فيروس «كورونا المستجد» هو واحد من عائلة كبيرة من فيروسات الحمض النووي الريبي RNA التي تسبب أمراضا تتراوح من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأكثر حدة مثل «متلازمة الشرق الأوسط التنفسي» (ميرس) و«متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة» (سارس)، وفقا للمركز السعودي للوقاية من الأمراض ومكافحتها. وقد امتدت عدوى «كورونا المستجد» من الصين إلى معظم دول العالم لتسجل حتى الآن أكثر من واحد وعشرين مليون إصابة على مستوى العالم (حسب موقع جونز هوبكنز العالمي) منذ تسجيل أول حالة فيها بتاريخ 17 ديسمبر (كانون الأول) 2019.
عدوى «كورونا المستجد»
تحدث إلى «صحتك» الدكتور وليد عبد المطلب عبد الحميد مازي رئيس قسم الوقاية ومكافحة العدوى بمستشفى الملك عبد العزيز التخصصي بالطائف - وبداية أوضح أن عدوى «كورونا المستجد» المكتسبة من المنشأة الصحية هو مصطلح يعرف الحالة على أنها إما ظهور أعراض «كورونا المستجد» بعد سبعة أيام من دخول المريض للمستشفى للتنويم أو ظهور الأعراض بعد ثلاثة إلى ستة أيام من تنويمه في المستشفى مع وجود علاقة وبائية حيال تعرضه للفيروس في المنشأة الصحية وتأكيد الحالة مخبريا، وفقا لمركز مراقبة حماية الصحة Health Protection Surveillance Centre.
كما أوضح الدكتور مازي أن تعرض الكادر الصحي للإصابة بعدوى «كورونا المستجد» يعتبر من القضايا المهمة التي تفوق في تأثيرها قطاعات أخرى، بل إن انتشار العدوى في المنشآت الصحية ينعكس، في الغالب، سلبا على برنامج النظام الصحي في المجتمع ليس بسبب انتشار العدوى، وإنما يعود ذلك إلى تأثر الخدمات الصحية المقدمة مما ينذر باحتمالية زيادة نسبة المرض والوفيات في المجتمع ليس بسبب «كورونا المستجد» وإنما بسبب صعوبة تلقي الفرد في المجتمع للخدمات الطبية المقدمة في تلك المنشآت الصحية.
إصابات الطاقم الصحي
- أشار خبراء المركز الأوروبي للوقاية ومكافحة العدوى European CDC في تقريرهم الصادر يوم 12 مارس (آذار) عام 2020 إلى أن هناك خطورة عالية حيال إمكانية انتقال عدوى «كورونا المستجد» في المنشآت الصحية أو المجتمعية ناتجة عن تجمعات غير محصنة من الوقاية من الفيروس.
- نشرت المجلة العلمية المحكمة لانسيت للأمراض المعدية (The Lancet Infectious Diseases. July 2. 2020) الشهر الماضي أن الكادر الصحي عرضة لاكتساب وانتشار عدوى فيروس «كورونا المستجد» داخل المنشأة الصحية.
- أشار المجلس العالمي للتمريض، أيضا، في تقريره الصادر قبل شهرين أن هناك على الأقل (90) ألفا من الكادر الصحي أصيبوا بعدوى «كورونا المستجد» وأن أكثر من 260 ممرضا وممرضة فقدوا حياتهم بسبب جائحة «كورونا المستجد» مما ينذر بأن العدد الحقيقي أكثر مما هو معلن عنه عالميا.
- جاء في أحد التقارير العلمية في الولايات المتحدة الأميركية أنه خلال الفترة من 14 مايو (أيار) إلى 21 يونيو (حزيران) سُجلت حوالي أكثر من خمسة آلاف إصابة بعدوى مكتسبة من المستشفى منهم مرضى منومون بالمستشفيات.
- أشارت دراسة حديثة نشرت بتاريخ 11 أغسطس (آب) الحالي 2020 في المجلة الأميركية لمكافحة العدوى (The American Journal of Infection Control) إلى أن الشخص الذي لا تظهر عليه أعراض المرض أو خلال فترة ما قبل ظهور الأعراض عليه قد يكون هو المصدر لانتشار العدوى، حيث تزيد فرص انتقال العدوى بين الكادر الصحي أو المرضى أو الأشخاص من الذين يعانون من أعراض غير واضحة أو متأخرة في التشخيص، وقد تبين أن مصدر العدوى بالفيروس داخل المنشآت الصحية غير معروف بنسبة كبيرة.
ويضيف الدكتور وليد مازي أن أغلب حالات العدوى المسجلة لدى الكادر الصحي بمستشفياتنا كانت مكتسبة من خارج المنشآت الصحية ناتجة عن تعرضهم لأشخاص حاملين للفيروس أو من أشخاص كانت لديهم أعراض بسيطة وليست لديهم حمى أو مشاكل تنفسية.
