ترصد الهيئات العالمية لطب القلب في كل عام أعلى 10 دراسات طبية استحوذت على اهتمام أوساط طب القلب الإكلينيكية والأكاديمية، وكذلك أثارت متابعة عموم الناس في مختلف مناطق العالم.
وفي 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عرضت «جمعية القلب الأوروبية (ESC)» الأخبار الطبية القلبية العشرة الأولى الأعلى قراءة ومتابعة، هذا العام. وأفادت عند تتبعها محتوى تلك الأخبار بأن قضايا السلوكيات الصحية في نمط الحياة اليومية والجوانب المتعلقة بالتغذية الصحية وسوء التغذية من جهة، وعلاقتها بحالة القلب الصحية من جهة أخرى، كانت هي الأعلى متابعة وقراءة هذا العام.
كما حددت «رابطة القلب الأميركية (AHA)» في 16 من الشهر الحالي أهم أبحاث أمراض القلب والسكتة الدماغية لعام 2021، وذكرت أنه مع استمرار وباء «كوفيد19» في السيطرة على عناوين الصحة العامة في عام 2021، فقد تقدمت الأبحاث في مجموعة متنوعة من جبهات أمراض القلب والأوعية الدموية، إضافة إلى فيروس «كورونا». ووفق ما أفادت به «الرابطة»، فقد تناولت النتائج الأكثر أهمية في عام 2021 جوانب التعامل مع الأمراض ذات الصلة بالتسبب في أمراض القلب والأوعية الدموية وتفاقمها، مثل مرض السكري والفشل الكلوي والسمنة.
أبحاث قلبية
ومن قائمة «جمعية القلب الأوروبية» وقائمة «رابطة القلب الأميركية»، فيما يلي نظرة عامة على أعلى 10 أبحاث قلبية في عام 2021، والتي كانت لافتة للنظر لدى عموم الناس في العالم:
1- أدوية الغليفلوزينات: أدوية مثبطات «إس جي إل تي2 SGLT2» التي تُسمى أدوية الغليفلوزينات، تمنع إعادة امتصاص سكر الغلوكوز في الكليتين بعد تسربه مع البول، وبالتالي تُخفض نسبة السكر في الدم. وهي تُستخدم حالياً خطاً ثانياً أو ثالثاً - بدلاً من استخدامها في الخط - الأول لعلاج النوع «2» من مرض السكري، بسبب وجود أدوية أخرى أقدم وأقل تكلفة من الغليفلوزينات.
ولكن بغض النظر عن دورها في ضبط نسبة السكر في الدم، وعند استخدامها لدى غير المصابين بمرض السكري، أثبتت جدواها في تقديم فوائد مهمة لعلاج مرضى القلب والأوعية الدموية، وأيضاً في خفض الوزن، خصوصاً في منع تفاقم حالات ضعف قصور القلب، من نواحي تقليل الوفيات وتقليل الحاجة إلى دخول المستشفى (الاستشفاء). وعلى سبيل المثال؛ كما ذكرت «رابطة القلب الأميركية»، فإن «قصور ضعف القلب مع حفظ الكسر القذفي (HFrEF) هو حالة ذات علاجات قليلة متاحة. وباستخدام هذه الفئة من الأدوية، وجد الباحثون في دراسة (أمبيريور EMPEROR) أن الدواء يمكن أن يقلل معدلات الموت القلبي الوعائي أو الاستشفاء بسبب قصور القلب بأكثر من 20 في المائة».
2- شرب الماء والقلب: وفق ما جرى عرضه ضمن «مؤتمر جمعية القلب الأوروبية»، أفادت نتائج دراسة من «المعهد القومي للقلب والرئة والدم» بالولايات المتحدة بأن الحفاظ على تروية جيدة للجسم طوال الحياة، بشرب الكميات اليومية الكافية من الماء، يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بضعف القلب. وقال الباحثون: «تشير النتائج إلى أننا بحاجة إلى الانتباه إلى كمية السوائل التي نتناولها كل يوم، واتخاذ إجراءات إذا وجدنا أننا نشرب القليل جداً».
وتفيد المصادر الطبية بأن نسبة الصوديوم في الدم مقياس دقيق لمستوى حالة تروية الجسم بالسوائل اللازمة. وعندما يشرب المرء كمية قليلة من السوائل، يزداد تركيز الصوديوم في الدم. وحينئذ يحاول الجسم جاهداً الحفاظ على الماء المتوفر داخله، وتنشط (أثناء تلك المحاولات) العمليات المعروف دورها السلبي في المساهمة في تطور ضعف القلب.
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن ارتفاع تركيز الصوديوم في الدم في منتصف العمر، ارتبط بشكل مباشر مع الإصابة بفشل القلب وتضخم البطين الأيسر بعد 25 عاماً. كما ظل ارتفاع مستوى نسبة الصوديوم مرتبطاً بشكل كبير بفشل القلب وتضخم البطين الأيسر.
