خدام: الأسد اقترح إعطاء المعارضة العراقية وعوداً وهمية... وخاتمي حذر من دولة كردية (الحلقة الأولى)

نائب الرئيس السوري السابق روى في مذكرات تنشرها «الشرق الأوسط» أن «النظام انتقل من إسقاط صدام للدفاع عنه»

بشار الأسد بين حافظ  الأسد وعبد الحليم خدام في 1994
بشار الأسد بين حافظ الأسد وعبد الحليم خدام في 1994
TT

خدام: الأسد اقترح إعطاء المعارضة العراقية وعوداً وهمية... وخاتمي حذر من دولة كردية (الحلقة الأولى)

بشار الأسد بين حافظ  الأسد وعبد الحليم خدام في 1994
بشار الأسد بين حافظ الأسد وعبد الحليم خدام في 1994

تحكي مسيرة عبد الحليم خدام وأوراقه، قسماً رئيسياً من قصة سوريا في العقود الأخيرة. خدام، الذي كان يعرف بـ«أبو جمال»، تنقل في مناصب عدة، وكان شاهداً ومشاركاً في أحداث رئيسية عصفت بسوريا ودورها في الإقليم، منذ تسلم حزب «البعث» الحكم في عام 1963، إلى حين خروجه من البلاد وإعلان انشقاقه في 2005.
خلال عقود، تنقل «أبو جمال» بين مناصب عدة. كان محافظاً لحماة لحظة الصراع مع «الإخوان المسلمين» بداية الستينات، ومحافظاً لريف دمشق لحظة سقوط القنيطرة في نهاية ذلك العقد. وكان وزيراً للخارجية، ثم نائباً للرئيس خلال المحطات الأساسية في دمشق وتمددها في لبنان، إلى حد أنه كان يسمى «حاكم لبنان».
بقي «الملف اللبناني» في عهدة خدام إلى عام 1998، عندما نقله الأسد إلى نجله الدكتور بشار، الذي عاد من لندن بعد وفاة باسل، شقيقه الأكبر، في عام 1994، الأمر الذي لم يكن مريحاً لخدام وحلفائه في لبنان.
ومع تراجع دوره السياسي في دمشق، عقد مؤتمر «البعث» في يونيو (حزيران) 2005، وتقدم خدام باستقالة من جميع المناصب السياسية والحزبية، واحتفظ بمنصبه كعضو في القيادة المركزية لـلحزب. بعدها، خرج إلى لبنان في طريقه إلى المنفى في باريس التي بقي فيها حتى وفاته العام الماضي (فاروق الشرع أصبح نائباً للرئيس في بداية 2006، قبل أن يعفى من هذا المنصب قبل سنوات). وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فرضت العزلة على دمشق. وفي نهاية 2005، أعلن خدام انشقاقه، واتهم النظام السوري بـ«قتل الصديق رئيس الوزراء اللبناني». كما شكل من منفاه، مع «الإخوان المسلمين» بقيادة علي صدر الدين البيانوني، تحالف «جبهة الخلاص» لمعارضة النظام. وفي دمشق، اتهم بـ«الخيانة العظمى» وصودرت ممتلكاته.
لم يلعب خدام دوراً سياسياً بارزاً بعد انتفاضة 2011، حيث كرس وقته لكتابة مذكراته، ونشر في عام 2003 كتاباً عن آرائه السياسية وموقفه من الديمقراطية والحرية، بعنوان: «النظام العربي المعاصر».
«الشرق الأوسط» زارت أوراق خدام ووثائقه، وتبدأ اليوم بنشر فصول من مذكراته في حلقات عن مراحل أساسية من تاريخ سوريا ودورها. ولا تشكل هذه الحلقات تأريخا لهذه المراحل، بقدر ما هي رواية خدام عنها:

بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد وتسلُّم بشار الأسد مقاليد الحكم، ركّز على العلاقات مع العراق، وقامت سوريا بنشاطات عربية ودولية للدفاع عن النظام العراقي ضد الأعمال العدوانية التي كانت تمارسها الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق، كما اتخذت مواقف قوية ضد توجهات الولايات المتحدة الأميركية في شن الحرب على العراق. وفي تلك المرحلة، استقبل بشار الأسد عدداً من القياديين العراقيين، بمن فيهم أولئك الذين كانوا الأشد عداءً للنظام في سوريا وإيران، ومنهم علي حسن المجيد وطه ياسين رمضان.
وبذلك، انتقل النظام من مرحلة العمل لإسقاط النظام العراقي، إلى مرحلة الدفاع عنه في المحافل العربية والدولية، في وقت كانت إيران، عبر حلفائها في المعارضة العراقية، تعمل على الخلاص من صدام حسين ومن نظامه.
كانت الوفود العراقية والسورية لا تنقطع عن تبادل الزيارات، والعمل على عقد اتفاقات ثنائية بين الدولتين. ولعل أبلغ ما يعبر عن تلك الحالة زيارة رئيس الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو إلى بغداد قبل الحرب على العراق بفترة قصيرة، حيث اجتمع مع الرئيس العراقي صدام حسين، وقدّم له سيفاً دمشقيّاً، وألقى كلمة جاء فيها: «أُقدِّم لكم هذا السيف الدمشقي، مؤكداً أننا معكم، وأن العدوان على العراق هو عدوان على سوريا».
في تلك المرحلة، عُقد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن برعاية إيرانية وأميركية، ومثّل الجانب الإيراني فيه أحد كبار مسؤولي الاستخبارات ومعه وفد مرافق، ومثّل الجانب الأميركي ثلاثة أعضاء من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وعمل الوفدان على إنجاح المؤتمر الذي اتخذ مجموعة من القرارات، استخدمها الأميركيون في تغطية الحرب.
مع اشتداد الحملة الأميركية على العراق، وحشد القوات في المنطقة، وعجز الولايات المتحدة الأميركية في إقناع مجلس الأمن باتخاذ قرار يغطي الحرب على العراق، أصبح واضحاً أن الحرب باتت وشيكة خلال أيام، مما أثار القلق في سوريا من امتداد الحرب إلى أراضيها، لا سيما أن الموقف السوري كان قويّاً إلى جانب العراق، كما أن حالة من الإجماع الوطني قامت آنذاك في سوريا إلى جانب العراق.
في ضوء ذلك الواقع، ذهب الرئيس بشار الأسد إلى طهران، وقد رافقته، لمناقشة الوضع مع القيادة الإيرانية والعمل على توحيد الموقف في مواجهة التطورات الجديدة المقلقة والمقبلة في المنطقة.
توجهنا إلى طهران في 16 مارس (آذار) عام 2003. وأجرينا فور وصولنا مباحثات مع الرئيس محمد خاتمي ثم «المرشد» الإيراني علي خامنئي، وهذا محضر الاجتماعين:
بعد تبادل عبارات المجاملة، بدأ الحديث الرئيس السوري، متسائلاً: «ماذا نستطيع أن نفعل قبل الحرب بوقت قصير؟ وماذا سنفعل في حال حصول الحرب، والتي ستدوم لفترة طويلة، وربما لسنوات؟ ولا أقصد أن الولايات المتحدة ستستقر، وإن استقرت وحققت الأمن، فستنتقل إلى إيران وسوريا».
أجابه خاتمي: «هذه أسئلة صحيحة وفي وقتها. نحن في إيران نفكر دوماً في هذه النقاط، ودائماً مبعوثي، وخاصة السيد (كمال) خرازي، خلال اتصالاته مع الأصدقاء، وخصوصاً السيد خدام، نأتي على ذكر ذلك».
وتابع خاتمي: «اسمحوا لي أن أشرح لكم. كان لي حول الموضوعين لقاءان: الأول مع وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف، والثاني اتصال مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك. السيد شيراك هو الذي بادر، ودام الاتصال نصف ساعة. والملاحظ من كلا الرجلين أن لديهما قلقاً من أن يتم الاعتداء على العراق، لكن قلقهما كان أكبر من ذلك، وكلاهما كان يعبر عن أن الحرب واقعة قريباً».
وأضاف خاتمي: «كان ذلك يوم الثلاثاء أو الأربعاء، حيث قالا: علينا أن نسعى إلى ألا يمتد الاعتداء إلى ما وراء العراق، وكان يساور الرجلين قلق من أن مهاجمة العراق هي الخطوة الأولى. وأنا أريد أن أستنتج وأضيف هذا القلق إلى الرأي العام العالمي. فهذا القلق يُعتبر من قِبل الرأي العام العالمي إيجابيّاً لنا، وهو يتلخص في معارضة عميقة وأساسية إزاء الاتجاه الأحادي الذي تقوم به أميركا وتمارسه. ولهذا السبب طلبتُ خلال اجتماعي غير الرسمي بالقمة الإسلامية أن يقوم ممثلنا بالاتصال مع شيراك والجميع، باعتبار هذا التأييد مطلباً عالميّاً».
وتابع خاتمي: «كلا الرجلين، شيراك وإيفانوف، توصلا إلى الجزم بوقوع الحرب، وقال شيراك إننا مستعدون لاستخدام الفيتو (حق النقض في مجلس الأمن)، لكن أميركا استعدت للحرب. وموقفه أن هذا الاتجاه المعارض لأميركا يجعل الحرب، إذا حصلت، اعتداءً غير مشروع. وقال: لنا الحق بالتصرف بعد ذلك. فقد استذكر شيراك رأيي الذي أدليت به، وقلت إن الغارات الجوية قد تكبد العراق وشعبه خسائر جسيمة، ولكن لا تؤدي إلى سقوط صدام. لذلك، سيكونون مرغمين على خوض حرب ذرية. وأنا أخمِّن وأقدِّر أن الجيش العراقي والحرس سيقومان بالدفاع عن المدن».
وقال خاتمي: «الانتصار الحاسم الذي تحصل عليه أميركا: أن تقصِّر فترة الحرب وتصل للانتصار في فترة قصيرة. لكن، إذا طالت المدة ستخسر أميركا. ويكفي أن تعود إلى أميركا جثث الجنود الأميركيون حتى ينقلب الرأي العام الأميركي ضد الرئيس جورج بوش وسياسته. لذلك لا أعتقد أن أميركا ستتمكن من إنهاء هذه الحرب. لكن هناك نقطة غامضة: لا أعرف مدى استعداد العراقيين للمقاومة والصمود. أنا لا أريد أن نسمح بوقوع الحرب، لكن إن وقعت الحرب فلا بد أن لا تكون أميركا منتصرة فيها بسهولة. النقطة الثالثة إن وقعت الحرب ماذا يجب علينا أن نفعل؟».
وأضاف خاتمي: «الموضوع الآخر الذي طرحته مع شيراك: أن المعركة تؤدي إلى تشديد وزيادة موجة العنف في العالم. أميركا في أفغانستان لم تحقق هدفها بالقضاء على زعيم تنظيم (القاعدة) السابق أسامة بن لادن بل جعلته بطلاً، والآن تُنتج بطلاً آخر اسمه صدام، وستزداد موجة التطرف. وأيدني شيراك، لكنه قال إن الأميركيين ليسوا من أهل هذه المنطقة».

