لبنان والعرب: جلاء العلاقات الملتبسة يحقق المصالح المشتركة

وسط تراكم الصعوبات والتحديات المصيرية

لبنان والعرب: جلاء العلاقات الملتبسة يحقق المصالح المشتركة
TT

لبنان والعرب: جلاء العلاقات الملتبسة يحقق المصالح المشتركة

لبنان والعرب: جلاء العلاقات الملتبسة يحقق المصالح المشتركة

لطالما ارتبط لبنان بعلاقات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة مميزة مع محيطه العربي. وغالباً ما كان يجري تجاوز الإشكاليّات السياسيّة والعقائديّة المتصلة بهوية لبنان ودوره، التي رافقت نشوء الكيان عقب خروجه من حقبة الانتداب الفرنسي في نهاية الحرب العالميّة الثانية، لا سيّما في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وهي الحقبة التي شهدت ازدهاراً لبنانيّاً غير مسبوق.
أما الصراع الذي كان اندلع بين جناحي لبنان من المسلمين والمسيحيين حول عروبة لبنان، فخفَت إزاء التطور الكبير الذي شهدته علاقات لبنان العربيّة، خصوصاً مع الفورة النفطيّة التي أحدثت تحولات هيكليّة في اقتصادات الخليج ومجتمعاته المتعددة. فالتسوية التي وُلدت على «الطريقة اللبنانيّة» المرتكزة إلى صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، بما عُرف بـ«الميثاق الوطني» عام 1943، أفضت إلى إسقاط المطالبة الإسلاميّة الاندماج بسوريا والعالم العربي مقابل إسقاط الدعوات المسيحيّة للالتحاق بفرنسا والغرب شرط الحفاظ على حدوده التي أعلنت سنة 1920 تحت مسمّى «دولة لبنان الكبير». ورست المعادلة على أن لبنان دولة مستقلة ذات وجه عربي. وكان لبنان من الدول العربيّة الست المؤسسة لجامعة الدول العربيّة عام 1945 إلى جانب: مصر، المملكة العربيّة السعودية، العراق، سوريا والأردن.

على المستوى السياسي، استمر السجال المتصل بهوية لبنان وعروبته لعقود طويلة يخفت تارة ويندلع تارة أخرى، لا سيّما في أوج الحروب والمواجهات العسكريّة العربية - الإسرائيليّة؛ إذ كانت تتمدد مفاعيل تلك المواجهات إلى داخل الساحة اللبنانية المنقسمة على ذاتها سياسياً وثقافيّاً وطائفيّاً ومذهبيّاً. ولعل أبرز تجليّات ذلك الانقسام تجلى في «ثورة 1958» الشهيرة ضد محاولة إلحاق لبنان بمحاور خارجيّة لتغيير هويته ودوره وموقعه الطبيعي.
إلا أن «وثيقة الوفاق الوطني اللبناني» (التي اشتهرت باسم «اتفاق الطائف»؛ كونها أقرّت في مدينة الطائف السعودية التي استضافت البرلمانيين اللبنانيين لأكثر من أسبوعين من أجل مناقشة الإصلاحات السياسيّة ووقف النزاع الأهلي المسلح) حسمت بشكل تام هويّة لبنان العربيّة. فعُدلت مقدمة الدستور اللبناني بحيث نصت الفقرة «ب» على أن «لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها».