ندوة علمية
ولأهمية موضوع عدوى المستشفيات، نظم مستشفى الملك عبد العزيز التخصصي بالطائف برعاية مدير برنامج مستشفى الملك عبد العزيز التخصصي بالطائف وبالتعاون مع إدارة الشؤون الأكاديمية والتدريب بصحة الطائف ندوة علمية عبر البث المباشر (وبينار) بعنوان «عدوى (كورونا المستجد) في المنشآت الصحية» عقدت بتاريخ 13أغسطس 2020.
وألقى مدير برنامج مستشفى الملك عبد العزيز التخصصي بالطائف الدكتور علي بن حسن الزهراني الذي افتتح الندوة كلمة شكر فيها وأثنى على جميع أفراد الكادر الصحي لمواجهتهم الباسلة تجاه «كورونا المستجد» رغم التحديات الراهنة. شارك في الندوة نخبة من اختصاصيي مكافحة العدوى، حيث تحدث رئيس قسم مكافحة العدوى بالمستشفى الدكتور وليد عبد المطلب مازي عن أهم أسباب تفشي «كورونا المستجد» في المنشآت الصحية وكيفية منع انتشارها ومكافحتها، وتحدثت نائبة رئيس القسم الدكتورة سلوى سعد غياتي عن طرق الوقاية من عدوى «كورونا المستجد» في المنشآت الصحية، وأوضح الدكتور محمد حمدي عبد الوهاب منسق مكافحة العدوى بالمستشفى عن آلية عودة الكادر الصحي المتشافي من العدوى للعمل بعد شفائهم من المرض وفق توصيات المركز السعودي لمكافحة الأمراض.
وتتلخص الآلية أنه بعد عشرة أيام يعود إلى العمل بشرط مرور ثلاثة أيام أو أكثر على اختفاء الأعراض دون أخذ أدوية خافضة للحرارة أو مرور عشرة أيام أو أكثر على اليوم الذي أخذت فيه العينة الإيجابية بشرط عدم وجود أعراض. كما اشتملت الندوة على إجراء مقابلات شخصية مباشرة مع الكادر الصحي، وعدد من أفراد المجتمع الذين أصيبوا بعدوى «كورونا المستجد»، بعد ذلك تمت مناقشة أسئلة الحضور والإجابة عليها بإدارة الدكتور طارق عبد المطلب عزيز المنسق الإداري للندوة.
أسباب تفشي العدوى
أكد المتحدثون في الندوة على أنه من الممكن أن يكتسب الكادر الصحي أو المريض العدوى من المنشأة الصحية برغم تطبيق الاحتياطات الوقائية في المنشآت الصحية. وهناك عدة عوامل تؤدي إلى حدوث تفشي عدوى «كورونا المستجد» في المنشآت الصحية منها: ضغط العمل بسبب كثرة المرضى المنومين في المنشأة الصحية، أو نقص عدد الكادر الطبي، أو حدوث تغيير فجائي في الخدمات الطبية المقدمة في المنشأة الصحية خلال جائحة «كورونا المستجد» مع وجود أفراد سواء من الكادر الصحي أو المرضى أو حاملي الفيروس، لم تظهر عليهم الأعراض بصورة واضحة.
احتواء العدوى
تحدث الدكتور وليد مازي وزملاؤه عن تجربة مستشفى الملك عبد العزيز التخصصي بالطائف حول أهم طرق احتواء تفشي «كورونا المستجد» بين الكادر الصحي في المنشآت الصحية والتي تتوافق مع ما أشارت إليه الأبحاث المنشورة في مجلات علمية محكمة، وتتلخص في المراقبة اليومية لوجود أعراض مرضية (والتي تشمل الحرارة أو السعال أو ضيقا في التنفس أو فقدانا فجائيا في حاسة الشم أو التذوق) وأيضا التعرف المبكر عند وجود حالات إيجابية ذات علاقة مع الكادر الصحي وإجراء التشخيص المخبري مبكرا، مع الأخذ في عين الاعتبار لبس الكمامة وتطهير الأيدي واتباع آداب السعال والاهتمام بنظافة وتطهير الأماكن بشكل مستمر، وكذلك التباعد الاجتماعي سواء في بيئة العمل أو في المجتمع قدر المستطاع.
إن احتمال حدوث إصابة الكادر الصحي لـ«كورونا المستجد» سواء من المجتمع أو اكتسابه من المنشأة الصحية وانتقال الفيروس بعد ذلك إما لأحد أفراد العائلة أو الأقارب أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو المرضى أمر غير مستبعد رغم تطبيق أعلى معايير الإجراءات الاحترازية الوقائية. ويبقى أمام العاملين في القطاع الصحي وأيضا كافة أفراد المجتمع اتباع الاحتياطات الوقائية بشكل مستمر قدر المستطاع مع الكشف المبكر للفيروس من أجل الوقاية من حدوث ظاهرة تفشي عدوى في المنشآت الصحية.
- استشاري طب المجتمع