنف بتقنيات أعلى، من خلال استخدام أسلحة الـ(آر بي جي) والطائرات، وهي التي استهدفت محطة القمر الصناعي بمنطقة المعادي في القاهرة».
وحول طبيعة العلاقة بين «أنصار بيت المقدس» وجماعة الإخوان، أوضح أحمد بان أنه «بصرف النظر عن وجود صلات عضوية صارمة وواضحة بين (أنصار بيت المقدس) و(الإخوان)، أو أن الأمر لا يعدو كونه شكلا من أشكال تلاق للمصالح بينهما في إسقاط الدولة المصرية - إلا أننا نرى أن حجم عمليات (بيت المقدس) أكبر من قدراتها كتنظيم، ليس فقط في العنصر البشري أو الأسلحة المستخدمة، وإنما هناك مسألة أخرى تتعلق بنقل هذه الأسلحة ورصد أماكن التفجير وتحديد مواعيد العمليات، ومن ثم فإن جماعة أنصار بيت المقدس تحظى بمن يحتضنها ويساعدها في استهداف الأماكن»، وهو ما عده المنشق الإخواني أحمد بان مؤشرا على وجود تعاون بين «الإخوان» و«أنصار بيت المقدس»، في إطار عملية توزيع الأدوار، مشيرا إلى أن «جماعة الإخوان تعمل على إنهاك الجيش والشرطة من خلال المظاهرات واستنزاف مقدرات الدولة من جانب، بينما تقوم جماعة أنصار بيت المقدس بالعمليات الإرهابية ليصب كله في النهاية في صالح خطة واحدة لإنهاك وإخضاع الدولة المصرية وجيشها وكسره. وهو ليس تنظيما بالمعنى، بل يتكون من مجموعات صغيرة العدد ولا توجد بينها علاقة تنظيمية واضحة بقدر ما يوجد بينها من رابط عقدي وآيديولوجي. وفي الوقت نفسه، ينفي بان وجود علاقة مؤكدة مع حماس، مشيرا إلى أن «أعضاء بيت المقدس هم ممن انقلبوا على حماس واعترضوا على التهدئة مع الصهاينة، بدليل أن حماس ضربت مسجدا للسلفية الجهادية لتأكيد احترامها لاتفاقها مع إسرائيل».
وحول الجانب الأمني، أكد بان أن «الأجهزة الأمنية بحاجة إلى رسم خريطة معلومات محدثة، لأن التحدي الحقيقي هو اعتماد الأمن على خريطة لم يجر تحديثها، بعد أن طرأت جماعات جديدة على جماعات العنف الإسلامي». ولفت النظر إلى خطورة الدور الخفي للمخابرات الأجنبية، وخاصة الإسرائيلية، التي توجه جماعات العنف هذه تجاه تحقيق مصالحها، مؤكدا أن «الموساد» يخترق هذه الجماعات من خلال عناصر لواء المستعربين الذين دخلوا لسيناء منذ أربعين سنة واستوطنوا أرضها وعاشوا كسيناويين لهم بطاقات رقم قومي مصرية رغم علاقاتهم القوية بـ«الموساد». ويتوقع بان أن يستمر العنف لمدة عام كامل إضافي، مشيرا إلى أن العامل الحاسم في المسألة هو قدرات النظام الجديد في سحب مجموعة من الرافضين لإحداث توازن ونقص في حجم الكتلة الشعبية التي تمثل دعما معنويا لهذه الجماعات.
على صعيد آخر، قال الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ«الشرق الأوسط»، إن جماعة أنصار بيت المقدس جماعة تستخدم نفس تكتيك الجماعات التكفيرية المتأثرة بـ(القاعدة) في استخدامها العمليات الانتحارية، وأنها في ذلك تختلف عن العنف الذي كانت تمارسه جماعات الجهاد الذين كانوا يستهدفون النظام القائم، على عكس جماعة بيت المقدس التي تعد جزءا من حالة فلسطينية إقليمية مرتبطة بنموذج (القاعدة)، لا يتجاوز عددهم المائة من القيادات، لكنهم يستطيعون زيادة العدد من خلال توظيف المزيد وتجنيدهم بالمال أو الخطاب، وقد ساهمت الحالة الإقليمية أيضا وما يحدث في سوريا والعراق في دعم مثل هذه الجماعة».