3- «كورونا» وقلوب الصغار: وقالت الرابطة: «يضع (كوفيد19) صحة قلب الشباب الصغار في العناوين الرئيسية». وأوضحت أنه بالنسبة للأطفال والشباب، فقد شكل الوباء تحديات خاصة على شكل حالات نادرة ومؤثرة مرتبطة بالفيروس، وهي حالة «متلازمة الالتهاب متعدد الأنظمة عند الأطفال (MIS – C)» في القلب والرئتين والكلى والدماغ والجلد والعينين والأعضاء الأخرى. والآثار القلبية الأكثر شيوعاً للمتلازمة الجديدة: عدم انتظام ضربات القلب، وانخفاض قوة القلب، وتوسع الشرايين التاجية، وتراكم السوائل في كيس التامور حول القلب.
وقالت الرابطة: «تواصل (رابطة القلب الأميركية) التوصية بالتطعيم ضد (كوفيد19) لدى البالغين والأطفال المؤهلين، وتلاحظ أن الأبحاث الجارية تظهر بوضوح أن خطر الإصابة بمضاعفات القلب والسكتة الدماغية ومشكلات تخثر الدم بعد الإصابة بـ(كوفيد19) أكثر من التطعيم».
النوم والقلب
4- وقت النوم والقلب: وفي حين أن العديد من الدراسات الطبية التحليلية قد بحثت في الصلة بين مدة النوم وأمراض القلب والأوعية الدموية، فإن العلاقة بين توقيت النوم وأمراض القلب لا تزال غير مكتشفة. ووفقاً لدراسة باحثين بريطانيين نُشرت في «مجلة جمعية القلب الأوروبية»، يرتبط النوم في الساعة العاشرة والحادية عشرة مساء، بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، وذلك مقارنة بأوقات النوم المبكرة جداً أو المتأخرة.
وقال الباحثون: «يمتلك الجسم ساعة داخلية تعمل على مدار 24 ساعة، تسمى (إيقاع الساعة البيولوجية)، والتي تساعد على تنظيم الأداء البدني والعقلي. وتشير النتائج إلى أن النوم المبكر أو المتأخر قد يكون أكثر عرضة لتعطيل ساعة الجسم، مع عواقب سلبية على صحة القلب والأوعية الدموية».
5- الفينرينون: أدوية «الفينرينون (Finerenone)» تستخدم لتقليل مخاطر تدهور وظائف الكلى والفشل الكلوي والموت القلبي الوعائي والنوبات القلبية غير المميتة والاستشفاء لفشل القلب، لدى البالغين المصابين بأمراض الكلى المزمنة المرتبطة بمرض السكري من النوع «2».
وذكرت «رابطة القلب الأميركية» أن الأبحاث أظهرت بالفعل أن عقار «الفينرينون» يمكن أن يحسن النتائج الصحية في القلب والأوعية الدموية، ويحد من التدهور الكلوي لدى مرضى السكري من النوع «2» وأمراض الكلى المتقدمة. وقلل «الفينرينون» من خطر الموت أو مضاعفات القلب والأوعية الدموية بنسبة 13 في المائة مقارنة مع الدواء الوهمي. وكان الانخفاض في المقام الأول نتيجة لانخفاض حالات فشل القلب في المستشفى.
كما أفادت نتائج دراسة دولية أخرى، هي دراسة «AMPLITUDE - O» بأن تلقي أحد أنواع فئة أدوية «الفينرينون» أسبوعاً كحقنة تحت الجلد، قلل بنسبة 27 في المائة من احتمالات الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية أو الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.
6- «سيماغلوتيد»: وصفت «الرابطة» الأمر بقولها: «التحدي الصحي العنيد للسمنة يلتقي بدواء فعال». وأضافت أنه قد يساعد دواء جرى تطويره لمرض السكري من النوع «2» في التحكم بشكل أفضل في مشكلة السمنة. وهو عقار «سيماغلوتيد (Semaglutide)» الذي يُعطى على شكل حقنة أسبوعية تحت الجلد. وأصبح في يونيو (حزيران) الماضي أول دواء منذ عام 2014 يُعتمد من قبل «إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)» للتحكم في زيادة الوزن المزمنة. وقامت سلسلة من الدراسات في عام 2021 بتقديم نتائج مفيدة في خفض الوزن حتى لدى الأشخاص غير المصابين بالسكري، وذلك من خلال سلسلة دراسات «ستيب (STEP)» الأربع، التي جرت فيها مقارنة تلقي هذا العقار من قبل الذين لديهم سمنة ويوجد أو لا يوجد لديهم مرض السكري، مع تلقي دواء وهمي. وتبين أنه بعد استخدامه أشهراً عدة، فقد ثلثا الأشخاص الذين تلقوا «سيماغلوتيد» نحو 15 في المائة من أوزان أجسامهم في المتوسط، مقارنة بنحو اثنين في المائة فقط بين أولئك الذين تلقوا العلاج الوهمي.
7- الحمل والقلب: قالت «الرابطة» إن «مشكلات صحة القلب أثناء الحمل تعرض الأمهات والرضع والمراهقين للخطر». وأضافت أن أمراض القلب والأوعية الدموية تعد السبب الأول لوفيات الأمهات الحوامل في الولايات المتحدة، حيث يمكن أن تعمل عوامل الخطر التي تظهر قبل الحمل، على تهديد نتائج الحمل وتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في وقت لاحق.