وقال: «قبل أن ندخل في المرحلة الثالثة، مرحلة ما بعد وقوع الحرب، أكرر سؤالاً: كيف ترون الوضع في حال وقوع الحرب بالنسبة لصمود الشعب العراقي، وبخاصة حرب المدن، لأنه إن طالت المدة ستكون الأضرار أكثر؟».
عقّب الأسد، قائلاً: «لو كان من يحارب غير الأميركيين لكان سقوط صدام أسرع، لكن الأميركيين تتحكم بهم الحماقة. قالوا إنهم سيحسمون الحرب خلال أيام أو أسابيع. لقد حصروا أنفسهم بهذا الزمن دون داعٍ».
وأضاف: «إذا سألنا العراقي: من تكره أكثر، أميركا أم صدام؟ سيكون هناك من يقول صدام، ولكن الإحساس أن الشعب العراقي سيقاتل مع صدام. لذلك، أعتقد أن مجموعة من العراقيين يهتمون بجانب، بينما آخرون في جانب آخر».
وتابع الأسد: «شيء آخر: سيقتل الأميركيون أعداداً كبيرة من العراقيين، وعندها سينسى الشعب أن هناك صدام حسين. بالنسبة للحرس الجمهوري والحزبيين المحيطين بالنظام، وأنا أتكلم هنا عن الحرس الجمهوري القريب، يوجد عدد كبير من القيادات السياسية والعسكريين يمكن تقسيمهم إلى نوعين: الأول مستفيد من النظام، والثاني مرتكب لجرائم وإعدامات. ستبدأ حماقة أميركا... هي لم تترك منفذاً لأحد من هؤلاء، فأصدرت لائحة تضم 1700 معارض يُمنع دخولهم العراق، وتكلمت عن حاكم عسكري للعراق. في الواقع ستكون هناك معركة، ولكن، بعد أيام سيكون الجميع ضد أميركا».
قال خاتمي: «كل المعارضة اليوم تقف ضد أميركا. علينا أن نحاول دفع الشيعة والسنة إلى تجاوز الخلافات».
عاد الأسد إلى الحديث، قائلاً: «نحن أكثر دولة تقف مع صدام، وهو أقل دولة تنسق معنا. إنه نظام غريب يعيش في عالم آخر. كنت أتحدث من قبل وأقول إن من المفترض أن أوسّع المشاركة الداخلية، فلدينا الآن في سوريا انتخابات بلدية. وكنا نتحدث في الطائرة عن كيفية توسيع هذه المشاركة. صدام حسين يفعل العكس. لقد قسّم العراق بالأمس إلى أربع مناطق، وسلَّم إحدى المناطق لعلي حسن المجيد الملقب بالكيماوي، وهذا سيقلب الصورة ضد صدام. نحن كسوريين وإيرانيين كيف نتعامل مع المعارضة؟ من الضروري استيعاب المعارضة في الخارج، ولكنها لا تستطيع أن يكون لها دور. نحن بحاجة لعلاقات أوسع في داخل العراق. بالنسبة لنا في سوريا، العلاقة ضعيفة بسبب عدم وجود الثقة بين نظامينا».
وأضاف الأسد: «هذا الموضوع بحاجة لدراسة تفصيلية بالاسم، لأن أي مجلس أو شخص يأتي لحكم العراق يكون هؤلاء الأشخاص. أميركا لم تقبل اقتراح دولة عربية استبدال صدام بشخص آخر هو عزت الدوري. هذا تصوّري لهذه النقطة».
علّق خاتمي، قائلاً: «نحن أيضاً لا نعرف ماذا يجري داخل العراق. أنا أقتنع بمثل هذا الشعور المتناقض تجاه صدام وأميركا، وأعتقد أنه إن طالت الحرب ورأى الشعب الخسائر واستطاع الجيش والحرس الجمهوري المقاومة، سيكون الزمن على حساب الجانب الأميركي.
وفي إطار العمل لمستقبل العراق لا بد من إبعاد أي توجه يهدد الموقف، وإبعاد الأخطار المهمة التي تتمثل في الطائفية والتناحر بين الفصائل، لأن هذا يسهّل عمل أميركا، كأن يطالب الشيعي بحصة وكذلك الكردي وغيرهما، وهذا سيكون سُمّاً لمستقبل العراق، وأنا أرى أنه لا بد من التفكير بمستقبل عراقي ديمقراطي، بحيث لا يكون العراق بيد الأميركيين حتى إذا لم يكن عدوّاً لأميركا».
وتابع خاتمي: «موقف المعارضة الآن متصف بالرعونة، في حين أن التصرف الأميركي متصف بالعنجهية. إن أكبر رهان على المعارضة الآن هو أن أميركا عاملتهم بطريقة سيئة، والكل أبدى انزعاجه من تصرفاتها، بمن فيهم (أحمد) الجلبي، القريب جدّاً من أميركا. هذا الأمر ساعد في عودة الجميع إلى رشدهم والتقليل من العمل في الاتجاه الطائفي».
وأضاف: «لتركيا دور كبير في هذه المرحلة. ورغم التزامات تركيا تجاه أميركا، فإنني ألاحظ أن الجماعة التي تحكم تميل للعمل معنا ومع العالم الإسلامي. يجب علينا أن نكون حذرين من قيام دولة كردية، ولا بد من تكريس الفكرة القائلة بأن أكراد إيران هم إيرانيون، وأكراد العراق عراقيون، وأكراد تركيا أتراك، وفي هذا المجال لا بد من طمأنة الأتراك وتبديد مخاوفهم. على كل حال، يجب التنسيق بيننا وبينكم وبين المعارضة العراقية في هذه الأمور».