ونفى أيضا أن تكون هناك روابط عقدية بينها وبين جماعة الإخوان، على اعتبار أن الأولى تكفيرية لا تتردد في رفع دعاوى تكفير النظم وتبرير العنف فقهيا. أما جماعة الإخوان، فهم ليسوا كذلك حتى لو مارست قياداتهم العنف نتيجة الصراع على السلطة.
وأضاف أنه «مع ذلك، فهذا لا يمنع (الإخوان) من دعمها لجماعة بيت المقدس لاعتبارات السياسة»، وقال الشوبكي إنه «في عهد مرسي، تركت جماعة أنصار بيت المقدس تمرح وتصول وتجول في سيناء، وكانت تعد ظهيرا لدعم (الإخوان)، أو لنقل إن (الإخوان) تعاملوا معها كأنها مخزون استراتيجي يمكن أن يستخدم لصالحهم لو تطلب الأمر وتركت لها حرية الحركة من خلال فتح الأبواب والمعابر. وبعد سقوط (الإخوان) والرئيس مرسي، تواصلت قيادات بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان بمصر مع جماعة أنصار بيت المقدس وقدموا لها دعما ماديا ومعنويا ولوجيستيا، وأصبح هناك ما يشبه التنسيق فيما بين (الإخوان) وجماعة بيت المقدس، فهما ليسا جماعة واحدة من الناحية التنظيمية، ولكنهما متقاربان من حيث التوظيف السياسي. ولا شك في أن هذه الجماعة تغلغلت نتيجة الاختراقات الأمنية خلال حكم مرسي، خاصة في شبه جزيرة سيناء، ولكن هناك تعامل أمني معها ومحاولات لمواجهتها».
وحول الخريطة الإرهابية ومدى تغيرها في المنطقة بظهور بيت المقدس في مصر، أكد الدكتور عمرو الشوبكي أن «خريطة الجماعات المتطرفة تغيرت ولو جزئيا، والدليل مظاهر العنف الذي ما زال موجودا في سيناء، وهو يختلف عما كان يقوم به تنظيم الجهاد و(الجماعة الإسلامية) من عمليات والذين انتهي عصرهم، ولذلك لا بد من رسم خريطة جديدة للجماعات المتطرفة في مصر، على أن يبدأ التأريخ لها منذ أحداث طابا عام 2004 ليتعاظم تأثيرها مع عهد الرئيس مرسي».
القيادي الإخواني المنشق خالد الزعفراني صرح لـ«الشرق الأوسط» بأن «(أنصار بيت المقدس) ما هي إلا اندماج لمجموعة من الجماعات المتطرفة التي وحدها القيادي الإخواني خيرت الشاطر للاستقراء بها»، وقال إنه «كانت هناك جماعات تكفيرية في سيناء مثل (التوحيد والجهاد) التي أسسها طبيب أسنان مصري يدعى خالد مساعد وقد قتل في مواجهات مع الشرطة وكان ضمن المشاركين في تفجيرات طابا، وقد التقى جماعة (الناجين من النار) لتكوين جماعة إرهابية في سيناء، وقد أسقطوا طائرة لمسؤول كبير في جهاز أمن الدولة بسيناء، وجرى علاجه في ألمانيا في أواخر عهد مبارك. كما كانت هناك جماعة الفرقان التكفيرية في سيناء، وهي جماعة لها نوع من الوجود في غزة وعناصرها مصريون وفلسطينيون. هذا بالإضافة إلى بعض الجماعات السلفية الجهادية التي تحمل فكر التكفير القطبي عن أتباع سيد قطب، إلى جانب بعض جماعات أهل السنة الذين كانوا يعملون كظهير فكري للجماعات التكفيرية المتطرفة، وكانت مهيأة لمدهم بأي عدد من الأفراد، ولكنهم كانوا أوشكوا على التلاشي في أواخر عهد مبارك. لكن مع ثورة يناير، عاد تيار التكفير القطبي ينتشر بسيناء والإسكندرية والدلتا، وظهروا في مختلف الأماكن، بل أصبحت لهم جمعيات مشهرة رسميا في وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية. ثم قام خيرت الشاطر بجمع هذه الجماعات تحت اسم (أنصار بيت المقدس) لجعلهم قوة داعمة لهم. وقد ظهرت السلفية الجهادية على يد مؤسسها الفلسطيني عبد اللطيف موسى الذي كان يدرس بالإسكندرية، قبل أن يعود إلى غزة وينقلب هو وبعض أنصاره على حماس حتى طاردتهم في أحد المساجد وقتلتهم، ليهرب الباقون ويكونوا جماعة أنصار بيت المقدس فيما بعد، حيث تواصل خيرت الشاطر ومحمد الظواهري وجعل جماعة أنصار بيت المقدس كلها موحدة تحت راية (القاعدة) وبرعاية الشاطر والظواهري».
