فصائل عراقية «تشتبك» في مناطق انسحاب الجيش السوري

«تقدير استخباري» نصح بغداد بعدم الانخراط في «فخ إقليمي»

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين الموالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)
منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين الموالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)
TT

فصائل عراقية «تشتبك» في مناطق انسحاب الجيش السوري

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين الموالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)
منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين الموالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

تتعاطى بغداد مع وضع سوري غير مألوف، في مناخ سياسي تُسيطر عليه المخاوف من ارتدادات أمنية، في حين تنفلت فصائل عراقية موالية لإيران في اشتباكات مسلحة حدثت بالفعل، ليلة الاثنين، في مناطق رخوة جنوب حلب.

ولأول مرة منذ سنوات، يبحث صناع قرار عراقيون عن أجوبة لما يجري في سوريا دون معطيات حاسمة، ويتحفظون على إبداء مواقف علنية مما يجب فعله لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.

وخلال العقد الماضي، كانت السلطات وأحزاب شيعية تدافع عن وجود مقاتلين عراقيين، إلى جانب «الحرس الثوري» الإيراني، في سوريا، دفاعاً عما يوصف بـ«الأمن القومي» المترابط بين البلدين. وتحوّل حشد هذه الجماعات المسلحة، تحت المظلة الإيرانية، إلى ما بات يعرف بـ«محور المقاومة»، وتفاقم نشاطه المسلح بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

جندي عراقي يراقب الأوضاع بالقرب من الحدود العراقية - السورية عند معبر «البوكمال - القائم» الحدودي (أرشيفية - رويترز)

«تقدير موقف»

أخيراً، أفيد في بغداد بأن «تقدير موقف» استخباري نصح الفاعلين في بغداد بأن المعارك الحالية في سوريا، مهما كانت جذورها، «التورط فيها سيعني السقوط السريع في فخ إقليمي شائك».

لكن التعاطي السياسي مع تقدير الموقف الاستخباري يعكس التباين الحاد بين القوى الشيعية بشأن رد الفعل المنتظر من بغداد لجهة الأسد في دمشق.

وتزامن التقدير، المتداول بين مكاتب أحزاب متنفذة ومسؤولين حكوميين، مع تدفق رسائل تحذيرية من واشنطن لبغداد فيما لو «سمحت أو تغاضت عن إرسال فصائل موالية لإيران مسلحيها» إلى سوريا.

ويخلص «تقدير الموقف» إلى أن «المعارك في سوريا لا تُشكل مصلحة أو خطراً على العراق، في الوقت الراهن على الأقل»، لكنه شدّد على مواصلة الانتباه إلى التطورات الميدانية.

وتعتقد الحكومة، حسب دبلوماسي عراقي، أن «الشيء الوحيد الذي يمكن القيام به الآن هو البقاء في خط لا يهدأ من الاتصالات الإقليمية والدولية المعنية بالملف السوري، بهدف اليقظة».

معبر البوكمال (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

رسالة أميركية

ورغم أن مسؤولاً بارزاً في الحكومة العراقية أكد لـ«الشرق الأوسط» منع تسلل مسلحين عراقيين إلى البلد الجار، أكدت مصادر ميدانية سورية عبور قوافل تحمل أعلاماً عراقية وأخرى تمثل فصائل شيعية الحدود السورية عبر منطقة البوكمال.

وقال المسؤول العراقي، الذي طلب عدم ذكر اسمه: «أستطيع الجزم بأن أي مسلح لن يتجاوز الحدود نحو سوريا». وأشار إلى أن «الأميركيين قدّموا تعهدات بمنع التسلل العكسي من سوريا نحو العراق، لكنهم لن يترددوا في معالجة الخروقات المحتملة من الفصائل العراقية».

لقد كان المسؤول العراقي واثقاً إلى حد بعيد بأن «التأمين العسكري للحدود، والحواجز الحرارية والخنادق على طول مئات الكيلومترات كافية لمنع المسلحين أكثر من المانع الأميركي»، لكن سياسيين عراقيين قالوا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «لهجة التحذير الأميركي كانت حادة للغاية».

وامتنع المسؤول عن التعليق على معلومات كانت تفيد بأن أرتالاً عراقية كانت قد عبرت، اليومين الماضيين، الحدود بالفعل إلى سوريا.

كما نفى مصدر من «عصائب أهل الحق» الشيعية عبور المسلحين، وقال أحدهما، لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما جرى خلال الأيام الماضية هو (تبديل روتيني) للقطعات الموجودة أصلاً في حي السيدة زينب جنوب دمشق».

