برایان هوك: سيلقى قاآني مصير سلفه إذا استمر في النهج نفسه

حثّ في حديث لـ «الشرق الأوسط» مجلس الأمن على إدانة «الهجوم الإيراني» على منشأتي النفط السعوديتين

المبعوث الأميركي الخاص بإيران برايان هوك (رويترز)
المبعوث الأميركي الخاص بإيران برايان هوك (رويترز)
TT

برایان هوك: سيلقى قاآني مصير سلفه إذا استمر في النهج نفسه

المبعوث الأميركي الخاص بإيران برايان هوك (رويترز)
المبعوث الأميركي الخاص بإيران برايان هوك (رويترز)

في أحد أروقة «دافوس» المزدحمة، قابلت «الشرق الأوسط» المبعوث الأميركي الخاص بإيران، الذي رافق الرئيس دونالد ترمب ووفده إلى المنتجع الشتوي السويسري للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي. وبينما خصص المنتدى عدة جلسات لبحث التصعيد في الشرق الأوسط، وجّه برایان هوك رسالتين مختلفتين للشعب الإيراني ولنظامه، الأولى رسالة تطمين باستمرار الدعم الأميركي للمتظاهرين «الشجعان»، والثانية تهديد لقائد «فيلق القدس» الجديد في «الحرس الثوري» الإيراني إسماعيل قاآني. إذ قال هوك إنه في حال واصل قاآني نهج سلفه قاسم سليماني بقتل الأميركيين، فإنه سيلقى المصير نفسه.
واستعرض هوك أربع ركائز لأي اتفاق دولي مستقبلي مع إيران، والذي أطلق عليه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اسم «اتفاق ترمب»، تشمل منع طهران من تخصيب اليورانيوم، وإنهاء تجاربها الصاروخية الباليستية، ووقف تمويل وكلائها الإقليميين وتزويدهم بالسلاح، وإنهاء سياسة احتجاز الرهائن.
كما حثّ هوك مجلس الأمن على إدانة الاعتداء على منشأتي النفط السعوديتين في بقيق وخريص في سبتمبر (أيلول) الماضي، مؤكداً قرب تقديم الحقائق ودلائل ضلوع إيران في الهجوم. كما أكد أن سياسة الضغوط القصوى التي تعتمدها بلاده في التعامل مع إيران «أحدثت فرقاً»، وعرقلت قدرة النظام ووكلائه على شن هجمات.
وفيما يلي نص الحوار:
> الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) أطلقت آلية فض النزاع مع إيران، لكنها ترفض الانضمام إلى حملة الضغوط القصوى الأميركية. ألا تدخل الآلية في إطار هذه الضغوط؟
- رحّبنا بإطلاق الدول الأوروبية الثلاث آلية فض النزاع. النظام (الإيراني) خرق الاتفاق (النووي) عدة مرات، لدرجة أنه لم يبق الكثير للحفاظ عليه في هذا الاتفاق. رئيس الوزراء البريطاني (بوريس) جونسون، دعا إلى استبدال الاتفاق النووي بـ«اتفاق ترمب». نعتقد أن ذلك أفضل مسار لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، وهو مسار أفضل من الاتفاق النووي.
الخروج من الاتفاق النووي يضع الدول (الأطراف) في موقف قوة، لضمان ألا تحصل إيران على السلاح النووي أبداً. كما سيتيح ذلك للدول، كما نفعل نحن، اعتماد نهج شامل لمعالجة التهديدات، التي تشمل البرنامجين النووي والصاروخي، والعداء الإقليمي، والسياسة التوسعية، واحتجاز الرهائن. لا نستطيع إحداث فرق في الشرق الأوسط إلا باعتماد مقاربة شاملة. والخطأ الكبير في الاتفاق النووي، ضمن الكثير من الأخطاء، هو مقاربته الضيقة.
> بعد العملية الأميركية التي استهدفت سليماني، ذكرت تقارير أن الرد الأوروبي الأولي جاء محبطاً لواشنطن، ما صحة ذلك؟ وهل هددتم الأوروبيين بفرض رسوم جمركية إن رفضوا دعمكم؟
