انخفاض صرف الليرة السورية يخطف بهجة العيد في شرق الفرات

«الإدارة الذاتية» تناشد واشنطن استثناءها من عقوبات «قانون قيصر»

انخفاض صرف الليرة السورية يخطف بهجة العيد في شرق الفرات
TT

انخفاض صرف الليرة السورية يخطف بهجة العيد في شرق الفرات

انخفاض صرف الليرة السورية يخطف بهجة العيد في شرق الفرات

في سوق مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، تقف السيدة الثلاثينية «منال» برفقة زوجها وبناتها الثلاث أمام متجر لبيع الأحذية والصدمة مرسومة على وجهها. أي قطعة تبدأ سعرها بعشرة آلاف ليرة سورية وتحاول جاهدةً البحث عن عروض أرخص من ذلك دون جدوى، فانخفاض قيمة الليرة وغلاء الأسعار تثير دهشتها كحال معظم المتسوقين ويحصد ما بجيوبهم.
تقول منال: «في حال اشتريت ثلاث قطع لبناتي يعني سنصرف 30 ألفاً، ماذا سيتبقى للملابس وحلويات العيد وسكاكر الضيافة؟، ميزانيتنا محدودة والأسعار لا تتناسب مع وضعنا»، فالعائلة ادّخرت مبلغاً من المال لشراء حاجيات العيد، غير أن زوجها سلمان (42 سنة) يعمل موظفاً لدى الإدارة الذاتية ويتقاضى راتباً شهرياً يبلغ 80 ألفاً (أقل من 50 دولاراً أميركياً)، تساءل مستغرباً: «سكاكر الضيافة سعر الكيلو 5 آلاف، بينما الراحة بحدود 10 آلاف وأي صنف من الحلويات سعره لا يقل عن 15 ألفاً، فكيف لنا أن نفرح بقدوم العيد بهذه الأزمة الخانقة؟».
ورغم محاصرة وباء «كورونا» الاستعدادات لعيد الفطر؛ أثّرت زيادة الأسعار على القدرة الشرائية لدى نسبة كبيرة من شرائح المجتمع، ويعزو التجار ارتفاع السلع والمواد الأساسية لتذبذب سعر صرف العملات الأجنبية، فقد وصل سعر الدولار الأميركي إلى عتبة ألفي ليرة سورية، لينخفض قليلاً ويسجل 1650 ليرة بالأسواق، الأمر الذي أشعل الأسعار وخفض من قيمة البيع والشراء.
ويعمل عبد الجليل، المتحدر من القامشلي، موظفاً في دائرة حكومية براتب شهري بحدود 50 ألفاً (تعادل 30 دولاراً أميركياً)، كانت الدهشة كبيرة على وجهه وهو يشاهد لوائح الأسعار ويبحث عن أصناف رخيصة دون فائدة، وقال: «في الأعياد السابقة كنا نتسابق على شراء أجود أنواع السكاكر والحلويات وشراء ملابس جديدة للأطفال لأنها بهجة العيد عندهم، بهذا العيد لا أستطيع حتى مشاهدة الأسعار»، ونقل أن أحد أبنائه يقيم في دولة أوروبية يرسل له شهرياً مبلغاً من المال ليدعم عائلته، ويضيف: «لولا مساعدته فإن راتبي لا يكفي نفقات أسبوع واحد فقط، فالأسعار جنونية ولا مقدرة لنا على شرائها».
وعلى خلاف كل سنة، خلت الأسواق من البهجة التي ترافق التحضيرات مع تراجع الإقبال عليها. ويعزو خالد، الذي يمتلك محلاً لبيع ملابس الأطفال الجاهزة بالسوق بالمركزية، ارتفاع الأسعار إلى أزمة ارتفاع الدولار وقرب تطبيق «قانون قيصر» الأميركي، وما تشهده دمشق من صراعات. وقال: «قسم كبير من البضائع يأتينا من دمشق وحلب، ومنذ أزمة رامي مخلوف وشركة (سيرتيل) ارتفعت الأسعار بشكل خيالي»، منوهاً بأن العديد من المصانع والشركات المصنِّعة للألبسة في دمشق قللت من كميات الإنتاج، الأمر الذي أثر سلباً على أسعارها»، وعلق قائلاً: «هذه الأوضاع ألهبت الأسعار ولا توجد حلول حقيقية لتجاوز الأزمة، معظم الناس فضلوا عدم شراء ملابس العيد على أن يؤمِّنوا حاجاتهم الأساسية مثل الطعام والشراب».
وأجبر ارتفاع أسعار مستحضرات العيد على العزوف عن شرائها كحال «منيرة» التي أعربت عن حزنها بالقول: «لا نشعر بالبهجة بقدوم العيد كما درجت العادة، فارتفاع الأسعار وتقلبها منذ أيام حرمنا من وجبات كثيرة كنا نشتهي أكلها بشهر رمضان، واليوم نعجز عن شراء مستلزمات العيد».
ودعت الإدارة الذاتية في بيان نُشر على حسابها الرسمي، أمس، المجتمع الدولي إلى ضرورة إعادة النظر في منع تأثر مناطق مكافحة الإرهاب بعقوبات «قانون قيصر»، وحمّلت النظام السوري مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية جراء تمسكه بمنطق العنف ونبذ الحوار والتوافق السوري، «هذه التداعيات التي ألقت بظلالها على النواحي كافة، بما فيها النواحي الاقتصادية من خلال حزمة العقوبات الأميركية التي ستتم فرضها على سوريا»، وأشارت إلى أن عقوبات قانون قيصر ستؤثر على كل المناطق السورية بما فيها مناطق الإدارة الذاتية، «لأنها جزء من سوريا كون التعاملات مع الداخل قائمة وتتأثر بهذه العقوبات في كل القطاعات؛ هذا بحد ذاته يخلق تبعات سلبية على مناطقنا ويخلق مشكلات كبيرة».
ورأت فوزة يوسف القيادية بالهيئة التنفيذية لـ«حركة المجتمع الديمقراطي»، إحدى أبرز الجهات السياسية التي تدير منطقة شرق الفرات، أن دمشق أمام خيارين: «إما قبول الحل السياسي والتخلص من هذا الخناق، وإما أن تعيش تجربة بغداد عندما تمت معاقبة نظام صدام حسين في تسعينات القرن الماضي وأُنهكت قوته حتى أُطيح به سنة 2003»، وأشارت إلى أن الإدارة الذاتية ستكون أمام امتحان جديد بسبب تداعيات «قانون قيصر». وأضافت: «لقد نجحت في مواجهة عدة محن بالفترة السابقة منها تفوقها على (داعش) وقدرتها على التعامل مع جائحة (كورونا)، والحفاظ على نفسها رغم الهجوم الشرس من تركيا وفصائلها الموالية».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.