على الرغم من حداثة تشخيص «مرض نقص الانتباه وفرط النشاط» (ADHD)، فإن درجة الوعى به في ازدياد مستمر. ويعود الفضل في ذلك للتقدم التكنولوجي، وتوافر المعلومات العلمية للجميع.
ومن المعروف أن المرض لم يكن معترفاً به بصفته مرضاً منفصلاً قبل عقدين فقط، حيث كان يتم التعامل معه على أنه سوء سلوك من الطفل يتم إصلاحه بالعقاب أو تلقائياً عند البلوغ. وقد ساهم هذا الاعتراف في إنقاذ كثير من الأطفال، خاصة أن اختلاف الطفل عن الآخرين يؤدى إلى فقدان ثقته في نفسه، وإصابته باكتئاب. كما أن تراجع المستوى الدراسي نتيجة لعدم التركيز يقلل من التقدير الذاتي، وربما يعرض الطفل للتنمر. ويلازم المرض المرضى حتى في الشباب. وهناك كثير من الدراسات التي ناقشت طرق العلاج التي في الأغلب تكون عبارة عن العلاج السلوكي بشكل أساسي، وكذلك العلاج الكيميائي.
علاجات دوائية
أحدث دراسة تناولت أثر العلاج الدوائي على الأطفال، التي تم نشرها في مطلع شهر مايو (أيار) من العام الحالي في «مجلة الجمعية الطبية الأميركية» (Journal of the American Medical Association)، وقام بها علماء من جامعات نيويورك المختلفة، أشارت إلى احتمالية أن تكون نتائجه مختلفة تبعاً لكل حالة على حدة، خاصة في مرحلة ما قبل المدرسة.
وتساعد الأدوية في التحكم في السلوك القهري لهؤلاء الأطفال الذي يجعلهم مشتتين نتيجة لرغبتهم في عمل كثير من الأشياء في الوقت نفسه، مما يظهرهم متحركين دائماً لا يستطيعون البقاء في مكان واحد، وهي مشكلة مهمة عند دخول المدرسة، إلى جانب عدم قدرتهم على الانتباه لوقت طويل، وهو الأمر الذي يجعل العملية التعليمية النظامية صعبة للغاية.
وينقسم العلاج الدوائي إلى قسمين رئيسيين: النوع الأول منبه للتوصيلات العصبية محفز لزيادة النشاط في المخ stimulants (يعد خط العلاج الأساسي)، والنوع الثاني يمكن عده مهدئاً، وهو alpha-2 adrenergic agonists، ويستخدم بشكل أقل. وهو ليس مهدئاً فعلياً مطلقاً، ويستخدم لعلاج كثير من الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم. ويتم استخدام هذا النوع في حالة حدوث مضاعفات من النوع الأول، من أهمها الأرق وفقدان الشهية، وفي كثير من الأحيان يكون العلاج مزدوجاً من النوعين.
ومن المعروف أن الأدوية المحفزة تزيد من فترة الانتباه لدى الأطفال، وبالتالي تقلل الحركة العشوائية نتيجة التشتت، وهذه الأدوية على الرغم من فوائدها في زيادة الدوبامين والأدرينالين في المخ، فإن أعراضها الجانبية يمكن أن تكون مزعجة. وتنجح الأدوية في السيطرة على أعراض فرط النشاط ونقص الانتباه في الأطفال بنسبة نحو 70 في المائة. أما تأثير الأدوية في البالغين، فهو بنسبة أقل تبلغ نحو 50 في المائة.
وتعد هذه الدراسة هي الأولى التي توازن بين النوعين من الأدوية في الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة. ويعانى نحو 2 في المائة من الأطفال في الولايات المتحدة في هذه المرحلة من نقص الانتباه وفرط النشاط.
التحفيز والتهدئة
قام الباحثون بمراجعة الكشوف الإلكترونية الصحية لنحو 500 من الأطفال المصابين بالمرض، أعمارهم أقل من 6 سنوات (فترة ما قبل المدرسة)، وجزء منهم بلغت نسبته 65 في المائة كان يتم علاجه بالمحفزات، وجزء آخر بلغت نسبته 35 في المائة بالمهدئ، وكان نسبة 82 في المائة ممن شملتهم الدراسة من الذكور، وتلقت نسبة منهم بلغت 62 في المائة علاجاً سلوكياً قبل بدء العلاج الكيميائي.
وقد تبين أن 78 في المائة من الأطفال الذين تلقوا النوع المحفز حدث لهم تحسن في الأعراض، وفي المقابل كانت نسبة الأطفال الذين تحسنوا على النوع الثاني من العلاج (المهدئ) هي 66 في المائة فقط. والأطفال الذين حصلوا على النوع المهدئ عانوا بشكل أقل من الأعراض الجانبية، ولم يشعروا بالأرق أو فقدان الشهية أو اضطرابات هضمية، إلى جانب عدم وجود تغير حاد في المزاج أو قلق وتوتر. ولكن في المقابل، لم يتحسنوا بشكل كبير، وكان أهم عرض جانبي حدث لهم هو النوم في أثناء النهار.
وأوضح الباحثون أن العلاج الأمثل يكمن في التوازن بين العلاج السلوكي والنوعيين الخاصين بالأعراض. وأشاروا إلى أهمية أن يعرف الآباء ضرورة تناول العلاج، خاصة أن هناك كثيراً من الآراء التي تحذر من الأدوية الكيميائية في علاج نقص الانتباه. وأكدوا أن الأعراض الجانبية نادرة الحدوث، ويمكن السيطرة عليها أو تغيير نوعية الدواء، وما دام أن هناك التزاماً بالجرعة المحددة فلا يوجد داعٍ للخوف في هذه المرحلة العمرية.
وعادة، وفي فترة المراهقة، إذا لم تكن هناك رقابة كافية على الأدوية في المنزل، يمكن أن يتم إدمان هذه الأدوية، خاصة المحفزة، وإذا تعدت الجرعة الحد الآمن يمكن أن تسبب الوفاة.
وخطورة العلاج لا تزيد على خطورة العلاج بأي علاج كيميائي آخر، مثل المضادات الحيوية أو خوافض الحرارة.
وحذرت الدراسة من الاعتماد على الاختبارات الموجودة على مواقع الإنترنت في الحكم على الطفل من قبل الآباء (هناك اختبارات معينة يجيب عنها الآباء، ومن خلال جمع نقاط معينة يتم عد الطفل مريضاً من عدمه)، حيث يمكن أن تتشابه كثير من الأعراض مع أمراض نفسية أخرى، وأيضاً يمكن أن يكون الطفل سليماً تماماً، ونصحت بضرورة التشخيص والعلاج المبكر كلما أمكن عن طريق عرض الطفل على طبيب نفسى فقط، خاصة قبل دخول المدرسة، حتى يستطيع الطفل مواصلة العملية التعليمية، فضلاً عن تفاعله الاجتماعي مع أقرانه. ويجب أن يخضع العلاج للتقييم كل فترة لمعرفة مدى التقدم الذي يحققه الطفل على المستوى السلوكي والنفسي.
* استشاري طب الأطفال