وقال مصدر آخر، من فصيل مسلح، إن «بعض الفصائل أرسلت دعماً لوجستياً للمجموعات المتمركزة في سوريا (...) ليس أكثر من هذا».

عبور واشتباك

مع ذلك، قالت مصادر سورية: «إن أرتالاً تضم عشرات العجلات تحمل مسلحين عراقيين مع عتادهم دخلت، ظهر الاثنين، الأراضي السورية، وتجمّعت في نقطة جنوب البوكمال، قبل أن تتحرك على الطريق المؤدي إلى دير الزور».

وأكدت المصادر، أن «طيراناً مجهولاً عالج الأرتال، وكبح مسارها عند منطقة الميادين».

ولم يؤكد متحدثون من الفصائل واقعة «الميادين»، لكن المصادر السورية تحدثت عن أن «الجماعات العراقية المسلحة الموالية لإيران كانت تحاول التمركز في نقطة إثريا، على الطريق الرابط بين الرقة وحماة، في الجنوب الغربي».

وتشكل إثريا نقط اشتباك استراتيجية، لأنها ملتقى الطرق الواصلة من دير الزور والرقة وحلب وحماة.

واستناداً للمصادر، فإن وحدات الجيش السوري انسحبت من الطريق الذي كانت تسلكه الجماعات الموالية لإيران، لتشغله الأخيرة حتى نقطة إثريا، غير أن المخاطر تتزايد الآن مع اقتراب الفصائل المسلحة السورية المعارضة من هذه النقطة.

وتزداد شكوك سياسيين عراقيين من أن يكون انسحاب الجيش السوري من الطريق الاستراتيجي، «فخاً للجماعات العراقية»، التي ستكون مكشوفة أمام أطراف عدة، بينها الولايات المتحدة، والمسلحون المحليون.

وبالفعل، تجمّعت وحدات من مقاتلي فصائل عراقية موالية لإيران في إثريا، ولم يتسنّ التحقق من أنها حصلت بالفعل على تعزيزات عسكرية من العراق، أخيراً.

وأفادت المصادر السورية، بأن المسلحين العراقيين سلكوا الطريق من إثريا في محاولة للوصول إلى حلب، لكنهم اشتبكوا، ليل الاثنين - الثلاثاء مع الفصائل السورية المعارضة عند بلدة خناصر، جنوب حلب.

«الإطار التنسيقي» حذّر من تداعيات المعارك الدائرة في سوريا (إكس)

حرب للجميع

في الساعات الأولى للمعارك في سوريا، حصلت قنوات متنفذة في بغداد، لا سيما في الحكومة، على انطباعات بأن طهران المعنية بالملف السوري أكثر من غيرها مترددة في التعاطي مع الأحداث، كما كانت تفعل منذ عام 2012.

وقال مصدران سياسيان، لـ«الشرق الأوسط»، إن مسؤولين إيرانيين من الصف الثاني تحدثوا باقتضاب مع المسؤولين العراقيين، «نحتاج إلى مزيد من الوقت لتقييم الوضع في سوريا». وأضاف مصدر: «كان هذا كافياً لفهم التعقيد».

وخلال اجتماع سياسي للتحالف الحاكم، يوم الاثنين في بغداد، تعرّض رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى «سيل من الأسئلة» طرحها قادة أحزاب شيعية.

ويشعر زعيم ائتلاف «دولة القانون»، نوري المالكي بعدم الارتياح من «تردد» الحكومة العراقية في إظهار دعم جدي لحكومة بشار الأسد.

وقال قيادي في حزب «الدعوة الإسلامية»، لـ«الشرق الأوسط»: «إن العراق سيدفع ثمن غموض الموقف الرسمي تجاه القضايا الأمنية الخطيرة».

ووصف القيادي بأن «ما يحصل صراع دولي يمكن أن يمتد بسهولة إلى العراق، الذي لا يمكنه عزل نفسه عن الحرب التي يشترك فيها الجميع»، ويرجح هذا القيادي «انتقال العراق من التردد إلى التدخل، لكن الصيغة محل نقاش مع فاعلين في الملف السوري».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد السوري من القيود الى الانفتاح عقب الإطاحة بالأسد

المشرق العربي صراف يعمل مع زبائن في أحد شوارع دمشق (أ.ف.ب)

الاقتصاد السوري من القيود الى الانفتاح عقب الإطاحة بالأسد

بُعيد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، أخرج يوسف رجب البضائع الأجنبية المخبَّأة وعرضها على واجهة متجره في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من «قسد» أثناء عملية تسلل على مواقع للفصائل شرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا تلمح إلى تغيير مواقع قواتها في سوريا

لمّحت تركيا إلى إمكانية تغيير مواقع قواتها في شمال سوريا، أو تكليفها بمهام في مناطق مختلفة حسب الحاجة، مع تأكيدها استمرار العمليات ضد مواقع قوات «قسد».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يتحدث خلال مؤتمر دافوس (أ.ف.ب) play-circle 00:38

الشيباني من «دافوس»: رفع العقوبات مفتاح استقرار سوريا

أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني اليوم (الأربعاء)، أن العقوبات المفروضة على سوريا هي التحدي الأكبر أمام بلاده، مشيرا إلى أن رفعها هو «مفتاح الاستقرار»

«الشرق الأوسط» (دافوس)
المشرق العربي مظاهرة في الحسكة رفضاً للهجمات التركية على «قسد» (أ.ف.ب)

تعهد سويدي لتركيا بعدم دعم «الوحدات الكردية» في سوريا

حصلت تركيا على تعهد من السويد بعدم تقديم أي دعم «لوحدات حماية الشعب الكردية» التي تقود «قسد»، كما هددت الإدارة السورية باستخدام القوة ضدها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي حراس يظهرون داخل سجن في الحسكة السورية (رويترز)

سوريا: قوات كردية تعارض تسليم سجون تضم مقاتلي «داعش» للإدارة الجديدة

كشفت قوات كردية تحرس مقاتلين من تنظيم «داعش» في سجن بشمال سوريا أنها تعارض تسليم المنشأة للحكام الجدد في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

الأمم المتحدة تدعو من لبنان إلى عودة «مستدامة» للاجئين السوريين

الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يلتقي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيروت (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يلتقي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيروت (الرئاسة اللبنانية)
TT

الأمم المتحدة تدعو من لبنان إلى عودة «مستدامة» للاجئين السوريين

الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يلتقي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيروت (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) يلتقي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيروت (الرئاسة اللبنانية)

دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، اليوم الخميس، من لبنان إلى عودة «مستدامة» للاجئين السوريين إلى بلادهم بعد سقوط بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول).

وعدد سكان لبنان وفق السلطات 5.8 مليون نسمة، والبلد يستضيف راهناً نحو مليوني سوري، فيما هناك أكثر من 800 ألف مسجلين لدى الأمم المتحدة، والرقم هو الأكبر عالمياً نسبة لعدد السكان، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال غراندي إثر لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون: «زيارتي إلى لبنان تأتي ضمن جولة إقليمية للبحث في أفضل السبل لدعم عودة اللاجئين السوريين»، مشيداً بما اعتبره «لحظة تحمل الأمل للبنان والمنطقة»، إثر سقوط نظام الأسد في سوريا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

وأضاف: «خلقت التطورات الأخيرة فرصة لمعالجة أزمة إنسانية استمرّت لوقت طويل (...) نحن نسعى لضمان أن تكون هذه العودة مستدامة، وهذا الأمر يتطلب تحسين الأمن والاستقرار السياسي، واحترام حقوق جميع الفئات في سوريا، بالإضافة إلى دعم المجتمع الدولي لجهود التعافي وإعادة الإعمار في بلد دمرته سنوات من الحرب».

وخلال الاجتماع، أبلغ الرئيس اللبناني المفوض الأممي أن «لبنان يريد عودة النازحين السوريين إلى بلادهم في أسرع وقت ممكن، لا سيما بعد زوال الأسباب التي أدت إلى نزوحهم إلى لبنان».

وطلب عون «المباشرة بتنظيم مواكب العودة للنازحين»، بحسب بيان رسمي.

وأوضحت مفوضية اللاجئين أن أكثر من مائتي ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم منذ سقوط الأسد.

وقال غراندي: «قبل بضعة أشهر فقط، أقل من 2 في المائة من اللاجئين السوريين في المنطقة كانوا يخططون للعودة إلى سوريا خلال مدّة 12 شهراً. غير أن هذه النسبة قفزت إلى نحو 30 في المائة منذ سقوط النظام في سوريا».

وأعلن أنه سيتوجه إلى سوريا «للقاء السلطات الجديدة ومناقشة إمكانية عودة المزيد من اللاجئين من دول الجوار».