عقّب الأسد: «في المعارضة حالتان: الأولى وصلت إلى مرحلة النضج ولن تتعامل مع أميركا، والثانية هرولت باتجاه أميركا عندما أشارت إليها. هؤلاء، إن وصلوا إلى الحكم لن يعملوا مع سوريا وإيران، بل سيكونون في الجانب الأميركي. لذلك، لا بد من توسيع العلاقات وخلق عناصر أخرى للتنسيق. العنصر الأكبر هو الأكراد. لديهم خوف وهم يفكرون بإقامة وطن. هذه النقطة هي الأهم. لقد بحثت هذا الأمر مع (الرئيس التركي الأسبق) عبد الله غول، ومنذ أيام ذهب وفد أمني سوري إلى تركيا. المحور الأساسي للتعاون بين سوريا وتركيا الآن هو موضوع الدولة الكردية، وهذا يجمع كل التيارات في تركيا، من العسكر وغيرهم، لأن هذا يقلق تركيا وسوريا وإيران والعراق، ويجب التنسيق بيننا في هذا الموضوع».
أخذ خاتمي الحديث فقال: «الآن تركيا مهمة جدّاً لمرحلتي ما قبل الحرب وما بعدها. تركيا تتلقى أوامرها من أميركا، وبدا ذلك بشكل واضح في مؤتمر القمة الإسلامية. يجب ألا نحصر أنفسنا في اللقاء السداسي في إسطنبول. أعتقد أننا نستطيع أن نكون قوة إقليمية في المنطقة تضم سوريا وإيران وتركيا، وذلك في مرحلة الحرب وما بعدها، لكون تركيا متضررة مثلنا. حتى نهاية أبريل (نيسان) ستظهر الأمور بالنسبة للحرب، وستتوضح صورة حكومة (رجب طيب) إردوغان الجديدة، وربما تصبح الأمور أسوأ في الساحة العراقية. أقترح عقد لقاء قمة ثلاثي، أو على مستوى الوزراء، لبحث ما يمكن تحقيقه (...) أرى أن عقد اجتماع ثلاثي على مستوى وزاري وبعده قمة، سيكون له أثر كبير، سواء وقعت الحرب أم لا، وسواء انتصرت أميركا أم لا. وعلينا التفكير بالموضوع منذ الآن. سبق لنا أن اقترحنا موضوع 5+6. أي اجتماع يضم خمسة أعضاء من مجلس الأمن وست دول مجاورة للعراق، وقد رحّب الأمين العام للأمم المتحدة بهذه الفكرة، ولكنها لم تتحقق. هل يمكن طرح الفكرة اليوم، خصوصاً بعد المواقف التي تتخذها كل من فرنسا وروسيا والصين؟».
تدخّل في الحديث كمال خرازي: «الرئيس خاتمي طرح فكرة الوفاق الوطني»، فأجابه خاتمي: «المشكلة أن هذه الفكرة لم تُعجب أحداً». فتساءل خرازي: «إن طُرحت هذه الفكرة ثانية، هل يمكن أن تبصر النور؟». أجابه الأسد: «كان الطرح هو المفاوضات بين الأطراف، فالوقت غير مناسب، لأن الطرح سيكون: مَن يأخذ أكثر؟ وسيتم التناحر بين القوميات، وسيظهر للعالم أن الموضوع داخلي وليس موضوع عدوان. نحن نريد التركيز على العدوان. الجانب الآخر الذي أراه مناسباً هو تحقيق التطور. لقد تحدثنا مع العراقيين كثيراً. هم لا يُنسقون معنا، لا في اللجنة الخماسية ولا في أي شيء آخر. وعندما نتحدث معهم عن المعارضة، يقولون نحن لا نخاف من أحد».
علَّق خاتمي: «المعارضة لا تروق لأحد». أجابه الأسد: «نستطيع إعطاءها وعوداً وهمية على الطريقة الأميركية، ومع ذلك يمكن طرح الموضوع مع وزير الخارجية العراقي. المشكلة الأولى في الحرب هي صدّام نفسه». قال خاتمي: «بالنسبة للحرب، أميركا تتعامل بقوة، وربما لديها مشاريع وخطط. هل أنتم مطمئنون إلى إمكانية قيام الجيش بعمل ما في الداخل؟ إن انتصرت أميركا بسرعة سيكون الأمر صعباً». أجابه الأسد: «الحل في المقاومة». فتابع خاتمي: «إذا وقعت الحرب؟»، فقال الأسد: «يجب الإعداد للمقاومة قبل الحرب«.
هنا علَّق خاتمي: «لا بد من وجود أهداف عدة: أولاً، لا نريد وقوع الحرب، وثانياً، إن قامت لا نريد أن تنتهي بسرعة، وثالثاً، مستقبل العراق. يجب العمل والتنسيق لتحقيق هذه الأهداف، ولا بد من التباحث حول كيفية التعامل مع المعارضة.
النقطة الأخرى هي أنه يجب معرفة ما يجري داخل العراق وكيفية التأثير فيه، وكذلك الأمر بالنسبة لمستقبل العراق. يجب أن تنصبّ جهودنا على تجنب الطائفية، ويجب أن يكون شرطُنا للعمل مع المعارضة هو التزامها بعدم إثارة المشكلات. نحن لا نفرّق بين سُنّي وشيعي. إن حدث أمر كهذا، وهذا ما يقلقني، فإن المعارضة ستسقط، وهذا يسبب خسارة».
عقّب الأسد: «للطرح الطائفي في العراق نتائج سلبية. قبل طرح أي أمر يجب أن يكون له هدف. التركيز على المعارضة يخيف الأميركيين، لكن هذا يتطلب بحث العلاقات مع العشائر. اليوم يوزع الأميركيون الأموال والهواتف على رؤساء العشائر. لا أعرف إن كان هؤلاء سيلتزمون مع أميركا، ولكنهم في الوقت الحالي سعداء بالأموال. ما هي علاقتكم بالعشائر؟».
