تصنيع وقود خال من الكربون

TT

تصنيع وقود خال من الكربون

اكتشف باحثون في جامعة واشنطن، طريقة جديدة لتدريب الميكروبات على صنع وقود حيوي سهل الاستخدام. وقام فريق من علماء الأحياء والمهندسين بتعديل ميكروب يسمى «رودوبسودوموناس بالوستريس»، بحيث يمكنه إنتاج وقود حيوي باستخدام ثلاثة مكونات مصادر متجددة وفيرة بشكل طبيعي، وهي ثاني أكسيد الكربون، والكهرباء المولدة من الألواح الشمسية، والضوء.
وكان الوقود الحيوي الناتج (بوتانول – إن) هو بديل أصلي للوقود الكربوني المحايد، ويمكن استخدامه في الخلطات مع الديزل أو البنزين، وتم الإعلان عن النتائج في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 في مجلة «كوميونيكيشنز بيولوجي».
قادت هذه الدراسة أربيتا بوس، الأستاذة المساعدة في علم الأحياء، وشارك في تأليفها أعضاء من مختبرها ومهندسون من كلية مكيلفي للهندسة، في جامعة واشنطن أيضاً.
تقول بوس في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة واشنطن: «طورت الكائنات الدقيقة مجموعة محيرة من التقنيات للحصول على العناصر الغذائية من البيئات المحيطة بها، وربما تكون إحدى أروع تقنيات التغذية هذه تستخدم التركيب الكهربائي الميكروبي (MES). وهنا قمنا بتسخير قوة الميكروبات لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مركبات متعددة الكربون ذات قيمة مضافة في وقود حيوي قابل للاستخدام».
يقول وي باي، الباحث المشارك بالدراسة، وهو أيضاً باحث بشركة أمريس، وهي شركة مصنعة للمكونات المستدامة المصنوعة من البيولوجيا التركيبية: «إن الوقود الذي صنعناه، (بوتانول – إن)، يحتوي على نسبة عالية من الطاقة وميل منخفض للتبخير أو الذوبان في الماء دون احتراق، وهذا أمر جيد عند مقارنته بالإيثانول، وهو وقود حيوي شائع الاستخدام».
والميكروبات التي تتغذى من خلال التركيب الكهربائي الميكروبي تلتصق مباشرة بمهبط سالب الشحنة داخل مفاعل التركيب الكهربائي الميكروبي (MES)، حتى تتمكن من «أكل» الكهرباء. وساعدت الأبحاث السابقة من مختبر «بوس» في إلقاء الضوء على كيفية استخدام الميكروبات مثل «رودوبسودوموناس بالوستريس» للإلكترونات لإصلاح ثاني أكسيد الكربون وأيضاً كيف يمكن استخدامها لإنشاء مواد بلاستيكية حيوية مستدامة.
وتقول بوس إنه بينما يتعلم العلماء المزيد عن هذه الميكروبات، فإن استخداماتها المحتملة واعدة أكثر فأكثر، رغم اعترافها بالحاجة إلى تحسينات قبل أن يتم نشر التقنيات على المستويات الصناعية.
واكتشف باحثون آخرون سابقاً استخدام الميكروبات مثل البكتيريا الزرقاء لإنتاج وقود حيوي مستدام، ومع ذلك فإن هذه الأنواع من الكائنات الحية تنتج الأكسجين أثناء عملية التمثيل الضوئي، والتي تميل إلى الحد من كفاءتها في تصنيع الوقود الحيوي، حيث إن العديد من الإنزيمات المشاركة في مسارات التخليق الحيوي حساسة للأكسجين.
ولاستكشاف كيف يمكن استغلال «رودوبسودوموناس بالوستريس» لإنتاج الوقود الحيوي، أنشأ باي وبوس شكلاً متحوراً من الميكروب لا يمكنه إصلاح النتروجين، وقدم العلماء بعد ذلك مساراً اصطناعياً لتخليق (بوتانول – إن)، في هذه الطفرة الجديدة.
وكان شكل الميكروب الذي بنوه غير قادر على النمو عندما كان غاز النتروجين هو مصدر النتروجين الوحيد، لذا بدلاً من ذلك، وجه هذا الإصدار من «رودوبسودوموناس بالوستريس» جهوده لإنتاج (بوتانول – إن)، مما أدى إلى زيادة إنتاجه من الوقود الحيوي دون زيادة استهلاك الكهرباء بشكل كبير.
يقول باي: «تمثل هذه الدراسة المحاولة الأولى لإنتاج الوقود الحيوي باستخدام منصة التركيب الكهربائي الميكروبية التي تعمل بألواح شمسية، حيث يتم تحويل ثاني أكسيد الكربون مباشرة إلى وقود سائل، وأمل أن تكون نقطة انطلاق لإنتاج الوقود الشمسي المستدام في المستقبل».
وتقول بوس «يمكن تحقيق التصنيع على نطاق صناعي للبلاستيك الحيوي والوقود الحيوي باستخدام التركيب الكهربائي الميكروبي باستخدام الكهرباء التي تنتجها الألواح الشمسية، مما يخلق دورة مستدامة بالكامل».
وتضيف «الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعترفان بالتركيب الكهربائي الميكروبي باعتباره تقنية أساسية للاستدامة وحلول تغير المناخ، وفي النهاية من خلال استغلال التمثيل الغذائي الميكروبي الذي نشأ في الماضي البعيد، نأمل أن تظهر طرق جديدة للمساعدة في معالجة بعض المشاكل الأكثر إلحاحاً في عصرنا».


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً