يعتقد كثير من الآباء أن المجهود البدني الشاق مفيد لأطفالهم لوقايتهم من الأمراض الناتجة عن الخمول مثل البدانة ومرض السكري من النوع الثاني، وكذلك لأهمية الرياضة في الحفاظ على صحة نفسية جيدة، فضلاً عن دورها المهم في تقوية العضلات والعظام.
- توازن مثالي
والحقيقة أن هذا التصور رغم صحته، إلا إن المجهود البدني العنيف يمكن أن يحمل إجهاداً للعضلات ويسبب آلاماً في العظام، ولذلك فإن وجود فترات للراحة يعدّ أمراً ضرورياً أيضاً للحفاظ على صحة الجسم جيدة بشكل عام وصحة العظام بشكل خاص، وهو الأمر الذي أكدته أحدث دراسة طولية تناولت التوازن بين النشاط والراحة، قام بها علماء من جامعة جنوب أستراليا (University of South Australia) ونُشرت في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
قام الباحثون بفحص 804 أطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و13 عاماً، وكانت نسبة الفتيات إلى الفتيان 50 في المائة، وجرت متابعتهم في الفترة ما بين عامي 2015 و2016، وتبين أن التوازن المثالي بين أنشطة الطفل المختلفة على مدار اليوم يجب أن يشمل:
* 1,5 ساعة من التدريبات البدنية، تتراوح شدتها من المتوسطة إلى الشاقة مثل الجري أو الرياضات الجماعية.
* 3,4 ساعة من الرياضات البدنية الخفيفة، مثل المشي أو الأعمال المنزلية المختلفة.
* 8,2 ساعة من الأنشطة الترويحية التي تكون فيها راحة عضلية وجسدية، مثل القراءة أو الجلوس مع الأصدقاء أو في المدرسة أو مشاهدة التلفاز
* 10,9 ساعة من النوم.
ورصد الباحثون فروقاً طفيفة بين الفتيات والفتيان، وطُلبت منهم الإجابة عن أسئلة حول البلوغ وفي أي مرحلة منه وقت التجربة، من خلال استبيان معين بحيث يمكن الحكم على صحة العظام تبعاً لما قبل البلوغ وبدايته ومنتصفه وفي أواخره وتعديه (Pubertal development) وبشكل خاص لدى الفتيات.
- مجهود واسترخاء
وأشار الباحثون إلى أهمية أن يعرف جميع من يتعامل مع الطفل هذه الأرقام؛ سواء من الآباء في المنازل، ومقدمي الخدمة الطبية في المدارس والنوادي، وكذلك المدربون، حتى لا يتم وضع ضغوط جسدية أو نفسية على الأطفال؛ سواء بالسلب وبالإيجاب. أي إن لوم الأطفال على قضاء وقت في الاسترخاء وحثهم على أداء تمرينات عضلية عنيفة لساعات طويلة ليس بالأمر الجيد طوال الوقت حسب الدراسة. وكذلك فإن قضاء أوقات طويلة أمام الشاشات أو القراءة من دون أي نشاط بدني له عواقب سيئة صحياً.
وأوضح الباحثون أن الاعتدال في توزيع الوقت طوال اليوم (Goldilocks Day) بين الأنشطة المختلفة؛ سواء البدنية والذهنية وحتى قضاء وقت في المرح والاسترخاء ضروري من أجل حياة صحية سليمة.
نصحت الدراسة باتباع هذا المعدل للحفاظ على صحة العظام؛ لأن 90 في المائة من تكوينها يكون في فترة المراهقة وتنتهي في عمر 18 عاماً تقريباً. ويمكن أن يتأثر هذا التكوين بمعدل الضغط والإجهاد على العضلات المحيطة بالعظام وكذلك ترسيب الأملاح فيها، وبالتالي فإن الاجهاد الزائد في وقت مبكر يمكن أن يسبب حدوث هشاشة عظام (osteoporosis) مبكرة، التي بدورها تعدّ المسبب الرئيسي لكسور العظام؛ خصوصاً أن عدد المصابين بالهشاشة في أستراليا يبلغ 1.2 مليون نسمة، بجانب 6.3 مليون نسمة يعانون من قلة كثافة العظام (low bone density). وهذه الأعداد تعدّ كبيرة جداً مقارنة بعدد السكان في أستراليا.
ومن المعروف أن الهشاشة تعدّ من أكثر الأمراض شيوعاً في العالم كله، وهناك مئات الملايين من البالغين يعانون منه، خصوصاً السيدات بعد انقطاع الدورة الشهرية؛ حيث إن هرمون الأنوثة يلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على صحة العظام، ولذلك تعدّ الحماية في الصغر بالغة الأهمية للفتيات.
- صحة العظام
وكان الباحثون قد جمعوا البيانات عن حجم النشاط من خلال مقياس معين (accelerometer) يشبه إسورة تُرتدى في معصم اليد اليسرى للأطفال الذين يستخدمون يدهم اليمنى لمدة 24 ساعة طوال 8 أيام. وطلب من الأطفال أن يكتبوا في مذكرة أوقات النوم والاستيقاظ. وإذا جرى خلع هذه الإسورة فعلى الأطفال أن يذكروا السبب الذي تم خلعها من أجله، وأيضاً جرى عمل فحص بالأشعة المقطعية للعضلات الطرفية للساق اليسرى (non dominant leg) على عظمة الساق والكاحل للحكم على صحة العضلات والعظام في لحظات النشاط والاسترخاء.
واستفاد الفتيان والفتيات بالقدر نفسه من التمرينات الرياضية؛ سواء المتوسطة والعنيفة، ولكن الذكور استفادوا أكثر من فترات النوم الكبرى. وبالنسبة للفتيات بشكل خاص، كان هؤلاء اللاتي قطعن شوطاً أقل في مسيرة البلوغ هن الأكثر استفادة من التمرينات العنيفة والقدر الأقل من الراحة والاسترخاء. وتحسنت صحة العظام لديهن بعكس أقرانهن اللاتي قطعن شوطاً أطول في مسيرة البلوغ.
وأوضح العلماء أن الأرقام يمكن أن تختلف من طفل إلى آخر بالطبع حسب ميوله وإمكانية ممارسة الرياضة والوقت المتاح للاسترخاء، وأن الأمر يحتاج مزيداً من الدراسات حول العلاقة بين صحة العظام والنشاط والراحة.
ويجب أن تشمل الدراسات المقبلة فئات عمرية مختلفة تشمل المراهقين والشباب، ولكن يبقى الأمر الأهم أن يتفهم القائمون على تدريبات الأطفال ومحاولة إكسابهم اللياقة البدنية العالية من أجل حياة صحية، أن الضغط العضلي أو النفسي يؤديان إلى نتائج عكسية. وأن كلمة «صحية» تمتد لتشمل عدم الإجهاد، والراحة، والاستمتاع بأنشطة غير حركية مثل القراءة، وحتى النوم.
- استشاري طب الأطفال