أجابه خاتمي: «لا توجد علاقات بيننا، ولكني أعتقد أن للمعارضة اتصالات مع العشائر، ولها ارتباطات أخرى». رد الأسد: «سيكون التعامل صعباً إلى حد ما».
تدخلتُ في الحديث قائلاً: «لدي اقتراح: إن وجهتي نظر سوريا وإيران متطابقتان. لا بد من إيجاد منهجية للعمل. هناك أطراف عدة في المعارضة مخترَقة من قِبل الأميركيين. أقترح تشكيل مجموعة عمل تدرس المعارضة العراقية. هناك الكثير من أطراف المعارضة رفضت العمل تحت المظلة الأميركية، وهناك من يعتقد أن الحرب فرصة مناسبة للانقضاض على النظام».
أجاب خاتمي: «أنا لستُ معكم، لكنني أوافقكم بأن هناك بعض المخترَقين من قِبل أميركا، لكن في الوقت نفسه البعض لم يعارض». أجبته: «بعض المشاركين يقولون إنهم يعملون مع المخابرات الأميركية والبريطانية. وبالفعل، فقد حضر المؤتمر أعضاء من المخابرات المركزية الأميركية كمراقبين، كما حضره أعضاء من المخابرات الإيرانية كمراقبين أيضاً، وبالتالي لا بد من تدقيق وضع المعارضة العراقية وتصحيح أوضاع من نستطيع التأثير عليهم».
أجاب خاتمي: «لا شك أنهم فضّلوا التعامل مع أميركا، لكنّ تعامل أميركا السيئ معهم جعلهم ينظرون إلى المعارضة وكأن لها موقفاً موحَّداً ضد أميركا. ولهذا السبب تراجعت المعارضة في أربيل، وأميركا لا تقبل بهذه المعارضة إلا أناساً يقفون معها 100 في المائة. قال المبعوث الأميركي زلماي خليل زاد للمعارضة: نحن لا نقبل بالمعارضة وسنزرع حاكماً عسكرياً في العراق، وبعد الهدوء سنضع حاكماً سياسياً، وسننشئ دستوراً عراقياً، وأقصى شيء يمكننا عمله معكم هو التشاور».
وأضاف: «عندما تقوم أميركا بالعمل العسكري لن يكون للمعارضة أي نشاط. لقد خططت أميركا لتحقيق ما تريده في العراق، وجميع أطراف المعارضة كانت منزعجة منها، وقرروا في أربيل إصدار بيان معارض لأميركا، وهذا شيء جيد، وكان له أثر في تغيير اللهجة الأميركية. لذلك أنا لست معك بوجود أطراف معارضة تعمل مع أميركا وأخرى مستقلة تماماً، لكن في الوقت ذاته، أي طرف من المعارضة سيرى مصلحته مع أميركا سيقترب منها، بالإضافة إلى بعض الأطراف التي تعتمد على أميركا منذ البداية. الجانب الأميركي يصر على من يتبعون له، ولكن في الوقت ذاته أنا أؤيد وجهة نظركم بأن هناك خارج المعارضة من هم أكثر مقاومة وجديّة، ولكن يجب أن نكون واقعيين».
وتابع قائلاً: «هذا الاقتراح من الرئيس بشار بأن نجلس مع تركيا اقتراح حكيم، ولا بد من أن ننظر للمعارضة بإطار واسع لنَحول دون اتساع الخلافات، ونَحول دون وقوع المعارضة في أحضان أميركا، وسنكون سعداء جدّاً بأن يكون لنا نوع من الوجود. أنا أوافق على مجموعة العمل، فالإنسان لا يُخير دائماً بين الجيد والسيئ، ولكن يجب التمييز بين السيئ والأسوأ».
وبعد أن أنهينا اللقاء مع الرئيس خاتمي، توجّهنا للقاء المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي بدأ الحديث مُرحباً بنا، متمنياً أن تكون الزيارة مفيدة لكِلا البلدين. بعد ذلك تحدث الأسد، قائلاً: «التنسيق بين بلدينا عالٍ، وبكل تأكيد ستحقق زيارتنا النجاح، وسوف تضفي هذه الزيارة بعض (الرتوش) على التنسيق بين بلدينا. لقد عكَس نقاشنا اليوم تطابق وجهات النظر بين بلدينا. ناقشنا موضوع العراق بشكل موسّع، ويوجد تحليلات كثيرة، والرؤية سوداوية حول هذا الموضوع، والنقاط البيضاء فيه هي تحالفنا ومواقفنا وتاريخنا. لقد سقطت الأقنعة وكل شيء اتضح. أميركا عبّرت عن موقفها وقالت إنها تريد احتلال العراق وتنصيب حاكم عسكري، وقالت إنها ستحارب بعد ذلك سوريا وإيران وأي دولة لا تعجبها. نحن ندرك قوة أميركا العسكرية وإمكانات سوريا وإيران... ولكن نحن أصحاب الأرض».
أضاف الأسد: «قلنا في البداية إننا لا نريد حدوث الحرب لأنها ضارة للجميع، لكن من غير المعقول أن نجلس وننتظر مجيئها إلينا لاحقاً. لا يوجد دولة جارة للعراق تملك قرارها سوى سوريا وإيران، لكن أعتقد أن أهم شيء يمكن أن يحدث في حال حصول الحرب هو امتدادها حتى تتعب أميركا».
تحدث خامنئي قائلاً: «شكراً جزيلاً على هذا التحليل الجيد حول ما يجري في المنطقة. الحقيقة هي أننا دولتان شقيقتان، تجمعنا أمور كثيرة ومخاطر مشتركة، وهذا بحد ذاته عامل تشجيع لزيادة التعاون الكامل بيننا. تواجه المنطقة وضعاً خطراً».
 