- لن أعلق على الأحاديث الثنائية مع الأوروبيين. لكننا حصلنا على دعم واسع للعمل الدفاعي الذي قمنا به لحماية دبلوماسيين وجنود أميركيين، وللحؤول دون حصول هجوم واسع ووشيك كان يخطط له سليماني على دبلوماسيين وجنود أميركيين في المنطقة. حيّدنا أخطر إرهابي في العالم من ساحة المعركة. نتيجة لذلك، ستصبح المنطقة أكثر أمناً، لأن سليماني كان «الصمغ» الذي يجمع وكلاء إيران في المنطقة، وموته سيخلق فراغاً لن يتمكّن النظام (الإيراني) من ملئه.
> الاتفاق النووي يدخل عامه الخامس، بمعنى أنه قد يتم رفع الحظر على تصدير الأسلحة لإيران في أكتوبر (تشرين الأول) 2020. هل تنوون التحرك في مجلس الأمن لتفادي ذلك؟
- هذه في الحقيقة مشكلة جماعية. الدولة الأولى عالمياً في رعاية الإرهاب ستحظى برفع الحظر الأممي المفروض على الأسلحة خلال 9 أشهر. والطريقة الوحيدة لإيقاف ذلك هي إما عبر انهيار الاتفاق النووي، أو مصادقة مجلس الأمن على قرار يجدّد هذا الحظر. ومن الصعب معرفة أيهما سيحصل أولاً، لكن ينبغي على مجلس الأمن التحرك قبل أكتوبر.
أثرنا هذه القضية منذ أكثر من سنة. فمن أبرز أوجه القصور في هذا الاتفاق النووي، هو أنه في العام الخامس (من توقيعه)، يتم رفع الحظر الأممي على الأسلحة. لا أعلم من كان يعتقد أن هذه فكرة جيدة... ربما كانت النظرية هي أنه بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاق النووي، سيصل المعتدلون إلى السلطة. هذا سخيف. فالنظام الإيراني لا معتدلين فيه، المرشد الأعلى هو المسؤول، ويُسمّى مرشداً أعلى لـ(هذا) السبب. وهو ليس معتدلاً، بل متشدد يتّخذ القرارات. وبالتالي، فنحن نحكم على النظام بأفعاله وليس بما يقوله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
> أشرتم إلى ما سمّاه جونسون «اتفاق ترمب»، حدّثنا قليلاً عن شكل هذا الاتفاق؟
- («اتفاق ترمب») يضمن ألا تجد إيران مساراً إلى السلاح النووي عبر منع التخصيب (أي تخصيب اليورانيوم). وهو ما كانت تعتمد عليه الأمم المتحدة قبل الاتفاق النووي. وهنا وجه قصور آخر للاتفاق، وهو أنه أنهى العمل بقرار أممي صودق عليه بالإجماع يمنع إيران من التخصيب.
أكثر من نصف الدول التي لديها برنامج نووي سلمي (لأغراض طاقية) لا تُخصّب. والإمارات مثال على ذلك. وهذه هي القاعدة التي ينبغي الاعتماد عليها في إيران وفي منطقة الشرق الأوسط المتقلّبة.
إلى جانب منع التخصيب، ينبغي على الاتفاق الجديد أن يشمل منع التجارب الصاروخية الباليستية، التي كانت محظورة أممياً قبل توقيع الاتفاق النووي. كما ينبغي أن تلتزم إيران بوقف تمويل وكلائها الإرهابيين في المنطقة، وتزويدهم بالصواريخ والقذائف. إلى ذلك، يجب أن ينهي النظام سياسية احتجاز الرهائن، التي اعتمدها لمدة 40 عاماً.
> إيران عيّنت قاآني خليفة لسليماني على رأس «فيلق القدس»، ماذا تعرفون عنه، هل سيعتمد استراتيجية مختلفة عن سلفه، وهل تلقيتم تهديدات منه؟
- إن واصل قاآني نهج قتل أميركيين، فإنه سيلقى المصير نفسه. كان الرئيس ترمب واضحاً، منذ سنوات، أن أي هجوم على الأميركيين أو المصالح الأميركية سيقابل بردّ حاسم، كما أظهر الرئيس في 2 يناير (كانون الثاني) الماضي. وبالتالي، فإن هذا ليس تهديداً جديداً، إذ لطالما قال الرئيس إنه سيرد بحسم لحماية المصالح الأميركية.
وأعتقد أن النظام الإيراني يفهم الآن أنه لا يستطيع مهاجمة أميركا والنجاة بفعلته. سنحمّل النظام ووكلائه مسؤولية أي هجوم على الأميركيين أو المصالح الأميركية في المنطقة.
