يعالج 11 طبيباً واختصاصياً نفسيا قضايا الإدمان وما ينجم عنها من سلوكيات قد تدفع إلى العنف والإرهاب في كتاب موسع صدر حديثاً الجزء الأول منه عن دار «صفصافة للنشر والتوزيع بالقاهرة» بعنوان «المخدرات والإدمانات الأخرى»، الذي حرره وشارك في دراساته وأبحاثه الدكتور إيهاب الخراط. تشكلت مادة الكتاب العلمية عبر برنامج ميداني مختص حمل اسم «الحرية من الإدمان والإيدز»، ضم 38 مركزاً علاجياً وتأهيلياً بسعة 1500 سرير، ومركزاً للوصول للمدمنين وآخر للتدريب، إضافة إلى مزرعة نموذجية.
تركز الدراسات والبحوث المنشورة على طرق التعامل مع السلوكيات الإدمانية، فضلاً عن السعي لمعرفة أسباب تعاطيها ومضاعفاتها. وهي تجمع ما بين النظريات العلمية الدقيقة، فيما يخص قضية الإدمان والتعاطي، وبين المداخل العملية التي ثَبُتت فاعليتها في التعامل مع مشكلات الإدمان والتعاطي، ويمكن أن يستفيد منها المتخصصون وغير المتخصصين لأنها تتناول حقائق علمية عميقة بطريقة عملية مبسطة.
يقول الخراط في مقدمته للطبعة التي صدرت في القاهرة منذ أيام: «إن الهدف الخاص من وضع الكتاب أن يكون دليلاً تدريبياً مصمماً خصيصاً لمن يدرسون ويتدربون سعياً للحصول على شهادة معتمدة تؤهلهم للعمل في مجال تقديم المشورة للمدمنين، أو سعياً لأن يكونوا مرشدي تعافٍ أو مهنيي إدمان... إن كل من يسعى لتقديم العون والمساعدة لمن يتصارعون مع السلوكيات الإدمانية بكل أنواعها، سوف يكتسبون، من خلال الاطلاع عليه، قدراً من المهارة والفهم لطبيعة السلوكيات الإدمانية والسبل الفعّالة في التعامل معها... الكتاب لا يحمل بين طياته نظريات علمية مُثْبتة فقط، بل أيضاً خبرات عملية امتدت عبر عشرات السنين، وأدت لنتائج فعلية في تغيير السلوكيات الإدمانية».
- الاستخدام والتعاطي
نقرأ في الفصل الأول شرحاً للتعريفات المختلفة لكلمات مثل الاستخدام والتعاطي وسوء الاستخدام والاعتمادية والإدمان. كما تطرق الفصل للجدل العلمي القائم حول لفظ «إدمان» واستبدال «الاعتمادية» به لفترة ثم عودة ظهوره ثانية في الدليل التشخيصي والإحصائي للجمعية الأميركية للطب النفسي، الإصدار الخامس DSM - 5.
ويرى الخراط أن هذه «المراوحة» في تناول التعريفات، ليس الهدف منها المعرفة النظرية فقط، لكن أيضاً عرض ما وراء الجدل العلمي من توجهات عملية وتحيزات في الممارسة والتفكير، وحتى يتمكن الدارس من طرح التساؤل العقلي المنظم والبنّاء لهذه المفاهيم، وبما قد يؤثر في نظرته، وطريقة تعامله مع من يعانون من تعاطي المخدرات والسلوكيات الإدمانية.
وذكر الخراط أن المواد المُغيرة للحالة المزاجية تبدأ من الكافيين في الشاي والقهوة، والكحول في النبيذ والبيرة، والنيكوتين في السجائر والشيشة، ولا تنتهي بالأفيونات في الهيروين والأمفيتامين في الماكس، وأشار إلى أن الطبيب قد يصف مُهدئاً نفسياً مثل الفاليوم لبعض المرضى كمرضى القلب أو القلق، أو مسكناً قوياً للألم كالترامادول لمريض كُسِرت ذراعه، أو المورفين لمريض بالذبحة الصدرية. وهذا استخدام مشروع وغير مؤذٍ، بينما الإفراط في استخدام هذه الوصفات الطبية أو استخدام هذه الأدوية دون وصفة طبية هو من دون شك مؤذٍ صحياً، ويندرج تحت تصنيف سوء الاستخدام. أما «التعاطي» فيعد لفظ له دلالات قانونية أساساً، ويُستخدم غالباً لوصف استخدام المواد المحظور حيازتها واستخدامها. لكن كثيراً ما يجري استخدامه لوصف حالات سوء الاستخدام.
- اضطراب مراكز اللذة
يناقش الفصل الثاني الأسباب المختلفة للتعاطي والإدمان، حيث تشير الأبحاث إلى أن السبب المباشر يتركز في تأثير المواد المغيرة للحالة المزاجية على مركز اللذة «المجازاة» في المخ، بينما تلعب الجينات دوراً أساسياً خصوصا في كفاءة التحذير الطبيعي من الإفراط في الشرب أو استخدام المواد، فضلاً عن الميل إلى المغامرة والفضول لدى بعض الأفراد، ووجود نوع من العنف الأسري والاجتماعي قد يتصاعد إلى الإرهاب، بالإضافة إلى أن هناك خلفيات اجتماعية وثقافية ومهنية وأخرى وجودية وروحية تتداخل مع الظاهرة.
ويدرس الفصل الثالث أشكال وطرق التعاطي وتأثير مختلف أنواع المواد المغيِّرة للحالة المزاجية أو المواد التي تسبب اضطرابات الاستخدام والتي تؤدي إلى الإدمان، وكذا مضاعفات استخدامها وآثارها الجانبية وأعراض انسحابها. ويذكر الكتاب أن الفيصل في اعتبار أي مادة مغيِّرة للحالة المزاجية هو تأثيرها على مركز المجازاة في المخ.
وتناول الكتاب أيضاً تأثير استخدام القنب الذي يسبب اضطراباً في تقدير المسافة والزمن وبطئاً في طريقة الكلام والحركة واحمرار العينيين. ورغم أن كثيراً من الشباب يستخدمونه للتغلب على الخوف في المواقف الصعبة مثل الامتحانات الشفوية أو اللقاءات مع الجنس الآخر فإنه بعد التهدئة المؤقتة، يزداد كل من الخوف الاجتماعي والقلق بأنواعه ونوبات الفزع أو الهلع. وقد يؤدي القنب إلى الضلالات والهلاوس، وهو يؤدي إلى صعوبات في التنفس والتهابات الشعب الهوائية والسعال المزمن، والإضرار بالقلب والأوعية الدموية بما يزيد من احتمالات الإصابة بالذبحة الصدرية واحتشار القلب واضطرابات الدورة الدموية كافة.
ويناقش الفصل الرابع ما تسمى «الإدمانات السلوكية» وهي التي لا تدور حول مادة بعينها، ويكون محورها سلوك يثير لذة أو متعة ما، مثل إدمان القمار والجنس والطعام والمخاطرة والعمل. ويشير الفصل إلى أن بعض هذه الإدمانات متصل بسلوكيات مركبة ومستحدَثة على الطبيعة البشرية كالقمار، وأخرى تتصل بسلوكيات ضرورية لاستمرار الحياة كالعمل، أو تتعلق باستمرار النوع البشري كالجنس، بينما يشكل إدمان الطعام نوعاً من التطرف في التعامل مع شرط طبيعي وأساسي للبقاء على قيد الحياة.