- ازدهار الخمسينات والستينات
أدّى احتلال فلسطين وإعلان دولة إسرائيل عام 1948 إلى مقاطعة عربيّة عارمة للكيان الغاصب. وشملت المقاطعة بطبيعة الحال المرافق والمرافئ الفلسطينية التي صارت تحت الاحتلال، فتقدّم وتطوّر مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس. كما أن مصفاتي النفط اللتين أنشئتا في لبنان لعبتا دوراً مهماً في انتقال النفط العربي إلى محطات ومواقع جديدة. وازدهرت تجارة الترانزيت والشحن البحري والبرّي بين لبنان والعُمق العربي.
وأتاح النظام الاقتصادي اللبناني، الذي كان قائماً على الانفتاح (الزائد في بعض الأحيان، لا سيما لناحية إهماله تنمية الأرياف والمناطق المهمّشة، كما في تركز رأس المال في أيدي قلة قليلة من اللبنانيين) تدفقاً انسيابيّاً للأشخاص والبضائع والسلع. وساهم نظام لبنان المصرفي وحرية انتقال الودائع والأموال والسريّة المصرفيّة في رفع مستويات الثقة به؛ ما سمح بتدفق رؤوس الأموال العربيّة والخليجيّة إليه، وكان بعضها على شكل ودائع مصرفيّة أو استثمارات وتوظيفات أو تحويلات.
في المقابل، أتاح نظام التعدديّة والتنوع اللبناني الذي استقطب البعثات العلميّة الخارجيّة والإرساليّات الأجنبيّة بناء قدرات بشريّة ناجحة في الكثير من القطاعات. وصار خريجو الجامعات اللبنانيّة، وفي طليعتها الجامعة الأميركيّة في بيروت (التي يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن التاسع عشر وتحديداً عام 1866)، وجامعة القديس يوسف (1872)، والجامعة اللبنانيّة وسواها من الصروح الأكاديميّة العريقة ينتقلون للعيش في دول الخليج، حيث ساهموا في نهضتها من خلال خبراتهم ومعارفهم.
أيضاً كان لشركات البناء اللبنانيّة نجاحات ملحوظة في تشييد البنى التحتيّة والمواصلات والمباني الحكوميّة وسواها من المرافق العامة، تنفيذاً للسياسات التنمويّة والخطط الشاملة التي أطلقتها الدول الخليجيّة بدءاً من منتصف القرن العشرين. وبلغ الاندماج اللبناني في المجتمعات الخليجيّة مراحل متقدّمة من خلال الالتزام بالعادات والتقاليد والقوانين.
وغني عن القول أن هذا الانتشار اللبناني ساهم بدوره في تعزيز الواقع الاقتصادي والاجتماعي داخل لبنان من خلال التحويلات الماليّة التي يقوم بها اللبنانيون إلى أسرهم، فضلاً عن تشييد منازل لهم في قراهم اللبنانيّة؛ ما ساهم أيضاً في الانعكاس على الدورة الاقتصاديّة في الأرياف والأطراف ولو بشكل محدود. ومثلما كان الخليج محط استقطابٍ للبنانيين للعمل والإنتاج، كذلك كانت الجامعات القائمة في لبنان نقطة جذب لشباب الخليج الذين قصدوها للتعلم والعيش، كما حقق القطاع الصحي والاستشفائي اللبناني وثبات مهمة أتاحت أيضاً أن يكون لبنان في أوقات معيّنة «مستشفى الشرق». وأضيف إلى هذه الميزات التفاضليّة تطوّر المرافق السياحيّة والفندقيّة اللبنانيّة التي ترافقت مع ثقافة حسن الضيافة والاستقبال بكثير من الود والألفة التي لم يكن يلمسها السواح الخليجيون في أوروبا والولايات المتحدة الأميركيّة ودول آسيا وسواها من المناطق السياحيّة حول العالم.

- حقبة الحرب اللبنانيّة
بطبيعة الحال، تلاشت كل هذه المزايا مع اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة عام 1975، ومعها فقد لبنان موقعه ودوره الإقليمي. وتواصلت المبادرات السياسيّة العربيّة طوال سنوات المحنة لمحاولة إنقاذ لبنان من الحرب الطاحنة، ولعل أبرزها كان «اللجنة السداسيّة العربيّة» التي ترأسها أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح - وكان وزيراً للخارجيّة آنذاك - . ولكن الظروف المحلية والخارجيّة لم تكن قد اكتملت بعد لإنضاج الحل. وللمفارقة رفضه آنذاك العماد ميشال عون (رئيس الجمهورية اللبنانيّة الحالي، الذي كان يترأس حكومة عسكريّة حينذاك)، كما رفض بعد أشهر قليلة «اتفاق الطائف» الذي أمكن التوصل إليه برعاية سعودية - أميركيّة.
وبعد انتهاء الحرب، استمر الدعم العربي لإعادة الإعمار والنهوض. وشارك العرب بقيادة المملكة العربية السعودية في مؤتمرات الدعم الاقتصادي للبنان، لا سيّما تلك التي عُقدت في العاصمة الفرنسيّة (باريس 1 و2 و3). وحقاً، موّلت الحكومات والصناديق العربية المشاريع العامة في البنى التحتيّة والمستشفيات الحكوميّة والطرق والجسور وسواها. كذلك ساهمت في إعادة الإعمار بعد الاعتداءات الإسرائيليّة المتكررة في الأعوام 1993 و1996 و2006 وفي دعم العملة الوطنيّة اللبنانيّة من خلال ودائع ماليّة في المصرف المركزي اللبناني في بعض المراحل الماليّة والنقديّة الحرجة. ولقد ذكر أحد التقارير الدوليّة الصادرة منذ نحو خمس سنوات أن الدعم السعودي (على سبيل المثال) للبنان بين عامي 1990 و2015 بلغ نحو 50 مليار دولار شملت: الدعم الرسمي، واستثمارات القطاع الخاص، والودائع، والقروض، والمساعدات وتحويلات اللبنانيين المقيمين في المملكة إلى ذويهم في لبنان.

- أربعة محاور
تتمحور العلاقات الاقتصاديّة اللبنانيّة - الخليجيّة حول أربعة محاور رئيسيّة:
> حركة التبادل الاقتصادي والتجاري بين لبنان والخليج: ولبنان يستورد أكثر مما يصدّر؛ إذ بلغ عجز الميزان التجاري عام 2016 على سبيل المثال نحو 666 مليون دولار
> الودائع الماليّة الخليجيّة في المصارف اللبنانيّة: وقد سُحبت مبالغ كبيرة منها مع بدء الأزمة النقديّة والحركات الاحتجاجية واهتزاز الثقة بالقطاع المصرفي في لبنان عام 2019
> العمالة اللبنانيّة في الخليج وتحويلاتها الماليّة إلى لبنان: لا تزال مستمرة وتشكل ركيزة صمود مهمة للاقتصاد اللبناني، لا سيّما، في ظل الظروف الصعبة الراهنة. وقد اصطلح على تسمية الأموال الأجنبيّة المحولة إلى لبنان بـFresh dollar أو «الدولارات الطازجة» - إذا صح التعبير - والواردة إلى السوق اللبنانية التي صارت تعاني من شحّ كبير في العملات الأجنبيّة.
> الاستثمارات الخليجيّة في لبنان: كانت تتركز بشكل أساسي على القطاع العقاري الذي تقلصت محفظته العقاريّة (للخليجيين) منذ اندلاع الحرب السورية 2011 وتدهور العلاقات العربية مع لبنان. وتزايدت المعلومات عن تنامي البيوعات العقاريّة من قبل الخليجيين لأملاكهم في لبنان.

- خريطة الانهيار
في الواقع يعاني لبنان منذ سنوات من عجز في ميزانيته العامة؛ إذ إن عائداته الماليّة كانت دوماً أقل من نفقاته نتيجة الهدر والفساد. وغدا معروفاً أن قطاع الطاقة والكهرباء يستنزف خسائر سنوياً بنحو ملياري دولار أميركي، وهذا مبلغ ضخم قياساً إلى الواقع اللبناني. ثم أدّى اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة في لبنان بوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 إلى اهتزاز كامل في الوضع الاقتصادي والنقدي. وصار تسرّب الودائع إلى خارج لبنان مسألة نزف يومي بعدما كان القطاع المصرفي اللبناني يستقطب ودائع بمليارات الدولارات. وبالتالي، ولد هذا التسرّب في الودائع والتحويلات الكبيرة إلى الخارج - وهي عمليّة لا تتناقض مع القوانين المحليّة، وبالأخص قانون النقد والتسليف - نقصاً حاداً في العملات الصعبة؛ ما دفع مصرف لبنان إلى التوقف عن دعم العملة الوطنيّة. وهذا الدعم سياسة كان يعتمدها منذ عام 1992 بلا انقطاع من خلال التدخل اليومي في السوق لشراء أو بيع الدولار الأميركي وفق تطور سعره بما يحافظ على سعر ثابت.
بدوره، أدى هذا الانكفاء من قبل المصرف المركزي إلى سقوط مريع لسياسة الاستقرار النقدي؛ ما دفع إلى تدهور قيمة الليرة اللبنانية (أربعة أو خمسة أضعاف وهي لا تزال تتدهور بصورة يوميّة)، وهو ما رفع من مستويات التضخم بشكل هائل. وكانت النتيجة الطبيعيّة التالية لهذا التدهور المتعدد الأوجه، تعثر القطاع المصرفي بعد خسارته جزءاً كبيراً من ودائعه بالدولار الأميركي نتيجة قرار المودعين تحويلها إلى الخارج. وهو ما دفعه إلى احتجاز الودائع وتقنين تسييلها بين أيدي المواطنين؛ تلافياً للانهيار التام وكسباً للوقت لعل تطورات سياسية إيجابية تحصل وتتيح إعادة تدفق الأموال من الخارج. وهكذا، مع تدني القيمة الشرائيّة لدى اللبنانيين والارتفاع الجنوني في أسعار السلع والمنتجات، تراجعت حركة الاستيراد وصار هناك نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية والبضائع مع كل ما يعنيه ذلك من مآس على لبنان من كل النواحي.
إن النتيجة الحتميّة لسقوط المناخ الاستثماري وتدهور سعر العملة الوطنية كانت إقفال آلاف المؤسسات والشركات، وتالياً ارتفاع نسب البطالة إلى أكثر من 45 في المائة؛ ما أدى إلى أن يرزح أكثر من 50 في المائة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر وفق تقديرات البنك الدولي. وعادت موجات الهجرة، وبالذات لأصحاب الكفاءات والأدمغة لتتكثف نحو كل أصقاع الأرض هروبا من الواقع المعيشي المُزري والصعب. وعمليّاً، لقد تغيّر وجه لبنان الذي فقد كل ميزاته التفاضليّة ودوره المتقدم في المنطقة.

- الآفاق المستقبلية للتعاون اللبناني ـ الخليجي
لم يسبق أن شهدت العلاقات اللبنانيّة - العربيّة عموماً، والعلاقات اللبنانيّة - الخليجيّة خصوصاً، هذا القدر من التدهور.
في كل المراحل التاريخيّة السابقة، كانت الجهوزيّة المتبادلة لتطويق أي خلاف لبناني - خليجي عالية جداً. وغالباً ما كان من المستحيل توقع الوصول إلى هذه الدرجة من القطيعة. إذ ارتكزت السياسات الخليجيّة تجاه لبنان، في معظم المنعطفات، على إبقاء التواصل قائماً ومع جميع مكونات المجتمع السياسي اللبناني دون تفرقة أو تمييز، فضلاً عن ثابتة دعم «مشروع الدولة» في لبنان بما يتيح تقليص هوامش التدخل الخارجي فيه، وبحّاصة، من القوى الإقليميّة غير العربيّة المؤثرة والفاعلة.
طبعاً، كان للتعرّض المتواصل من قبل بعض الأطراف اللبنانيّة لدول الخليج وسياساتها تأثير كبير في انهيار مجمل بُنية العلاقات التاريخيّة. وهذا مقصود، بل متعمد، في سياق اختطاف لبنان باتجاه محاور لا تلائم بتركيبتها وتكوينها الموقع الطبيعي للبنان في العالم العربي، خصوصاً أنه ينطلق من موقع العداء للهويّة العربيّة. وهذا ما يُحتّم إعادة النظر بسياسة القطيعة واستئناف التواصل الطبيعي؛ لأنه وحده الكفيل بخلق التوازن المطلوب إزاء خسارة ساحة عربيّة جديدة في مواجهة مشاريع التسلط الخارجيّة.
من هنا، المطلوب على المستوى اللبناني - الخليجي إعادة التأكيد على الروابط التاريخية بين لبنان والخليج. وهذا يُستهل من خلال ترميم العلاقات السياسيّة كمدخل لترميم العلاقات الاقتصادية والاجتماعيّة التي تعرّضت لتشوهات كبرى في السنوات القليلة الماضية. وبعد تنقية العلاقات السياسيّة، يمكن البحث في سبل تنشيط العلاقات التجارية البينية وإزالة المعوّقات والحواجز، وإعادة تطوير الحركة التجاريّة. ويضاف إلى ذلك البحث في السلع والبضائع التكاملية بين الإنتاج اللبناني والخليجي... وصولاً إلى إعادة تفعيل حركة الاستثمار الخليجي في لبنان، التي ستكون للمستثمر الخليجي أقل كلفة قياساً بالماضي نتيجة وضع لبنان الراهن، ومن شأنها أن تحقق الكسب المادي والنجاح التجاري بمعزل عن كل الاعتبارات الأخرى.
ختاماً، لبنان لا يستطيع أن يتنفس من دون الرئة العربيّة والخليجيّة. هذا كان موقعه الطبيعي، وهذا الموقع الذي يجب أن يُستعاد؛ لأن الكلفة السياسية للتخلي عنه أكبر من كلفة استعادته.