> المصالح الأميركية فقط؟ ماذا عن الحلفاء في المنطقة؟
- لا، فقد تحدثنا كذلك عن حلفائنا في السابق، ونعمل عن كثب معهم. وبالتالي، فإن الرد لا يقتصر على ذلك (أي على اعتداء إيراني على المواطنين والمصالح الأميركية).
> ما الجديد في التحقيق بشأن الهجوم على منشأتي النفط في بقيق وخريص؟ هل نتوقّع صدور النتائج قريباً؟
- هناك دور يجب أن يلعبه مجلس الأمن، لإدانة إيران لخرقها سيادة السعودية. كان ذلك هجوماً غير مبرر من طرف النظام الإيراني ضد السعودية في 14 سبتمبر (أيلول) الماضي. وينبغي على مجلس الأمن إدانته، ونستمر في العمل مع المجلس. وأعتقد أن السعودية تقترب من إنهاء التحقيق وفحص المواقع حتى تستطيع تقديم الحقائق وإثبات أن الهجوم صدر من إيران.
> هل تغيير النظام خيار مطروح لديكم في حال فشلت حملة الضغوط القصوى والمحاولات الدبلوماسية في تغيير سلوك إيران؟
- لقد غيّرنا سلوك النظام بالفعل عبر منعه من الأموال اللازمة لتمويل الاعتداءات، ومنع وكلائه من تنفيذ الكثير من عملياته لأننا عززنا وجود قواتنا في المنطقة، فضلا عن مراقبتنا الاستخباراتية. كما هناك اليوم قوة بحرية دولية تقوم بدوريات في مياه مضيق هرمز.
لا يعني ذلك أننا قضينا على قدرة إيران على شن هجمات، لكن سياستنا الجديدة تحدث فرقاً. فلم يسبق للنظام أن كان بهذا الضعف المالي في 40 سنة من تاريخه، أو تحت هذا الكم من الضغوط السياسية الداخلية. وهذه نتيجة لسياسات الرئيس الأميركي تجاه إيران.
> عبرت الولايات المتحدة عن دعمها للمتظاهرين الإيرانيين، هل تعتقدون أنهم يرحّبون بهذا الدعم؟
- نعلَمُ أنهم يرحّبون به. وتغريدة الرئيس ترمب باللغة الفارسية حطّمت أرقام «تويتر» القياسية.
عندما ننظر إلى مظاهرات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نرى إيرانيات شجاعات تُمزّقن رايات «الموت لأميركا»، كما نرى متظاهرين شجعان يحرقون صور المرشد الأعلى ويمزقون صور قاسم سليماني. أعتقد أن الإعلام الدولي لا يقوم بعمل جيد في نقله للمعتقدات الحقيقية للشعب الإيراني، فهم (الإيرانيون) يكرهون هذا النظام ويحبون أميركا، ويودّون أن يشهدوا شراكة بين إيران والولايات المتحدة. الشعبان الإيراني والأميركي يتقاسمان الكثير، وهذا النظام فرّقنا خلال 40 عاماً.
سنستمر في دعمنا للشعب الإيراني. الدول عبر العالم لا تبذل جهوداً كافية للوقوف إلى جانب الإيرانيين، وهم أكثر من عانى من النظام. ونود أن نرى المزيد من الدول تحذو حذونا، وتقف مع الإيرانيين وضد النظام الإيراني.
> فيما يتعلق بحادث إسقاط الطائرة الأوكرانية، هل تتعاونون مع كندا وأوكرانيا وغيرهما لضمان تحقيق شفاف فيما حصل؟
- الإيرانيون اعترفوا بأنهم أسقطوا الطائرة. عزوف النظام عن إغلاق مطاره التجاري في الوقت الذي يطلق فيه صواريخ على دولة أخرى، يتحدّى أي تفسير. النظام قتل الكثير من الإيرانيين الأبرياء، سواء من المتظاهرين في نوفمبر أو في الطائرة الأوكرانية. نريد أن يبدأ المرشد الإيراني في اتّخاذ قرارات أفضل لشعبه.
وزارة المالية الأميركية منحت استثناءات من العقوبات على إيران لدعم من يريد المساعدة في التحقيق في حادث سقوط الطائرة، كما منحنا يد المساعدة عدة مرات للشعب الإيراني في وقت الأزمات، ونحن ننتظر ما إذا كان النظام سيقبلها.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية السعودي يبحث تعزيز التعاون مع رئيس «دافوس»

الخليج وزير الخارجية يستقبل مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (الشرق الأوسط)

وزير الخارجية السعودي يبحث تعزيز التعاون مع رئيس «دافوس»

 استقبل الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، في مقر الوزارة بالرياض، الاثنين، مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» كلاوس شواب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد 
جانب من انطلاق فعاليات المنتدى العالمي الاقتصادي في الرياض أمس (واس)

مشاركة دولية واسعة في «دافوس الرياض»

انطلقت في العاصمة السعودية الرياض، أمس (الأحد)، أعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي، برعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، وبمشاركة دولية واسعة.

هلا صغبيني ( الرياض) مساعد الزياني ( الرياض )
الخليج ولي العهد السعودي مستقبلاً أمير الكويت اليوم في الرياض (واس)

محمد بن سلمان يستعرض التطورات وتعزيز العلاقات مع مشعل الأحمد والسوداني

التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع أمير الكويت ورئيس الوزراء العراقي كل على حدة وذلك على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي المنعقد في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مشاركون في حلقة نقاش جانبية خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض في 28 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

حزمة مشاريع عراقية جاهزة للتنفيذ تعرض خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض

قال مصدر حكومي مطّلع إن العراق سيقدم خلال المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في الرياض حزمة من المشاريع الجاهزة للتنفيذ أمام كبريات الشركات المشاركة في المنتدى.

حمزة مصطفى (بغداد)
الاقتصاد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي وعدد من المعنين بالتحضير للمنتدى (صفحة وزارة الاقتصاد والتخطيط على «إكس»)

تحضيرات اجتماع منتدى الاقتصاد العالمي في الرياض بين الإبراهيم وبرينده

ناقش وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغي برينده، التحضيرات الجارية للاجتماع الخاص بالمنتدى الذي سيُعقد في المملكة في…

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«إسرائيل في ورطة»... تداعيات قانونية وسياسية لمذكرة اعتقال نتنياهو

TT

«إسرائيل في ورطة»... تداعيات قانونية وسياسية لمذكرة اعتقال نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يحضران حفلاً في قاعدة عسكرية في أكتوبر الماضي (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يحضران حفلاً في قاعدة عسكرية في أكتوبر الماضي (رويترز)

أثار قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، على خلفية «جرائم حرب في قطاع غزة»، تساؤلات بشأن تداعيات الحكم، وإمكانية تنفيذه، والوضع القانوني لإسرائيل أمام المؤسسات الدولية.

