قد يتذكر البعض قصة الفتاة البريطانية جميما لايزيل التي ساعدت ثمانية أشخاص، بينهم خمسة أطفال، من خلال التبرع بأعضائها. جميما التي توفيت في عام 2012 بسبب مرض تمدد الأوعية الدموية في الدماغ وكان عمرها 13 عاماً، كانت قد تبرعت قبل وفاتها في ذلك العام بالقلب والبنكرياس والرئتين والكليتين والأمعاء الدقيقة والكبد.
التبرع بالأعضاء
تلك القصة وغيرها حول العالم تذكرنا كيف يمكن أن تكون عملية التبرع بالأعضاء عملاً إنسانياً نبيلاً قد يساهم في إنقاذ حياة الملايين من الناس خاصة للذين يعانون من أمراض تصيب بعض الأعضاء الحيوية في الجسم مثل القلب، والرئتين، والكبد، والبنكرياس، والأمعاء، حيث تصبح الحياة مهددة، وبالتالي يكون الموت هو الأقرب. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة يتعين أن تكون الأنظمة والإجراءات للحفاظ على العضو المتبرع به وتقليل الفترة الزمنية لإيصاله إلى المريض ذات كفاءة عالية.
في المملكة العربية السعودية هناك نحو 6 آلاف مريض على قائمة الانتظار للتبرع بالأعضاء، وقد يبدو هذا الرقم صغيراً قياساً بـ120 ألف مريض في الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن معدل التبرع بالأعضاء في المملكة أدنى بكثير منه في أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة، كما أن الفجوة بين الأعضاء اللازمة أو المطلوبة والمتبرع بها كبيرة وتتنامى. ويتسم النظام الذي يحدد كيفية تخصيص أعضاء محددة كالكلية بالتعقيد ويمثل تحدياً آخر. وجدير بالذكر أن باحثي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) يعملون على إنجاز نماذج تحسن تخصيص الكلى المتبرع بها للمستشفيات قد تسهم في إنقاذ الأرواح في نهاية المطاف.
تخصيص الكلى
عمل الدكتور مايكل مينكوسكي، زميل ما بعد الدكتوراه في قسم العلوم والهندسة الحاسوبية والكهربائية والحسابية في «كاوست»، على تصميم نظام للتعجيل بتخصيص الكلى في المستشفيات، وتركز أبحاثه حالياً على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية.
وحسب النظام المتبع به حالياً في أميركا فإن العضو المتبرع به يعرض إلى مستشفى واحد في كل مرة ليقرر كل مركز طبي إن كان مناسباً لأحد مرضاه.
وفي ظل هذا النظام يستغرق قرار قبول العرض أو رفضه وقتاً، كما يندر أن يقبله أول مستشفى يعرض عليها، ويمضي وقت طويل قبل أن تقبله إحدى المستشفيات مما يهدد بتراجع جودة العضو المتبرع به.
أما وفقاً للنظام الجديد الذي اقترحه مينكوسكي، فتعرض الكلية المتبرع بها في وقت واحد إلى مجموعة مستشفيات مع منحها مهلة ساعة للقبول أو الرفض. فإذا قبلتها أكثر من مستشفى، تمنح الكلية إلى المريض ذي الأولوية الأعلى.
لقد حاكى مينكوسكي تخصيص 12933 كلية ووجد أن إنهاء مهلة العروض في وقت واحد يتيح تخصيصاً أسرع ويقلل عدد حالات الرفض. ونالت أبحاثه التقدير على مساهمتها الرائعة في مجال زراعة الأعضاء، كما اختيرت إحدى دراساته أخيراً من بين أفضل عشر مقالات نشرت في المجلة الأميركية لزراعة الأعضاء في 2019.
يدرس مينكوسكي حالياً بالتعاون مع البروفسور سومر غينتر، أستاذ الرياضيات في أكاديمية الولايات المتحدة الأميركية البحرية، سبل تطبيق هذه النتائج على زراعة الأعضاء في الرعاية الصحية. ويعمل حالياً مع أطراف معنية محلية لتطبيق الدروس المستفادة على نظام الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية حيث «تمت مناقشات مع كبار الأطباء في المملكة الذين أعربوا عن اهتمامهم بالتعاون مع (كاوست) في الأبحاث لتقديم حلول جديدة لعمليات زرع الأعضاء في المملكة» بحسب قول مينكوسكي.
ويعلق البروفسور غينتر على النظام الجديد قائلاً: «صمم مينكوسكي أنظمة تسجيل نقاط لأنظمة التبرع المترابط بالكلية (الذي يتيح تبادل الكلى للمتبرعين الذين لا يستطيعون التبرع لأحبائهم) التي تجد تطابقاً حيوياً أفضل للكلى مع ضمان أكبر عدد ممكن من عمليات الزرع في الوقت نفسه».