- أرقام ومؤشرات لافتة
> في نهاية عام 2015، وصل مجمل الاستثمارات الخليجيّة في لبنان، لا سيّما في القطاع العقاري اللبناني، إلى نحو 15 مليار دولار
> قُدرّت نسبة الودائع الخليجيّة في المصارف اللبنانيّة في المرحلة نفسها بنحو 100 مليار دولار
> كان السوّاح الخليجيون يمثلون نسبة 35 في المائة من حجم السياح إلى لبنان
> بلغت الاستثمارات اللبنانيّة في الخليج عام 2015 نحو 5 مليارات دولار من خلال شركات الملبوسات والمقاولات والمأكولات والمطاعم وسواها
> يوجد نحو 350 ألف مغترب لبناني في الخليج، نصفهم في المملكة العربية السعودية والباقي موزع على دول الخليج الأخرى


مقالات ذات صلة

الاستقطاب العالمي والأمن الغذائي... ملفات مرتقبة في «القمة العربية» بالسعودية

العالم العربي الاستقطاب العالمي والأمن الغذائي... ملفات مرتقبة في «القمة العربية» بالسعودية

الاستقطاب العالمي والأمن الغذائي... ملفات مرتقبة في «القمة العربية» بالسعودية

تتواصل التحضيرات للقمة العربية الـ32 والمقرر انعقادها بالمملكة العربية السعودية في شهر مايو (أيار) المقبل، ورأى مراقبون ومسؤولون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن «ملفات مرتقبة تفرض نفسها على أجندة القمة، استجابة لمتغيرات إقليمية ودولية ضاغطة على الساحة العربية، في مقدمتها القضية الفلسطينية، وبلورة موقف شامل إزاء تزايد حدة الاستقطاب الدولي بعد عام على اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية»، فضلاً عن ملفات الأمن الغذائي. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أكد في تصريحات صحافية خلال زيارته للبنان منتصف الشهر الحالي، أن مؤتمر القمة العربية سيعقد في شهر مايو المقبل في المملكة العربية

العالم العربي المندلاوي مستقبلاً جبالي في بغداد أمس (واع)

بغداد تحتضن أعمال المؤتمر الـ34 للاتحاد البرلماني العربي

تنطلق في العاصمة العراقية بغداد، الجمعة، أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي في دورته الرابعة والثلاثين، وينتظر أن تشارك فيه معظم البرلمانات العربية. ويتوقع المراقبون والمهتمون بالشأن السياسي العراقي أن تساهم استضافة بغداد لأعمال المؤتمر، بعد غياب استمر لأكثر من ثلاثة عقود، في تعزيز دور العراق عربيا وإقليميا، و«تعزيز التعاون البرلماني العربي باعتباره مرتكزاً جوهرياً في التضامن العربي» كما تنص على ذلك ديباجة الأهداف التي تأسس الاتحاد بموجبها عام 1974.