ووجدت دراسة حديثة أن الأمر يزداد سوءاً عند وجود عوامل خطر على صحة القلب قبل الحمل، مثل التدخين ما قبل الحمل، وارتفاع مؤشر كتلة الجسم، ووجود ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السكري. وقالت الرابطة: «تشير أبحاث أخرى إلى أن الصحة السيئة لقلب الأم يمكن أن يتردد صداها لدى الطفل، إلى ما بعد الحمل وإلى أشهر في فترة ما بعد الولادة؛ وحتى فترة المراهقة».
القهوة والملح
8- القهوة والقلب: وبدعم من النتائج الإيجابية للتصوير القلبي بالرنين المغنطيسي، وبعد متابعة استمرت من 10 إلى 15 عاماً، أفادت دراسة طبية بأن شرب القهوة باعتدال له فوائد صحية على شرايين القلب والدماغ. وارتبط تناول ما يصل إلى 3 أكواب من القهوة يومياً بانخفاض خطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب القاتلة. وهذه هي أكبر دراسة لتقييم الآثار القلبية والوعائية لاستهلاك القهوة بانتظام من قبل الأشخاص الذين لم يجر من قبل تشخيص إصابتهم بأمراض القلب.
وأفاد الباحثون بأن النتائج تشير إلى أن تناول القهوة المنتظم سلوك آمن، ولم يكن مرتبطاً بنتائج عكسية على القلب والأوعية الدموية والوفيات الناجمة عن جميع الأسباب؛ بل إن شرب ما بين نصف كوب و3 أكواب من القهوة يومياً، ارتبط بشكل مستقل بكل من: انخفاض مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وانخفاض مخاطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وانخفاض مخاطر الوفاة لأي سبب كان. وأضافوا: «أشار تحليل التصوير بالرنين المغناطيسي للقلب (C – MRI) إلى أنه مقارنة بالمشاركين الذين لم يشربوا القهوة بانتظام، فإن المستهلكين اليوميين لها يتمتعون بقلوب ذات حجم صحي وتعمل بشكل أفضل».
9- الملح والسكتة الدماغية: استخدام نوعيات الملح منخفضة المحتوى بعنصر الصوديوم، يُقلل من الإصابات بالسكتة الدماغية لدى الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو السكتة الدماغية السابقة. ووصفت «جمعية القلب الأوروبية» الدراسة التي توصلت إلى هذه النتائج، بأنها «دراسة خبر عاجل متأخر (Late Breaking Research) قُدمت في (جلسة الخط الساخن) ضمن فعاليات المؤتمر السنوي لـ(جمعية القلب الأوروبية) في أواخر أغسطس (آب) الماضي».
وقال الباحثون: «تقدم هذه الدراسة دليلاً واضحاً على أن هذا التدخل، الذي يمكن استخدامه بسرعة كبيرة وبتكلفة منخفضة جداً، يسهم في تقليل الإصابات بالسكتة الدماغية وحالات الوفاة المبكرة». وذكروا بلغة الأرقام أن تطبيق ذلك في المجتمعات؛ المجتمع الصيني مثالاً، سيمنع في كل عام نحو 800 ألف حالة سكتة دماغية أو وفاة مبكرة. وأضافوا: «نتيجة التجربة مثيرة بشكل خاص؛ لأن استخدام بديل الملح شيء سهل التصنيع للغاية وغير مكلف، ولديه القدرة على الحد من الاضطرابات الصحية المتعلقة بأمراض القلب والأوعية الدموية».
ضعف الانتصاب
10- ضعف الانتصاب والتغذية: وفقاً لبحث قُدم في «المؤتمر السنوي لجمعية القلب الأوروبية»، فإن الرجال الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أكثر عرضة للإصابة بضعف الانتصاب مقارنة بمن لديهم ضغط دم طبيعي. وضعف الانتصاب يعدّ طبياً؛ في المقام الأول، ناتجاً عن فقد قدرة الشرايين الصغيرة على التمدد وزيادة التدفق إلى العضو الذكري. وأظهرت الأبحاث السابقة أن «حمية البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean Diet)» تخفض ضغط الدم وتمنع النوبات القلبية والسكتات الدماغية لدى الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ويركز هذا النمط الغذائي على الفاكهة والخضراوات والحبوب الكاملة وزيت الزيتون والأسماك، والاستهلاك المتواضع لمنتجات الألبان، والحد من اللحوم الحمراء.
ولدى الرجال في منتصف العمر (متوسط أعمارهم 56 سنة) الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم وضعف الانتصاب، وجد الباحثون أن الذين اتبعوا بشكل أعلى نظام تغذية البحر الأبيض المتوسط، أصبح لديهم احتياطي أعلى في تدفق الدم إلى الشرايين التاجية القلبية، ونسبة أعلى من هرمون «تستوستيرون» الذكوري، وأداء انتصاب أفضل.