وتشكل مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت، التي تأتي بعد نحو 6 أشهر من جمع المدعي العام كريم خان، لأدلة التوقيف، وفق خبراء بـ«الجنائية الدولية» والقانوني الدولي، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «إحراجاً كبيراً وإدانة غير مباشرة لإسرائيل»، ويترتب عليها إلزام 124 دولة عضوة بالمحكمة بتنفيذها، ما سيضع إسرائيل تحت ضغط دولي، فضلاً عن أنه يدعم تحركات بعض الدول لوقف تصدير السلاح إليها وربما مقاطعتها.

وبينما رأى البعض أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا عضوتين بالمحكمة، ولن تستجيبا للتنفيذ، وأن واشنطن لا تملك أي تأثير على المحكمة كونها مستقلة، قال آخرون إنهما قد تمارسان ضغوطاً سياسية على دول بعينها لعدم الاستجابة للقرار.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، وغالانت، مرجعة ذلك إلى أن هناك «أسباباً منطقية للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم تشمل استخدام التجويع سلاح حرب والقتل والاضطهاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية»، موضحة أن «قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري».

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان أصدر بياناً، في مايو (أيار) الماضي، يقول فيه: «استناداً إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحمّلان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التالية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة) بدءاً من الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وإلى اليوم».

وتأسّست المحكمة عام 2002 بتأييد أممي لمحاكمة الأفراد والمسؤولين عن جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، وتم اعتماد نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة عام 1998، وليس لديها شرطة، وتعتمد على الدول الأعضاء التي ليس من بينها إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والصين لتنفيذ مذكرات الاعتقال.

نتنياهو وغالانت خلال مؤتمر صحافي سابق في قاعدة «كيريا» العسكرية في تل أبيب (رويترز)

تداعيات القرار

ويترتب على مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت، وفق الخبير القانوني الدولي البريطاني ماثيو روبنسون، تقييد السفر إلى الدول الموقعة على نظام روما الأساسي لا سيما بأوروبا وأفريقيا، ما قد يؤدي إلى تحديات دبلوماسية وعملية كبيرة للمشتبه بهما عند السفر إلى الخارج بخلاف الولايات المتحدة التي لم توقع على قانون المحكمة وقد تستقبلهما.

ورغم أن المحكمة ليست لديها قوات أو تتمتع بقدرات اعتقال، فإنها بحسب الأكاديمي الفلسطيني المتخصص في القانون الدولي الدكتور أمجد شهاب، لها ولقرارها رمزية كبيرة ستعطي دفعة لتشجيع الدول التي وقعت ميثاق روما وتتجاوز 120 دولة للضغط على إسرائيل، فضلاً عن أنها تحرج نتنياهو على المستوى الدولي، وتحد من قدراته في التنقل بين الدول، وتضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك حال عدم الالتزام بها.

ويعتبر محامي الضحايا الفلسطينيين في المحكمة الجنائية، خبير القانون الدولي، عبد المجيد مراري، أن قرار المحكمة يحمل «تداعيات قانونية مهمة جداً بداية من أنه غير قابل للاستئناف ونهائي ولا يمكن الطعن فيه وفق مواد نظام روما».

ويرجح أن يشل القرار تحركات نتنياهو وغالانت في الدول الموقعة على تنفيذ المذكرة، خاصة مع صدور مواقف إيجابية من فرنسا وهولندا وإسبانيا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي عقب القرار، مؤكداً أنه وضع إسرائيل في ورطة، خاصة أنه لا يسقط بالتقادم ولا توقفه الحصانة، ويعتبر «إدانة غير مباشرة لها بشأن ارتكاب جرائم حرب».

ويتوقع خبير القانون الدولي في باريس، الدكتور مجيد بودن، أن يُحدث استجابة من دول عديدة لا سيما في الاتحاد الأوروبي لقرار المحكمة الوجوبي بجانب دول في آسيا وأفريقيا، ما يضع نتنياهو خاصة تحت خطر التوقيف، مؤكداً أن القرار هزّ صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي وسيؤثر عليه سياسياً.