فاضل النشمي (بغداد)
شمال افريقيا الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقائه نظيره الصيني شي جينبينغ بالرياض (الرئاسة المصرية)

السيسي وشي يناقشان التحديات الإقليمية والعالمية على هامش «قمة الرياض»

على هامش مشاركته في فعاليات «القمة العربية - الصينية» بالرياض، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم (الخميس)، جلستَي مباحثات مع قادة الصين والعراق، تناولت المستجدات على الساحة الإقليمية والعالمية، والتحديات التي تواجه الشرق الأوسط، وسبل تعزيز التعاون الثنائي. وقال السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة المصرية، في بيان صحافي، إن «الرئيس المصري، اجتمع (الخميس)، مع نظيره الصيني شي جينبينغ، لتبادل الرؤى إزاء تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة». وأضاف راضي أن الرئيس الصيني «ثمّن الدور المصري الرائد في صون السلم والأمن والاستقرار في المنطقة، سواء

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مؤتمر صحافي مشترك للأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية الجزائري في ختام القمة أمس (أ.ب)

«إعلان الجزائر»: تأكيد الثوابت ورفض التدخلات

أعاد البيان الختامي للقمة العربية، التي عقدت في الجزائر، التأكيد على ثوابت مركزية القضية الفلسطينية والعمل العربي المشترك ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون العربية. وأكد «إعلان الجزائر» تبني ودعم سعي دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعوة الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى القيام بذلك، كما شدد على التمسك بمبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية وتبنتها قمة بيروت عام 2002 «بكافة عناصرها وأولوياتها، والتزامنا بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية». وأعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان،

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم العربي القمة العربية اختتمت أعمالها في الجزائر أمس (رويترز)

اختتام قمة الجزائر... والرياض تستضيف النسخة المقبلة

اختتم القادة والزعماء العرب أعمال القمة العربية الـ31 بجلسة ختامية تحدث فيها عدد من الزعماء العرب، عن قضاياهم الوطنية والقضايا العربية ذات الاهتمام المشترك، فيما أعلن أن المملكة العربية السعودية سوف تستضيف القمة التالية. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول المتحدثين في الجلسة الختامية للقمة، وطالب السيسي بـ«ضرورة تعزيز وحدة الصف العربي لمنع التدخلات الخارجية ومواجهة التحديات الإقليمية والعالمية». وأوضح أن عدم الاستقرار في دول المشرق وفلسطين تمتد آثاره لدول المغرب العربي، مؤكدا أن مصر ترغب في الدعم العربي للتوصل لتسوية سياسية في ليبيا في أسرع وقت.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

ترمب: ويتكوف سيواصل العمل للتأكد من غزة خالية من التهديد

صورة من اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (بلومبرغ/غيتي)
صورة من اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (بلومبرغ/غيتي)
TT

ترمب: ويتكوف سيواصل العمل للتأكد من غزة خالية من التهديد

صورة من اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (بلومبرغ/غيتي)
صورة من اجتماع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض (بلومبرغ/غيتي)

يشير تاريخ العلاقة الطويلة التي جمعت بين دونالد ترمب وستيف ويتكوف، إلى الثقة العميقة والولاء الذي سيعطي ويتكوف حرية أكبر للمناورة في ملف السلام في الشرق الأوسط؛ إذ، بالإضافة إلى أسلوبه في التعامل التجاري ومصالحه الشخصية في الشرق الأوسط، بوصفها خلفية يمكن أن تجعله «وسيطاً فعالاً»، يتشارك ويتكوف مع ترمب بشخصيتيهما الفجتين.