ولا شك في أن طبيعة التضاريس بسيناء ووجود الأسلحة القديمة من أيام الحروب في المنطقة ساعدا هذه الجماعات التي كادت تتلاشى حتى جاء حكم «الإخوان» وعادوا يتصدرون المشهد بكل وضوح، لدرجة أنهم حضروا اجتماع سد النهضة مع الرئيس مرسي قبل حضورهم جميعا مؤتمر دعم سوريا في أخريات عهد مرسي.
ويكشف الزعفراني لـ«الشرق الأوسط» عن أن «الرئيس مرسي أطلق يد هذه الجماعات بشكل كبير، لدرجة أن الأوامر كانت تخرج من جماعة الإخوان لـ(الحرس الجمهوري)، وكانت هناك اجتماعات يحضرها هؤلاء المتطرفون دون أن تستطيع قيادات أمنية الدخول!». وقال الزعفراني إن الرئيس مرسي وجه له الدعوة مع كرم زهدي وناجح إبراهيم في إحدى زياراته للإسكندرية، ويؤكد أنه فوجئ بأن جماعة الإخوان هي المتحكمة وأن الأجهزة الأمنية تكاد تحضر بـ«العافية»، على حد قوله.
وأوضح الزعفراني أن «الهجوم على جهاز أمن الدولة وحرق المستندات وتسريح عدد كبير من الضباط لأعمال إدارية، في الوقت الذي كان يختص فيه الجهاز بملفات العنف والتطرف، هو ما أدى إلى أن هذه الجماعات لم تعد متابعة وظهر ظهيرها الفكري على السطح، كما جرى الإفراج عن كثير من رموز التكفير. ولا شك في أن (الإخوان) أخطأوا بهذه التصرفات، فإذا كانوا يريدون احتواء الجماعات المتطرفة فما حدث هو العكس، حيث غرق (الإخوان) في أفكارهم وهو ما أدى إلى إسقاطهم».
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أكد اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة المصري سابقا، أن «جماعة أنصار بيت المقدس وغيرها من الجماعات الإرهابية جرى تجميعها بمعرفة جماعة الإخوان في عهد مرسي، وهم يمثلون تطورا خطيرا في الجماعات المتطرفة عن الجماعات السابقة، من حيث تسليحهم وخططهم وتدريباتهم واستخدامهم السيارات المفخخة والأسلحة المتطورة والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات واللجوء للعمليات الانتحارية، ويرجع هذا التطور النوعي في الجماعات الإرهابية إلى حكم (الإخوان)، لأنهم فتحوا قنوات مع حماس ومع التنظيمات الإرهابية في غزة ومع (القاعدة) وأفغانستان».
ويؤكد علام أن فترة الانهيار الأمني التي حدثت في ثورة يناير ولمدة أكثر من عام، حسب قوله، هي السبب في فتح الحدود وزيادة التهريب، وقال إنه «خلال عهد مرسي، كان يجري منع سلطات الأمن من اتخاذ أي إجراءات ضد الإرهابيين، كما حدث عندما أوقف العملية (نسر) في سيناء، كما ساهم غياب المعلومات وتوقف اختراقات أجهزة أمن الدولة لهذه الجماعات في زيادة استفحال خطر الإرهاب وظهور جماعات مثل بيت المقدس وغيرها، لأنها ليست وحدها التي تمارس الإرهاب، فهناك جماعات كثيرة تحتاج لمواجهتها بمنظومة متكاملة لا تقتصر على الأمن فقط، بل تتضمن أيضا المحور السياسي والثقافي والإعلامي والديني والاجتماعي، ويأتي الجانب الأمني في النهاية، وعندما تكتمل هذه المنظومة يمكن القضاء على الإرهاب ونختصر وقتا طويلا في مواجهته، أما لو ترك الأمر للأمن فقط، فلن يقضى على جماعة أنصار بيت المقدس وغيرها، وربما ستزداد الحالة سوءا».



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.