خدام: الأسد غيّر رأيه ومدد للحود فاصطدمت سوريا بالإرادة الدولية (الحلقة الثانية)

خدام: استقبلنا رفيق الحريري بناء على اقتراح جنبلاط... وحافظ الأسد «امتحنه» (الحلقة الثالثة) 
خدام: هاجمت قواتنا ثكنة «حزب الله»... وهذا ما دار مع السفير الإيراني (الحلقة الرابعة)
خدام: بوش أبلغنا برسالة خطية أن عون «عقبة»... والأسد اعتبرها «ضوءاً أخضر» لإنهاء تمرده (الحلقة الخامسة)
خدام: صدام بعث برسائل سرية إلى خامنئي ورفسنجاني... واقترح قمة بحضور «المرشد» (الحلقة السادسة)
رفسنجاني في رسالة لصدام: تتحدث عن القومية العربية وتنتقد رفضنا لاحتلال الكويت (الحلقة السابعة)
خدام: قلت لعرفات إنك تكذب وتتآمر على فلسطين ولبنان وسوريا (الحلقة الثامنة)
خدام: السعودية لعبت دوراً بارزاً لدى أميركا في حل «أزمة الصواريخ» مع إسرائيل (الحلقة التاسعة)
خدام: كنت أول وآخر مسؤول سوري يلتقى الخميني... وهذا محضر الاجتماع (الحلقة 10)