ووفق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإنّ ويتكوف (اليهودي الديانة)، بينما كان المفاوضون يقتربون من التوصل إلى اتفاق، تواصل مع مكتب نتنياهو لإتمام الصفقة، لكن مساعديه أخبروه أنه لا يمكن إزعاجه خلال يوم السبت، وهو يوم عطلة مقدسة عند اليهود. لكنه رد بتعابير إنجليزية لاذعة، قائلاً إنه «لا يعير اهتماماً لليوم الذي هو فيه». وفي وقت لاحق، قال ويتكوف للصحافيين عن الصفقة: «أعتقد أنهم سمعوه بصوت عالٍ وواضح: من الأفضل إنجاز الأمر بحلول يوم التنصيب»، مشيداً بترمب قائلاً: «إنه يمنحنا الكثير من السلطة». بينما قال ترمب عنه: «لدينا أشخاص يعرفون كل شيء عن الشرق الأوسط، لكنهم لا يستطيعون التكلّم بشكل صحيح... ويتكوف مفاوض عظيم». وبعد الإعلان عن الصفقة، قال ترمب إن ويتكوف سيواصل «العمل بشكل وثيق مع إسرائيل وحلفائنا للتأكد من أن غزة لن تكون مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين».

وبالفعل، وجد ويتكوف نفسه في دائرة الضوء، مدافعاً عن اقتراح ترمب الصادم نقل مليونَي فلسطيني من سكان قطاع غزة إلى مكان آخر. وقال ويتكوف للصحافيين، الأسبوع الماضي، أمام البيت الأبيض قبيل وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقاء ترمب، إنّه «ليس من الإنصاف القول للفلسطينيين إنّهم قد يعودون في غضون 5 سنوات... هذا أمر سخيف». وردّاً على سؤال بشأن اقتراح ترمب «تنظيف» القطاع، عبر نقل الفلسطينيين منه، قال: «عندما يتكلّم الرئيس عن تنظيفه فهو يتكلّم عن جعله صالحاً للسكن». وهنا علّق مستشار الأمن القومي مايك والتز، الذي كان واقفاً إلى جانب ويتكوف، مبتسماً: «هذا الرجل يفهم في مجال العقارات».

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، واصل ويتكوف، في تصريح على قناة «فوكس نيوز»، عرض «مبرّرات الإدارة لفكرة إعادة توطين الفلسطينيين على نطاق واسع من غزة». وغنيّ عن القول أن فكرة ترمب أثارت موجة انتقادات في المنطقة اعتبرتها ترقى إلى «التطهير العرقي»، وقد تعرّض التغييرات الإقليمية الأخيرة رأساً على عقب، جرّاء الضغوط التي تُمارس على دول عربية أساسية للقبول بتنفيذ «مشروعه العقاري». وفي محاولة لتجاهل تعقيدات الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني المستمر منذ عقود، قال ويتكوف: «الحياة الأفضل لا ترتبط بالضرورة بالمساحة المادية التي تعيش فيها اليوم».

من جهة ثانية، عَدّ البعض تحويل غزة إلى «ريفييرا» المنطقة مجرّد خدعة تخفي نية توسيع مساحة إسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية، عبر تنفيذ أكبر «عملية عقارية» وتطهير سكاني في الشرق الأوسط منذ «النكبة» الفلسطينية الأولى في أربعينات القرن الماضي.

وعلى الرغم من «التغيير» الطفيف في لغة ترمب، بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني، ومنه قوله إنه استمع لاقتراحاته عن تفضيله بقاء الفلسطينيين في أماكنهم مع تخصيص أراضٍ إضافية لاستخدامها في مشاريع تنموية جديدة. غير أنه أعاد التأكيد بأنه «يشعر أن هناك حلولاً أكثر شمولية، بما في ذلك إمكانية نقل الفلسطينيين إلى مواقع أخرى».

ولقد قال بيان البيت الأبيض إن الزعيمين بحثا «هدف الرئيس (ترمب) المتمثل في إعادة إعمار غزة بشكل جميل بعد انتهاء الصراع، وتوفير خيارات لسكان غزة تضمن لهم العيش بأمان وكرامة، بعيداً عن استبداد (حماس)».

كذلك جدد ترمب مطالبته لحركة «حماس» بالإفراج عن جميع الرهائن، بمن فيهم الأميركيون، بحلول (اليوم) السبت، كما «طلب من الملك المساعدة في ضمان إدراك (حماس) وقادة المنطقة خطورةَ الوضع».