تُفرح المخرج السوري سامر البرقاوي تقييمات مُنصفة تُقدِّر جهده وتضعه في المكانة اللائقة. لكنها ليست هاجسه، بقدر أنْ تُشكّل الصورة تعبيراً كاملاً عن أفكاره. منذ اختياره المهنة، وعمله جارٍ على تطوير الأدوات لتسهيل تناول المواضيع الأكثر تعقيداً. أكّد «تاج» الرمضاني تألّقه، حين صوَّر الجمال على أصنافه: المكان والمشهد والوجوه والتحوّلات.
يُصارح «الشرق الأوسط» بأنّ شيئاً لم يكن ليتحقّق لولا الجهد الجماعي: «نصّ الكاتب عمر أبو سعدة، والممثل تيم حسن، والمنتج صادق الصبّاح. إنه لقاء الجهود. هذه الشراكة بدأت في (الزند/ رمضان 2023) واستمرَّت بـ(تاج). ظروفها مكتملة ونتائجها مُحبَّبة. وإذا كانت مثمرة، فلا مانع أن تستمرّ».
يحلو سؤال المخرجين عن حجم سُلطتهم. أهي مُطلقة؟ ثقل العمل تحمله أكتافهم، فكيف يتعاملون مع الأحمال؟ السُلطة عند سامر البرقاوي مُطلقة «لأنّ المسؤولية مُطلقة أيضاً». يقرّ بتحمُّل المخرج «التبعات بالدرجة الأولى»، ويقول: «من موقعه، يملك الحقّ والرؤية، ويُساءَل عنهما في النهاية. هذا واقع مهنة الإخراج وكيفية النظر إليها. ثمة حقوق وواجبات يوضع أمامها. لا بدّ من صلاحيات يفوّضها إليه شركاء العمل. وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل».
يدرك قيمة الجهود الإبداعية حين تتيح لمشروع أن يشعّ، ويتحدّث عن «العمل الجماعي المهمّ في تكريس النجاح». ولكن، هل يعني ذلك أنّ هذه الثلاثية (البرقاوي - تيم حسن - الصبّاح)، يُضاف إليها نصّ أبو سعدة، على طريق التكرُّس، وأنّ المُحاوَر بات يتوجَّس من أي مغامرات خارجها؟ جوابه أنّ الظرف هو ما يجمع الشركاء على طاولة، وأيضاً «الهواجس المشتركة». فالتركيبة مهمومة بالعطاء الكامل لبلوغ الغاية؛ وهي الفرادة وصناعة الفارق.
يُصرّ على أنّ العملية الإبداعية ليست مسألة يُحدّدها الرقم: «في الرياضة، ثمة الأول والثاني وسائر المراتب. الفنّ شأن آخر. هنا الهواجس تتعلّق بالطموح. تتلمذتُ في مدارس متنوّعة قائمة على التباين. من خلالها، تعلّمتُ بناء طرق تعبيري الخاصة وفهمي الخاص للمهنة. ما دمتُ قادراً على إيصال هذا الفهم للمُشاهد، فذلك أبلغ تأكيد على نجاحي».
بالتوازي، تُدغدغ المدائح مَن يعملون بوفاء. لا يخفي سامر البرقاوي أنّ آراء حول جهوده تمنحه الدافع وتُحرّض على مزيد من إثبات القدرات، لكنها ليست وحدها معيار التفوُّق: «التقدير يُغريني، إنْ حرَّك ما أطمح إليه على مستوى علاقة الصورة بالتعبير».
السنوات؛ أتُصعِّب المَهمَّة أم تُسهِّلها؟ الخبرة الطويلة، تُذلِّل شقاء حاملي الكاميرات؟ يجيب: «المَهمّة تصعُب لتأثُّرها بعاملين: الظرف العام المرتبك، وتطلّبات المُشاهد المتكاثرة مع الانفتاح البصري». يدرك أنّ للدراما العالمية مدارس متطوّرة تفرض اتّساع حجم الاستحقاقات. ولأنّ المنطقة مشتعلة والأحوال قدرها التقلّبات، يصبح تأمين مسارح العمل شاقاً، والوصول به إلى النور أقرب إلى مرارات.
أين حدود تدخُّل المخرج في النصّ؟ يوضح أنّ المسألة تتخطّى كونها مزاحمة، لانعقاد طاولة حوار تجمع الشركاء حول العطاء الأفضل. يقول: «نسمّيه مطبخ الأعمال أو خليّة، من دون أن يعيب على المشروع أن يقدّم الواحد منا مقترحاً وتتبنّاه الأطراف الأخرى، ما دام جامعاً. ولا يعيب على المخرج أن يُكلَّف بفكرة ويشعر أنه يتبنّاها. لكنني، ومنذ مدّة غير قريبة، ما عدتُ أُكلَّف بقدر ما أشارك في بناء المشروع حول الطاولة هذه».
يعمل مع محترفين يدركون حقيقة المسافة بين المخرج وأدواته وعناصر العمل الفنّي، فيحترمون مكانته ووظيفته في التصويب والتعديل. الوعي والحرفية يُجنّبان الطرفين سوء الفهم، فيُعقّب: «تراكم الأعمال مع ممثل يتيح تلاشي الملاحظات مع الوقت. في اللغة المحكية نقول (بيفهم عالطاير). هذه خلاصة مراكمة التجارب».
يستوقفه مزاج المتلقّي المتأثّر بالمواكبة التقنية، بينما يجيب عن سؤال أبرز التحدّيات المهنية المُحتَملة مواجهتها. ينفي أن تتّخذ هذه التحدّيات شكلاً ثابتاً أو ملامح واضحة، لارتباطها بالظروف الكبرى والمحدودة. فإنْ كانت الأولى تشمل الاحتراق العام، فإنّ المحدودة تعني اختيار مكان التصوير والعقبات المُراد تذليلها، وحجم الأيدي الممدودة للمساعدة.
وماذا عن الشرط الإنتاجي؟ قدَّمت «الصبّاح» مسلسل «تاج» بضخامة قلّما تحدُث، فهل يعني أنها المعيار الثابت لجميع المشاريع المقبلة؟ وما موقفه إنْ تواضع الإنتاج بعدما خَبِر الوفرة والسخاء؟ يشرح أنّ الشرط الإنتاجي قد تفرضه الجهة العارضة، تزامناً مع شركة لها تاريخها العريق، فلا تتنازل عن الجودة. لا يشطب من خياراته احتمال توقيع عمل أقل إبهاراً إنتاجياً، ما دام يراعي شرطه الأهم: «احترام المُشاهد». يقول: «ليس هاجسي الارتباط بعمل ضخم، بل إنّ الأعمال تباعاً اتّخذت هذا المسار. الفكرة تتقدَّم، ثم يأتي الإنتاج لخدمة الأفكار. الإمكانات الأقل تفرضها الأفكار، ويصحُّ العكس».
ينظر إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟». يطرح أسئلة المستقبل. يشغله تجديد أدواته والاكتراث لديناميكيتها، وزيارة أماكن لا تتشابه لامتحانها. لا مفرّ من الإحساس بالأخطاء ومحاولة استدراكها، لكنّ البحث عن المختلف هو المُحرّك. من هنا يجيب عن سؤال الإنتاج: «الهاجس فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً. استحقاقات محاكاة الراهن تنتقل لاحقاً إلى استحقاق إنتاجي». طاولة الحوار شاهدة على اجتماعات مكثّفة حول ما سيقدَّم في رمضان المقبل.