خدام: حافظ الأسد كان سريع التأثر بأفراد عائلته... وعلاقتنا وصلت أحياناً إلى القطيعة (الحلقة الـ 11 والأخيرة)

 



اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.


أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
TT

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لحكمين قضائيين صادرين عن محكمتي استئناف طرابلس وبنغازي، يقضيان بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى بلدية مصراتة.

ويأتي هذا الجدل بعد سبعة أعوام من توقيع اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير القسري، الذي تعرض له سكان تاورغاء عقب أحداث عام 2011.

وتضع هذه الشكاوى، حسب مراقبين، مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الليبي محل تساؤلات، في بلد لا يزال يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مستمراً منذ أكثر من عقد. فقد شهدت ساحات القضاء في طرابلس وبنغازي على مدى شهرين صدور حكمين؛ أولهما عن محكمة استئناف طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضى بوقف تنفيذ قرار حكومة «الوحدة» في الشق المستعجل من الدعوى، أعقبه حكم ثانٍ صادر مطلع الأسبوع الحالي عن محكمة استئناف بنغازي، قضى بإلغاء القرار نهائياً وقبول الطعن المقدم ضده.

في المقابل، التزمت حكومة الدبيبة الصمت إزاء هذه الأحكام، وباشرت عملياً إجراءات تُفسَّر على أنها تمهيد لتنفيذ قرار الضم، كان آخرها توجيه وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة في 18 ديسمبر (كانون الأول) طلباً إلى إدارة الصحة في تاورغاء لتسليم مهامها إلى نظيرتها في مصراتة.

هذا السلوك، حسب رؤية عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، مثّل «تجاهلاً صريحاً لأحكام القضاء وتقويضاً لمبدأ الفصل بين السلطات»، محذراً من أنه يقود إلى ما وصفه بأنه «تعزيز للشعور بانزلاق الدولة نحو الفوضى». ورأى الشيباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي إجراء لاحق لصدور هذين الحكمين يُعد مخالفة قانونية واضحة لأحكام القضاء».

وأوضح النائب الليبي أن بلدية تاورغاء «كيان إداري قائم بذاته منذ عقود»، ومعترف بها منذ عهد النظام السابق، قبل أن تُلغى بقرار إداري في المرحلة الانتقالية، التي أعقبت فبراير (شباط) 2011، ثم أعيد الاعتراف بها عام 2015 عبر مجلس تسييري، رغم ظروف التهجير القاسية التي عاشها سكانها، وفق تعبيره.

مبنى مهجور في مدينة تاورغاء غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان اتفاق المصالحة التاريخي بين مصراتة وتاورغاء، الذي أُبرم برعاية دولية منتصف عام 2018، ونجح في طي عداء استمر قرابة ثماني سنوات، ومهّد لعودة النازحين إلى مدينتهم الواقعة على بُعد نحو 240 كيلومتراً شرق طرابلس.

غير أن قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أعاد إشعال التوتر، بعدما نص على تحويل تاورغاء إلى فرع بلدي تابع لمصراتة، وهو ما قوبل برفض واسع من الأهالي، الذين عدوا الخطوة انتقاصاً من استقلاليتهم الإدارية، وتهديداً لحقوقهم القانونية المكتسبة، ودفعهم للجوء للقضاء.

ويستند الطاعنون في قرار حكومة «الوحدة» إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات كانت قد اعتمدت تاورغاء بلديةً مستقلة، بموجب قرارات تنظيم الانتخابات البلدية التي انطلقت عام 2014، في حين صدر قرار ضمها إلى بلدية مصراتة في يوم إجراء الانتخابات نفسها، وفق ما يوضحه لـ«الشرق الأوسط» المحامي زياد أبو بكر هيركة، أحد مقدمي الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس، الذي عبّر عن استغرابه من عدم امتثال السلطة التنفيذية للأحكام القضائية.

كما أوضح الشيباني أن إدراج تاورغاء ضمن البلديات المشمولة بانتخابات المجالس البلدية يمثل «اعترافاً رسمياً بتوافر مقومات البلدية من حيث السكان والجغرافيا والبنية الاجتماعية والاقتصادية»، لافتاً إلى أن عدد سكانها يتجاوز 50 ألف نسمة.

من جهته، يرى الناشط الليبي عياد عبد الجليل أن الإشكال «ليس مع مدينة مصراتة، التي تم تجاوز الخلاف معها عبر المصالحة، بل مع الحكومة التي تتجاهل المطالب المشروعة لأهالي تاورغاء، بالحفاظ على بلديتهم المستقلة»، عاداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تجاهل الأحكام القضائية «يعكس استمرار ممارسات تُقوّض استقلالية المؤسسات القضائية».

وفي انتظار ما ستسفر عنه التطورات القضائية، يترقب أهالي تاورغاء حكماً جديداً من محكمة في طرابلس بشأن موضوع الطعن، للفصل النهائي في مصير قرار الضم.

ويقول النائب الشيباني إنهم «ينتظرون صدور الحكم لإحالته إلى رئاسة مجلس النواب، من أجل مخاطبة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الاقتراع البلدي في تاورغاء»، محذراً من أن «أي تدخل أمني لمنع هذا الاستحقاق سيقابل بمواقف واضحة».

في المقابل، يلوّح المحامي هيركة بما وصفه أنه «مسار قانوني مواز»، مشيراً إلى أن «إصرار الحكومة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية قد يدفع إلى تحريك دعوى جنحة مباشرة ضد رئيس الحكومة بشخصه، لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ».

ورغم هذا المشهد المتوتر، ترى نادية الراشد، العضوة السابقة في المؤتمر الوطني العام، بارقة أمل في صدور الحكمين المتطابقين من بنغازي وطرابلس، عادّةً أن ذلك «يعكس وحدة الموقف القانوني، ويؤكد اختصاص القضاء بعيداً عن العبث السياسي»، مضيفة أن هذه الأحكام «تثبت أن القانون، متى أُتيح له المجال، قادر على تصحيح المسار وحماية استقلالية القضاء».


مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

قال المهندس بدر باسلمة، مستشار الرئيس اليمني، إن المشهد اليمني يمرّ بمحاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تستعيد من خلالها الدولة زمام المبادرة، بدعم إقليمي وثيق، وبما يرسّخ منطق القانون والمؤسسات.

ووصف باسلمة القرارات الرئاسية الأخيرة، المتعلقة بالأوضاع في المحافظات الشرقية، بأنها «خطوة مفصلية» تنطوي على دلالات سياسية عميقة تمسّ جوهر بقاء الدولة، على حدّ تعبيره.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأوضح بدر باسلمة، في تصريح خاص، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه القرارات تمثل انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة الرئاسي من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل» والمبادرة، بما يفضي إلى تحصين مركزية القرار السيادي ومنع تفتت الدولة.

وشدّد على أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يشكّل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، مشيراً إلى أن هذا الدعم لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى «ضبط إيقاع» المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول.

ويرى باسلمة أن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، تمرّ بمخاض سياسي دقيق قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة، ويؤسس لنموذج «الدولة الاتحادية» المقبلة.

من «إدارة التوازنات» إلى «سيادة المؤسسات»

ووفقاً للمهندس بدر باسلمة، فإنه «لا يمكن قراءة القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياقها الإداري الروتيني فحسب، بل تمثل خطوة مفصلية تنطوي على دلالات سياسية عميقة تتصل بجوهر بقاء الدولة».

وأضاف أن أهمية هذه القرارات تكمن في كونها تُجسّد انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل والمبادرة»، وعَدَّ ذلك «رسالة سياسية بليغة إلى الداخل والخارج مفادها أن الدولة، بمفهومها الدستوري والشرعي، هي صاحبة الكلمة الفصل في إدارة مؤسساتها السيادية، وأنها يجب أن تظل مظلة وطنية جامعة، لا ساحة لتقاسمها أو توظيفها خارج إطار المشروع الوطني الجامع».

ولفت باسلمة إلى أن هذه الخطوة تمثل «بمعناها الأعمق، عملية تحصين لمركزية القرار السيادي، ومنع انزلاق الدولة نحو التفكك أو تحولها إلى جُزر إدارية وأمنية معزولة».

الدور السعودي حجر الزاوية

وأكد بدر باسلمة أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يمثل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، موضحاً أن هذا الدعم «لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى ضبط إيقاع المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول».

وأضاف أن أهمية هذا الدور تتجلى في ترسيخ «قاعدة ذهبية مفادها أن الشراكة لا تعني الاستحواذ»، مشيراً إلى أن الدعم الموجَّه لمجلس القيادة الرئاسي يستهدف خفض التصعيد ومنع فرض سياسات «الأمر الواقع» بقوة السلاح، ولا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية مثل حضرموت والمهرة.

وتابع أن المملكة، من خلال هذا النهج، «تعيد رسم الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء جميع الأطراف تحت مظلة الدولة»، وتدفع القوى السياسية نحو طاولة الحوار بوصفه الخيار الوحيد، بدلاً من «مغامرات غير محسوبة قد تُهدد الأمن الإقليمي والنسيج الاجتماعي اليمني».

المحافظات الشرقية... ملامح الدولة المقبلة

ويقول بدر باسلمة إن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، باتت، اليوم، تمثّل «الرقم الصعب» في المعادلة اليمنية، وتعيش مخاضاً سياسياً قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة.

وأضاف باسلمة أن «القراءة المتفحصة للمشهد تشير إلى تنامي الوعي المجتمعي والسياسي في هذه المحافظات، باتجاه رفض التبعية المطلقة أو الاستقطاب الحاد»، موضحاً أن ما يجري في حضرموت «لا يندرج في إطار حراك مناطقي عابر، بل يندرج في سياق تأسيس لنموذج الدولة الاتحادية المقبلة».

وأشار إلى أن هذه المحافظات تسعى لانتزاع حقوقها في إدارة شؤونها وتأمين أراضيها، «من خلال تشكيلات وطنية، مثل قوات درع الوطن، وذلك تحت مظلة الشرعية الدستورية»، لافتاً إلى أن المؤشرات الراهنة توحي بأن خيار «الضم والإلحاق القسري» تراجع لصالح مسار يتجه نحو صيغة توافقية تضمن للأقاليم خصوصيتها الإدارية والأمنية ضمن يمن موحد واتحادي.

مسلَّح من أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (أ.ف.ب)

وختم باسلمة حديثه بالقول إن «اليمن يشهد، اليوم، محاولة جادة لـ(هندسة عكسية) للمشهد، فبدلاً من أن تفرض الفصائل واقعها على الدولة، تسعى الدولة، بدعم إقليمي وثيق، إلى استعادة زمام المبادرة وفرض منطق القانون والمؤسسات».

وأضاف أن هذه العملية «تمثل معركة نفَس طويل تتطلب قدراً عالياً من الحكمة السياسية»، مؤكداً أن «الرابح فيها هو مَن ينحاز لمنطق الدولة ومصالح المواطنين»، مستنداً في ذلك إلى «الشرعية الدولية والغطاء العربي الداعم».