تقليل إسرائيلي

في المقابل، حملت الردود الإسرائيلية تقليلاً من المحكمة وتأثير قرارها، وقال مكتب نتنياهو، في بيان: «قرار الجنائية الدولية معاد للسامية... إسرائيل ترفض التهم السخيفة والكاذبة الموجهة إليها»، وتوقعت هيئة البث الإسرائيلية، أن نتنياهو وغالانت لن يتمكنا «على ما يبدو» من زيارة أكثر 120 دولة، بعد القرار.

ولأول مرة منذ شهور تتفق المعارضة مع نتنياهو، حيث غرد زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، قائلاً: «ندين قرار المحكمة في لاهاي، أوامر الاعتقال هذه هي مكافأة للإرهاب»، واعتبرها وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير الطاقة إيلي كوهين «معادية للسامية».

ولن تجدي تلك الانتقادات الإسرائيلية أو إعلانها بعدم الاختصاص لعدم المصادقة على نظام روما بشأن تغيير مسار القرار، وفق الخبير روبنسون، مؤكداً أن القرار يزيد من ضعف الموقف القانوني والدبلوماسي لإسرائيل داخل المؤسسات الدولية، وقد يعطي دفعة لتكثيف دعوات مساءلتها من قبل هيئات مثل الأمم المتحدة والدول التي تنتقد بشدة أفعالها العسكرية في غزة وإمكانية وقف تصدير السلاح.

خيارات واشنطن

بايدن ونتنياهو خلال زيارة الرئيس الأميركي لتل أبيب في 18 أكتوبر 2023 (أ.ب)

وعلى خطى حليفتها إسرائيل، رفضت واشنطن القرار، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إن الولايات المتحدة «ترفض بشكل قاطع قرار المحكمة»، مضيفاً: «لا نزال قلقين بشدة بسبب إسراع المدعي العام لإصدار مذكرات اعتقال وبسبب أخطاء العملية المثيرة للقلاقل التي أدت إلى هذا القرار، وسنبحث الخطوات المقبلة مع شركائنا»، وفق ما نقلته «رويترز» الخميس.

ويستبعد روبنسون أن تمنع واشنطن تنفيذ المذكرة بآليات قانونية، قائلاً إنها «لم تصادق على نظام روما»، مستدركاً: «في حين لا تستطيع المنع بشكل مباشر من خلال الآليات القانونية، فإنها يمكن أن تؤثر على النتائج سياسياً عبر استغلال قوتها الدبلوماسية في كثير من الأحيان لحماية حلفائها مثل إسرائيل من العواقب القانونية الدولية والضغط ضد التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بين حلفائها، ودعم التدابير المضادة لتحدي اختصاص المحكمة».

وسيتبلور الموقف الأميركي من المحكمة «مع وصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب وقرارته بشأن المحكمة، في يناير (كانون الثاني) المقبل، ولن تستطيع إدارة جو بايدن وهي تستعد للمغادرة فعل شيء مؤثر»، وفق روبنسون. ويوضح الفلسطيني شهاب، أن «ما صدر من المحكمة مذكرة اعتقال وليست لائحة اتهام أو قرار إدانة، ولا يمكن لواشنطن الاعتراض أو الطعن عليها، ولا يوجد غير طريقة وحيدة لاستئنافها وهي ذهاب المتهمين لمقر المحكمة والمثول أمامها، وهذا مستبعد».

ولا يوجد أي ولاية للولايات المتحدة على المحكمة، وفق تقدير محامي الضحايا الفلسطينيين في المحكمة الجنائية، عبد المجيد مراري، فيما يتوقع الخبير بودن، أن تحدث ضغوط على المحكمة وتأثيرات ما بعد القرار، مشيداً بشجاعتها في إصدار مثل هذا الموقف الذي لا يمكن التراجع عنه مهما كانت التحركات ضدها. وبشأن مستقبل تنفيذ القرار، يعتقد شهاب، أن الطريق لا يزال طويلاً ويتوقف على التزام الدول الأعضاء بالمحكمة.